Article - The Prison Intifada: Supporting Palestinian Administrative Detainees

ملخص تنفيذي

نظرة عامة 

دأب النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي على استخدام سياسة الاعتقال الإداري كأسلوب لسجن الفلسطينيين، حيث يستطيع بموجبها أن يحتجزَ الفلسطينيين وقتما شاء وإلى أجل غير مسمى، دون تهمة أو محاكمة. وهو يستخدمها على نطاق واسع وتعسفي بما يسمح له بتجريم العمل الاجتماعي والسياسي الفلسطيني، وإجهاض المقاومة الفلسطينية للعنف الاستعماري المستمر من خلال تصوير هؤلاء الفلسطينيين كخطرٍ على “أمن” إسرائيل و”نظامها العام.” 

استخدمت إسرائيل الاعتقال الإداري منذ الأيام الأولى من نشأتها الاستيطانية، وما انفك المعتقلون إداريًا يطالبون بإيقاف هذه الممارسة، مُبرزين الأذى الذي تُلحقه بهم وبأسرهم. وفي 1 كانون الثاني/يناير 2022، أعلن المعتقلون الإداريون المحتجزون في السجون الإسرائيلية، البالغ عددهم آنذاك نحو 500، مقاطعَتهم الجماعية للمحاكم العسكرية ودعوا محاميهم إلى عدم حضور جلسات المحكمة أو الانخراط في الإجراءات القضائية المتعلقة باحتجازهم. وكانت هذه المقاطعة، التي انتهت في 27 حزيران/يونيو 2022،1 استمرارًا للنضال الفلسطيني المستمر لعقود ضد سياسات الاعتقال الإسرائيلية والذي يشمل أيضًا الإضرابات عن الطعام، ورفض سياسات مصلحة السجون، وضروبًا من الإنتاج الثقافي من داخل الأَسر.

تُبيِّن هذه الورقة السياساتية سياقَ الاعتقال الإداري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، تاريخَه وخلفيتَه القانونية، وتشرحُ كيف ترتبط سياسته بإطار العمل العام في المحاكم العسكرية الإسرائيلية وتجريمها النشاطَ الفلسطيني. وتتناول المقاطعةَ الأخيرة التي نفذها المعتقلون ضد المحاكم العسكرية كردٍ واحد مما في جعبتهم من ردود على انتهاكات إسرائيل المنهجية لحقوقهم. وفي حين أن المقاطعة التي استمرت لأشهر لم تسفر عن إنهاء ممارسة الاعتقال الإداري، إلا أنها أكدت الحاجة إلى تحركٍ موحد من المعتقلين والناشطين والمحامين والقيادة السياسية الفلسطينية والمجتمع المدني المحلي والدولي ومنظمات حقوق الإنسان لبلوغ هذا الهدف.

الاعتقال الإداري الإسرائيلي في سياقه التاريخي والقانوني

في جميع أنحاء العالم، تلجأ الحكومات إلى اعتقال الأفراد إداريًا إذا اعتبرتهم “خطرًا أمنيًا،” وتبرر احتجازهم بأنه احترازي يهدف إلى إجهاض تهديدات محتملة قبل وقوعها. ويُجيز القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان للدول استخدامَ هذا الإجراء بموجب قوانين صارمةٍ ومحددة وظروف استثنائية، أي أن الاعتقال الإداري يُعدّ إجراءً متطرفًا يجب أن يخضع لأحكام قانونية صارمة وآليات رقابة. 

توحي عمليات المراجعة القضائية بوجود رقابة قضائية بينما تسمح لإسرائيل في الواقع بتجاوز الاجراءات القانونية التي يمكن من خلالها للمعتقلين ومحاميهم بالترافع حقًا Share on X

وعلى سبيل المثال، تسمح المادتان 42 و78 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) – التي صادقت عليها إسرائيل في 1951 – باستخدام الإجراءات الإدارية، بما فيها الاعتقال الإداري، فقط إذا لم يكن هناك مفرٌ منها للحفاظ على “أمن” الدولة. وبالمثل، فإن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – الذي صادقت عليه دولة الاحتلال في عام 1991 – يُجيز الاعتقال الإداري في ظروف استثنائية فقط.

