The EU and Jerusalem: The Potential for Pushback

ملخص تنفيذي

سجَّل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في أيار/مايو 2018 سابقةً خطيرة شجّعت إسرائيل على الإمعان في ضم الأرض الفلسطينية، ووجهت الدعوة إلى دول أخرى لخرق التزاماتها بموجب القانون الدولي. ومع أن الخطوة لاقت إدانةً من دول كثيرة، إلا أن دولًا أخرى حذت حذو الولايات المتحدة وفتحت سفارات لها في القدس. وسار التطبيع بسلاسة نسبية.

لطالما ظل المجتمع الدولي عاجزًا عن تأمين حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في القدس الشرقية والغربية على حد سواء. ومنها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وحق استعادة الممتلكات، والحقوق السياسية كاملةً، بالإضافة طبعًا إلى التحرر من الاحتلال.

دأبت الأمم المتحدة والكثير من أعضاء المجتمع الدولي على إدانة ضم القدس الشرقية في 1967، في حين استمرت إسرائيل في ترسيخ سيطرتها على المدينة على الأرض من خلال التشريعات والقوانين. إن التطبيع الأخير للسيادة الإسرائيلية على القدس كاملة يُرسل الرسالة المعهودة بأن إسرائيل لن تواجه أي تبعات بسبب ضم الأرض الفلسطينية أو حتى انتهاك القانون الدولي.

فقد أخذ الاتحاد الأوروبي منحى خطابيًا جليًا إزاء القدس متماشيًا مع القانون والإجماع الدولي. ولكن هذا الرد الخجول من الدول الثالثة يدل على غياب إرادتها من حيث الالتزام بمسؤولياتها والتصدي لإسرائيل.

لا تنحصر المسألة في تخلي الدول الثالثة عن مسؤولياتها، بل تتعداها إلى حد التواطؤ، كما هي حال الاتحاد الأوروبي المتواطئ في الانتهاكات الإسرائيلية من خلال الروابط التجارية والتمويلية العديدة، مثل برنامج "أُفق 2020،" وهو برنامج بحثي ابتكاري تبلغ ميزانيته 80 مليار يورو.

غير أن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حيال القضية الفلسطينية تفرض تحديات. فبولندا وهنغاريا، على سبيل المثال، تحكمهما حكومتان متشددتان حليفتان لإسرائيل. وتحول ديناميات الاتحاد الأوروبي الداخلية دون اتخاذ أي إجراء فعال بشأن فلسطين.

وبالرغم من هذه القضايا والتحول العالمي نحو اليمين، ما يزال ثمة متسعٌ للاتحاد الاوروبي كي يضغط على إسرائيل. إن قوة الدعم الشعبي الأوروبي لحقوق الفلسطينيين وسيادتهم، وحقيقة أن الاتحاد الأوروبي مبني على القانون الدولي وحقوق الإنسان، تجعل من الاتحاد الأوروبي أحد الميادين القليلة المتبقية للسعي لإحراز حقوق الإنسان الفلسطيني في الساحة السياسية الدولية.

توصيات سياساتية:

1. ينبغي للاتحاد أن يحضَّ أعضاءه على إصدار بيانات فردية تدين نقل السفارة الأمريكية.

2. ينبغي للممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي أن تؤكد وجوب التزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمسؤولياتها كدول ثالثة وذلك بالامتناع عن التواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية أو الانتهاكات الأمريكية للقانون الدولي.

3. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يُعيد تقييم المبادئ التوجيهية لبرنامج أُفق 2020 المتواطئة أصلًا في جرائم الحرب الإسرائيلية.

4. يجب على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أن يطبقوا عدم الاعتراف الدولي بالسيادة الإسرائيلية على القدس.

5. على غرار السابقة التي شهدها العام الماضي حين طالبت ثمان دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي بتعوضيات من إسرائيل بدل الألواح الشمسية الممولة من الاتحاد الأوروبي التي صادرتها إسرائيل من أحد المجتمعات البدوية، ينبغي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء منفردة أن ترفع دعاوى قضائية من أجل الحصول على تعويضات مالية من إسرائيل كلما أقدمت الأخيرة على تدمير إنشاءات أو مشاريع أوروبية.

6. يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أن تؤكد حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في القدس بشطريها الشرقي والغربي.

