ملخص تنفيذي
مضت 42 سنةً منذ قضى ستةُ فلسطينيين مواطنين في إسرائيل نحبَهم برصاص الشرطة الإسرائيلية أثناء احتجاجهم على مصادرة أراض فلسطينية. ولم تقتصر الاحتجاجات الشعبية على مصادرات الأراضي، وإنما طالت سياسات إسرائيل العامة الموجهة نحو محو الوجود الفلسطيني. وغدا تاريخ 30 آذار/مارس 1976 يُعرف منذ ذلك الحين باسم يوم الأرض. وفي هذا العام، يكتسب يومُ الأرض أهميةً إضافية إذ يصادف الذكرى السبعين للنكبة. "مسيرة العودة الكبرى" التي نُظمت في غزة الشهر الماضي هدفت إلى تخليد يوم الأرض وربطه بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وحقيقةُ أن عددَ من سقطوا في مسيرة هذا العام يفوق بثلاثة أضعاف عددَ الذي قضوا في أول نسخةٍ من يوم الأرض تُبرزُ كيف أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تُعدُّ تهديدًا اليوم كما كانت قبل أربعة عقود.
النتيجة الرئيسية لمشاريع الاستعمار الاستيطاني تتمثل في إعادة ترتيب الحيز المكاني وإعادة توزيع السكان الأصليين في إطار عملية إعادة هيكلة مقصودة وعنيفة تمهِّد لإنشاء مجتمعٍ جديد بتنظيم اجتماعي ومكاني جديد. فقد طردَ الصهاينةُ في العام 1948، في إطار مشروع استعماري استيطاني، 750,000 فلسطيني. أمّا الذين بقوا في أرضهم، وهم 150,000 فلسطيني، فقد اضطرت إسرائيل إلى استيعابهم كمواطنين، ولكن ظلت تقصيهم على أساس أنهم ليسوا يهودًا.
استخدمت إسرائيل في السنوات الأولى بُعيد 1948 آلياتٍ مختلفةً للاستيلاء على الأراضي، بما فيها التدابير التشريعية. وما برحت إسرائيل تبرر استيلاءها على الأراضي بأنه لخدمة المصلحة العامة والمحافظة على الطابع اليهودي للدولة.
طبقت الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية في 1967 آلياتٍ "قانونيةً" وأوامرَ عسكريةً لتيسير استعمار الأراضي الفلسطينية، مثل مصادرة الأراضي بذريعة الأمن التي استولت إسرائيل بموجبها على أراضٍ لبناء ما لا يقل عن 42 مستوطنة. وتطبيق القانون العثماني وقانون الانتداب الإنجليزي الذي يسمح للدولة بمصادرة الأرض "لغرض عام".
نشهد اليوم تسارعًا رهيبًا في مصادرة الأراضي الفلسطينية. وقد تجلت هذه الأزمة مؤخرًا بسبب المناورات السياسية في القدس حيث عكفت الحكومة الإسرائيلية على استغلال تجاهل الإدارة الأمريكية الصارخ للقانون الدولي. فقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أعطى الجرأة لإسرائيلَ كي تعزز سيطرتها الكاملة على المدينة.
دأب الفلسطينيون على مواجهة هذه النكبة المستمرة بالانخراط فيما اصطلحَ البعض على تسميته بالمقاومة المكانية – وهي ممارسات تؤكد الوجود الفلسطيني واستمراره على الأرض وتتحدى الاستعمار الإسرائيلي. ومن أمثلتها إقامة "قرى" الخيام الفلسطينية وتأكيد المِلكية الفلسطينية للأرض، والتصدي لمحاولات مصادرتها المستمرة، والمحافظة على وجود فلسطيني – دائم أو مؤقت – في مواقع القرى المدمرة.