نظام قانوني معقد 

يعود تاريخ استخدام الاعتقال الإداري في فلسطين إلى عهد الانتداب البريطاني، عندما تبنت الحكومة الاستعمارية نظام الدفاع (الطوارئ) لعام 1945، وفرضت بموجبه الأحكام العرفية في فلسطين. وسمحَ النظام للحكومة الاستعمارية بإنشاء محاكم عسكرية حسب الاقتضاء. وتبنى النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي عند نشأته في 1948 نظام الطوارئ، وسنَّ قوانين مختلفة على مر السنين للسماح بالاحتجاز المطول للفلسطينيين بذريعة الحفاظ على “الأمن” و”النظام العام”. 

يَستخدم النظام الإسرائيلي في الوقت الحاضر ثلاثة قوانين وأوامر منفصلة لتبرير الاعتقال الإداري وتسهيل تنفيذه ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، الداخل الفلسطيني وغزة:

1. الأمر العسكري رقم 1651، بشأن التعليمات الأمنية [صيغة موحدة]،2 الذي يُجيز لقائد قوات الاحتلال الإسرائيلي، أو القادة الذين يفوضهم، إصدارَ أوامر اعتقال إداري بحق فلسطينيين من الضفة الغربية لفترات لا تتجاوز ستة أشهر يمكن تجديدها إلى أجل غير مسمى. ويسمحُ هذا الأمرُ العسكري لقاضي المحكمة العسكرية باستلام الأدلة في غياب المعتقلين ومحاميهم، وعدم الإفصاح عنها إذا اقتنع القاضي بأن الكشف عنها “قد يضر بأمن المنطقة أو الأمن العام،” ويحول بذلك من تحقيق أي شكلٍ من أشكال الدفاع القانوني.

2. قانون اعتقال المقاتلين غير الشرعيين، الذي يسمح لإسرائيل باحتجاز الفلسطينيين في غزة إلى أجل غير مسمى، ويُعرّف “المقاتل غير الشرعي” بأنه شخص لا يستحق مكانة أسير الحرب، ومنخرط في “أعمال عدائية” ضد إسرائيل، أو عضو في قوة منخرطة في “أعمال عدائية” ضد إسرائيل.

بخلاف القوانين العسكرية المطبقة على سكان الضفة الغربية التي تحدد مدة كل أمر اعتقال، فإن احتجاز “المقاتلين غير الشرعيين” ليس مقيدًا بزمن. ولا تنتهي مدة الاعتقال إلا إذا اعتقد وزير الدفاع الإسرائيلي أن الظروف التي تبرره لم تعد قائمة. وبموجب هذا القانون، يجب أن يَمثُلَ المعتقلون أمام محكمة محلية إسرائيلية في غضون مدة لا تتجاوز 14 يومًا بعد اعتقالهم، وإذا صدرَ أمر، وجبَ عرضهم على المراجعة القضائية كل ستة أشهر. والقضاة بموجب هذا الأمر غير مطالبين بعرض الأدلة في المداولات بذريعة “سرية” الأدلة التي لا يمكن الكشف عنها لاعتبارات “أمنية”.

3. قانون صلاحيات ساعة الطوارئ (اعتقالات) لسنة 1979 النافذ داخل أراضي 1948 والقدس لاعتقال المقدسيين الفلسطينيين والفلسطينيين المواطنين في دولة الاحتلال. يسمح هذا القانون لوزير الدفاع الإسرائيلي بإصدار أوامر اعتقال لفترات قابلة للتجديد تصل إلى ستة أشهر، وقد تزايدَ استخدامها في الفترة التي أعقبت انتفاضة الوحدة عام 2021، والتي شهدت تعبئة واسعة النطاق في أوساط الفلسطينيين.

تُشكِّلُ هذه القوانين والأوامر الثلاثة جزءًا من الحرب القانونية المستمرة التي يشنها النظام الإسرائيلي على الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. فهي توسِّع عملَ المحاكم العسكرية الإسرائيلية بحيث تُعامِل الفلسطينيين كتهديد لا بد من إدارته، وتصبح حياتهم بسببها عرضةً لمراقبة وعقوبات مستمرة. ولكن بخلاف إجراءات المحاكم العسكرية، فإن هذه القوانين إذ تُشدِّد على مفاهيم حماية “الأمن” والمحافظة على “النظام العام” وتُلحّ في الاستشهاد بها، تسمح لإسرائيل بحبس الفلسطينيين دون الحاجة إلى عرض الأدلة أو تقديم المعتقلين إلى المحاكمة. وتعمل هذه القوانين فعليًا على معاقبة الفلسطينيين بسبب نشاطهم المدني والسياسي، محاولة ثنيهم عن مقاومة الاحتلال من خلال زرع الخوف والخضوع فيهم.

