The “S” in BDS: Lessons of the Elbit Systems Campaign

ملخص تنفيذي

تبدو الشركات العسكرية الإسرائيلية مثل إلبيت سيستمز منيعةً لا تُقهر، ولكن صناعة الأسلحة الإسرائيلية أقلُّ حصانةً وأكثر ضعفًا مما تبدو. تتناول الكاتبة الضيف مارين مانتوفاني والمستشار السياساتي للشبكة جمال جمعة الاتجاهات الوطنية والعالمية في صناعة الأسلحة، ويحددان السُبل المتاحة لناشطي حقوق الإنسان للعمل من أجل محاسبة إسرائيل بموجب القانون الدولي.

النقاط الرئيسية

  • يواجه المجمع العسكري الإسرائيلي أوقاتًا عصيبة، كما يبرهن على ذلك ناقوس الخطر الذي دقته أكبر شركة عسكرية إسرائيلية في العام 2015 بسبب التراجع في العقود الدولية.
  • تتعرض إلبيت سيستمز، وهي إحدى أكبر الشركات العسكرية الإسرائيلية، لخسارات في البرازيل وفرنسا، وصار النيل منها أيسر بسبب استراتيجية الاستحواذات الدولية التي تنتهجها.
  • بالرغم من أن المبيعات العسكرية الإسرائيلية المقبلة لأوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا تبدو مبشرةً، فإن التحديات التي تواجهها الصناعة العسكرية الإسرائيلية تتيح لحركة التضامن الدولي مع فلسطين فرصًا يمكن أن تقود في نهاية المطاف إلى فرض حظر على تجارة الأسلحة مع إسرائيل.

صناعةٌ “منيعة” تمر بأوقاتٍ عصيبة

بالرغم من الجهود التي يبذلها الفلسطينيون ومناصروهم، بمن فيهم بعض المؤسسات المالية والحكومات، فإن الصناعة العسكرية الإسرائيلية بدت تاريخيًا منيعةً لا تُقهر كما الأسلحة التي تنتجها. غير أن دعوةَ أكبر شركةِ تصنيع عسكري إسرائيلية إلى عقد اجتماعٍ مع الحكومة في تشرين الأول/أكتوبر 2015 لمناقشة سُبل التعامل مع انخفاض حجم الصادرات العسكرية يُظهر أن هذا الوضع يتغير. إن الاتجاهات التي شهدها الصعيدان المحلي والعالمي، والمذكورة أدناه، تزيد من ضعف هذه الصناعة ومن عرضتها للمخاطر.

إلبيت سيستمز وعلامة إسرائيل التجارية تتراجعان

مُنيت شركة إلبيت سيستمز بخسائر في فرنسا والبرازيل، وهما دولتان تكادان تختلفان تمامًا في وجهة النظر بشأن فلسطين وشرعية حركة المقاطعة، حيث لا تبدي فرنسا أي تعاطف مع الحقوق الفلسطينية بينما تعاطفت معها الحكومة البرازيلية التي تولت السلطة منذ 2003 وأيار/مايو حتى أيار/مايو 2016.
لم تفز شركة إلبيت سيستمز في مناقصةٍ طرحتها فرنسا في 2016، أمّا الشركة الفرنسية التي فازت بها فقد قلَّلت من أهمية أن الطائرات بدون طيار التي تنتجها تَستخدم هي أيضًا تكنولوجيا تطورها إلبيت سيستمز، بعد أن كانت علامة "صُنع في إسرائيل" تُعتبر ميزةً قبل بضع سنوات فقط. وفي العام 2014، خسرت شركة إيه إي أل سيستيماس (AEL Sistemas) التابعة لشركة إلبيت سيستمز في البرازيل مشروعًا لإنشاء مجمع صناعي تكنولوجي حيث كانت ستُصنع الأقمار الصناعية العسكرية. وفي العام 2016، تخلت إلبيت سيستمز عن مشروع البحث والتطوير الخاص بالطائرات بدون طيار في البرازيل بعد أن رفضت وزارة الدفاع تمويله.
ليس من الواضح في الحالة الفرنسية إلى أي مدى أثَّر الضغطُ الذي مارسته حركةُ التضامن مع فلسطين في قرار الحكومة. أمّا في الحالة البرازيلية، فقد تأثر القرار بالضغط الذي مارسته حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، بالإضافة إلى العلاقات المتدهورة بين الحكومتين البرازيلية والإسرائيلية.

تفنيد أسطورة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي

عانت أسطورة تفوُّق الأسلحة الإسرائيلية 2006 انتكاسات عدة مثل التشكيك في فاعلية "القبة الحديدية" في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة في 2014.
وفي حين أن إسرائيل تروِّج نفسها كرائدة في مجال الأمن الإلكتروني، فإن سمعتها قد تلطخت بسبب فضائح التجسس التي تورطّت فيها شركاتها العاملة في مجال البرمجة ومعالجة المعلومات.
لا تنقل إسرائيل التكنولوجيا التي تطورها إلا بشروط. فعلى سبيل المثال شكا دبلوماسيون إبان حكم حزب المؤتمر الوطني الهندي 2004-2014 من أن محدودية العلاقات العسكرية بإسرائيل صعَّبت على الحكومة اتخاذَ خطوات فعالةٍ للتضامن مع الشعب الفلسطيني.

التحولات المحلية والعالمية في الصناعة العسكرية الإسرائيلية

من المرجح أن ترسِّخ موجةُ الخصخصة التي تشهدها الصناعةُ العسكرية الإسرائيلية العلاقةَ القائمةَ التي تحتفظ بموجبها الشركاتُ العسكريةُ المخصخَصةُ بأرباحها لنفسها بينما تتحمل الدولة والمواطنون عبء خسائرها.
يتزايد الطلب في قطاع الأسلحة العالمي، وحتى في داخل إسرائيل، على الإنتاج داخل البلد المشتري مما يدفع الشركات مثل إلبيت سيستمز إلى السعي الدائم لاستحواذ شركات أخرى وإلى الاستدانة لضمان استمرار التدفق النقدي. غير أن هذه الاستراتيجية تجعل إلبيت سيستمز معرضةً لمواجهة أزمةٍ في قدرتها على سداد الديون. وهي لا تعزز صناعة الدفاع الوطني في البلدان المشترية وإنما تعمل على نزع الطابع القومي عن هذه الصناعة من خلال الاستعانة بمصادر خارجية في إسرائيل.
قد تشهد الصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى أوروبا وأمريكا اللاتينية وآسيا نموًا في الفترة المقبلة. وبالنسبة إلى مفاوضات إسرائيل الجارية مع الولايات المتحدة بشأن التوصل إلى اتفاق جديد للمساعدات العسكرية لمدة 10 سنوات، فعلى الرغم من أن مبلغ التمويل قد يرتفع عن مستواه الحالي البالغ 3.1 مليار دولار سنويًا، فإن الولايات المتحدة تهدف إلى خفض النسبة المئوية للأموال التي يُسمَح لإسرائيل بإنفاقها على صناعتها العسكرية.

إقامة قضية مشتركة ضد العسكرة

إنَّ الدعوة إلى فرض حظرٍ عسكري شامل على إسرائيل لا تنبع فقط من النداء الفلسطيني لإعمال حقوق الإنسان، بل هي أيضًا جزءٌ من نضالٍ عالمي مناهض للحروب والقمع وعسكرة المجتمع وأمننته. فثمة وعيٌ متزايد بمساهمة صادرات "الأمن القومي" والجيش الإسرائيلي في هذه الممارسات من خلال التكنولوجيا والمنهجيات الجديدة المطورة في كنف الاحتلال العسكري للأرض الفلسطينية. وفي هذا الصدد على سبيل المثال، نشأت اتصالات بين حركة التضامن مع فلسطين وبين حركة "أرواح السود غالية" (Black Lives Matter) في الولايات المتحدة والتي أعربت عن تأييدها لحركة المقاطعة في آب/أغسطس 2016.