نظرة عامة

سجَّل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في أيار/مايو 2018 سابقةً خطيرة شجّعت إسرائيل على الإمعان في ضم الأرض الفلسطينية واستعمارها، ووجهت الدعوة إلى دول أخرى لخرق التزاماتها بموجب القانون الدولي. ومع أن الخطوة لاقت إدانةً من دول كثيرة، إلا أن دولًا أخرى مثل غواتيمالا والباراغواي حذت حذو الولايات المتحدة وفتحت سفارات لها في القدس. وقد سار التطبيع بسلاسة نسبية، وأعلنت دول عديدة كالمملكة المتحدة بأنها ستحضر الاجتماعات المنعقدة في مقر السفارة الأمريكية الجديد في القدس.1

تتبع هذه المناورات السياسية الأخيرة مسارًا تدهوريًا بالنسبة إلى الفلسطينيين في المدينة. فلطالما ظل المجتمع الدولي عاجزًا عن تأمين حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في القدس الشرقية والغربية على حد سواء. ومنها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، وحق استعادة الممتلكات، والحقوق السياسية كاملةً، بالإضافة طبعًا إلى الحق في التحرر من الاحتلال.

إن الفشل في تجاوز لغة الخطاب وبيانات الإدانة والاستنكار والتقاعس عن تطبيق القانون الدولي سمح لإسرائيل بترسيخ سطوتها على الشعب الفلسطيني وأرضه. ولتطبيع السيادة الإسرائيلية على القدس كاملة كما في الآونة الأخيرة تداعياتٌ خطيرة بوجه خاص، ويُرسل لإسرائيل الرسالة المعهودة بأنها لن تواجه أي تبعات بسبب ضم الأرض الفلسطينية أو حتى انتهاك القانون الدولي.

تبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا واضحًا إزاء نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، حيث صرَّح بأنه لا يزال متمسكًا بالإجماع الدولي بشأن القدس الرافض لإقامة مقرات البعثات الدبلوماسية في المدينة إلى حين التوصل إلى حل لوضع المدينة النهائي. وقد أكدت دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي هذا الموقف ببيانات فردية أيضًا، حيث أعلنت فرنسا بأن نقل السفارة يُناقض القانون الدولي. غير أن دولًا أعضاء أخرى، كجمهورية التشيك وهنغاريا ورومانيا التي حضرت حفل افتتاح السفارة الأمريكية، صدَّت الاتحاد الأوروبي عن إصدار بيان مشترك يُدين الخطوة الأمريكية.

وبالرغم من افتقار الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى موقف موحد إزاء الحقوق الفلسطينية وبالرغم من نزعة الاتحاد الأوروبي إلى إصدار بيانات كلامية بحتة تدين الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، إلا أن هناك إمكانية لأنْ يضطلع الاتحاد الأوروبي بدور مؤثر في محاسبة إسرائيل. إن قوة الدعم الشعبي الأوروبي لحقوق الفلسطينيين وسيادتهم، وحقيقة أن الاتحاد الأوروبي مبني على القانون الدولي وحقوق الإنسان، تجعل من الاتحاد الأوروبي أحد الميادين القليلة المتبقية للسعي لإحراز حقوق الإنسان الفلسطيني في الساحة السياسية الدولية.

يتناول هذا الموجز السياساتي وضعَ القدس، والانتهاكات الإسرائيلية في المدينة، وسِجل الاتحاد الأوروبي في التقاعس. ويختتم باقتراح سُبل على الاتحاد الأوروبي لتغيير مساره من خلال تجاوز لغة الخطاب وحمل إسرائيل على احترام حقوق الفلسطينيين المقدسيين.

المصادرة والاضطهاد

أرسى الانتداب البريطاني، المفروض على فلسطين في 1923 بتوجيه من عصبة الأمم، الأساسَ القانوني للسيادة الفلسطينية. فكان من المفترض بالانتداب أن يكون ترتيبًا مؤقتًا يُفضي إلى تقرير المصير الفلسطيني. غير أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت القرار رقم 181 في تشرين الثاني/نوفمبر 1947 الذي يوصي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. كانت الدولة العربية ستُقام على 44% من أرض فلسطين التاريخية بالرغم من أن العرب الفلسطينيين كانوا يشكِّلون أكثر من ثلثي السكان وكانوا يمتلكون جُل مساحة الأرض. واقترح القرار أن يصبح للقدس “مكانة خاصة” تحت الإدارة الدولية.