يتجسد الطابع التعسفي للاحتجاز الإداري في غياب آليات الرقابة القضائية الفعالة. بل إن المعتقلين الإداريين، بحسب شهاداتهم عمومًا، لا يُطلقُ سراحهم إلا بعد موافقة الشاباك، أي جهاز الأمن الإسرائيلي. وبخلاف الزعم الذي تدَّعيه المحاكم الإسرائيلية بأن أوامر الاعتقال تُراجَعُ قضائيًا، يشير المعتقلون الإداريون ومحاموهم دومًا إلى الدور المهيمن الذي يمارسه الشاباك في تحديد فترات الاحتجاز. وهكذا فإن عمليات المراجعة القضائية توحي بوجود رقابة قضائية بينما تسمح لإسرائيل في الواقع بتجاوز الاجراءات القانونية التي يمكن من خلالها للمعتقلين ومحاميهم بالترافع حقًا – رغم أن المحاكم العسكرية الإسرائيلية تفترض دائمًا بأن الفلسطيني “مذنب” وعليه أن يمثلَ أمام المحكمة ويصدر بحقه حكم. 

يتجلى ذلك أيضًا في الحالات العديدة للفلسطينيين الذين يوضعون رهن الاعتقال الإداري حين لا تتمكن السلطات الإسرائيلية من توجيه تهم إليهم في المحاكم العسكرية. وعلى سبيل المثال، اعتقل بشير خيري ذي الثمانين عامًا، في تشرين الأول/أكتوبر 2021، وعُرض على محكمة عوفر العسكرية. وبعد أكثر من شهر، وبسبب عدم قدرة المحكمة العسكرية على توجيه الاتهام إليه، أصدر المدعي العسكري الإسرائيلي أمر اعتقال إداري لمدة ستة أشهر بحقه، وجرى تجديده لفترة إضافية منذ ذلك الحين.3

الاعتقال الإداري في الواقع العملي

يُبرر النظام الإسرائيلي الاعتقالَ الإداري بأنه ضروري لأغراض “أمنية”. غير أن إسرائيل، في الواقع العملي، لا تراعي الضوابط التي يفرضها القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان على هذه الممارسة. وإنما تسعى من ورائه إلى إجهاض النشاط المدني والسياسي الفلسطيني، وقمع المقاومة، وبث الخوف في نفوس الفلسطينيين. أي أن إسرائيل لا تستخدم الاعتقال الإداري كإجراء “وقائي” في ظروف “استثنائية،” وإنما كسياسة جوهرية تلحق ضررًا مستديمًا بالمعتقلين الفلسطينيين وعائلاتهم والمؤسسات المدنية والسياسية الفلسطينية عمومًا.

بل إن إسرائيل تستخدم الاعتقال الإداري كضربٍ من ضروب الحرب النفسية، حيث تزج بالمعتقلين وعائلاتهم في حالة دائمة من الانتظار. وبما أن أوامر الاعتقال الإداري تقبل التجديد إلى أجل غير مسمى، فإن المعتقلين لا يعلمون أبدًا متى سيُطلَقُ سراحُهم. وفي كثير من الحالات، تُجدَّدُ الاعتقالات قبل ساعات فقط من انتهاء مدة سريان الأوامر. وهذا الواقع يحاكي، بحسب أحد المعتقلين، أسطورة سيزيف الإغريقية التي كُتبَ على بطلها المغضوب عليه أن يحمل صخرةً إلى قمة جبلٍ عالٍ، وما إن يبلغها حتى تتدرج الصخرة إلى الأسفل، ليُضطر إلى البدء تارةً أخرى. 

لا تستخدم إسرائيل الاعتقال الإداري كإجراء 'وقائي' في ظروف 'استثنائية،' وإنما كسياسة جوهرية تلحق ضررًا مستديمًا Share on X

تباين عدد الفلسطينيين المعتقلين إداريًا على مر السنين، حيث تشير التقديرات إلى أن ما مجموعه 14000 فلسطيني كانوا قيد الاعتقال الإداري الإسرائيلي إبان الانتفاضة الأولى، بينما تراوحَ عددُهم في الانتفاضة الثانية بين 700 و1000 معتقل إداري كل شهر. وردَّ النظام الإسرائيلي إبان انتفاضة الوحدة عام 2021 باستخدام مفرط في الاعتقال الإداري في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. وبحلول نهاية عام 2021 وحده، كان القائد العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية قد أصدرَ 1595 أمرَ اعتقالٍ إداري، شملت تجديد أوامر صادرة سابقًا ضد المعتقلين الفلسطينيين الحاليين. ومن بين الفلسطينيين المسجونين لدى إسرائيل في الوقت الحاضر والبالغ عددهم 4700 فلسطيني، هناك 640 معتقلٍ إداري، منهم أطفال وناشطون وعاملون في المجتمع المدني وأعضاء في المجلس التشريعي الفلسطيني. 