توصيات سياساتية
ينبغي أن يواصل الفلسطينيون المنخرطون في الأنشطة والفعاليات الشعبية الربطَ بين الكفاحات المحلية والدعوةَ إلى التنسيق عبر جانبي الخط الأخضر. ينبغي أن يطالب الفلسطينيون أيضًا بدعم هذه الأنشطة وحمايتها دوليًا ومن أطراف ثالثة. وينبغي للجهات الدولية الفاعلة التي استثمرت في البنية التحتية الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل أن تطالبَ بالتعويض المالي.
يجب أن تستخدم الدول الثالثة جميع التدابير الممكنة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية كما عرفها القانون الدولي، بما في ذلك دعم الشكاوى المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية بخصوص ارتكاب جرائم حرب، كالشكوى التي رفعتها منظمات المجتمع المدني الفلسطينية في 2017، والمطالبة بإجراء تحقيق واسع ورسمي في الانتهاكات الإسرائيلية، كالذي دعت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش في 2016، وسنّ العقوبات وإنفاذها – وهي آلية استُخدمت ضد روسيا على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم.
ولا بد من بذل الجهود لتحدي السرقات الإسرائيلية للممتلكات والأراضي بأثر رجعي حتى العام 1948. وينبغي أن يضطلع الفلسطينيون بجهدٍ جماعي لإجراء البحث حول مطالباتهم وصياغتها انطلاقًا من الموارد المتوفرة وبناءً عليها.
نظرة عامة
مضت 42 سنةً منذ قضى ستةُ فلسطينيين مواطنين في إسرائيل نحبَهم برصاص الشرطة الإسرائيلية أثناء احتجاجهم على مصادرة الحكومة الاسرائيلية لآلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية. نجمت الاحتجاجات عن تحرك جماعي شعبي داخل الخط الأخضر، ذاك الجزء من فلسطين التاريخية الذي أصبح يُعرف بإسرائيل سنة 1948. لم تقتصر مقاومة المجتمعات الفلسطينية في تلك الاحتجاجات على مصادرات الأراضي، وإنما طالت سياسات إسرائيل العامة الموجهة نحو محو الوجود الفلسطيني. وغدا تاريخ 30 آذار/مارس 1976 يُعرف منذ ذلك الحين باسم يوم الأرض، وهو حدثٌ كبير في التقويم السياسي الفلسطيني وفي الرواية الجماعية. وفي هذا العام، يكتسب يومُ الأرض أهميةً إضافية إذ يصادف الذكرى السبعين للنكبة. فقد سعت “مسيرة العودة الكبرى” التي نُظمت في غزة الشهر الماضي إلى تخليد يوم الأرض وإلى ربطه أيضًا بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة. وحقيقةُ أن عددَ من سقطوا في مسيرة هذا العام يفوق بثلاثة أضعاف عددَ الذي قضوا في أول نسخةٍ من يوم الأرض تُبرزُ كيف أن المقاومة الفلسطينية ما زالت تُعدُّ تهديدًا اليوم كما كانت قبل أربعة عقود.12
ما انفك الفلسطينيون طوال هذه العقود يتحدون السرقات الإسرائيلية للأرض، وهذه السرقات مستمرةٌ ومتسارعة أيضًا رغم أنها تنتهك القانون الدولي. ويعكف الفلسطينيون على زيادة مقاومتهم بعد أن أعطى الرئيسُ الأمريكي دونالد ترامب وإدارته الضوءَ الأخضر لإسرائيل لضم المزيد من الأراضي وبناء المزيد من المستوطنات، ولا سيما باعترافه مؤخرًا بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
يتناول هذا التحليل السياساتي أهمية الهيمنة المكانية للاستعمار الاستيطاني من خلال النظر في المصادرات الإسرائيلية للأراضي في الماضي والحاضر. ويتناول أيضًا أساليب الفلسطينيين في مقاومة هذه الممارسات. ويختتم بتوصيات حول سُبل إقامة التعاون بين الفلسطينيين عبر الحدود التي تفرقهم، وبينهم وبين أطراف ثالثة، لمقاومة سرقة أراضيهم وتعزيز سعيهم نحو تقرير المصير وإعمال حقوقهم.