استهداف نقاط الضعف في الجيش الإسرائيلي

من أجل التصدي للمجمع العسكري الإسرائيلي، هناك سبل عدة يستطيع الناشطون العمل من خلالها لتقليل أرباح الصناعة العسكرية الإسرائيلية والسعي نحو فرض حظر على تجارة الأسلحة مع إسرائيل حتى إحراز الحقوق الفلسطينية.
تشمل هذه السبل التثقيفَ العام والتوعية والتضامن مع فلسطين في المجتمعات التي تضررت هي الأخرى بالحروب والاضطهاد. ومن السبل الأخرى نشر الأدلة التي تبين أن التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية لا فعالة ولا خالية من المشاكل كما تزعم في دعايتها.
وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي للناشطين الفلسطينيين أن يضغطوا على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ليوظفا اتصالاتهما الدبلوماسية ونفوذهما للتأثير في الدول منفردةً وفي إطار الأمم المتحدة.
من المهم أيضًا أن يدرك الناشطون نقاط الضعف لدى الشركات المعنية وأن يستهدفوها. فقد باتت شركة إلبيت سيستمز عرضةً لتحركات الناشطين بوجه خاص بسبب أنشطتها المالية المجازِفة وحضورها في بلدان عديدة عبر شركات محلية تابعة.

نظرة عامة

دقّت أكبرُ الشركات العسكرية الإسرائيلية ناقوسَ الخطرِ العامَ الماضي بسبب تراجع العقود الدولية، الأمر الذي عَزَته إلى تقلص الميزانيات وازدياد المنافسة وتراجع الرغبة في شراء المنتجات الإسرائيلية، بالإضافة إلى أسباب أخرى. فهل هذا مؤشرٌ على أن صناعة الأسلحة الإسرائيلية قد لا تكون منيعةً وعصيّة كما تبدو؟ ما الذي أفشل صفقات الأسلحة مع الشركات الإسرائيلية؟ وما كان دور الحركة ذات القيادة الفلسطينية الداعية إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، والتي تنادي بفرض عقوبات عسكرية كجزءٍ من حملتها لتعزيز حقوق الإنسان؟1تُحلل مارين مانتوفاني وجمال جمعة، في هذا الموجز السياساتي، بعضَ الاتجاهات التي تواجه المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي مع التركيز بخاصة على الحملة التي تستهدف شركة إلبيت سيستمز. يتناول الموجز الأوقات العصيبة والتحولات المحلية والعالمية التي تشهدها هذه الصناعة، وخرافة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، والتحالفات الناشئة لوقف عسكرة المجتمعات وأمننتها. وبناءً على هذا التحليل، يستخلص الكاتبان دروسًا مفيدة، ويحددان سُبل عملٍ تستطيع حركة التضامن العالمية مع فلسطين أن تنتهجها.

صناعةٌ “منيعة” تمر بأوقاتٍ عصيبة

ظلَّ الفلسطينيون ومناصروهم من الشخصيات العالمية مثل ديزموند توتو، وأدولفو بيريز اسكيفل، ونعومي كلاين، ونعوم تشومسكي يدعون لسنوات إلى فرض حظرٍ عسكري فوري وشامل على إسرائيل لمحاسبتها على انتهاكها حقوقَ الإنسان الفلسطيني. وقد وقَّع عشرات الآلاف من الناس على عرائض، وتظاهرَ الناشطون ضد الشركات المرتبطة بالجيش الإسرائيلي. وعلى مدار العقد الماضي، قاد الناشطون حملةً ضد إلبيت سيستمز، وهي إحدى كبرى الشركات العسكرية الإسرائيلية. وقد تراوحت جهود الناشطين بين الضغط على الحكومات وبين محاصرة الشركات التابعة لإلبيت سيستمز في بلدان كأستراليا والمملكة المتحدة والبرازيل.هناك ما يربو على عشر مؤسسات مالية، تكاد تضم صناديق التقاعد الاسكندنافية الكبرى كلها، سحبت استثماراتها من إلبيت سيستمز. وقد اتخذت بعض الحكومات الأوروبية تدابير تقييدية، ولا سيما في أعقاب الاعتداءات الإسرائيلية الكبرى، مثل تعليق صفقات الأسلحة والامتناع عن إصدارِ تراخيصَ لتصدير الأسلحة لإسرائيل. وعلى سبيل المثال، ألغت المملكة المتحدة خمسة تراخيص لتصدير السلاح إلى إسرائيل بعد مجزرة غزة 2009-2010، وجمَّدت إسبانيا مبيعات الأسلحة إبان مجزرة غزة 2014، ورفضت النرويج في عهد حكومتها اليسارية الوسطى (2005-2013) إصدارَ تراخيصَ لتصدير السلاح إلى إسرائيل، حتى إنها منعت شركةً ألمانيةً لبناء السفن من اختبار غواصات مصنوعة لحساب إسرائيل في مياهها. وعلَّقت جنوب أفريقيا علاقاتها العسكرية على الأرض مع إسرائيل.غير أن هذه الإجراءات بدت وكأنها ستظل رمزيةً في تأثيرها حتى وقتٍ قريب، إذ بدت الصناعات العسكرية الإسرائيلية منيعةً لا تُقهر كما الأسلحة التي تنتجها. غير أن الوضعَ تغير في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي عندما دعت أكبر الشركات العسكرية الإسرائيلية إلى عقد اجتماعٍ مع الحكومة لمناقشة سُبل التعامل مع انخفاض حجم الصادرات العسكرية الذي توقعوا انخفاضها آنذاك من 7.5 مليار دولار في 2012 إلى نحو 4.5 مليار دولار في 2015. وأشارت الشركات إلى أن هامش ربح الصناعة الدفاعية الإسرائيلية يتراوح بين 4.5% و5.5% مقارنةً بنسبة 8% إلى 9% في الصناعة الدفاعية على مستوى العالم. وعَزَت الأسباب إلى “تقلص الميزانيات وازدياد المنافسة وتراجع الرغبة في شراء المنتجات الإسرائيلية وتنامي المطالب بنقل المعرفة والعمل في الخارج.”لم يطرأ أي تغيرٍ تقريبًا على حجم الإنفاق العسكري العالمي في السنوات الأخيرة، بل ارتفع بنسبة 1% في 2015. وكان من المتوقع أن تتضاعف تقريبًا عائدات الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، وهي من منتجات التصدير العسكرية الرئيسية في إسرائيل، من 6.4 مليار دولار إلى 11.5 مليار دولار بين عامي 2014 و2024. وفي حين أن الأسباب التي ساقها أرباب الصناعة العسكرية الإسرائيلية تقدم على ما يبدو وصفًا دقيقًا للاتجاهات السائدة في التجارة العسكرية العالمية، فإن انخفاض الصادرات الإسرائيلية لا يمكن أن يُعزى ببساطة إلى تراجع الطلب على الأسلحة.صحيحٌ أن الصناعات العسكرية الإسرائيلية ضمنت تصدير منتجات بقيمة تفوق 5 مليارات دولار في 2015 أي أفضل بقليلٍ من العام الذي سبقه، وصحيح أن التطورات السياسية العالمية قد تبشر هذا القطاع بالخير في المستقبل القريب، إلا أن المجمع الصناعي العسكري يواجه تغيرات دينامية في تجارته ودعايته. إن تراجعَ علامةِ “صُنعَ في إسرائيل” حتى في قطاعي الدفاع والأمن، بمساهمةٍ من جهود حركة المقاطعة، هو فرصةٌ مواتية للمدافعين عن حقوق الإنسان لإحداث التغيير.وردًا على سؤالٍ طُرِحَ مؤخرًا حول تأثير حركة المقاطعة في عمليات شركة إلبيت سيستمز، أجابَ رئيسها التنفيذي مُقرًا: “أنا لا أقول إنها لا تشكِّل تهديدًا، ولكني أعتقد أن بوسعنا التعاملَ معها إنْ تكاتفنا.” لذا يواجه دعاة حقوق الإنسان في الوقت الحاضر تحديًا يتمثل في تعزيز قدرة حركة المقاطعة على الضغط على اقتصاد الحرب الإسرائيلي حتى تتحول من مصدرِ تهديد إلى معوِّق فعلي.

