ملخص تنفيذي
التغير المناخي هو أحد أبرز التهديدات التي تواجه البشرية. وبالرغم من أن الفلسطينيين والإسرائيليين يقطنون البقعةَ الجغرافية نفسها، إلا أن الفلسطينيين في ظل الاحتلال سيعانون أكثر بسبب تغير المناخ.
ومن أبرز التأثيرات المتوقعة في فلسطين-إسرائيل في القرن الحالي انخفاضُ معدلات هطول الأمطار، يَصحبه ارتفاعٌ في معدل درجات الحرارة. وهذه التوليفة من قلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة يمكن أن تؤدي إلى انعدام الأمن المائي. وسوف تعاني الزراعة أيضًا كنتيجة لذلك.
هناك ثلاث كيانات مختلفة ومتنافرة في الغالب تحكم هذه المنطقة، وهي: الحكومة الإسرائيلية، والسلطة الفلسطينية، وحركة حماس. وهذا الواقع يُسفر عن تفاوتٍ كبير في مدى التأثر بتغير المناخ، والقدرة على التعامل معه، والقدرة على الخروج بتقييمات منسَّقة حول آثاره. بالرغم من أن آثار التغير المناخي تتشابه عمومًا بين الأقاليم، إلا أن جُل التركيز السياسي والبحثي يُخطئ حين يتعامل مع الأرض الفلسطينية المحتلة بمعزلٍ عن فلسطين التاريخية.
تُقاس قابلية التأثر بالتغير المناخي من خلال توليفة الخطر المناخي والجاهزية التكيُّفية – أي مستوى الخطر المترتب على التغير المناخي في مقابل القدرة على تنفيذ استجابات في الأجلين القريب والبعيد، وهذا يعتمد على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي حالة إسرائيل-فلسطين، لا بد من فهم قابلية التأثر في سياق سبعة عقود شهدها الفلسطينيون من التهجير واللجوء والطرد والقمع وسوء الإدارة.
يظل الاحتلال الإسرائيلي الخطر غير البيئي الأكبر المحدق بالفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة. فالقيود المفروضة على حرية حركة الناس والبضائع، وجدار الفصل العنصري، والاستيلاء على الأراضي، والتوسع الاستيطاني، وعنف المستوطنين، وسوء إدارة السلطة الفلسطينية جميعها عوامل تهدد أمن الفلسطينيين المائي والغذائي، وبالتالي تزيد قابليتهم للتأثر بتغير المناخ.
لقد أنشأت إسرائيلُ نظامًا بيروقراطيًا معقدًا لاستصدار التراخيص والموافقات وحقوق الوصول بهدف التحكم في وصول الفلسطينيين إلى المياه الجوفية. تحول إسرائيل دون دخول ما يكفي من المياه النظيفة إلى قطاع غزة، وتعمل كذلك على عرقلة أي محاولة لبناء أو صيانة البنية التحية المائية من خلال فرض القيود على الواردات من مواد البناء الأساسية. يضر الاحتلال الإسرائيلي بالزراعة الفلسطينية من خلال سرقة الأراضي والتحكم في الكثافة السكانية.
لا تملك السلطة الفلسطينية ولايةً سيادية على مواردها الطبيعية أو مساحات شاسعة من أراضيها، ولا تملك الإرادة السياسية المستقلة لتقرر طريقة إدارة المخاطر المناخية، إلا أن المفارقة، أنها مطالبةٌ بالتصدي للتغير المناخي، وهذا يجعل جهود السلطة المبذولة للتكيف مع تغير المناخ غير مؤثرة وذات نتائج عكسية.
وهكذا يُفضي الاحتلال الإسرائيلي إلى سياسات لا يمكن تكييفها تُضعف جاهزية الفلسطينيين للصمود أمام تهديد التغير المناخي. وفي المقابل، تتمتع إسرائيل بقدرة جيدة على التكيف مع آثار التغير المناخي ولهذا فإنها أقل عرضةً للتأثر والتضرر.
توصيات سياساتية
1. على المجتمع الدولي أن يمارس الضغط على إسرائيل لمعاقبة عنف المستوطنين الذي يضر بالشعب الفلسطيني وممتلكاته، ولوضع حد لتوسع المستوطنات.
2. ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تمكِّن وتشجِّع الزراعةَ المستدامة، والزراعة الإيكولوجية، والاقتصاد التعاوني الذي بوسعه تحقيق قدرة على التكيف أكثر استدامة.
3. ينبغي للسلطة الفلسطينية والمنظمات الشريكة أن تعمل من أجل تنسيق عملية جمع المعلومات ذات الصلة بالمناخ وتحليها ومشاركتها. وينبغي أن تولي الأولوية لوضع السياسات التي تحد من مخاطر الكوارث الطبيعية.
4. ينبغي للجهات المانحة الدولية أن تعمل مع المجتمع المحلي لتمويل مشروعات تستهدف التصدي لآثار التغير المناخي أو الحيلولة دون وقوعها. غير أن التدخلات المنصبة على إنهاء الاحتلال لها أهميةٌ قصوى.
5. ينبغي مشاركة الأساليب والتكنولوجيا الإسرائيلية المتقدمة في مجال القدرة على التكيف مع أصحاب المصلحة الفلسطينيين.