طُرق إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي
تكمن النتيجة الرئيسية لمشاريع الاستعمار الاستيطاني في إعادة ترتيب الحيز المكاني وإعادة توزيع السكان الأصليين في إطار عملية إعادة هيكلة مقصودة وعنيفة تمهِّد لإنشاء مجتمعٍ جديد بتنظيم اجتماعي ومكاني جديد. وهكذا كان المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني الذي أسس دولةَ إسرائيل على أرض فلسطين في 1948، حيث طرد الصهاينةُ آنذاك 750,000 فلسطيني لإيجاد موطئ قدم للمستعمرين المستوطنين.3
بقي 150,000 فلسطيني على الأرض وأصبحوا يشكلون معضلةً ديموغرافية للدولة الإسرائيلية التي اضطرت إلى إدماجهم كمواطنين ولكن ظلت تقصيهم على أساس أنهم ليسوا يهودًا. في العام 1967، استوعبت الدولة الإسرائيلية فلسطينيين أكثر بسبب استعمار الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن بدلًا من ضم الأراضي ومنحهم الجنسية، أُخضعوا لحكم عسكري إسرائيلي.
استخدمت الدولة الإسرائيلية في السنوات الأولى بُعيد عام 1948 آلياتٍ مختلفةً للاستيلاء على الأراضي، بما في ذلك التدابير التشريعية التي كان من أبرزها قانون أملاك الغائبين لسنة 1950، ولاحقاً قانون استملاك الأراضي لسنة 1953. خولت هذه القوانين إسرائيل انتزاع الأراضي وملكيتها من اللاجئين على أساس غيابهم عن البلاد بعد 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1947. وطُبِّقت هذه التشريعات أيضًا على الأشخاص الذين نزحوا داخل حدود الدولة الوليدة. وبدلًا من الاعتراف بأولئك الفلسطينيين كنازحين، صنفتهم إسرائيل تحت مسمى “الغائبين الحاضرين“. وما برحت تبرر منذئذ استيلاءها على الأراضي بأنه لخدمة المصلحة العامة والمحافظة على الطابع اليهودي للدولة.
استخدمت الحكومة الإسرائيلية هذا التبرير في مطلع آذار/مارس 1976 عندما أعلنت خططًا لمصادرة 20,000 دونم ضمن برنامج تطوير الجليل لبناء مستوطنات يهودية ومعسكرات تدريبية. أضربَ الفلسطينيون رفضاً لهذه المصادرات، واندلعت الاحتجاجات في 30 آذار/مارس بشكل رئيسي في ست قرى في الجليل خضعت لحظر تجول – هي سخنين وعرابة ودير حنا وطرعان وطمرة وكابول – واندلعت الاحتجاجات كذلك في النقب ووادي عارة.4 واجهت الشرطة الإسرائيلية المظاهرات بعنف، وقتلت برصاصها ستةَ محتجين وجرحت المئات.
مشاريع الاستعمار الاستيطاني تعيد ترتيب الحيز المكاني وتعيد توزيع السكان الأصليين في إطار عملية إعادة هيكلة مقصودة وعنيفة Share on Xأصبح يوم الأرض تاريخًا يُنظم فيه الفلسطينيون في فلسطين التاريخية وفي الشتات فعاليات وأنشطة ليؤكدوا علاقتهم الوجودية بالأرض. ويُبرزُ يومُ الأرض أيضًا معنى الصمود وأهميته كجزء أساسي في مقاومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
طبقت الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الضفة الغربية في 1967 آلياتٍ “قانونيةً” وأوامرَ عسكريةً لتيسير استعمار الأراضي الفلسطينية، ومنها مصادرةُ الأراضي بذريعة الأمن والتي تستخدمها إسرائيلُ لتقويض اتفاقية جنيف، التي تسمح لدول الاحتلال بمصادرة الأراضي مؤقتًا لأسباب أمنية. وبهذا الأسلوب استولت إسرائيل على أراضٍ لبناء ما لا يقل عن 42 مستوطنة، بما فيها الطرق الالتفافية التي تربطها بالمستوطنات عبر الخط الأخضر. ومن الأساليب الملتوية الأخرى التي تستخدمها إسرائيل القانونُ العثماني وقانون الانتداب الإنجليزي الذي يسمح للدولة بمصادرة الأرض “لغرض عام”، رغم أن المناطق المستولى عليها كانت تُستخدم في الرعي لقرون.