إلبيت سيستمز وعلامة إسرائيل التجارية تتراجعان

بعد مضي زهاء عقدٍ من الزمن على إطلاق حملة سحب الاستثمارات والعقود وأشكال التعاون الأخرى مع إلبيت سيستمز، نستطيع أن نستخلص بعض الدروس حول التوليفة المساهِمة في إحداث التغيير والمكونة من قوى السوق، والهياكل الحكومية، والأنشطة. يركز هذا القسم على أحدث الخسائر التي مُنيت بها شركة إلبيت في فرنسا والبرازيل: وهما دولتان تكاد تتناقض وجهتا نظرهما تمامًا بشأن فلسطين وشرعية حركة المقاطعة.كان قرار فرنسا ضد مناقصة إلبيت سيستمز في آخر العطاءات الفرنسية لشراء طائرات بدون طيار في مطلع 2016 نبًأ سيئًا غير متوقع للشركة، حيث استُبعدت طائرة “ووتش كيبر” بدون طيار المبنية على غرار طائرة هرميز 450 بدون طيار المصنعة بواسطة شركة إلبيت سيستمز والمستخدمة في المجازر ضد غزة. تُبنى طائرات “ووتش كيبر” بدون طيار في المملكة المتحدة بواسطة مشروعٍ مشترك بين شركة إلبيت وبين شركةٍ بريطانية. وقد طالبَ المجتمع المدني في حملةٍ مستدامة في فرنسا باستبعاد “ووتش كيبر” من المناقصة بسبب مشاركة إلبيت في جرائم الحرب الإسرائيلية، بينما احتج الناشطون في المملكة المتحدة على وجود موقع إنتاج الطائرة هناك.

“إن تراجعَ علامةِ ‘صُنعَ في إسرائيل’ حتى في قطاعي الدفاع والأمن، بمساهمةٍ من جهود حركة المقاطعة، هو فرصةٌ مواتية للمدافعين عن حقوق الإنسان لإحداث التغيير”

فازت شركة ساجيم الفرنسية بالعطاء في نهاية المطاف، ولكنها قلَّلت من أهمية أن الطائرات بدون طيار التي تنتجها تعتمد هي أيضًا على تكنولوجيا من شركة إلبيت سيستمز، بل احتفت “بوطنية” التكنولوجيا المستخدمة وخط الإنتاج المحلي. كانت علامة “صُنع في إسرائيل” قبل بضع سنوات فقط تُعتبر مزيةً بالنسبة للطائرات بدون طيار. أمّا اليوم، فإن التوجه المتزايد لضمان نمو الصناعات العسكرية الوطنية ونقل التكنولوجيا بالحد الأقصى يلعب دورًا محوريًا في إضعاف الرغبة في اقتناء التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية على مستوى العالم. وهذا يساهم أيضًا في تحقيق هدفِ دعاة حقوق الإنسان الفلسطيني المتمثل في تخفيض الأرباح التي تجنيها إسرائيل من آلتها الحربية، ويُمكِّنهم من العمل في مجال الدعوة لتحقيق النتائج.ليس من الواضح إلى أي مدى أثَّر الضغطُ الذي مارسته حركةُ التضامن مع فلسطين في قرار الحكومة الفرنسية العاكفة على سنِّ قوانينَ ضد المقاطعة أكثر جورًا من القوانين الإسرائيلية. ومع ذلك، صرَّحت إسرائيل في نيسان/أبريل بأن الحكومة الفرنسية رفضت في العام 2015 صفقةً أخرى من تكنولوجيا المراقبة. ونقلت قناة فوكس نيوز عن “خبير إسرائيلي ذي مكانة في شؤون مكافحة الإرهاب” قولَه عن الصفقة إن “السلطات الفرنسية استحسنتها، ولكن المسؤول عادَ ليقول إن هنالك تعليمات عليا بعدم شراء التكنولوجيا الإسرائيلية.” وإذا صحَّ هذا التقريرُ ولم يكن دعايةً فقط تهدف إلى التقدم على صعيد عقودٍ أخرى، فإنه يشير إلى عزوفٍ غير متوقع في أوساط دوائر الحكومة الفرنسية عن الدخول في صفقات مع إسرائيل.وفي البرازيل، شهدت شركة إيه إي أل سيستيماس (AEL Sistemas) المحلية التابعة لشركة إلبيت سيستمز نهايةَ عقدٍ نمت فيه إيراداتها أضعافًا مضاعفة، واشترت حصصًا في مشاريع الدفاع البرازيلية الكبرى. كانت البرازيل مِن أكبر خمسة مستوردين للأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2009 و2014، ومن أهم مشتري الطائرات بدون طيار التي تصنعها شركة إلبيت سيستمز. ومع ذلك، خسرت الشركة مشروعها الاستراتيجي الأول في كانون الأول/ديسمبر 2014، حيث ألغت حكومة ريو غراندي دو سول في جنوب البرازيل مذكرةَ تفاهم مع شركة إيه إي أل سيستيماس لتطوير مجمع تكنولوجي لتصنيع الأقمار الصناعية العسكرية. فقد وقفَ المجتمع المدني في وجه هذه الصفقة، وأطلقَ حملةً متواصلة لفرض حظرٍ عسكري على أساس التضامن مع الشعب الفلسطيني وضرورة إنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب. وفضحت محاولة شركة إيه إي أل سيستيماس في التخفي كشركةٍ برازيلية مبينةً أنها شركةٌ إسرائيلية تابعة، ومشددةً على أن الضرائب البرازيلية سوف تذهب إلى إسرائيل. وأثبتت أيضًا كيف أن التكنولوجيا سوف تنتقل فعليًا من الجامعات البرازيلية إلى الشركة الإسرائيلية. وفي نهاية المطاف، تعذَّرت الحكومة بنقص الميزانية، والتزامها بالتعاون مع المجتمع الفلسطيني والحركات الفلسطينية لإنهاء المشروع. وكان ذاك نصرًا جليًا لحركة المقاطعة.وفي كانون الثاني/يناير 2016، اضطرت إلبيت سيستمز إلى التخلي عن مشروع البحث والتطوير الخاص بالطائرات بدون طيار في البرازيل، والذي أطلقته في 2011 في احتفالٍ رنان. وظلت وزارة الدفاع، بقيادة عضو في الحزب الشيوعي البرازيلي المناصر للفلسطينيين، ترفض الأموال اللازمة لتنفيذ المشروع، حتى حصل الانقلاب على الحكومة في شهر أيار/مايو من العام الحالي. وكان تحفّظ الوزارة متأثرًا بلا شك بالموقف السياسي الذي تبنته الحكومة البرازيلية. وقد أثارَ مسؤولٌ رفيع في وزارة الدفاع البرازيلية جدلًا في وسائل الإعلام حين حذَّر من أن الخلاف الدبلوماسي الناجم عن رفض البرازيل اعتمادَ زعيم استيطاني كسفيرٍ لإسرائيل قد يؤخر تنفيذ العقود العسكرية المبرمة بين البلدين. وانتاب هذا الهاجسُ شخصياتٍ أخرى كوزير الدفاع السابق، سيلسو أموريم، الذي قال إن الوقت قد حان “لتنويع مورّدينا” وتقليص الاعتماد المفرط على التكنولوجيا الإسرائيلية.يجدر بالذكر أن منظماتٍ فلسطينيةً مثل الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل والاستيطان وحركة التضامن مع فلسطين قدَّمت أدلةً تثبت أن البرمجيات وتكنولوجيا المراقبة والاستطلاع الإسرائيلية كانت في ذاك الوقت جزءًا أساسيًا في كل مشاريع التنمية الصناعية الاستراتيجية تقريبًا التابعة لوزارة الدفاع البرازيلية.2inline_14_https://al-shabaka.org/wp-content/uploads/2016/08/Brazil3_Arabic.jpg فتكنولوجيا الطيران الإلكتروني المستخدمة في معظم الطائرات، وترسانة البرازيل من الطائرات بدون طيار، وتكنولوجيا المراقبة المستخدمة في نُظم مراقبة الحدود، والتكنولوجيا المستخدمة في الدبابات البرازيلية، ونظام الاتصالات المستخدم في القوات البحرية البرازيلية مطورةٌ إمّا بوساطة شركة إلبيت سيستمز وإمّا بواسطة الصناعات الجوية الفضائية الإسرائيلية أو الشركات التابعة لها. وهذا يُفضي فعليًا إلى فقدان السيادة والاستقلال الوطني، وهما المبدآن الأساسيان اللذان تلتزم المؤسسات العسكرية بصونهما والدفاع عنهما. وقد أكدت أهمُّ صحيفةٍ اقتصاديةٍ في إسرائيل، ذي ماركر، في تقرير نشرته في 2015 أن “أسبابًا سياسيةً” أدت إلى تجميد المعاملات العسكرية مع البرازيل وهو تطورٌ موجِعٌ لإسرائيل، ولا سيما إلبيت سيستمز.إن ما لا شك فيه أن الأوقات العصيبة التي تواجهها إلبيت سيستمز في البرازيل ناجمةٌ عن توتر العلاقات بين البرازيل وإسرائيل في السنوات الأخيرة من عهد حكومة حزب العمال، التي حكمت البلاد من 2003 وحتى أيار/مايو 2016. ويُعزى توتر العلاقات لأسباب عدة منها التأثير المتنامي لحركة المقاطعة في البرازيل، والقبول الذي لاقته طروحاتها داخل أوساطٍ في حزب العمال. وتؤكد حملاتُ التوعيةِ الساعيةُ إلى الإطاحة بعلامة إسرائيل التجارية بأن الأسلحة الإسرائيلية تُجرَّب في الحياة العملية على الفلسطينيين، وتنبِّه العامة إلى أن ضرائبهم تُصرفُ على استدامة الشركات العسكرية الإسرائيلية. وقد تغلغلت هذه الاستراتيجيات حتى في المؤسسة الدفاعية نفسها. غير أنه بات يتعين الآن على المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطيني أن يحددوا استراتيجيات جديدة في ضوء الانقلاب على الحكومة المنتخبة.إن إخفاق “ووتش كيبر” في الفوز بالعقد الفرنسي لتوريد طائرات بدون طيار يبيّن أن الافتتان بالتكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية يمكن أن يتلاشى وأن تسودَ مصالحُ أخرى حتى في السياقات المعادية جدًا للمطالب المنادية بفرض حظرٍ عسكري على إسرائيل. ومن الأهمية القصوى أن نفهمَ ما يدفعُ حكومةً تُبدي العداء للمواقف المؤيدة لفلسطين إلى إحداث شروخٍ بين القطاعين العسكريين الإسرائيلي والفرنسي، ومن الأهمية أيضًا أن نعي أفضلَ السبلِ لاستثمار هذا الدافع والاستفادة منه. والحاجةُ لهذا الجهدِ ملحةٌ في الوقت الحاضر لأن ثمة عطاءً آخر لتوريد طائرات بدون طيار، وشركة إلبيت سيستمز مشاركةٌ فيه.تثبت دراسة هاتين الحالتين أن استثمار الوقت والجهد في فهم الديناميات في قطاعي الدفاع والأمن الداخلي أمرٌ أساسي لتطوير أنشطة المقاطعة المؤثرة. وفي هذه المرحلة، حيث صارت المنفعة المرجوة من التعاون العسكري مع إسرائيل موضعَ شكٍ متزايد، يستطيع المتضامنون مع فلسطين توظيفَ هذه المعرفة المكتسبة في طرح براهينَ وحججٍ تستهدفُ مصالح صناع القرار على الصعيد الوطني، أو بوسعهم البحثُ عن حلفاء يستطيعون القيام بذلك. ويمكن أن تُفضي هذه الجهود في نهاية المطاف إلى انكماش الأسواق المفتوحة أمام الصناعة العسكرية الإسرائيلية.