نظرة عامة
التغير المناخي هو أحد أبرز التهديدات التي تواجه البشرية. فآثاره عالمية ومتعددة وغير موزعة بالتساوي بين أصقاع الأرض. وبالرغم من أن الفلسطينيين والإسرائيليين يقطنون البقعةَ الجغرافية نفسها، إلا أن الفلسطينيين في ظل الاحتلال سيعانون أكثر بسبب تغير المناخ. فالاحتلال الإسرائيلي الذي دخل عامه الثاني والخمسين يَحُول دون وصول الفلسطينيين إلى الموارد واتخاذ تدابير تدعم تكيفهم مع تغير المناخ، والتي تتمثل في إدخال تعديلات في النُظم البشرية أو الطبيعية استجابةً لتأثيرات التغير المناخي.1
تتناول هذه الورقة السياساتية الأثرَ البيئي والسياسي الذي يُخلِّفه التغير المناخي على فلسطين-إسرائيل، ولا سيما الأرض الفلسطينية المحتلة. تقدم هذه الورقة بداية لمحة عامة عن التغير المناخي في المنطقة، ومن ثم تتطرق الى الاحتلال الإسرائيلي وكيف يزيد من ضعف الفلسطينيين في مواجهة تأثيرات تغير المناخ من خلال مصادرة أراضيهم ومواردهم الطبيعية وفرض قيود على تنقلهم وحركتهم. وتناقش أيضًا المفارقة في الدور الذي تضطلع به السلطة الفلسطينية إزاء هذه المسألة، والآثار البيئية المترتبة على تغير المناخ وبخاصة ما يتعلق بالمياه والزراعة. وتختتم بتوصيات حول التدابير السياسية والعملية اللازمة لإدارة التكيف مع تغير المناخ.2
قابلية التأثر الفلسطينية والجاهزية الإسرائيلية
تشمل المؤشرات الرئيسية لمدى التأثر المحلي بالتغير المناخي العالمي الارتفاعَ المتسارعَ في مستوى مياه البحر، وتغيرَ أنماط الهطول المطري إقليميًا. ومن أبرز التأثيرات المتوقعة في فلسطين-إسرائيل في القرن الحالي انخفاضُ معدلات هطول الأمطار، يَصحبه ارتفاعٌ ملحوظٌ في معدل درجات الحرارة. وهذه التوليفة من قلة الأمطار وارتفاع درجة الحرارة سوف تُسفر عن زيادة الطلب على المياه (موردٌ يعاني أصلًا من فرط الاستغلال) والتي ستستمر إمداداتها في التناقص بما لا يُلبي حجم الطلب ويمكن أن يؤدي إلى انعدام الأمن المائي. أمّا الزراعة التي تشكِّل عنصرًا أساسيًا في اقتصاد الأرض الفلسطينية المحتلة فسوف تعاني أيضًا.
يدعم مشروع كليماساوث (The ClimaSouth Project) الجهودَ الرامية إلى التخفيف من وطأة تغير المناخ والتكيف معه في دول عدة في حوض البحر الأبيض المتوسط. ويتوقع القائمون على المشروع أن انخفاض معدل الهطول السنوي في منطقة شرق المتوسط سوف يصل إلى 30% بحلول نهاية القرن الحالي، مقارنةً بالفترة 1961-1990. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل درجات الحرارة في العقود الأربعة الماضية بنصف درجة مئوية (°C0.5) في منطقة البحر الأبيض المتوسط. وتتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن الاحترار في جنوب المتوسط وشرقه سوف يزداد بوتيرة أعلى من المعدل العالمي في القرن الحادي والعشرين – بين °2.2 و°5.1 درجة مئوية – الأمر الذي سيؤدي إلى تغيرات مناخية إقليمية مدمِّرة، إنْ لم تكن كارثية، بما فيها زيادة التصحر.3
تُعزى بعض أكبر التحديات التي تواجه جهود التعامل مع تغير المناخ إلى المشهد السياسي المُجزأ في فلسطين. فهناك ثلاث كيانات مختلفة ومتنافرة في الغالب تحكم المنطقة الواقعة بين نهر الأردن وبين البحر الأبيض المتوسط، وهي: الحكومة الإسرائيلية (دولة إسرائيل، والقدس المحتلة، ومرتفعات الجولان، والمنطقة (ج)، وغور الأردن في الضفة الغربية)، والسلطة الفلسطينية (المنطقتان (أ) و(ب) في الضفة الغربية)، وحركة حماس (قطاع غزة). وهذا الواقع السياسي والاجتماعي المتغاير يُسفر عن تفاوتٍ كبير في مدى التأثر بتغير المناخ، والقدرة على التعامل معه، والقدرة على الخروج بتقييمات منسَّقة حول آثاره بسبب شُح البيانات وغياب الاتساق في عملية جمعها.4
بالرغم من أن آثار التغير المناخي تتشابه عمومًا بين الأقاليم، إلا أن جُل التركيز السياسي والبحثي يُخطئ حين يتعامل مع الأرض الفلسطينية المحتلة بمعزلٍ عن فلسطين التاريخية. فهذا التحديد يتجاهل الجسم السياسي الفلسطيني، ويضع فلسطين المحتلة – دولةٌ بلا سيادة – في موقف “المضطر إلى تمثيل مستقبل هيكلٍ يسعى إلى محوهم،” بحسب تعبير ستامابتوبولو-روبنز. وفي حين أن هذه الورقة تركِّز في المقام الأول على تأثيرات تغير المناخ في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنها تُقرّ بالتباينات في إنتاج المعرفة التي من شأنها أن تعزل الأرض الفلسطينية المحتلة عن سياقها السياسي والجغرافي الأوسع، فتشير بكلمة “الفلسطينيين” أينما جاء ذكرهم تاليًا إلى الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة.
تُقاس قابلية التأثر بالتغير المناخي من خلال توليفة الخطر المناخي والجاهزية التكيُّفية – أي مستوى الخطر المترتب على التغير المناخي في مقابل القدرة على تنفيذ استجابات في الأجلين القريب والبعيد، وهذا يعتمد على الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وفي حالة إسرائيل-فلسطين، لا بد من فهم قابلية التأثر في سياق سبعة عقود شهدها الفلسطينيون من التهجير واللجوء والطرد والقمع وسوء الإدارة.
وحتى من دون التغيرات الحاصلة في البيئة الطبيعية، يعتمد ملايين اللاجئين الفلسطينيين اعتمادًا شديدًا على المعونة التي تقدمها وكالة الأونروا وغيرها من منظمات العمل الإنساني، وهناك الملايين منهم ممن يقعون خارج نطاق السلطة الفلسطينية. ولا شك في أن الفلسطينيين في قطاع غزة هم الأشدُ قابليةً للتأثر بسبب العقوبات والحصار العسكري الإسرائيلي الذي دخل عامه الثاني عشر.