أمعنت إسرائيلُ في مصادرة الأراضي الفلسطينية بفضل تطبيق اتفاقات أوسلو في أوائل التسعينات، حيث قسَّمت الاتفاقاتُ الضفةَ الغربية إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج). تشكِّل المنطقة (ج) 61% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة عسكرية إسرائيلية كاملة، بما فيها السيطرة على الشؤون الأمنية والمدنية. تتسم السياسة الإسرائيلية في المنطقة (ج) بعدائية فريدة، حيث تُلبي احتياجات 325،000 مستوطن إسرائيلي بينما تُقيد المجتمعات الفلسطينية وتمزقها.
وفي وادي الأردن، الواقع ضمن المنطقة (ج)، تتعرض المجتمعات المحلية بصفة خاصة إلى التشريد وسرقة أراضي الأجداد. يحظى الوادي بأهمية استراتيجية لدى إسرائيل لأنه يوفر في المقام الأول منطقةً عازلة للأردن ومرتفعات الجولان السورية المحتلة، ولأنه غني بزراعته بفضل وفرة المياه وخصوبة تربته.
تمكَّنت إسرائيل بفضل بناء الجدار الفاصل في 2002 من الاستيلاء على أراضٍ أكثر في الضفة الغربية. بُني الجدار لفصل الضفة الغربية عن إسرائيل بذريعة تحقيق “الأمن” الإسرائيلي، ومهَّدَ الطريق لضم العديد من المستوطنات. خطَّت إسرائيل مسار الجدار داخل الضفة الغربية وليس على طول الخط الأخضر، وبذلك استولت فعليًا على الأراضي. يفصل الجدارُ الفلسطينيين عن بعضهم، ويحول دون وصول العديد من المجتمعات الزراعية إلى أراضيها، ويقطع التواصل الجغرافي في الضفة الغربية.
سرقة الأراضي بوتيرة متسارعة
نشهد اليوم تسارعًا رهيبًا في مصادرة الأراضي الفلسطينية. وقد تجلت هذه الأزمة مؤخرًا بسبب المناورات السياسية في القدس، إذ عكفت الحكومة الإسرائيلية على استغلال تجاهل الإدارة الأمريكية الصارخ للقانون الدولي والإجماع بشأن القدس. فقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس يعني اعترافًا بها كعاصمةِ إسرائيل بحكم الواقع وبحكم القانون. شجعت هذه الخطوة إسرائيلَ على تعزيز سيطرتها الكاملة على المدينة.
كشَفَ مشروعُ قانون القدس الكبرى المؤجل (الذي ما يزال مطروحًا) خططًا لتوسيع حدود بلدية القدس لتشمل أربع مستوطنات كبرى والعديد من المستوطنات الصغيرة غير القانونية. تقع المستوطنات الكبرى – معاليه أدوميم وجفعات زئيف وبيتار عيليت وأفرات – ضمن تجمع استيطاني ممتد بين القدس والخليل. وفي الوقت نفسه، يُخرِج مشروع القانون بعضَ الأحياء الفلسطينية، مثل كفر عقب، من حدود المدينة. يهدف هذا التلاعب بالحدود إلى الاستحواذ على أراضي أكثر وحشر الفلسطينيين في الوقت ذاته في أضيق حيزٍ ممكن. وبالإضافة إلى الاستيلاء المكاني على الحيز المادي، تسعى هذه المناورات إلى السيطرة على الرواية بشأن القدس بحيث تغدو المدينة بأكملها دون منازعة جزءًا من إسرائيل في الخطاب الدولي السائد.