قَبلت المنظمة اليهودية بالخطة بينما رفضتها القيادة الفلسطينية بعدما أدركت مدى إجحافها. واستمر العنف في أرجاء فلسطين وأفضى في نهاية المطاف إلى انتصار القوات الصهيونية وقيام دولة إسرائيل في أيار/مايو 1948 على 78% من أرض فلسطين التاريخية.

وفي 1967، احتلت إسرائيل مرتفعات الجولان وقطاع غزة والضفة الغربية. وضمت القدس الشرقية، مروِّجةً فعلتها كإجراء لإعادة توحيد المدينة. وقد استنكر المجتمع الدولي هذا الصنيع غير القانوني، وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا بالإجماع يدعو إسرائيل إلى إلغاء كافة التدابير التي اتخذتها في سياق الاستيلاء على القدس الشرقية. وفي وقت لاحق من العام نفسه، أقرّ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع القرار رقم 242 الذي دعا إلى “سلام عادل ودائم،” وكان يقتضي من إسرائيل الانسحاب من الأرض المحتلة. وفي أيار/مايو 1968، أصدر المجلس القرار رقم 252 الذي دعا إسرائيل إلى إبطال أنشطتها كافة في القدس وأن “تمتنع فوراً من القيام بأي عمل آخر من شأنه أن يغير في وضع” المدينة.

استمرت الأمم المتحدة والكثير من أعضاء المجتمع الدولي في إدانة ضم القدس واحتلال أراضي 1967، ولكن إسرائيل استمرت في ترسيخ سيطرتها على المدينة على الأرض من خلال التشريعات والقوانين. ففي 1967، وسَّعت الحكومة الإسرائيلية حدود بلدية القدس، وطبقت نظامها القانوني على الأرض المحتلة.  ثم سنَّت إسرائيل قانون القدس في العام 1980 وكان بمثابة إعلان للسيادة الإسرائيلية على المدينة بأسرها. نص هذا القانون على أن “أورشليم القدس الكاملة الموحدة هي عاصمة إسرائيل،” وبموجبه صار التوحيد غير القانوني جزءًا من قانون إسرائيل الأساسي الذي يُعد بمنزلة دستور الدولة.2

إن الدعم الشعبي الأوروبي لفلسطين يجعل الاتحاد الأوروبي أحد الميادين القليلة المتبقية للسعي لإحراز حقوق الإنسان الفلسطيني على المستوى العالمي Share on X

لقد دأبت إسرائيل على تدمير حياة الفلسطينيين الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية. فما انفكت تضيِّق على قطاع السياحة، وتخنق الحركة التجارية في المدينة القديمة، وتهمِّش قطاع الخدمات، وتدفع الاقتصاد الفلسطيني إلى حافة الانهيار. وقد تفاقم الوضع مع بناء جدار الضم الذي بدأ تشييده في 2002 والذي ناهز طوله حتى الآن 712 كيلومترا، حيث عزل القدس الشرقية عن سائر الضفة الغربية، وأسفر عن تراجع الحركة التجارية الفلسطينية في المدينة.

وفي العام 2001، داهمت الشرطة الإسرائيلية المؤسسة الوحيدة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس، بيت الشرق، وأغلقتها. وكانت تحتوي على بحوثًا مؤرشفة وصورًا ووثائق دبلوماسية مهمة، وكانت أيضًا المقر الوحيد الممثل للسياسة الفلسطينية في المدينة كما كانت تعتبره الأطراف الدولية المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام المنعقد في 1991. وفي السنوات اللاحقة، تعرضت مؤسسات ثقافية فلسطينية أخرى للاعتداء، ومن بينها المسرح الوطني الفلسطيني، الحكواتي، الذي أُغلق في مناسبات عديدة.

يُصنَّف معظم الفلسطينيين في القدس الشرقية كمقيمين دائمين، وهذا التصنيف يمنحهم حقوقًا أقل من حقوق نظرائهم الإسرائيليين اليهود الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية. تمنح الإقامة الدائمة الفلسطينيين بعض المزايا الاجتماعية مثل التأمين الصحي وأهلية التصويت في الانتخابات البلدية، ولكنها لا تمنحهم حقوق المواطنة الكاملة بما فيها حق التصويت في الانتخابات الوطنية. الفلسطينيون المقيمون في القدس الشرقية محصورون أيضًا في العيش ضمن حدود القدس بموجب سياسة “مركز الحياة” التي تفرض على المقيمين الدائمين إما أن يثبتوا سكنهم في القدس وإما أن يتعرضوا لسحب إقاماتهم. ومنذ 1967، سحبت إسرائيل الإقامة مما يزيد على 14,000 فلسطيني مقدسي.