تفنيد أسطورة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي

تعتبر الصناعةُ العسكرية الإسرائيلية عنصرًا أساسيًا في اقتصاد الدولة، إذ توظف نحو 50,000 شخص، وتستعين بنحو 50,000 مورّد، وتبلغ نسبة صادراتها 13% من مجموع الصادرات الصناعية. يضم هذا القطاع 600 شركةٍ تعتمد بشدة على الأسواق الخارجية، حيث تبلغ نسبة الإنتاج العسكري الإسرائيلي المُعد للتصدير لأسواق الخارج 80%. وتعتمد قدرة إسرائيل على شن الحروب، واستدامة مجمعها الصناعي العسكري، والمنافسة في السوق العالمية على سمعتها كدولةٍ تصنِّع أسلحة عصريةٍ ومجرَّبة عمليًا في الحروب.أصبح الرأي العام على مدى السنوات القليلة الماضية أكثر وعيًا بأن “الأسلحة المجربة في الميدان” تعني الأسلحة المطوَّرة إبان المجازر وجرائم الحرب المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني والعربي. وقد ساهمت في تنامي هذا الوعي الاحتجاجاتُ المتنوعة حول العالم مثل احتلال مصانع إلبيت سيستمز في المملكة المتحدة وأستراليا، والاحتجاج بالتظاهر بالموت في أماكن عديدة، وتوقيع العرائض، ونشر التقارير المتعمقة والتغطية الإعلامية.

“إن نقل التكنولوجيا الإسرائيلية يقترن بقيودٍ وشروط بالنسبة لهؤلاء الذين يفكرون في وضع سياسات لا تصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة”