يُشكِّل الواقع المعاش الذي يحياه المعتقلون الفلسطينيون جزءًا من العنف الذي ما انفك النظام الإسرائيلي يمارسه عليهم وعلى عائلاتهم من خلال سياسات الاعتقال. غير أن الاستخدام الإسرائيلي الواسع النطاق والتعسفي للاعتقال الإداري يؤثر عمومًا في الفلسطينيين كافة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة. فالفلسطينيون القاطنون بين النهر والبحر لا يعرفون في الحقيقة متى ولا لماذا ولا إلى متى يمكن أن يسجنوا. 

التصدي للاعتقال الإداري الإسرائيلي 

لا ينفك المعتقلون الفلسطينيون يستخدمون أساليب متنوعة للتصدي لسياسة الاعتقال الإداري. فعلى مدى عقود الاحتلال الإسرائيلي، قاد المعتقلون احتجاجات داخل السجون، وإضراباتٍ فرديةً وجماعيةً عن الطعام، ومقاطعات للمحاكم العسكرية وعملياتها القضائية – وقد جوبهت هذه الأساليب غالبًا بإجراءات عنيفة وعقابية.

لقد وثّقت منظمة العفو الدولية دخول المعتقلين الإداريين الفلسطينيين في إضراب عن الطعام في سجن النقب في شباط/فبراير 1989. وتواصلت في عقد التسعينات مقاومة المعتقلين لهذه السياسة، فبعد توقيع اتفاقات أوسلو، التي آذنت بحقبة جديدة من الاعتقال الإداري الواسع النطاق وغير المحدود، أعلن المعتَقلون مقاطَعتهم الأولى للمحاكم العسكرية في 4 آب/أغسطس 1996. واستمرت تلك المقاطعة ستة أشهر ولم تُسفر عن أي تغييرات ملموسة. أقدَمَ المعتَقلون أثناءها على حرق أسِرَّتهم الخشبية وخيام السجون احتجاجًا على اعتقالهم. 

توسَّعت إسرائيل في استخدام الاعتقال الإداري إبان الانتفاضة الثانية. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2001 بلغ عدد المعتقلين الإداريين الفلسطينيين 32 فقط، ولكن الرقم قفزَ بحلول أيار/مايو 2002 إلى أكثر من 700. نفّذ المعتقلون الفلسطينيون طوال الانتفاضة الثانية إجراءاتٍ احتجاجيةً متعددة مثل حرق أَسِرَّتهم وخيامهم، ورفض أوامر سلطات السجن ورفض التوقيع على قبول أوامر تجديد الاعتقال، والاحتجاج في باحات السجون. وشارك المعتقلون أيضًا في مقاطعة المحاكم العسكرية مرات عديدة، رغم أنها لم تكن واسعة الانتشار وقلما استمرت لأكثر من ثلاثة أشهر. 

في كانون الأول/ديسمبر 2011، بدأ المعتقل الإداري الفلسطيني خضر عدنان إضرابه الأول عن الطعام، مطالبًا بإنهاء اعتقاله الإداري والإفراج عنه فورًا. واستمر إضرابه 66 يومًا، وبعدها تم التوصل إلى اتفاق لإنهاء اعتقاله والإفراج عنه في 17 نيسان/أبريل 2012. ولجأ عدنان إلى الإضراب عن الطعام أيضًا في فترات اعتقاله اللاحقة في عامي 2015 و2018. وتَبِعَ عشرات المعتقلين الإداريين خطى عدنان بعد إضرابه الأول معلنين إضراباتهم الفردية عن الطعام. وفي 24 نيسان/أبريل 2014 بدأ المعتقلون الإداريون إضرابًا جماعيا عن الطعام استمر شهرين. وأُنهي الإضراب في 25 حزيران/يونيو 2014 دون أي تنازلات من إسرائيل وباتفاق فقط على مواصلة الحوار بشأن القضايا المتعلقة بالاعتقال الإداري. ولا يزال المعتقلون الإداريون حتى اليوم يلجؤون إلى الإضراب عن الطعام كوسيلة للاحتجاج على سياسة الاعتقال الإداري الإسرائيلية.