تمثل الأرض الفلسطينية المحتلة حالةً فريدة توجِب على المخططين المناخيين استخدامَ إطارِ قابلية التأثر لتقييم مدى التيقن من الأخطار المناخية والاحتلال. يَعرض تقييم قابلية التأثر المتضمَّن في خطة العمل الوطنية للتكيف مع ظاهرة التغير المناخي التي وضعتها السلطة الفلسطينية في 2016 مجموعةً من الأخطار تشمل الأمنَ المائي والغذائي، وشُح البيانات الكمية اللازمة لمعرفة نقاط الضعف وخيارات التكيف وتحديد أولوياتها. غير أن خطة العمل تُغفل نقطة ضعف النمو السكاني والتوسع الحضري السريع؛ فاكتظاظ السكان يعني درجةً أكبر من التعرض للتغير البيئي وزيادةً في تركز الخطر المناخي، حيث يبلغ معدل الكثافة السكانية في الضفة الغربية 468 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهذا يتفوق على معدلات الكثافة السكانية في البلدان المجاورة.
بلغ عدد الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة في 2017 نحو خمسة ملايين (ثلاثة ملايين تقريبًا في الضفة الغربية والقدس الشرقية، و1.8 مليون في قطاع غزة). ويُتوقع أن يصل عددُ السكان إلى 14 مليونًا بحلول 2050 – أو أكثر إذا استطاع اللاجئون أن يمارسوا حقهم في العودة. وتتسم تلك الكثافة السكانية بأنها فتية، حيث تقل أعمار 40% تقريبًا من الفلسطينيين عن 14 سنة، وترتفع فيها جدًا نسبة البطالة حيث بلغ معدلها 27% (18% في الضفة الغربية و42% في غزة) في العام 2016. وعند كتابة هذه الورقة، كان نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في الأرض الفلسطينية المحتلة 1,997 دولار أمريكي سنويًا مقارنةً بنصيب الفرد في إسرائيل 34,134 دولار.
يُفضي الاحتلال الإسرائيلي إلى سياسات وممارسات لا يمكن تكييفها وتُضعف من قدرة الفلسطينيين على الصمود أمام تهديد التغير المناخي Share on Xمع ذلك، يظل الاحتلال الإسرائيلي الخطرَ غير البيئي الأكبر المحدِق بالفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو على قدرٍ من التغلغل لدرجة أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يُعده “خطرًا” بيئيًا بحد ذاته. فالقيود المفروضة على حرية حركة الناس والبضائع، وجدار الفصل العنصري، والاستيلاء على الأراضي، والتوسع الاستيطاني، وعنف المستوطنين، وسوء إدارة السلطة الفلسطينية جميعها عوامل تهدد أمن الفلسطينيين المائي والغذائي، وبالتالي تزيد قابليتهم للتأثر بتغير المناخ. لقد طوَّر الفلسطينيون أساليبَ قصيرة الأجل للتعامل مع هذه السيطرة الإسرائيلية المتفشية. ففي غزة، مثلًا، أخَّرَ الفلسطينيون كارثةً وشيكة من خلال حفر الآبار واستخدام مياه الصرف غير المعالجة في ريّ المزروعات، ولكن على حساب الاستدامة بعيدة الأمد وعلى حساب الصحة العامة التي باتت تواجه خطرًا كبيرًا.
لا بد من التأكيد أن الأرض الفلسطينية المحتلة تخضع للقانون الدولي المعني بالاحتلال الناجم عن الحرب. فإسرائيل، كقوة احتلال، مسؤولةٌ قانونًا عن تلبية احتياجات السكان الواقعين تحت احتلالها، وهذه المسؤولية تشمل بموجب اتفاقية لاهاي الوصاية على الموارد الطبيعية. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر اتفاقية جنيف الرابعة تدميرَ الممتلكات ومصادرتها على نحو تعسفي، وإتلاف الأعيان المدنية التي لا غنى عنها لحياة المدنيين مثل المناطق الزراعية ومنشآت مياه الشرب وأنظمة الريّ، كما يحظر إزالتها ونقلها. ومن منظور قانوني، يصف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التأزم الراهن الذي يتسبب به الاحتلال الإسرائيلي فيما يتعلق بالبنية التحتية المائية والزراعية الفلسطينية باعتباره “خروقات جلية للقانون الإنساني الدولي، تستوجب تحقيقًا مستقلًا من جانب المجتمع الدولي.”
وهكذا فإن الاحتلال يُفضي إلى سياسات وممارسات لا يمكن تكييفها تُضعف قدرة الفلسطينيين على الصمود وجاهزيتهم أمام تهديد التغير المناخي. وفي المقابل، تتمتع إسرائيل بقدرة جيدة على التكيف مع آثار التغير المناخي، وهي بذلك أقل عرضةً للتأثر والتضرر. ووفقًا لمؤشر نوتردام للتكيف العالمي الذي يُلخِّص مدى قابلية البلدان للتأثر بتغير المناخ و”جاهزيتها” لتحسين قدرتها على الصمود، فإن إسرائيل تتبوأ المرتبة 19 ضمن البلدان الأقل قابليةً للتأثر بالتغير المناخي، والمرتبة 32 ضمن البلدان الأكثر استعدادًا للتعامل مع تغير المناخ (أمّا الأرض الفلسطينية المحتلة فلا يأتي التقرير على ذكرها). والتفاوت في القدرة على التكيُّف بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية سياسيٌّ بحت.
يُعزى بعض الفضل في جاهزية إسرائيل إلى قرار مُلزِم أصدرته الحكومة في 2009 لوضع خطة تكيف وطنية. وقد أسفرت تلك العملية عن إنشاء المركز الإسرائيلي لمعلومات تغير المناخ والذي يعمل على جمع المعرفة العلمية والسياسات لرفد التخطيط الوطني. يتمثل الهدف المعلن للمركز في “إدماج استراتيجيات التكيف في المخططات الرئيسية وخطط العمل في مجالات مثل المياه، والطاقة، والتنوع البيولوجي، والزراعة، والصحة العامة، والبناء المُستدام، وغيرها،” بالعمل مع 16 وزارة معنية.
لا تقتصر سياسات إسرائيل المناخية على التكيف. فقد أعلنت إسرائيل قُبيل انعقاد مؤتمر باريس للتغير المناخي في 2015 هدفًا لخفض الانبعاثات بحلول 2030 مثل خفض استهلاك الكهرباء بنسبة 17% وتوليد 17% من كمية الكهرباء المستهلكة من مصادر طاقة متجددة، وخفض 20% من الانبعاثات الناجمة عن وسائل النقل. وفي 2016، أقرَّت الحكومة الإسرائيلية خطةً وطنية لتقليل انبعاث غازات الدفيئة وزيادة كفاءة استخدامات الطاقة.