وفي الوقت نفسه، تعكف الحكومة الإسرائيلية في النقب على تنفيذ مخطط برافر المطروح في 2011 والهادف إلى تدمير 35 قرية بدوية فلسطينية والاستيلاء على الأراضي لبناء مستوطنات إسرائيلية يهودية جديدة كجزء من برنامجها لتطوير النقب الذي صممته وزارة تطوير النقب والجليل ليخلفَ برنامج تطوير الجليل آنف الذكر، الذي تسببت مصادرته للأراضي في خروج احتجاجات يوم الأرض في 1976. تأسست وزارة تطوير النقب والجليل في 2005 لتحقيق “النمو والازدهار… لأن من الواضح تمامًا أن مستقبل إسرائيل يكمن في تطوير هاتين المنطقتين.”
تشهد وتيرة مصادرة الأراضي الفلسطينية تسارعًا رهيبًا Share on Xتُولي الحكومة الإسرائيلية عنايةً خاصة بالنقب والجليل لأن فيهما تركيزًا فلسطينيًا مرتفعًا نسبيًا، حيث يشكل الفلسطينيون غالبية السكان في الجليل.5 لذا فإن الوزارة تهدف إلى توطيد الوجود اليهودي المتجاور وتقليل الوجود العربي الفلسطيني، ويتجلى ذلك في هدم قرى البدو بذريعة أنها “غير معترف بها” من الدولة.
إن الاستيلاءَ على أراضي السكان الأصليين على هذا النحو وتسخيرها لمنفعة المستوطنين ببناء المستوطنات، والضم بحكم القانون، والطرد، وإنكار الحقوق في الأرض، هو أمرٌ شائعٌ في المشاريع الاستعمارية الاستيطانية حول العالم. وفي فلسطين، يجري الاستيلاء على الأراضي على جانبي الخط الأخضر، وهو جزء أساسي فيما يُسمى النكبة المستمرة.
فضاءات المقاومة الفلسطينية
دأب الفلسطينيون على مواجهة هذه النكبة المستمرة بالانخراط فيما اصطلحَ بعض الكُتاب على تسميته بالمقاومة المكانية – وهي ممارسات تؤكد الوجود الفلسطيني واستمراره على الأرض وتتحدى الاستعمار الإسرائيلي. وتنضوي تحت هذا النوع من المقاومة مبادراتٌ مختلفة، سابقة وقائمة، تتضمن استعادة الأرض والصمود:
باب الشمس وعين حجلة
أسَّس نحو 250 ناشطًا فلسطينيًا من فلسطين التاريخية “قريةَ” باب الشمس الفلسطينية بالقرب من مستوطنة معاليه أدوميم الإسرائيلية اليهودية غير القانونية في كانون الثاني/يناير 2013. وأُقيمت هذه القرية على أرض فلسطينية خاصة بعد أن استأذن الناشطون مالكها، وهي تقع أيضًا داخل المنطقة E1، وهي شريط من الأرض يقطع الضفة الغربية فعليًا إلى نصفين.
نصبَ الناشطون حوالي 25 خيمة لإقامة “القرية”، وبالرغم من استصدار أمرٍ قضائي من محكمة العدل العليا يمنع إخلاءَ القرية لمدة ستة أيام، إلا أن الجيشَ الإسرائيلي أبعدَ الناشطين بالقوة بعد يومين فقط. وبالرغم من قِصر حياتها إلا أنها كانت بمثابة تحركٍ مباشر أكَّد ملكيةَ الفلسطينيين للأرض وتحدى الجهود المستمرة لمصادرتها. وسلَّطت باب الشمس الضوء على الوجود الفلسطيني في منطقة القدس.