ولمواجهة احتجاجات المجتمع المدني المتزايدة، يقول المدافعون عن العلاقات العسكرية مع إسرائيل إن التعاون العسكري مع إسرائيل والشراء منها يصب في المصلحة القومية لبلادهم. غير أن القول بأن الأسلحة الإسرائيلية هي حتمًا الخيار الأفضل من الناحية التكنولوجية، وأن تبني الحظر العسكري يعني المساس “بالأمن القومي،” إنما هو خرافةٌ أخرى ينبغي تفنيدها.عانت أسطورة تفوُّق الأسلحة الإسرائيلية منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006 انتكاسات عدة. فبحسب وسائل الإعلام في إسرائيل نفسها، أعطبَ حزبُ الله ما لا يقل عن 20 دبابة مركافا “غير قابلة للتدمير”. وفي أعقاب الحرب، أخذت إسرائيل تشتري دبابات أبرامز المصنوعة في الولايات المتحدة. أما بالنسبة إلى “القبة الحديدية” الإسرائيلية، فإن فاعليتها صارت موضع تشكيك في أعقاب العدوان الإسرائيلي على غزة 2014، حتى إن خبراء إسرائيليين وأمريكيين في تكنولوجيا الدفاع استهجنوها واعتبروها “أكبر خدعة في العالم.” وحتى المشاريع التي تنطوي على تصدير منتجات تكنولوجية فإنها تعاني ارتفاعَ التكاليف وتواجه صعوبات، كما حال طائرات ووتش كيبر بدون طيار التي رفضتها الحكومة الفرنسية في وقت سابق من هذا العام. فقد سجلت هذه الطائرة حوادثَ تحطمٍ متكررة، بل وتبين أنها عاجزةٌ عن الطيران في الظروف الجوية السائدة في المملكة المتحدة.3تسعى الصناعة العسكرية الإسرائيلية في الوقت الراهن لاختراق أسواقٍ جديدة بتسويق نفسها كشركةٍ رائدة في الأمن الإلكتروني. غير أن السجلَ الطويل من فضائح التجسس التي تورطت فيها شركات إسرئيلية تعمل في البرمجة ومعالجة البيانات يشكك في قدرةِ إسرائيل على “تأمين” أي شيء. بل توجد تقارير عدة تفيد بأن الشركات الإسرائيلية تستخدم العقود في الخارج لنقل المعلومات الحساسة إلى وكالات الاستخبارات الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، تواجه أكبر شركة برمجة في إسرائيل، آمدوكس، تهمًا عديدة بالتجسس في بلدان عدة من بينها الولايات المتحدة.علاوةً على ذلك، هناك بابٌ دوار بين وحدة الاستخبارات العسكرية رقم 8200 وهي أرفع وحدة تجسسية إسرائيلية وقطاع التكنولوجيا المتقدمة والفضاء الإلكتروني في البلاد. وفي هذا الصدد، يقول يائير كوهين، العميد السابق والقائد السابق لوحدة 8200، والرئيس الحالي لقسم الاستخبارات الإلكترونية في شركة إلبيت سيستمز: “إن من شبه المستحيل أن تجد شركةً تكنولوجية في إسرائيل تخلو من أفراد عملوا في وحدة 8200.” العملية بسيطة وهي كالآتي: تسمح إسرائيل لأفراد الوحدة السابقين باستخدام التكنولوجيا لتأسيس شركاتهم الخاصة (التي تُدر عليهم في بعض الأحيان أرباحًا طائلة)، ثم تحظى إسرائيل في المقابل بفرصة الاطلاع على المعلومات المستقاة من حول العالم، أي أنها فعليًا تولِج حصان طروادة داخل المؤسسات الباحثة عن الأمن الإلكتروني. وتجسد المثلَ القائل: حاميها حراميها.يعتبر بعض المشتغلون في مجال الدفاع أن إبرام الصفقات مع إسرائيل أمرٌ مفيد لأنها ستنقل التكنولوجيا التي لن ينقلها مصدرو الأسلحة الكبار الآخرون كالولايات المتحدة وأوروبا. فقد باعت إسرائيل أسلحةً مرارًا وتكرارًا إلى بلدان تخضع لقيود على علاقاتها العسكرية أو حظرٍ على استيراد الأسلحة بفضل الضغط الشعبي. وهناك العديد من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تدين العلاقات العسكرية بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إبان الثمانينات. وقد أقامت إسرائيلُ كذلك علاقات عسكريةً مع المجالس العسكرية في الأرجنتين وشيلي في 1976، ووطَّدت علاقاتها بالأنظمة الديكتاتورية الوحشية في أمريكا اللاتينية بعد أن قيدت إدارة كارتر المساعدات العسكرية الأمريكية لها.4ومع ذلك، فإن نقل التكنولوجيا الإسرائيلية يقترن بقيودٍ وشروط بالنسبة لهؤلاء الذين يفكرون في وضع سياسات لا تصب في مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة. ففي الفترة الأخيرة من حكم حزب المؤتمر الوطني الهندي 2004-2014، الذي تبنى موقفًا رسميًا مؤيدًا للفلسطينيين، شكا دبلوماسيون بشكل غير رسمي من أن محدودية العلاقة العسكرية بإسرائيل صعَّبت على الحكومة اتخاذَ خطوات فعالةٍ للتضامن مع الشعب الفلسطيني. ومن الأمثلة الأخرى لذلك النقاشُ الدائرُ مؤخرًا في البرازيل حول التدابير التي يمكن أن يتخذها قطاعُ الدفاع للرد على موقف بلاده الثابت ضد المستوطنات. وكانت الصين من أكبر الشركاء العسكريين لإسرائيل حتى العام 2005، حين طلبت الولايات المتحدة من إسرائيل قطعَ علاقاتها العسكرية بالصين. وبناءً على ذلك، توقفت المعدات العسكرية التي اشترتها الصينُ من إسرائيلَ عن العمل ولم تخضع للصيانة.