وغالبًا ما تُغفَل هذه الفروق الصارخة بين إسرائيل وبين الأرض الفلسطينية المحتلة. فالمجتمع الدولي ينظر إلى إسرائيل كدولة متقدمة تكنولوجيًا ورائدة في الإدارة الخضراء. غير أن هذه السمعة الحسنة تُنافي السياسات المضرة بيئيًا المفروضة على السكان الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال، وتُناقِض استمرار إسرائيل في نهب الموارد.
مفارقة السلطة الفلسطينية
لا تملك السلطة الفلسطينية ولايةً سيادية على مواردها الطبيعية أو مساحات شاسعة من أراضيها، ولا تملك الإرادة السياسية المستقلة لتقرر طريقة إدارة المخاطر المناخية، إلا أن المفارقة، أنها مطالبةٌ بالتصدي للتغير المناخي، وهذا يجعل جهود السلطة الفلسطينية المبذولة للتكيف مع تغير المناخ غير مؤثرة وذات نتائج عكسية.
فالسلطة الفلسطينية تفتقر على الصعيد الداخلي إلى التجهيز اللازم لدعم التكيف مع تغير المناخ على المدى البعيد، وهو التحدي الذي يتطلب دعمًا سياسيًا وتعاونًا بين الوزارات، وموارد ماليةً تفوق المتاح في الوقت الحالي بكثير. وهي تواجه أيضاً مشاكل كبرى في الإدارة والحكم تعوق التخطيط للتكيف مع التغير المناخي، ومنها محدودية قدرات الأجهزة الوطنية وضعف السلطات المحلية.
فضلًا على أن الانقسام السياسي بين حركتي حماس في قطاع غزة وفتح في الضفة الغربية وانقسام القيادة عبر الأراضي الفلسطينية يُفاقم حالةَ الجمود والضعفَ الإداري. وما يفاقم الامر أكثر هو أن الكثير من الدول والمانحين ووكالات الأمم المتحدة تمتنع عن التواصل مع حكومة حماس في غزة أو تتواصل معها على نطاق محدود. ومن ثم تلجأ في العادة إلى تنفيذ المشروعات بالاستعانة بموظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة والمنظمات غير الحكومية، ما يعوق القدرة على تنفيذ برامج التكيف. وهناك أيضاً تحديات كبرى تكتنف عملية جمع البيانات، ولاسيما في قطاع غزة حيث تواجه العملية صعوبةً بالغة في تأمين الوصول لإجراء العمل الإحصائي والمتخصص.
وفي 2011، وضعت سلطة جودة البيئة التابعة للسلطة الفلسطينية “الاستراتيجية الوطنية للتكيف مع التغير المناخي” بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وكلية لندن للاقتصاد وأجهزة أخرى تابعة للسلطة الفلسطينية، ونشرت نسخةً محدثة – خطة التكيف الوطنية (NAP)- في 2016. يُقدِّر التقرير المحدَّث التكلفة الكلية لخيارات التكيف الزراعي والمائي المقترحة بما يزيد على 3.2 مليار دولار على مدار السنوات العشر القادمة. ولا يوضح التقرير مصادر هذا التمويل، ولكنه يذكر أن السلطة الفلسطينية تأمل بتأمين “دعم مالي كبير من المانحين الدوليين.” غير أن تأمين التمويل يواجه صعوبات بالرغم من الدعم الدولي المتنامي لجهود التكيف الفلسطينية. دخلت دولة فلسطين في آذار/مارس 2016 (المعترف بها بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19 كدولة مراقب غير عضو) طرفًا في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وصادقت في نيسان/أبريل 2016 على اتفاق باريس للمناخ؛ ثم تقدمت السلطة الفلسطينية في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 بخطة التكيف الوطنية إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ. بيد أن هذه العلاقة بين السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي تستدعي التدقيق: فبتطبيق المعايير ذاتها في تقييم جاهزية السلطة الفلسطينية وإسرائيل للتعامل مع التغير المناخي، يساهم المجتمع الدولي والوكالات المانحة في تطبيع الاحتلال بدلًا من معاملته ككيان شاذ واستنزافي.
علاوة على ذلك، طرأ “تحولٌ معرفي إزاء الاحتلال من كونه عدوانًا إلى كونه خطرًا،” وهذا التحول يؤطر الاحتلال بشكل متزايد كمشكلة لاسياسية مرتبطة بالفقر، وليس كمعيق يتعمد عرقلة حقوق الإنسان وتقرير المصير، وهذا ينزع الصبغة السياسية عن واقع التغير المناخي في الأرض الفلسطينية المحتلة ويُخرجه من سياقه، فيجعل الاحتلال نقطة ضعف “عادية” من بين نقاط ضعف أخرى كثيرة يتعين على السلطة الفلسطينية معالجتها.
ثمة مفارقةٌ أخرى تكمن في أن السلطة الفلسطينية تحاول التخطيط لعقود قادمة في المستقبل برغم عجزها عن التنبؤ بالاحتلال أو كبج جماحه. تقول ستاماتوبولو روبنز، الأستاذة في علم الأنثروبولوجيا في كلية بارد، إن مشروعات التكيف تُعد ممارسةً لفن الحكم تسمح للمهندسين والباحثين والبيروقراطيين الفلسطينيين بإملاء “الشكل والحدود الإقليمية والحياة الاقتصادية” لمستقبل الأرض الفلسطينية المحتلة وتقديم تأكيدات حول جاهزيتها لتصبح دولة. وهم يفعلون ذلك من خلال تحديد ماهية القضايا “المهمة” في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومن خلال تقديم الاحتلال كحقيقة ثابتة في أي واقع مستقبلي – وهو دومًا دولة تفتقر إلى السيادة أو اليقين.