وفي السنة التالية، أنشأت لجنة تنسيق النضال الشعبي الفلسطيني قريةً احتجاجية على غرار باب الشمس في موقع عين حجلة، وهي قرية فلسطينية مدمرة في وادي الأردن. تمكَّن الناشطون من البقاء لمدة أسبوع في القرية قاموا فيه بتركيب ألواحٍ شمسية، وتمشيط الأرض، وعقد أنشطةٍ سياسية وثقافية مختلفة. وبعد سبعة أيام، فكَّك الجيش الإسرائيلي المخيم بالقوة، واعتقل عشرات الناشطين، وجرَحَ الكثيرين.
إقرث ومسيرة العودة
حافظ الناشطون الشباب منذ 2012 على استمرارية وجودهم المادي على أراضيهم في موقع إقرث، وهي قرية فلسطينية في الجليل دُمِّرت في 1948، وغدا المتحدرون من سكانها نازحين (“الغائبين الحاضرين”)، وهؤلاء يحملون الجنسية الإسرائيلية ويقيمون داخل حدود إسرائيل، ولكنهم ممنوعون من العودة إلى قراهم وأراضيهم التي سكنوها قبل 1948. وإقرث حالةٌ غير عادية لأن القوات الصهيونية أخبرت سكانها في 1948 بأنهم سيعودون إليها بعد القتال. ولمَّا لم يوف هذا الوعد، حصلَ أهالي إقرث في 1951 على قرارٍ من المحكمة العليا سمحَ لهم بالعودة.6
عارضت المحكمة العسكرية هذا القرار بحجة أن عودة السكان سيشكِّل خطرًا على أمن الدولة. ومع ذلك يواصل الناشطون من الجيلين الثالث والرابع في إقرث صمودَهم في القرية، حيث أقاموا مخيمًا في ملحقٍ بكنيسة القرية، وذلك برغم القرار العسكري ومحاولات السلطات الإسرائيلية لشقِّ صفوفهم بالاعتقال وتدمير الهياكل المقامة واجتثاث الزرع. يؤكد وجود الناشطين الهويةَ الفلسطينية ويتحدى مقولة إن الأرض الفلسطينية تقتصر على الضفة الغربية وقطاع غزة.
الاستيلاء على الأراضي مستمر بلا هوادة على جانبي الخط الأخضر... وهو جزءٌ أساسي فيما يُسمى النكبة المستمرة Share on Xمسيرةُ العودة هي مبادرةٌ أخرى تنظِّم عودة الفلسطينيين إلى القرى المدمرة، وقد نُفذت في المقام الأول في الجليل، حيث يعيش معظم الفلسطينيين النازحين. ونُفذت قبل سنتين في النقب، وسوف تُنفَّذ هذا العام في قرية مدمرة قرب حيفا. غدت مسيرةُ العودة منذ انطلاقها لأول مرة في 1999 بتنظيم من رابطة الدفاع عن حقوق النازحين حدثًا مهمًا داخل فلسطين التاريخية. وهي تتزامن مع يوم الاستقلال الإسرائيلي تحت شعار “استقلالكم نكبتنا”. “وعلى غرار حراك إقرث، مسيرةُ العودة خطوةٌ رمزية تهدف إلى عكس النزوح بالعودة الفعلية إلى الموقع المدمَّر، وإنْ كان لفترة مؤقتة. تتحدى المسيرة أيضًا رواية يوم الاستقلال الصهيوني، “أرضٌ بلا شعب لشعبٍ بلا أرض،” بتأكيد الوجود الفلسطيني قبل 1948.
العراقيب وسوسيا
قريةُ العراقيب هي قرية بدوية فلسطينية في النقب، عمرها قرنان من الزمان. هجَّرت القوات الإسرائيلية سكانها في 1951 لأغراض “أمنية”، واستولت على الأرض بموجب قانون استملاك الأراضي. وفي أواخر التسعينات، عادت 45 عائلة إلى الأرض لمنع الصندوق القومي اليهودي من زراعة غابة عليها.