التحولات المحلية والعالمية في الصناعة العسكرية الإسرائيلية

ركَّزت القاعدة الصناعية العسكرية الإسرائيلية طاقاتها في مرحلة ما قبل الدولة والسنوات الأولى من تأسيس الدولة على تجهيز الجيش الذي سيحتل فلسطين ويطرد سكانها الأصليين. وفي السنوات اللاحقة، أسَّس العسكريون الإسرائيليون المتقاعدون العديد من الشركات “الأمنية” الصغيرة للاستفادة ماديًا من خبراتهم في القمع. تستعين إسرائيل بهذه الشركات لتتولى أمرَ أقذرِ علاقاتها العسكرية الدولية، وهو ما يسمح لإسرائيل بنفي تورطها. وفي الوقت نفسه، تظل الصناعات العسكرية الأساسية، وصناعات الفضاء الإسرائيلية، وشركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، وشركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية، مملوكةً للدولة لضمان السيطرة المباشرة عليها. إلبيت سيستمز هي الشركة الخاصة الوحيدة التي استطاعت أن تزدهر في هذا المجال بما يوازي الشركات الحكومية.أصبح قطاع التصنيع العسكري الإسرائيلي مع مرور الوقت مستقلًا نسبيًا. وهو لا يزال يخدم الحكومة في الحفاظ على نظامها وتلبية احتياجات سياستها الخارجية، ولكن صارت له مصالحه الخاصة. إن ناقوس الخطر الذي دقته الصناعة العسكرية الإسرائيلية في تشرين الأول/أكتوبر 2015 كان محاولةً للضغط على دولة إسرائيل لكي تتكفل الدولة ودافعو الضرائب بتعويض تراجع الصادرات والأرباح من خلال تدخلٍ حكومي. وفي أواخر العام، وزعت الحكومة الإسرائيلية عقودًا مربحة، ورصدت مخصصاتٍ سخية في الميزانية للصناعة العسكرية، بما فيها منحٌ لغايات التسويق.من المرجح أن تُختتم قريبًا الجهودُ المبذولة لخصخصة شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية التي تنتج من جملة الأسلحة التي تنتجها الذخائرَ العنقودية الإسرائيلية. وهذا يعني أن العملية التي انطلقت قبل عقدين لخصخصة الأصول الوطنية قد وصلت لُبَّ الصناعة العسكرية. تواجه شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية صعوبات بسبب المخاوف من أن تحتكر إلبيت سيستمز السوق، حيث إنها المزاود الوحيد في عطاء الخصخصة، وبسبب اتهاماتٍ بسوء السلوك وجهها لها رئيسُ سلطة الشركات الحكومية.5 غير أن آخر الأنباء يشير إلى استئناف الصفقة. وهذا يعني أن الشركات العسكرية المخصخصة ستحتفظ بأرباحها لنفسها بينما تتحمل الدولة والمواطنون عبء خسائرها.الاتجاهات العالمية في القطاع العسكري هي عاملٌ آخر يُحدِثُ تغييرات داخل الصناعة العسكرية الإسرائيلية. فالطلب المتزايد في قطاع الأسلحة العالمي على الإنتاج داخل البلد المشتري، بما في ذلك من خلال اتفاقيات المبادلة ونقل التكنولوجيا والتدريب، حدا بالشركات العسكرية الإسرائيلية، مثل إلبيت سيستمز، إلى اتباع استراتيجية الاستحواذات العالمية. لا تعزز هذه الاستراتيجية صناعة الدفاع الوطني في البلدان المشترية وإنما تعمل على نزع الطابع القومي عن هذه الصناعة من خلال الاستعانة بمصادر خارجية في إسرائيل. وقد غدت شركة إلبيت سيستمز اليوم حاضرةً بمسميات عديدة في قطاعات كثيرة حول العالم. نيس سيستمز هي شركةٌ تعمل في البرمجة ومعالجة البيانات في ما يزيد على 150 بلدًا، ولها عملاء من شركات القطاع الخاص والمؤسسات العامة المحلية، وهي أحدث استحواذات إلبيت سيستمز. ورغم أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى زيادة أرباح إلبيت سيستمز، فإنها تُمكِّن حركة المقاطعة العالمية من استهداف مصالح إلبيت سيستمز ليس فقط على مستوى وزارات الدفاع الاتحادية بل على المستوى المحلي أيضًا بالقرب من قواعدها.وعلاوةً على ذلك، تستتبع استراتيجية الاستحواذ هذه أن تقترض إلبيت سيستمز من أجل شراء شركات أخرى وإنشاء تكتل. ومن أجل استدامة هذه السياسة فإنها تحتاج إلى تدفق نقدي مستمر. وفي هذا مخاطرةٌ كبرى، إذ إن فسخ الاستثمارات والعقود أو تراجع الثقة وانتشار النظرة السلبية في البيئة الاستثمارية قد يقود إلى أزمةٍ في القدرة على سداد الديون. وإذا أرادت إلبيت سيستمز أن تُلقي خسائرها العالمية المحتملة على كاهل الدولة، فهل ستستطيع إسرائيلُ تحملها؟إن من الأهمية أيضاً، عند النظر في آفاق الصناعة العسكرية الإسرائيلية، أن نؤكد أن المبيعات الإجمالية لهذه الصناعة ارتفعت إلى ما يزيد على 5 مليارات دولار بحلول نهاية العام 2015. ويُعزى ذلك إلى إبرام عددٍ من العقود الجديدة في أواخر العام رغم أن المبيعات كانت لا تزال أقل بكثير من السنوات الماضية. ومع ذلك، ثمة فرصٌ تصديرية كبرى مقبلة على الشركات العسكرية الإسرائيلية، وسوف تتطلب اهتمامًا من حركة التضامن مع فلسطين.من المتوقع أن تُسفر المفاوضات الإسرائيلية الأمريكية الراهنة بشأن التوصل إلى اتفاق جديد للمساعدات العسكرية لمدة 10 سنوات عن منح إسرائيل ما يفوق بكثير المبلغَ السنوي الحالي الذي تتلقاه والبالغ 3.1 مليار دولار. وبالنظر إلى الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة وهوية مرشحي الحزبين الرئيسيين، فإن الأمر ليس يكون سهلًا على حركة التضامن. ومع ذلك، فإن الاتفاق قد يفرض تحديًا على المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، حيث تتضمن المناقشات رغبةً أمريكية في خفض النسبة المئوية للأموال التي يُسمَح لإسرائيل بإنفاقها على صناعتها العسكرية.رؤوبين بن شالوم، الرئيس السابق لفرع قسم التخطيط الاستراتيجي بالجيش الإسرائيلي في أمريكا الشمالية، يصف هذه الاحتمالية بأنها “مدمرةٌ للصناعات العسكرية الإسرائيلية”، بينما يحذَّرَ رئيسُ رابطة مصنعي إسرائيل، شراغا بروش، من أن تطبيق رغبة الولايات المتحدة على أرض الواقع يعني أن “عشرات خطوط الإنتاج سوف تتوقف، بل ومعامل بأسرها للصناعات الدفاعية سوف تغلق أبوابها، وسوف يُسرَّحُ آلاف العمال، وسوف تخسر دولةُ إسرائيل استقلالَها الأمني.” وهكذا فإن زيادة المساعدات العسكرية قد تكون في الواقع بمثابة ضربةٍ للصناعة العسكرية الإسرائيلية، ومن عواقبها متوسطة الأجل أن الشركات الإسرائيلية سوف تنقل إنتاجها إلى الولايات المتحدة أو تزيد مشاريعها المشتركة معها لضمان استمرار حصولها على المساعدات العسكرية الأمريكية.ارتفعت المبيعات إلى المنطقة الأوروبية بأكثر من الضعف في العام الماضي حيث بلغت 1.63 مليار دولار مقارنةً بمبلغ 724 مليون دولار في 2014. ومن المنتظر أن يستمر التعاون الأوروبي الإسرائيلي، حيث يعكف الاتحاد الأوروبي على تعزيز ضبط حدوده ليتصدى لموجة الهجرة المتنامية، متذرعًا بالتفجيرات وحوادث إطلاق النار في المدن الأوروبية لزيادة الإنفاق على التسليح والمراقبة في المجتمعات.يدرك المسؤولون ورؤساء الشركات الإسرائيليون أن هذا التوجه جيدٌ للتجارة الإسرائيلية. وقد شدَّدَ القادةُ الإسرائيليون عقب هجمات باريس سنة 2015 أن التكنولوجيا الإسرائيلية وحدها مَن يستطيع إنقاذ أوروبا. ويتوقع ايتمار غراف، وهو مسؤولٌ بارز في وكالة التعاون الدفاعي الدولية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية (SIBAT)، أن تنفق أوروبا 50 مليار دولار على المشتريات في مجال “الأمن الوطني” وهذا يكفي لكي تجني الشركاتُ الإسرائيليةُ كافة أرباحًا معتبرة من بيع المنتجات التي طورتها لقمع الفلسطينيين.6ورغم أن أمريكا اللاتينية شهدت هبوط المبيعات فيها إلى 577 مليون دولار في العام 2015، فإنها قد توفر أسواقًا جديدةً بسبب انحسار موجة الحكومات التقدمية في المنطقة، ولا سيما في البرازيل، حيث اتجهت حكومة الانقلاب فور توليها السلطة نحو توثيق العلاقات مع إسرائيل. وفي الأرجنتين، استهلت الحكومة اليمينية المنتخبة مؤخرًا ولايتها بعرض تعزيز التعاون العسكري والأمني على إسرائيل.

“تعتبر الدعوة إلى فرض حظرٍ عسكري شامل على إسرائيل جزءٌ من النضال العالمي المناهض للحروب والقمع وعسكرة المجتمع”

انخفضت واردات منطقة آسيا والمحيط الهادئ انخفاضًا طفيفًا حيث بلغت قيمتها 2.3 مليار دولار في 2015 مقارنةً بنحو 3 مليارات دولار في 2014. ومع ذلك، يُظهر الاتجاه العام على مدار العقد الماضي زيادةً كبيرةً في الصادرات العسكرية لهذه المنطقة. تجني إلبيت سيستمز 29% من إيراداتها من آسيا، وثمة فرصةٌ للزيادة لأن إسرائيلَ وافقت مؤخرًا على ميزانية خاصة لشركة إلبيت سيستمز لغرض تسويق نفسها في الصين. وعلاوةً على ذلك، دخلت إلبيت سيستمز في مشروعٍ مشترك مع شركات هندية لبيع المزيد من الطائرات بدون طيار للهند، ووقعت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة اتفاقَ تعاونٍ بقيمة 10 مليارات دولار مع الشركة الهندية العملاقة، ريلاينس ديفينس، في آذار/مارس من هذا العام. وتفيد التقارير بأن الحكومة الهندية على وشك توقيع اتفاق في مجال الدفاع مع إسرائيل بقيمة 3 مليارات دولار، وتفكر في التعاون مع إسرائيل لبناء جدارٍ في كشمير. وما يثير القلق أكثر من وصول إسرائيل إلى هذه الأسواق هو أن بعضَ دول الخليج، وفقًا لتقارير، تتنافس لشراء نظام القبة الحديدية المضاد للصواريخ.