المياه
سوف يؤثر التغير المناخي في أغلب قطاعات الاقتصاد في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما قطاع المياه الذي سيكون من بين أكبر المتأثرين من حيث وفرة المياه وجودتها. أولًا، ستصبح موارد المياه العذبة – السطحية والجوفية – أكثر شحًا بسبب تناقص معدلات هطول الأمطار، الأمر الذي سيزيد من صعوبة تعويض المياه الجوفية أثناء فترات النمو السكاني المرتفع تزامنًا مع احتدام التنافس على المياه فيما بين الزراعة الفلسطينية، والمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، وقطاع الصناعة. سيؤدي تراجع الهطول المطري أيضًا إلى زيادة تكلفة استخراج المياه وزيادة كميات الطاقة المستخدمة في استخراجها. علاوةً على أن ارتفاع درجات الحرارة ومعدلات الترسيب الزائدة قد تهدد جودة مياه الشرب، بالنظر إلى محدودية مرافق المعالجة.
ثانيًا، بما أن التغير المناخي يزيد احتمالات هطول الأمطار بغزارة ولفترات قصيرة مقارنة بالموسم المطير الممتد، فإن احتمال تشكل السيول والفيضانات المفاجئة ستزيد كثيرًا. ولا تستطيع البنية التحتية القائمة في الأرض الفلسطينية المحتلة تحمّل هطول الأمطار بغزارة، ما قد يؤدي إلى فيضانات في المناطق الحضرية تُعزى جزئيًا إلى عدم كفاية نُظم الصرف والمجاري.
المياه ليست موردًا مفصولًا عن السياسة. فالاحتلال يستنزف الموارد المائية ويؤثر في المجالات كافة من الصحة إلى الصناعة. تعد المياه الجوفية المصدرَ الرئيسي لمياه الشرب للفلسطينيين. وتوجد طبقات المياه الجوفية الغربية والشرقية الشمالية والشرقية في الضفة الغربية، بينما تشكل طبقات المياه الجوفية الساحلية المصدر الوحيد للمياه في قطاع غزة وقد شهدت إفراطًا في الاستخراج والتلوث في السنوات الماضية، ما يهدد بنضوبها في وقتٍ قريب قد يكون العام المقبل. فضلًا على ارتفاع منسوب مياه البحر وتغلغل مياه البحر المالحة، بالنظر إلى امتداد قطاع غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
سوف يؤثر التغير المناخي في أغلب قطاعات الاقتصاد في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولا سيما قطاع المياه الذي سيكون من بين أكبر المتأثرين لجهة وفرة المياه وجودتها Share on Xلقد أنشأت إسرائيلُ نظامًا بيروقراطيًا معقدًا لاستصدار التراخيص والموافقات وحقوق الوصول بهدف التحكم في وصول الفلسطينيين إلى المياه الجوفية وتقييد هذا الوصول بطريقة انتقائية. وهي تفعل ذلك بموجب الصلاحيات الممنوحة لها بموجب اتفاق أوسلو الثاني 1995- المصمم ليمتد خمس سنوات، إلا إنه ما زال نافذًا بعد مرور 24 سنة. يُعطي هذا الاتفاق لإسرائيل صلاحية السيطرة على قرابة 80% من الاحتياطيات المائية في الضفة الغربية. لذلك، تسعى السلطة الفلسطينية إلى الحصول على الحقوق المائية في منابع المياه الجوفية الجبلية، متعللةً بالغبن المتضمَن في اتفاقات أوسلو بحق الفلسطينيين.
تمارس إسرائيل سيطرتها على المياه من خلال لجنة المياه المشتركة، التي تحظر صدور أي قرار متصل بالمياه دون موافقة إسرائيلية. وتأتي المياه السطحية (من الأنهار والجداول والأغادير والبحيرات والخزانات) من وادي الأردن والبحر الميت ونهر الأردن، وتمنع لجنة المياه المشتركة الفلسطينيين من الوصول إليها، ويُقدَّر أن يتناقص تدفُقها بدرجةٍ كبيرة على مدار السنوات القادمة. والفلسطينيون أيضًا مشاطئون لنهر الأردن، ما يخولهم حق الاستفادة من مياهه. غير أن الفلسطينيين لا يملكون الوصول لحقوقهم تلك بسبب السيطرة الإسرائيلية الكاملة على منابع مياه نهر الأردن. فضلأ على أن لجنة المياه المشتركة ترفض منح الفلسطينيين رخص الاستفادة من المياه المسالة من السدود.
وفي الوقت نفسه لا توجد سوى بضعة مرافق لمعالجة مياه الصرف في الضفة الغربية، ولا تُستَخدم المياه المعالجة في الزراعة إلا ما ندر. وثمة صعوبة بالغة في الوصول إلى منابع مائية جديدة أو إصلاح البنية التحتية القائمة لأن إسرائيل لا تمنح سوى تصاريح قليلة، وتهدم المباني والآبار غير المرخصة.
تحول إسرائيل دون دخول ما يكفي من المياه النظيفة إلى قطاع غزة، وتعمل كذلك على عرقلة أي محاولة لبناء أو صيانة البنية التحية المائية مثل الخزانات، من خلال فرض القيود على الواردات من مواد البناء الأساسية. ونتائج ذلك مهلكة، حيث باتت 90-95% من المياه في غزة ملوثةً وغيرَ صالحة للشرب أو الري. وتتسبب المياه الملوثة بأكثر من 26% من الأمراض المبلغ عنها في غزة، وتعد سببًا رئيسيًا لوفيات الأطفال حيث إنها مسؤولة عما يزيد على 12% من وفيات الأطفال.
ومحصلة هذه التدابير جسيمة. فوفقًا لمعهد الأبحاث التطبيقية – القدس (أريج)، 81% فقط من المحليات الفلسطينية في الضفة الغربية متصلة بشبكة المياه، وهناك 65% يعتمدون على المياه المنقولة بالصهاريج والتي يزيد ثمنها عن المياه المنقولة بالأنابيب بثلاثة إلى ستة أضعاف، وغالبًا ما تكون رديئة الجودة، ويعتمدون كذلك على تجميع مياه الأمطار، والمياه المعبأة في عبوات، وعلى الآبار. وحتى تلك المنازل المتصلة بالشبكة غالبًا ما تعتمد على هذه الموارد الأخرى بسبب الانقطاع المتكرر في مياه الشبكة. ويقدِّر معهد أريج أن 50.9% فقط من المنازل في الضفة الغربية تصلها المياه يوميًا. وفي غزة، 30% فقط من المنازل تصلها إمدادات المياه يوميًا وغالبًا ما تتوقف كليًا في زمن الحرب.