اشتدت في السنوات الأخيرة محاولات طرد أهالي العراقيب على أساس أن القرية “غير معترف بها” وأنها مقامة على أراضي الدولة الإسرائيلية. ومنذ 2010، دمَّرت السلطات الإسرائيلية القريةَ 120 مرة مستخدمةً الجرافات في العادة لتسوية الهياكل المقامة وشُرطةِ مكافحة الشغب لإبعاد السكان الذين يحاولون حماية منازلهم بأجسادهم. والقريةُ محرومةٌ من أبسط الخدمات باعتبارها قريةً “غير معترف بها.” وقد انتقل العديد من سكانها إلى المدن المجاورة، ولكن ثمة آخرون باقون، يبنون مساكنهم في الغالب باستخدام ما استطاعوا استصلاحه من تحت الأنقاض. وكثيرًا ما ينظمون مسيرات واحتجاجات لتسليط الضوء على نضالهم ضد التهجير وسرقة الأراضي.
وفي الجهة المقابلة على الجانب الآخر من الخط الأخضر، ثمة صراعٌ مماثل تدور رحاه في قرية سوسيا الواقعة في المنطقة (ج) جنوب مدينة الخليل. أقدمت الحكومة الإسرائيلية، بُعيد تشييد مستوطنة غير قانونية في 1983 على أرض سوسيا، على هدم منازل 60 عائلة. وقد أعاد السكان بناء مساكنهم في مكان قريب، لكن إسرائيل هدمت القرية بأكملها في 2001. وظلت سوسيا منذ 2011 تتعرض لسلسلةٍ من عمليات الهدم الكلي على يد السلطات في محاولة لترسيخ سيطرة إسرائيل الكاملة على المنطقة (ج).
أدرَجت اتفاقات أوسلو المنطقةَ (ج) تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية، ومنحت إسرائيلَ بذلك الصلاحية في رفض طلبات التخطيط والبناء الفلسطينية لاعتبارات أمنية. وهكذا كلما أعاد أهالي سوسيا بناء منازلهم، تبلغوا أوامرَ بالهدم. ومع ذلك ظل سكان سوسيا متشبثين حتى الآن بأرضهم، حيث يعيشون بأبسط المقومات. وقد أطلقوا حملةً تستقطب دعم الناشطين الدوليين. تضرب قريتا العراقيب وسوسيا مثالًا للصمود، غير أن ديمومتهما تظل غير مؤكدة بالنظر إلى تسارع وتيرة الاستيطان والضم.
دعم حقوق الفلسطينيين في الأرض
يستخدم الفلسطينيون، كما جاء آنفًا، أساليبَ عديدةً لمقاومة السرقة الإسرائيلية للأرض. ومن أجل وقف التوغل الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ودعم المقاومة المكانية الفلسطينية، ينبغي التركيز على الجهود المبذولة في المجالات الثلاثة التالية:
تعزيز المقاومة المكانية الشعبية
تستطيع المبادرات التي تؤكد الوجود الفلسطيني المادي على الأرض أن تتحدى بالدعم الشعبي الهيمنةَ الإسرائيلية على الحيز المكاني. ومع ذلك، يواجه الفلسطينيون تحدي الاستدامة. ولمعالجة هذا الأمر، ينبغي أن يواصل الفلسطينيون المنخرطون في الأنشطة والفعاليات الشعبية الربطَ بين الكفاحات المحلية والدعوةَ إلى التنسيق عبر جانبي الخط الأخضر. وهذا سوف يسلط الضوء على مشروع الاستيطان الإسرائيلي الأكبر، وسيتحدى أيضًا التعريف الإسرائيلي للكيان الفلسطيني والإنسان الفلسطيني.