إقامة قضية مشتركة ضد العسكرة

إنَّ الدعوة إلى فرض حظرٍ عسكري شامل على إسرائيل لا تنبع فقط من النداء الفلسطيني لإنهاء إفلات إسرائيل من العقاب والتواطؤ العالمي مع نظام الفصل العنصري المطبَّق فيها، بل هي أيضًا جزءٌ من النضال العالمي مناهض الحروب والقمع وعسكرة المجتمع وأمننته. هنالك وعيٌ متزايد بمساهمة صادرات “الأمن القومي” والجيش الإسرائيلي في هذه الممارسات من خلال التكنولوجيا والمنهجيات الجديدة التي طُوِّرت في كنف الاحتلال العسكري، والفصل العنصري، والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني. أمّا العسكرة والأمننة فيساهمان في استدامة الصناعة العسكرية الإسرائيلية وسياساتها ضد الفلسطينيين.وبموازاة دور إسرائيل المتنامي في هذه العسكرة، تعكف حركاتٌ حول العالم على إقامة قضيةٍ مشتركة مع حركة المقاطعة للوقوف في وجه القمع والتمييز الذي تمارسه قوات الجيش والشرطة. إن الحملة القائمة ضد الشركة الإسرائيلية الدولية لأنظمة الدفاع والأمن (ISDS) العاملة في مجال “الأمن الداخلي” هي مثالٌ بارز. أسَّس هذه الشركة عملاءُ سابقون في الموساد في 1982. وكشف صحفيون استقصائيون وأعضاء سابقون في المجالس العسكرية أن الشركة دربت فرق موت في غواتيمالا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا، وتورطت في الانقلابات والمحاولات الانقلابية في هندوراس وفنزويلا.تعمل الشركة الإسرائيلية الدولية لأنظمة الدفاع والأمن على تدريب الشرطة العسكرية البرازيلية (BOPE) سيئة السمعة في ريو دي جانيرو، معترفةً بكل فخر أن الشرطةَ في الأحياء الفقيرة (العشوائيات) تستخدم التكنولوجيا عينها التي تستخدمها إسرائيل في غزة. وفازت الشركة الإسرائيلية بعقدٍ مع اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية 2016 في ريو دي جانيرو. وقد تكاتفت حركات فلسطينية، مثل الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل والاستيطان واللجنة الوطنية للمقاطعة، مع حركات شعبية في ريو تدافع عن حقوق الإنسان في الأحياء الفقيرة وأطلقوا حملةً بعنوان “أولمبياد خالٍ من الفصل العنصري” بهدف إلغاء العقد.7

“تعتبر الدعوة إلى فرض حظرٍ عسكري شامل على إسرائيل جزءٌ من النضال العالمي مناهض الحروب والقمع وعسكرة المجتمع”

أُجريت اتصالات مماثلة بين حركة التضامن مع فلسطين والناشطين السود في الولايات المتحدة الذين أصدروا بيانًا تضامنيًا في 2015 وقَّعه ما يزيد على 1,000 ناشطٍ ومثقف أسود، قالوا فيه: “إن إمعان إسرائيل في اعتقال الفلسطينيين وسجنهم يستحضر صورة السجن الجماعي للسود في الولايات المتحدة بما في ذلك الاعتقال السياسي للثوريين منهم،” ودعوا إلى نضال مشترك لمحاربة شركة جي 4 أس الأمنية. وعلاوةً على ذلك، أيدت حركة “أرواح السود غالية” (Black Lives Matter) في آب/أغسطس 2016 حركة المقاطعة.الجدار الحدودي بين الولايات المتحدة والمكسيك هو موقعٌ آخر للنضال المشترك بين ناشطي التضامن مع فلسطين وبين السكان الأصليين المتضررين من المنهجيات والتكنولوجيا الإسرائيلية المنفَّذة على أراضيهم، والتي تضطلع إلبيت سيستمز فيها بدورٍ رئيسي.إن الحملة الجارية في الاتحاد الأوروبي لوقف تمويل شركة إلبيت سيستمز وغيرها من الشركات العسكرية الإسرائيلية الأخرى تمس هاجسًا أكبر يشغل كل مواطن أوروبي، وهو دورة الاتحاد الأوروبي الحالية لتمويل البحث والتطوير المسماة هورايزون 2020 التي تُعدُّ من أكبر برامج التمويل في العالم بميزانية تبلغ 80 مليار يورو (حوالي 88 مليار دولار بحسب أسعار الصرف في نهاية 2015). وبموجب هذا البرنامج، توزَّع أموال دافعي الضرائب في المقام الأول على الشركات والمؤسسات الأكاديمية العاملة على تطوير البحوث لخدمة الأعمال التجارية الكبيرة، بما في ذلك من خلال التعاون مع الشركات العسكرية الإسرائيلية. وغالبًا ما تنطوي المشاريع البحثية المنفذة مع الشركات العسكرية الإسرائيلية على تطوير التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج (التكنولوجيا التي يمكن استخدامها في أغراض عسكرية وأغراض مدنية)، في انتهاكٍ واضحٍ للوائح الاتحاد الأوروبي يساهمُ في عسكرة المجتمعات الأوروبية وأمننتها. وإذا علم معظم الأوروبيين كيف تُصرَف أموالهم، فإنهم سيُقرون على الأرجح بأن الاتحاد الأوروبي لا يضرّ الفلسطينيين وحسب، بل يضر مواطنيه أيضًا بالإنفاق على حروب تخلق لاجئين جدد، وعلى تكنولوجيا تتحكم بالأوروبيين وتصنفهم عرقيًا وتقمعهم بدلًا من تلبية احتياجاتهم.