تعني هذه الأرقام مجتمعة أن الأرض الفلسطينية المحتلة تستأثر بواحدةٍ من أدنى النسب العالمية من حيث حصة الفرد من المياه بواقع 72 لترًا للفرد في اليوم الواحد في الضفة الغربية و96 لتر في قطاع غزة، وكلاهما أقل من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 100 لتر يوميًا. وفي الغالب يعتاش الفلسطينيون غير المتصلين بشبكة المياه – كأولئك القاطنين في المنطقة (ج) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية – على 10-20 لترًا فقط للفرد في اليوم لكافة الاستخدامات.
وفي تناقض صارخ، يستهلك 600,000 مستوطن إسرائيلي غير شرعي ستة أضعاف كمية المياه التي يستهلكها السكان الفلسطينيون في الضفة الغربية كافة – البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة. وتبلغ حصة الفرد من المياه في المستوطنات بنحو 700 لتر للفرد في اليوم الواحد للاستخدام المنزلي (أو أكثر، لوسائل الراحة مثل حمامات السباحة والمروج الخضراء). وبالإضافة إلى ذلك، يتسبب التدمير الذي يقترفه المستوطنون ضد الممتلكات والبنى التحتية الفلسطينية في كثير من الأحيان في تفاقم قابلية الفلسطينيين للتأثر والتضرر من تغير المناخ.
ثمة مجموعةٌ من خيارات التكيف الممكنة للأرض الفلسطينية المحتلة، مثل خطط التعامل الطارئ مع الفيضانات، وحماية الكثبان الرملية الساحلية في قطاع غزة (التي من شأنها أن تحمي طبقات المياه الجوفية من التملح)، وإعادة تأهيل الآبار ومصادر المياه الأخرى، والحد من التسرب من الأنابيب، بالنظر إلى ارتفاع نسبة الفاقد من المياه بسبب التسريب والتوصيلات غير القانونية.
يُموِّل المجتمع الدولي مشروعات متعلقة بإمدادات المياه والمرافق الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومنها 19 مشروعًا في عام 2017، وفقًا لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومع ذلك لن يحقق أي مشروع منها أثرًا دائمًا في ظل الاحتلال المستمر. إن إعادة تخصيص حقوق المياه من الإسرائيليين إلى الفلسطينيين يعد خطوةً أولى ضرورية، كما هو إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة للسماح باستيراد المياه النظيفة ومواد البناء لمحطات معالجة مياه الصرف ومحطات تحلية مياه البحر.
غالبًا ما يروَّج لتحلية مياه البحر كتقنية جذابة للتصدي لنضوب مصادر المياه الجوفية: فهي تحسِّن جودة المياه المتاحة وتزيد كميتها وتوسع نطاق إعادة تدوير المياه العادمة. تملك إسرائيل برنامجَ تحليةٍ متطورًا على ساحلها المتوسطي لإمداد مواطنيها بالمياه. غير أن تحلية مياه البحر تستهلك الكثير من الطاقة، وتخلِّف انبعاثات كثيفة، وتكلف كثيرًا، ومن غير المرجح أن يقدر الفلسطينيون على تحمل تكاليفها. وبالإضافة إلى ذلك، يُحظَر على الفلسطينيين في غزة استيرادُ مواد البناء لمحطات التحلية بسبب قائمة المواد المحظورة ذات الاستخدام المزدوج، بينما تصطدم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعقبة الموافقة على المشروعات من جانب لجنة المياه المشتركة فضلًا على القيود التي تفرضها اتفاقات أوسلو على حفر الآبار. تثير تحلية مياه البحر كذلك شواغل بشأن عدم تكافؤ القوة في مجال الحلول التقنية، وتحديدًا مَن يسيطر على التقنية وطريقة توزيعها.
الزراعة
الزراعة هي الدعامة الرئيسية للمجتمع الفلسطيني. فهناك نحو 60% من سكان الضفة الغربية يعيشون في 500 قرية ريفية تتسم باتصال أقل بالبنية التحتية المركزية واعتماد أكثر على المنطقة المحيطة من حيث الإنتاجية الاقتصادية.
ومن الناحية الاقتصادية، تسهم الزراعة بتوفير 11.5% من فرص العمل، وتصدير 21% من جميع الصادرات، وتغطي 21% من مجمل الأراضي (85.6% في الضفة الغربية و14.4% في قطاع غزة). ويعد الزيتون (ومشتقاته في الغذاء والصابون والوقود والمنتجات الحِرفية) المادة الأساسية في البيت الفلسطيني. واعتبارًا من العام 2010، باتت أشجار الزيتون تشكل 85.3% من جميع الأشجار المزروعة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ويسهم قطاع الزيتون بنسبة 15% في مجمل الدخل الزراعي. ومن الناحية الثقافية، تشكل الزراعة رمزية متجذرة في الهوية الفلسطينية، إذ يمثل الفلاح وشجرة الزيتون مدى ارتباط الجذور الفلسطينية بالأرض.
إن التغير في أنماط هطول الأمطار بسبب التغير المناخي يشكل خطرًا كبيرًا على الإنتاجية الزراعية للأرض الفلسطينية المحتلة، لأن التوازن الملائم بين كمية المياه ودرجة الحرارة وأشعة الشمس ضروري لنمو المحاصيل الجيد. تشكل الزراعة البعلية نحو 85% من الزراعة الفلسطينية، ونصف كمية المياه المستخرَجة من الآبار الجوفية تقريبًا تُستَخدم في أغراض الزراعة. وهكذا ستؤثر موجات الجفاف والتصحر المتزايدة تأثيرًا مباشرًا في إنتاجية المحاصيل وقطعان الماشية، بينما سيؤدي قِصر المواسم الزراعية وتزايد الطلب على المياه إلى ارتفاع أسعار الغذاء.