تمارس إسرائيل سياسةً تخطيطية تميزية، اذ ما انفكت تمنع تصاريح البناء والأراضي عن الفلسطينيين لغرض البناء القانوني. وفي مواجهة النمو السكاني ومحدودية المساكن المتوفرة، يُضطر الفلسطينيون إلى البناء دون الحصول على التصاريح الإسرائيلية. تعتبر إسرائيل هذه المساكن غير قانونية بالرغم من أن الاختصاص الإسرائيلي لا يسري على الأرض المحتلة. ومع ذلك، أقدمت السلطات الإسرائيلية منذ 1967 على هدم 5,000 منزل فلسطيني. أما اليوم فثلث منازل الفلسطينيين في القدس الشرقية معرضة لخطر الهدم وتشريد قاطنيها الذين يفوق عددهم 100,000 فلسطيني.

ومن المعرَّضين للخطر بوجه الخصوص المجتمعاتُ البدويةُ الريفية القاطنة على أطراف القدس في منطقة تُسمى E1، وبعضها في المنطقة (ج) من الضفة الغربية. وهذا الممر الاستراتيجي الممتد بين القدس وبين مستوطنة معاليه أدوميم غير القانونية يقطع الضفة الغربية إلى نصفين شمالي وجنوبي. وتخطط إسرائيل لبناء تجمع استيطاني حضري من شأنه أن يوسِّع حدود القدس الكبرى بربط المدينة بالمستوطنات القريبة.

ومن المجتمعات العديدة التي تواجه خطر الهدم قرية الخان الأحمر. فقد رفضت السلطات الإسرائيلية تزويد القرية بالبنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الماء والكهرباء. وفي العام 2009، موَّلت إيطاليا وبلجيكا والاتحاد الأوروبي مشروعًا لبناء مدرسة تخدم أطفال الخان الأحمر والمجتمعات البدوية الفلسطينية المحيطة. أما اليوم فقد بات دمار هذا المجتمع وشيكًا ولا سيما أن الموعد النهائي الذي حددته إسرائيل لأهالي القرية ليدمروا بيوتهم بأيديهم قد انقضى. وحذَّرت الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، بأن “تداعيات هدم هذا المجتمع وتشريد أهله، بمن فيهم الأطفال، رغمًا عنهم ستكون خطيرةً جدًا.”

التقاعس والتواطؤ

تنسجم التصريحات، من قبيل تصريح موغيريني، مع ممارسات الشجب والاستنكار التي يمارسها الاتحاد الأوروبي في وصف الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي في القدس. فقد أخذ الاتحاد الأوروبي منحاً خطابيًا جليًا إزاء القدس، متماشيًا والقانون الدولي والإجماع الدولي. وقد صرَّحت موغيريني في صبيحة نقل السفارة الأمريكية بالتالي:

يظل الاتحاد الأوروبي ملتزمًا بمواصلة العمل مع كلا الطرفين ومع شركائه في المجتمع الدولي من أجل استئناف المفاوضات لِما يُجدي في تحقيق حل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وتقاسم القدس كعاصمة لكلا الطرفين. يمتلك الاتحاد الأوروبي موقفًا موحدًا واضحًا بشأن القدس أكده مجلس العلاقات الخارجية في مناسبات عديدة. وسوف يستمر الاتحاد الأوروبي في احترام الإجماع الدولي بشأن القدس كما يتجسد في صكوك دولية عديدة منها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 478، وبما يتعلق أيضًا بمقرات الممثلين الدبلوماسيين إلى حين التوصل إلى حل بخصوص الوضع النهائي للقدس.

غير أن هذه البيانات والتصريحات لم تتمخض عن أي إجراءات من شأنها أن تحاسب إسرائيل على أفعالها. ومرةً أخرى، في أعقاب إعلان الحكومة الإسرائيلية في 2017 بناءَ آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا يطلب “توضيحات” ويطلب من إسرائيل أن “تعيد النظر في هذه القرارات.” يشي هذا الرد الخجول بغياب إرادة الدول الثالثة من حيث الالتزام بمسؤولياتها والوقوف في وجه الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي. وفي الوقت نفسه، تواصل إسرائيل إكراه الفلسطينيين على مغادرة القدس، وحرمانَهم حقوقهم الأساسية.