استهداف نقاط الضعف في الجيش الإسرائيلي

يعرض هذا الموجز السياساتي نبذةً عن المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، ويحدد السُبل الممكنة لتقليل أرباح هذه الصناعة، والسعي نحو فرض حظرٍ على تجارة الأسلحة مع إسرائيل في نهاية المطاف حتى إحراز الحقوق الفلسطينية. ولا شك في أن هذا المسعى هو مشروع كبير، فالمجمع الصناعي العسكري يضم شركات قوية ذات نفوذ، ويستخدم أساليب دعائية وتسويقية بارعة، بينما مؤسسات الدفاع العالمية في الغالب قَصيةٌ في معزلٍ عن خطاب ناشطي التضامن. ومع ذلك، أن تقوم البلدان بإنهاء علاقاتها العسكرية بإسرائيل حتى تذعن للقانون الدولي ليس ضرورةً أخلاقية وحسب وإنما حملةٌ يمكن الانتصار فيها. واستنادًا إلى الخبرة المكتسبة حتى الآن، وفي ضوء التحليل الوارد أعلاه، ثمة العديد من نقاط الانطلاق التي ينبغي للناشطين النظر فيها.يُعتبر التثقيفُ العام والتوعية أمرًا أساسيًا. فمعظم الشعوب يفهمون بداهةً أنه لا ينبغي لحكوماتهم أن تظل على علاقة عسكرية بسلطة احتلالٍ تشن اعتداءات عسكرية دورية على قطاع غزة المحاصر ودول مجاورة أخرى، وتنفذ اجتياحات وغارات، وتهدم المنازل، وتمارس أشكالًا أخرى من انتهاكات حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة والقدس الشرقية، ولا سيما أن هذه الممارسات لا تنتهك القيم الأخلاقية لتلك الشعوب وحسب بل وقوانينها الوطنية والقانون الدولي. إن أعداد المدافعين عن حقوق الإنسان العاملين من أجل المقاطعة وسحب الاستثمارات آخذةٌ في النمو، وسوف تصل بعدَ حين أعدادُ الداعين إلى فرض عقوبات، ولا سيما عقوبات عسكرية، ما يكفي لتشكِّل كتلةً حرجة.وللتضامن مع فلسطين في المجتمعات المتضررة من العسكرة والأمننة أيضًا تاريخٌ طويل، ولا سيما في أمريكا اللاتينية، حيث ما فتئت إسرائيل ووكلاؤها في القطاع الخاص يدعمون فرق الموت والدكتاتوريات ويدربونها على مدى عقود. إن توطيد التعاون بين الأمريكيين السود، واللاتينيين، والشعوب الأصلية في الولايات المتحدة، بموازاة العسكرة الهائلة للحواضر الأوروبية، يعني أن ثمة إمكانية لنشوء شبكةٍ واسعة ومنظمة من الناشطين في الغرب أيضًا. وفي حالة الاتحاد الأوروبي، يمكن إحداث موجة من الرأي العام لمساندة الحجج الفنية المعارِضة لتمويل الجيش الإسرائيلي وغيره من الكيانات المتواطئة مع الاحتلال بموجب خطة هورايزون 2020.ينبغي للناشطين أن يستشهدوا في حملاتهم بالأدلة التي تبين أن التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية لا فعالة ولا خالية من المشاكل كما تزعم في دعايتها. ومن الأمثلة المشكلات الرئيسية في إنتاج الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، والشكوك التي تحوم حول القبة الحديدية. ومن الحجج الأكثر إقناعًا أن إسرائيل تضعف قدرة البلدان على إدارة نفسها دفاعيًا وعسكريًا، وتحوِّل القدرة الصناعية الوطنية في تلك البلدان إلى إسرائيل، وتستخدم نُظمها الأمنية للتجسس على البلدان المتعاملة معها، ما يُسفر فعليًا عن فقدان السيادة الوطنية والاستقلال.تظل إلبيت سيستمز، رغم ضخامتها، عرضةً للتأثر بتحركات الناشطين. فهي الشركة العسكرية الإسرائيلية الخاصة الوحيدة بهذا الحجم، ما يجعلها أكثر عرضةً للتضرر من الأزمات، ومخاطر المضاربات المالية، وإعادة الهيكلة الاقتصادية. إلبيت سيستمز مثقلةٌ بالديون، وتحتاج إلى تدفق نقدي مستمر لخدمة هذا الدين. فضلًا على أن حضورها العالمي غير المسبوق يجعل مهمةَ النيلِ منها ومن شركاتها التابعة أكثر يُسرًا للناشطين في البلدان المختلفة. إن اعتماد الصناعة العسكرية المتزايد على الموازنة العامة للدولة الإسرائيلية لإنقاذها يجعلها عرضةَ للتضرر، ويُضعف الدولة أكثر.ينبغي للناشطين كذلك أن يتعلموا من الدروس المستفادة من التجربة، فإسرائيل تسعى دائمًا إلى اغتنام الفرصة وتحقيق الاستفادة عند تولي الحكومات الجديدة السلطة أو عند تبني سياسات وطنية جديدة. وينبغي للناشطين أيضًا أن يغتنموا هذه الفرص بوضع خططٍ طارئة للتعامل مع تبدل الحكومات. فمن الضروري، حيثما أمكن، أن يسعى الناشطون للحصول على التزامات أو ضمانات لسنِّ تشريعات من الحكومات الصديقة ضد التجارة العسكرية مع إسرائيل، وأن يغتنموا المواقف التي تسنُّ فيها الحكومات المعادية سياسات تجافي المصالح الإسرائيلية. وفي هذا الصدد، تُعتبر الاستفادةُ من الديناميات الداخلية في مثل هذه الحالات عاملًا أساسيًا من عوامل النجاح.يقتضي فرضُ العقوبات العسكرية على إسرائيل أن يجتهد المجتمعُ المدني الفلسطيني والناشطون الفلسطينيون في الضغط على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية ليوظفا اتصالاتهما الدبلوماسية وأي قدرةٍ يمتلكانها على الإقناع سواء إزاء الدول منفردةً أم في إطار الأمم المتحدة. وعليهم أن يحرصوا، بوجه خاص، على أن تستخدمَ منظمةُ التحرير الفلسطينية/السلطة الوطنية الفلسطينية كلَّ وسيلةٍ متاحة لمنع وإلغاء صفقات السلاح بين دول الخليج وبين إسرائيل.لا أحد يستطيع أن يحسبَ متى ستبدأ الموجة، ولكن النضالات الشعبية ضد الاضطهاد والحرب والفصل العنصري التي تغذيها النظرةُ السلبية المتزايدة تجاه المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي قد تضرب صميمَ هذه الصناعة التي تستديم العدوان الإسرائيلي وترفده. إن أسطورة التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية آخذةٌ في الانهيار ببطء، وخصخصة الصناعة العسكرية الإسرائيلية يجعلها عرضةً لمخاطر الأسواق العالمية كسائر الشركات. ولعلَّ الدعوة إلى فرض عقوبات عسكرية ستكون موجعةً حتى قبل أن تكون الحكومات مستعدةً لتطبيق حظرٍ كامل على تجارة السلاح مع إسرائيل.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص  باللغة الأسبانية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. ينتمي الكاتبان للحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل والاستيطان.
  3. ومع ذلك، اختبرت المملكة المتحدة الطائرة في إقليم أسينشين التابع لها في مناطق ما وراء البحار.
  4. Bishara Bahbah, “Israel’s Military Relationship with Ecuador and Argentina,” Journal of Palestine Studies, 15, 2 (Winter 1986): 88-89. See also Hugo Harvey Parada, Chile – Israel Relations 1973-1990 (Santiago: RIL editores, 2011).
  5. Shir Hever, “Privatising Israel’s Arms Industry,” Middle East Eye, January 27, 2016, http://www.middleeasteye.net/columns/privatising-israels-arms-industry-977776963 تقدم هذه المقالة تحليلًا ممتازًا لعملية خصخصة شركة الصناعات الإسرائيلية ودور شركة إلبيت سيستمز.
  6. على سبيل المثال، رصدت بلجيكا عقب الهجوم على مطار بروكسل في آذار/مارس 2016 مخصصات إضافية بلغت 400 مليون يورو لوكالة استخبارية. وفي نيسان/أبريل، أصدر الاتحاد الأوروبي قانونًا مثيرًا للجدل بشأن التخزين طويل الأجل لمعلومات المسافرين جوًا، وهو ما سيكلف قرابة 500 مليون يورو. شركة إلبيت سيستمز مؤهلةٌ لأخذة حصة معتبرة في هذا المشروع، حيث دأب الاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة على تمويلها من أجل تطوير التكنولوجيا اللازمة لتنفيذ هذه السياسة. وبالإضافة إلى ذلك، تُظهر الوثائق التي نشرها مؤخرًا المعهد العابر للحدود الوطنية ومنظمة مناهضة تجارة الأسلحة “ستوب وابينهانديل” الأرباحَ التي تجنيها الشركات الإسرائيلية بفضل سياسات الهجرة المتبعة في الاتحاد الأوروبي. ولأن لدى هذه الشركات خبرةً واسعة في مجالات من قبيل استدامة الجدار وتطوير تكنولوجيا الطائرات بدون طيار (المستخدمة أساسًا في المجازر ضد غزة)، فهي تحمل في جعبتها الكثير لتقدمه إلى جهود مكافحة الهجرة التي يبذلها الاتحاد الأوروبي.
  7. لا يزال العقد قائمًا، على عكس التقارير التي قالت إنه أُلغي. ولا تزال الحملة ضد الشركة الإسرائيلية الدولية لأنظمة الدفاع والأمن مستمرة.
الكاتبة الضيف على الشبكة، مارين مانتوفاني، هي منسقة العلاقات الدولية في الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري والاستيطان، ومنسقة التواصل الدولي في ائتلاف الحق في...
جمال جمعة هو منسق للحملة الشعبية الفلسطينية لمقاومة جدار الفصل العنصري (أوقفوا الجدار) وعضو أمانة اللجنة الوطنية للمقاطعة (BNC) ، وعضو اللجنة التنفيذية للنقابات الجديدة.

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content