ثمة مجالات ثلاثة أساسية من أجل وقف التوغل الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية ودعم المقاومة المكانية الفلسطينية Share on Xينبغي أن يطالبَ الفلسطينيون أيضًا بدعم هذه الأنشطة وحمايتها دوليًا ومن أطراف ثالثة، كتمويل إقامة الحواجز المضادة للجرافات في المجتمعات الفلسطينية المستضعفة. وينبغي للجهات الدولية الفاعلة التي استثمرت في البنية التحتية الفلسطينية التي دمرتها إسرائيل أن تطالبَ بالتعويض المالي. ويجب أن يقترن استثمارها في المجتمعات والمشاريع بموقفٍ يجعل عمليات الهدم والتهجير مكلفةً ماليًا لإسرائيل.
منع سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية
تلتزم الدول الثالثة بموجب القانون الدولي الإنساني باستخدام جميع التدابير الممكنة لوقف الانتهاكات، حيث إن القانون ينص بوضوح على أن إقدام قوة الاحتلال على تهجير السكان الخاضعين للاحتلال وبناء المستوطنات هو انتهاكٌ للقانون. وبالتالي، يجب توظيف كل ما يتسنى توظيفه من آليات دولية لمنع المزيد من عمليات الاستيلاء والضم. وهذه تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، ما يلي:
- دعم الشكاوى المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية بخصوص ارتكاب جرائم حرب، كالشكوى التي رفعتها منظمات المجتمع المدني الفلسطينية في 2017.
- المطالبة بإجراء تحقيق رسمي موسَّع في الانتهاكات الإسرائيلية، كالذي دعت إليه منظمة هيومن رايتس ووتش في 2016.
- سنّ العقوبات وإنفاذها – وهي آلية استُخدمت ضد روسيا على خلفية ضمها شبه جزيرة القرم.
إعداد قضايا تطالب باستعادة الأراضي والممتلكات
إن استعادةَ الممتلكات والأراضي والتعويض جزءٌ أساسي من أي عملية مصالحة في المستقبل، كما حدث في حالة جنوب إفريقيا بعد تفكيك نظام الفصل العنصري. ولا بد من بذل الجهود لتحدي السرقات الإسرائيلية للممتلكات والأراضي بأثر رجعي حتى العام 1948. وينبغي أن يضطلع الفلسطينيون بجهدٍ جماعي لإجراء البحث حول مطالباتهم وصياغتها، وثمة ثروة من الوثائق المتوفرة التي تدعم تلك المطالبات، ومنها مثلًا ملفات لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين، وسجلات الأونروا، وسجلات إسرائيل الرسمية، والشهادات الشفوية.
يستطيع الفلسطينيون وحلفاؤهم، بهذه الجهود الهادفة والمنظَّمة، أن يوقفوا الاستيلاء الإسرائيلي المستمر بلا هوادة على الأراضي الفلسطينية، وأن يضمنوا وجود سياسات تراعي الحقوق الفلسطينية كما نص عليها القانون الدولي.
- تشكر الكاتبة مكتب فلسطين/الاردن التابع لمؤسسة هاينريش-بول على شراكته وتعاونه مع الشبكة في فلسطين. الاراء الواردة في هذا الموجز السياساتي هي آراء الكاتبة ولا تعبر بالضرورة عن رأي مؤسسة هاينريش-بول.
- تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- يستند هذا الرقم التقريبي إلى شهادات شفوية وسجلات مؤسسية مختلفة، ويستشهد به الباحثون بمن فيهم إيلان بابيه في كتابه “التطهير العرقي في فلسطين“.
- اندلعت الاحتجاجات بقيادة لجنة الدفاع عن الأراضي العربية، التي تشاركَت في إنشائها هيئاتٌ طلابية مختلفة، وحركةُ أبناء البلد، والحزب الشيوعي.
- انظر تقرير بِن وايت
‘Palestinians in Israel’s democracy: Judaising the Galilee’; https://www.middleeastmonitor.com/wp-content/uploads/downloads/briefing-paper/palestinians-in-israel-democracy.pdf
- من الحالات المشابهة حالةُ قرية كفر برعم، حيث مُنع أهالي القرية من العودة إليها بالرغم من حصولهم على قرارٍ من المحكمة العليا يقضي بخلاف ذلك.