تزداد هذه الآثار خطورةً بالنظر إلى انعدام الأمن الغذائي القائم بالفعل في الأرض الفلسطينية المحتلة.5 ففي 2014، بلغت نسبة الأسر الفلسطينية التي تعاني انعدام الأمن الغذائي “الحاد أو الهامشي” 26% تقريبًا في الأرض الفلسطينية المحتلة، وبلغت 46% في قطاع غزة. إن ارتفاع منسوب البحر وتغلغل المياه المالحة في التربة في غزة سوف يؤدي إلى الإضرار بالزراعة الساحلية المنخفضة، التي تستأثر بنسبة 31% من مجمل الإنتاج الزراعي في غزة، وسوف يهدد الأمن الغذائي في هذه المنطقة المحصورة القابلة للتأثر والتضرر أصلًا بسبب تغير المناخ. وسوف تتراجع مداخيل المزارعين والرعاة وأرباحهم، ما سيهدد طريقة حياتهم الريفية ويزيد احتمالات وقوعهم في شِراك الدين وبراثن الفقر الهيكلي.
يضر الاحتلال الإسرائيلي بالزراعة الفلسطينية من خلال سرقة الأراضي والتحكم في الكثافة السكانية، حيث تعكف إسرائيل على توسيع المستوطنات وشقّ الطرق المخصصة للمستوطنين حصرًا في مناطق استراتيجية مدروسة، بما في ذلك على أراضي صالحة للزراعة في المنطقة (ج). وتتسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على التنقل والحركة وكذلك الوصول المقيد إلى المراعي في التدني النسبي لمجمل الناتج الزراعي في الأرض الفلسطينية المحتلة، والذي يقل عن نصف الناتج الزراعي في الأردن المجاور. فبالإضافة إلى ما يزيد على 400 نقطة تفتيش وحاجز طريق في الضفة الغربية، ثمة نظام معقد لاستصدار التصاريح، وجدار فصل عنصري، ما يعني تضاؤل مساحة الأرض المتاحة للمزارعين الفلسطينيين لأغراض الزراعة، وحرمانهم أيضًا من الوصول إليها لزراعتها.
وفي غزة، هناك 20% من الأراض الصالحة للزراعة محظورة على الاستخدام لأنها تقع داخل المنطقة الأمنية العازلة التي أنشأتها إسرائيل قرب السياج الحدودي. وفي معظم الأحيان، يُضطر المزارعون والرعاة إلى شراء المياه من مناطق بعيدة، ما يكبدهم تكاليف نقل أعلى ويهدر وقتًا ثمينًا. وعلاوة على ذلك، يعاني الفلسطينيون من محدودية الوصول إلى الأسواق الدولية والحصول على المعدات الحديثة والأسمدة.6
هناك العديد من خيارات التكيف المتاحة للحد من تأثير التغير المناخي في الزراعة. ومن الخيارات الممكنة في الضفة الغربية استخدام المياه على نحو أكثر كفاءة وفاعلية، وتخطيط استخدام الأراضي. ويمكن في قطاع غزة استخدام المياه بكفاءة وفاعلية أكثر، وتوفير الدعم والتدريب على مستوى المجتمعات المحلية للمساعدة في تحييد تأثير الاستغلال المفرط للموارد المحدودة والمتزايد بسبب تغير المناخ. يقوم المجتمع الدولي (وبالأخص البلدان الأوروبية) بتمويل مشروعات زراعية عديدة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعلى سبيل المثال، كان برنامج الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون لعام 2007 يهدف إلى ضمان حق صغار المنتجين في الاستفادة من الموارد الطبيعية والوصول إلى الأسواق. لكن، وكما هي الحال دائمًا، سيظل تأثير استراتيجيات التكيف محدودًا جدًا طالما بقي الاحتلال والحصار الإسرائيلي.
استراتيجيات للتكيف
يجب التعامل مع التغير المناخي في الأرض الفلسطينية المحتلة كأولوية عليا. وهذا يقتضي في الممارسة العملية استحداثَ مجموعة من التدابير المؤقتة في البنية التحتية المائية وقطاع الزراعة بحيث تعكس الواقع السياسي والتقني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
تمثل القيود التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ عقود التحدي الأكبر أمام الفلسطينيين، سواء من الناحية الاقتصادية (الافتقار إلى حرية حركة البضائع والأشخاص) أو من الناحية السياسية (غياب حق تقرير المصير والسيادة الفلسطينية)، ما يزعزع استقرار السكان القابلين للتأثر والتضرر أصلًا بفعل تغير المناخ. إن السبيل الأوضح لبلوغ القدرة على التكيف تتطلب نهايةً فورية للاحتلال، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وتنسيق الجهود لدمج الأرض الفلسطينية المحتلة في الجسد السياسي الفلسطيني الأوسع. لكن الموقف المتطرف بدرجة متزايدة الذي يتبناه الائتلاف اليميني في الكنيست الإسرائيلي يجعل هذه المقترحات غير واقعية في المدى القصير، ولا سيما أن الاحتلالَ بحد ذاته مشروعٌ مربح من الناحية المالية يسمح لإسرائيل بالهيمنة على الموارد الطبيعية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بينما تدمر البنية التحتية الفلسطينية الأساسية أو تمنع إنشاءها.
سوف يظل تأثير استراتيجيات التكيف محدودًا طالما بقي الاحتلال والحصار الإسرائيلي Share on Xتتمثل الخطوة الأولى الحاسمة في إعادة تخصيص المياه. وهذا يستلزم إعفاء السلطة الفلسطينية من قيود بند المياه الوارد في اتفاقات أوسلو، ومنح الفلسطينيين إمكانية الوصول الكامل وغير المنقوص إلى مياههم الجوفية ونهر الأردن. وتحقيقًا لهذه الغاية، يتعين على المجتمع الدولي أن يكبح العدوان الإسرائيلي تجاه الموارد الطبيعية الفلسطينية. فمِن دون الضغط السياسي الخارجي لن تُضطر إسرائيل إلى تغير سياساتها. ومن واجب المجتمع المدني كذلك أن يفضح السياسة البيئية الإسرائيلية ذات الوجهين التي تدعو للإصلاح البيئي وتوظيف التقنيات الجديدة، بينما تسرق من الفلسطينيين مواردهم المائية والطبيعية وتحرمهم منها.