تظل جدوى الإضراب الفردي عن الطعام في مواجهة سياسة الاعتقال الإداري الأوسع نطاقًا محلَّ نقاش مستمر بين الفلسطينيين، علمًا أنهم حظوا باهتمام دولي واستطاعوا أن يُبرزوا الآثار الوبيلة التي يُخلِّفها الاعتقال الإداري على المعتقلين وعائلاتهم. فضلًا على أن الإضراب عن الطعام يُلقي العبء السياسي على عاتق دولة الاحتلال. أي أن النظام الإسرائيلي إمّا يوافق على إطلاق سراح المعتقلين إداريًا وإمّا أن يخاطر باندلاع احتجاجات وتعبئة واسعة النطاق في حالة تدهور صحة المضربين عن الطعام أثناء الاعتقال. 

وعمومًا، يُبين الإضراب عن الطعام وغيره من أشكال الاحتجاج التي ينفِّذها المعتقلون الإداريون المكانة المركزية لهذه السياسة بالنسبة للنظام الإسرائيلي. ومع أن نجاح هذه الأساليب الاحتجاجية اقتصر على تأمين الإفراج عن معتقلين أفراد فقط، إلا أن استخدامها المستدام يعني أن المعتقلين الإداريين يؤدون دورًا رمزيًا من الناحية الاستراتيجية وحاسمًا في النضال الفلسطيني الأوسع من أجل التحرير.

“قرارنا حرية”

في كانون الثاني/يناير 2022، انخرط المعتقلون الإداريون الفلسطينيون في مقاطعة جماعية للمحاكم الإسرائيلية تحت شعار: “قرارنا حرية. لا للاعتقال الإداري.” وقد بيَّن المعتقلون في بيان منشور الطابعَ التعسفي للاعتقال الإداري، ووصفوا الأذى الجسدي والنفسي الذي يلحق بهم جراء هذه الممارسة. ودعوا إلى التضامن معهم ودعمهم في مقاطعتهم المحاكمَ العسكرية التي ما بدأوها إلا بعد أن وصلوا إلى “طريق مسدود” في المفاوضات مع الشاباك ومصلحة السجون الإسرائيلية. 

جرى تفعيل المقاطعة على جميع مستويات المحاكم العسكرية الإسرائيلية، حيث رفض المعتقلون حضور إجراءات المحكمة وجلسات الاستماع، وقاطعَ المحامون جلسات المحكمة. وهدد المعتقلون كذلك بالإضراب الجماعي عن الطعام إذا لم تنجح المقاطعة في إجبار إسرائيل على تلبية مطالبهم بإنهاء سياسة الاعتقال الإداري. ويؤطر بيانهم المنشور هذه التحركات التصعيدية كجزء من “حركة المقاومة الجماهيرية الموحدة”، ويؤكد على إيمان المعتقلين بقوة العمل الجماعي.

الفلسطينيون القاطنون بين النهر والبحر لا يعرفون في الحقيقة متى ولا لماذا ولا إلى متى يمكن أن يسجنوا Share on X

لقد جاءت المقاطعة في وقتٍ سَعت فيه مصلحة السجون الإسرائيلية إلى تفتيت الحركة الأسيرة وفرض مجموعةٍ واسعة من الإجراءات العقابية ضد جميع الأسرى الفلسطينيين، ولا سيما ردًا على تحرر الأسرى الستة من سجن جلبوع في أيلول/سبتمبر 2021. وتتزامن المقاطعة أيضًا مع تزايد الاستخدام الإسرائيلي للاعتقال الإداري ضد الفلسطينيين في القدس وأراضي 1948 أثناء هبة أيار/مايو 2021 في أنحاء فلسطين المحتلة.

يُبرز نطاقُ المقاطعة المتسع ومدتها مدى تأثير سياسات الاعتقال والسياسات القانونية التي يطبقها النظام الإسرائيلي على حياة الفلسطينيين المعتقلين وغير المعتقلين، حيث إن النظام الاعتقالي الاسرائيلي يمتد إلى ما وراء أسوار السجون وغرف الاستجواب ليطالَ حياة الفلسطينيين في فلسطين المحتلة كافة سواءً مَن كان له قريبٌ رهن الاعتقال أو مَن كان نفسه يترقب الاعتقال على أساسٍ تعسفي. 