الاتحاد الأوروبي متواطئ في الانتهاكات الإسرائيلية من خلال الروابط التجارية والتمويلية العديدة Share on X

لا تنحصر المسألة في تخلي الدول الثالثة عن مسؤولياتها، بل تتعداها إلى حد التواطؤ، كما هي حال الاتحاد الأوروبي المتواطئ في الانتهاكات الإسرائيلية من خلال الروابط التجارية والتمويلية العديدة. فقد حظيت مبادرات إسرائيلية عديدة منذ 1995 بفرصة الحصول على تمويل بحثي من الاتحاد الأوروبي. وقد اشتمل ذلك مؤخرًا على الحصول على تمويل من برنامج “أُفق 2020” وهو برنامج بحثي ابتكاري تبلغ ميزانيته 80 مليار يورو. وإسرائيل هي الدولة غير الأوروبية الوحيدة ذات المشاركة الكاملة في برنامج أُفق 2020 الذي بات يموِّل في الوقت الحاضر ما يزيد على 200 مشروع إسرائيلي، منها مشاريع تنفذها شركتا إلبيت سيستمز والصناعات الفضائية الجوية الإسرائيلة المتهمتان بالتواطؤ في جرائم حرب إسرائيلية. وعلى الرغم من أن التمويل محصورٌ زعمًا في المشاريع ذات التطبيقات المدنية، إلا أن عبارة “الاستخدام المزدوج” تسمح بتمويل بنود تحتمل أن يكون لها وظائف عسكرية، مثل الطائرات المُسيَّرة والروبوتات. وبعبارة أخرى، تستطيع الشركات الإسرائيلية الحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي لمشروع ذي صبغة مدنية ومن ثم تطوره لاحقًا لخدمة القطاع العسكري. وهذا الوضع إشكالي للغاية ولا سيما لأن إسرائيل في طليعة مصنعي التقنيات العسكرية، ومذنبة بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين.

يُساهم برنامج أُفق 2020 في تعزيز شرعية الضم الإسرائيلي للقدس الشرقية، إذ إن وزارة العلوم الإسرائيلية وسلطة الآثار الإسرائيلية، المستفيدتين من تمويل البرنامج، موجودتان في القدس الشرقية. وبالرغم من وجود مقريهما هناك، إلا أن الاتحاد الأوروبي أكَّد في 2013 بأن ذلك “لن يعوق” التعاون. وتستفيد من تمويل الاتحاد الأوروبي أيضًا الجامعة العبرية في القدس الشرقية الآخذة في التوسع على الأرض المحتلة سنة 1967 وتحديدًا على أرض قرية العيساوية. إن السماح لإسرائيل بالاستفادة من التمويل الأوروبي بينما تعمل على الأرض التي ضمتها دون وجه قانوني لا يُنافي القانون الدولي وحسب، بل ينافي أيضًا المبادئ المعلنة للاتحاد الأوروبي وموقفه بشأن القدس.

الاتحاد الأوروبي: القيود والفرص

لقد ساهم نقل السفارة الأمريكية في تسريع وشرعنة عملية إفراغ القدس من الفلسطينيين التي بدأت قبل ما يزيد على سبعة عقود. وفي ظل غياب الضغط الحقيقي، سوف تستمر إسرائيل في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني الأساسية في القدس وسائر فلسطين التاريخية، بدعم كامل وتشجيع من إدارة ترامب ومن حلفائها اليمينيين المتطرفين في أوروبا وأمريكا اللاتينية.

وبالرغم من تقاعس الاتحاد الأوروبي الموصوف آنفًا والتحول العالمي نحو اليمين، ما يزال ثمة متسعٌ للاتحاد كي يضغط على إسرائيل ويسعى إلى تأمين حقوق الإنسان الفلسطيني. ويُعزى ذلك إلى قوة التأييد الشعبي الأوروبي لحقوق الفلسطينيين والسيادة الفلسطينية التي تسمح بنمو شبكات التضامن الشعبي، وإلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي قائم على القانون الدولي وحقوق الإنسان، كما نص على ذلك إطاره الاستراتيجي:

الاتحاد الاوروبي مبني على إصرار مشترك على تعزيز السلام والاستقرار وبناء عالم قائم على احترام حقوق الإنسان والديمقراطية وحكم القانون. وسوف يستمر الاتحاد الأوروبي في استخدام كامل قوته في مساندة المدافعين عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم.