ثمة خطوات ملموسة باستطاعة المجتمع الدولي والسلطة الفلسطينية والمنظمات الشريكة اتخاذها لمواجهة آثار التغير المناخي:
1. على المجتمع الدولي أن يمارس الضغط على إسرائيل لمعاقبة عنف المستوطنين الذي يضر بالشعب الفلسطيني وممتلكاته، ولوضع حد لتوسع المستوطنات طبقًا لقرار الأمم المتحدة رقم 2334.
2. ينبغي للسلطة الفلسطينية والمجتمع المدني أن يجتهدوا في تمكين وتشجيع الزراعة المستدامة، والزراعة الإيكولوجية، والاقتصاد التعاوني الذي بوسعه تحقيق قدرة على التكيف أكثر استدامة. وعلى سبيل المثال، ينبغي للعمال الزراعيين الفلسطينيين إعادة إنشاء التعاونيات الزراعية لتمثيل مصالحهم وهمومهم ومشاركة أفضل الممارسات للتعامل مع آثار التغير المناخي في ظل الاحتلال.
3. ينبغي للسلطة الفلسطينية والمنظمات الشريكة أن تعمل من أجل تنسيق عملية جمع المعلومات ذات الصلة بالمناخ وتحليها ومشاركتها. وهذا يشمل التركيز على البيانات المناخية على المستوى المحلي لمراقبة المستجدات عند وقوعها، بغية إنشاء نظام دائم وآني لمراقبة التأثير المناخي عبر الأرض الفلسطينية المحتلة.
4. ينبغي للسلطة الفلسطينية والمنظمات الشريكة أن تولي الأولوية لوضع السياسات والممارسات التي تحد من مخاطر الكوارث الطبيعية مثل “الدفاع المؤسسي الأول” ضد التغير المناخي.
5. بالنظر إلى شدة اعتماد المجتمع الفلسطيني على المانحين الدوليين، ينبغي للجهات المانحة أن تعمل مع المجتمع المحلي لتمويل مشروعات تستهدف التصدي لآثار التغير المناخي أو الحيلولة دون وقوعها. غير أن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة للمعونة وهيكلية المنظمات غير الحكومية في الأرض الفلسطينية المحتلة، ولن يتحقق إدراج قابلية التأثر بالمناخ في هذا الإطار من دون هواجس أخلاقية. لذلك تكتسب التدخلات المنصبة على إنهاء الاحتلال أهميةً قصوى.
6. ينبغي لإسرائيل أن تشارك أساليبها المتقدمة في القدرة على التكيف وتقنياتها المتقدمة، مثل الممارسات المثلى في تحلية مياه البحر، مع أصحاب المصلحة الفلسطينيين كتعويض لهم عن سرقتها الأراضي والموارد الفلسطينية، ولأن التغيرَ المناخي ظاهرةٌ عالمية وينبغي لجميع الشعوب امتلاك القدرة على الاستفادة من تكنولوجيا التكيف. غير أنه لا بد من وضع التدابير اللازمة للتأكد من أن نقل التكنولوجيا لا يؤدي إلى ترسيخ تبعية الفلسطينيين، أو إلى استخدامه في تقويض الحقوق الفلسطينية في الأرض والمياه.
توفر هذه الاستراتيجيات حلولًا قصيرة إلى متوسطة الأجل، ولكنها تظل غير مجدية ما لم ترافقها جهودٌ محلية ودولية حثيثة لوضع نهاية للاحتلال. إن التغير المناخي يشكل تهديدًا عالميًا بنسب كارثية، وأكثر المجتمعات معاناةً ستتحدد بفعل عوامل سياسية واقتصادية من صنع الإنسان. وبالنسبة للفلسطينيين، الذين سيحيون الذكرى الواحدة والسبعين لفقدان موطنهم في شهر أيار/مايو القادم، لا يُعد التغير المناخي ظاهرةً مفصولةً عن السياسة وإنما هو ظاهرة تفاقمت بسبب وضعهم كشعب تحت الاحتلال.
- تود الكاتبة أن تتقدم بالشكر إلى أليكس كلارك من مبادرة سياسة المناخ على مساعدته.
- تستند هذه الورقة إلى مجموعة واسعة من المصادر ولا سيما تقارير الأمم المتحدة من العقد الماضي، والمؤشرات البيئية، والأدبيات الأكاديمية. إن تقييم الأخطار المستقبلية التي يفرضها تغير المناخ لا يستند إلى علمٍ مضبوطٍ ودقيق. فالتأثيرات المحلية والإقليمية المتوقعة ليست يقينية، ولا سيما في ظل شح البيانات في الأرض الفلسطينية المحتلة وتضارب الدراسات المسحية والمخططات الفلسطينية والإسرائيلية في أغلب الأحيان. ولهذا تُستقى معظم التوقعات من التفسيرات الإقليمية للنماذج العالمية. ولكن حتى مع انعدام اليقين، فإن تأثيرات تغير المناخ في فلسطين-إسرائيل ستكون سلبيةً على نحو شبه مؤكد.
- التصحر تهديدٌ خطير للغاية، ولا سيما في غور الأردن، ولكن هذه الورقة لن تخوض فيه لضيق الحيز المتاح.
- مع أن هذه المسألة تقع خارج نطاق هذه الورقة، إلا أن من الجدير أن نشير إلى تأثير التغير المناخي المحتمل أن يُؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار في منطقة غير مستقرة أصلًا – وبخاصة في الأردن ومصر وسوريا. وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مسألةَ التغير المناخي كمسألةِ أمن دولي في قرار رسمي صادر سنة 2009.
- يقع انعدام الأمن الغذائي بموجب تعريفه حين يقل دخل الأسرة واستهلاكها عن 1.60 دولار للفرد الواحد في اليوم.
- خلص تقرير أصدره البنك الدولي في 2009 أنه إذا أزيلت القيود الإسرائيلية وزادت قدرة الفلسطينيين على الوصول إلى المياه، فإن مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي للأرض الفلسطينية المحتلة سوف تزداد بنسبة تصل إلى 10%، وسوف يستحدث القطاع نحو 110,000 فرصة عمل جديدة.