وهكذا، أكَّدت مقاطعة المعتقلين الإداريين الفلسطينيين للمحاكم العسكرية الإسرائيلية في 2022 أن هياكل النظام الإسرائيلي القانونية لا يمكن أن توفر العدالة لأنها مصممة خصيصًا لمعاقبة الفلسطينيين وتجريدهم من إرادتهم في المقاومة. وقوَّضت المقاطعة أي صبغة شرعية تدَّعيها المحاكم العسكرية الإسرائيلية، وأكدت أن العمل الجماعي ضروري لإنهاء سياسة الاعتقال الإداري. 

المطلوب عمله

اكتسبت مقاطعةُ المعتقلين الإداريين زخمًا كبيرًا في النصف الأول من عام 2022، وينبغي للفلسطينيين وحلفائهم أن يواصلوا التعبئة لضمان إنهاء ممارسة النظام الإسرائيلي للاعتقال الإداري. وثمة منظمات فلسطينية ودولية عديدة تطالب بإنهاء هذه الممارسة وإبراز تأثيرها على الفلسطينيين عمومًا، ومنها منظمة العفو الدولية، ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق والإنسان، والحركة العالمية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين. 

ولكن لا بد من بذل المزيد:

  • ينبغي للسلطة الفلسطينية ولجنة شؤون الأسرى والمحررين المرتبطة بها أن تُبرزَ للمجتمع الدولي الآثارَ الضارة التي يُخلِّفها الاعتقال الإداري على الفلسطينيين. ويجب عليها أن تدعو إلى إنهاء هذه السياسة في جميع المحافل الدولية، وأن تطالبَ بمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لقوانين حقوق الإنسان الدولية التي صادقت عليها.
  • ينبغي لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني، بما فيها العاملة على القضايا المتعلقة بالأسرى، أن تستمرَ في حشد الدعم للمعتقلين الإداريين الفلسطينيين على الصعيدين المحلي والدولي. وتُعدُّ مؤسسة الضمير من المنظمات المتميزة في هذا المجال بحملاتها المبتكرة والمتواصلة ضد الاعتقال الإداري، والتي تسلط الضوء على ترابط هذه السياسة وتداخلها مع عمل المحاكم العسكرية التابعة للنظام الإسرائيلي.
  • ينبغي للفلسطينيين وحلفائهم في فلسطين المحتلة قاطبةً أن ينظموا الفعاليات والاحتجاجات العامة على نحو أكثر فاعلية لدعم الأسرى الفلسطينيين، بمن فيهم المعتقلون الإداريون. 
  • ينبغي لأُسر المعتقلين الإداريين تشكيل لجنة عمل لتركيز جهود التضامن مع المعتقلين، وذلك على غرار لجان أخرى أُنشئت في فلسطين وخارجها، مثل لجنة أمهات بلازا دي مايو الأرجنتينية، من أجل إلقاء المزيد من الضوء على التأثير الأوسع لسياسة الاعتقال الإداري على المجتمع الفلسطيني.
  • ينبغي لمجموعات التضامن الدولية مع فلسطين أن تُدرجَ نظام السجون الإسرائيلي ضمن حملاتها الداعية إلى المقاطعة وسحب الاستثمارات. وينبغي لتلك الحملات أن تستهدف الشركات المتربحة من نظام السجون الإسرائيلي، بما فيها شركة هيوليت باكارد وشركة G4S المملوكة حاليًا لشركة آلايد يونيفيرسال. وينبغي أيضًا أن تعزز النداءات الداعية إلى إنهاء برنامج التبادل الساري بين وكالات إنفاذ القانون الإسرائيلية والأمريكية والذي تتجلى أساليبه داخل السجون ومراكز الاحتجاز في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
  1. أصدرت لجنة المعتقلين الإداريين بيانًا بتجميد حملة المقاطعة في 27 حزيران/يونيو 2022. وأشار البيان بأن المعتقلين توصلوا إلى اتفاق مع سلطات السجون لتقييد استخدام الاعتقال الإداري، ولا سيما اعتقال النساء والأطفال، ولإعادة النظر في إطلاق سراح المعتقلين المسنين والمرضى.
  2. كان الاعتقال الإداري ساريًا في السابق بموجب أمرين: الأمر العسكري رقم 1226، والأمر العسكري رقم 1591.
  3. أُطلق سراح بشير خيري من الاعتقال الإداري بتاريخ 7 تموز/يوليو 2022.
باسل فراج أستاذ مساعد في دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بجامعة بيرزيت، وزميل في المجلس العربي للعلوم الاجتماعية حيث يعمل على مشروع بحثي يتناول تفشي ممارسات...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content