يمتلك الاتحاد الأوروبي القدرة على محاسبة إسرائيل من خلال التعاون العلمي والثقافي والاقتصادي المذكور آنفًا، وذلك باستغلال هذه الروابط لإرسال رسالة واضحة لإسرائيل بأن الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع تصرفاتها بعد الآن. لقد حاول الاتحاد الأوروبي من قبل إرسال هذه الرسالة في 2015 ولكن النتائج جاءت في أحسن أحوالها متباينة.

أصدر الاتحاد الأوروبي تعليمات جديدة تنص على وضع بطاقات تعريفية على المنتجات المستوردة من المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية (بما فيها المستوطنات المشيدة في القدس الشرقية) تأكيدًا لالتزام الاتحاد الأوروبي بحدود 1967. وُضعت هذه التعليمات كجزء من حملة “التفريق” (differentiation) التي تهدف إلى استثناء منتجات المستوطنات أو الأنشطة المرتبطة بالمستوطنات من العلاقات الثنائية بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.

وثمة الكثيرون من العاملين من أجل الحقوق الفلسطينية في منطقة الاتحاد الأوروبي يعدون تعليمات التفريق ووضع البطاقات التعريفية نصرًا كبيرًا وخطوةً صائبة أخلاقيًا ومنسجمة مع القانون. غير أن هذا الإجراء ليس مطبقًا محليًا على مستوى البيع بالتجزئة، فضلًا على أنه يحيل المسألة للمستهلك ويرهنها بقراره وليس بالتزام الدولة. وهكذا فإن هذا الإجراء لا يفي بتعهدات الاتحاد الأوروبي بموجب القانون الدولي، وهو قاصرٌ عن تأمين الحقوق الفلسطينية الأساسية.

تحول الانقسامات الداخلية في الاتحاد الأوروبي دون اتخاذ أي إجراء فعال بشأن فلسطين Share on X

يقابل هذه التعليمات مشروع القانون الآيرلندي “ضبط النشاط الاقتصادي (الأرض المحتلة)” الذي صادق عليه مجلس الشيوخ الآيرلندي في تموز/يوليو 2018. يدعو مشروع القانون إلى فرض حظر تام على استيراد منتجات المستوطنات غير القانونية وبيعها. وبالرغم من أنه يتعين على مشروع القانون هذا أن يجتاز إجراءات تشريعية عديدة قبل أن يغدو قانونًا نافذًا، إلا أنه يضرب مثالًا لدولة عضو في الاتحاد الأوروبي متمسكةٍ بقانونها المحلي وتعهداتها بموجب القانون الدولي. فهو يحاسب إسرائيل على التربح من الأرض المحتلة في 1967، وسرقة الأرض والموارد. وإذا أصبح مشروع القانون قانونًا نافذًا، فمن المرجح أن يكون له تداعيات اقتصادية على إسرائيل، وأن يقدم نموذجًا يُحتذى للدول الأخرى الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الراغبة في التحرك على مستوى فردي أو جماعي.

غير أن الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حيال القضية الفلسطينية تفرض تحديات. فبولندا وهنغاريا، على سبيل المثال، تحكمهما حكومتان متشددتان حليفتان لإسرائيل، بينما تتفادى دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة الضغطَ على إسرائيل للحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية الجيدة معها.

تحُول ديناميات الاتحاد الأوروبي الداخلية دون اتخاذ أي إجراء فعال بشأن فلسطين. فثمة دول قليلة في الاتحاد مستعدة لإخضاع سياساتها الوطنية لسياسة الاتحاد الأوروبي. بل إن سياسات الاتحاد الأوروبي الخارجية هي التي تتماشى مع سياسات الدول المنفردة، وهذه الأخيرة هي التي تأخذ السبق. ويُظهر هذا التقاعسُ الفجوةَ القائمة بين الخطاب والواقع. فالاتحاد الأوروبي لا يفتقر إلى السياسات أو الحجج القانونية لكي يتصدى لإسرائيل على خلفية ضم القدس، ولكنه يفتقر إلى الإرادة السياسية لسن تدابير عقابية ملموسة.

هذه القيود لا تنشأ فقط من نظام عضوية الدول في الاتحاد وغياب الاتساق في السياسات الخارجية، بل تنشأ أيضًا من مقاربة الاتحاد الأوروبي التي تعتمد القوة الناعمة في ظرف عالمي يشهد تناميًا في القوة الصلبة. ومع ذلك، هناك إمكانية لتغيير هذا التقاعس النمطي.

ويمكن للاتحاد الأوروبي أن ينطلق من التوصيات السياساتية التالية ليتمسك بالتزاماته اتجاه الشعب الفلسطيني والإطار القانوني الدولي.

إجراءات فورية للاتحاد الأوروبي

1. على ضوء البيان المشترك الذي عرقلت بعض دول الاتحاد الأوروبي إصداره، ينبغي للاتحاد أن يشجع أعضاءه الثمانية والعشرين على إصدار بيانات فردية تدين نقل السفارة الأمريكية وتُبرز أضرار تلك الخطوة على السيادة الفلسطينية وحقوق الإنسان الأساسية.

2. ينبغي للممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي أن تؤكد وجوب التزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بمسؤولياتها كدول ثالثة وذلك بالامتناع عن التواطؤ في جرائم الحرب الإسرائيلية أو الانتهاكات الأمريكية للقانون الدولي. وهذا يشمل تذكير الدول الأعضاء بضرورة الامتناع عن حضور الاجتماعات الدبلوماسية أو الفعاليات في مقر السفارة الأمريكية الجديد.

3. يجب على الاتحاد الأوروبي أن يُعيد تقييم المبادئ التوجيهية لبرنامج أُفق 2020 المتواطئة أصلًا في جرائم الحرب الإسرائيلية من خلال بند “الاستخدام المزدوج.” وينبغي للاتحاد الأوروبي كذلك أن يحرص بألا يصل التمويل إلى أي هيئة أو مؤسسة إسرائيلية تتخذ من القدس الشرقية مقرًا لها أو تعمل فيها.

4. يجب على الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء أن يطبقوا عدم الاعتراف الدولي بالسيادة الإسرائيلية على القدس، وأن يتبنوا موقفًا قويًا لضمان عدم تورطهم في الانتهاكات الإسرائيلية أو الأمريكية للقانون الدولي. وهذا ينطوي على استنكار الفعاليات الأوروبية المنظمة في القدس مثل سباق الدراجات الهوائية “طواف إيطاليا” (Giro d’Italia). فهذه الفعاليات جزء مهم في محاولات إسرائيل الرامية لتطبيع سيادتها على المدينة.

5. على غرار السابقة التي شهدها العام الماضي حين طالبت ثمان دول أعضاء في الاتحاد الاوروبي بتعوضيات من إسرائيل بدل الألواح الشمسية الممولة من الاتحاد الأوروبي التي صادرتها إسرائيل من أحد المجتمعات البدوية، ينبغي للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء منفردة أن ترفع دعاوى قضائية من أجل الحصول على تعويضات مالية من إسرائيل كلما أقدمت الأخيرة على تدمير إنشاءات أو مشاريع أوروبية. وفي هذا الصدد، قد تشكِّل حملة جماعية للمطالبة بالتعويض رادعًا لخطر الهدم الوشيك.

6. يجب على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، مجتمعة ومنفردة، أن تؤكد حقوق الفلسطينيين القانونية والتاريخية في القدس بشطريها الشرقي والغربي. ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يدعم المقاومة الفلسطينية والمحاولات الرامية لاستعادة السيادة دون نزع الصفة السياسية عنها. ومن الخطوات المهمة في هذا الصدد تسهيلُ عودة مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، مثل بيت الشرق، إلى القدس ودعم التنظيمات الشعبية.

تستند هذه الورقة السياساتية إلى ورقة كُتبت لمؤسسة هاينريش بول بعنوان The EU and Jerusalem: A Palestinian Perspective.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. مع أن الكثيرين من أعضاء المجتمع الدولي يُقسِّمون المدينة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فإن هذا التقسيم لا ولن  ينفي حق الفلسطينيين في القدس كلها. قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948 يكفل عددًا من هذه الحقوق. بالرغم من هذا التأكيد لحق الفلسطينيين في العودة والحق في استعادة الممتلكات أو التعويض، إلا أن المجتمع الدولي ما انفك يناقش على مستوى مؤسساته حقوقَ الفلسطينيين ضمن حدود 1967. وهكذا فإن الفاعلين الدوليين لا يعجزون عن إحراز الحقوق الفلسطينية على الأرض وحسب وإنما في خطاباتهم أيضًا.
يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content