Ayyash_PolicyBrief_June2023-apaimages-1

ملخص تنفيذي

ما تزال الصهيونية الليبرالية تلعب دورًا مهيمنًا في الأيديولوجية الصهيونية رغم تنامي السياسات اليمينية في النظام الإسرائيلي. ولها وظيفة محددة ومهمة تتمثل في تغليف المشروع الصهيوني بقشرة الحضارة الغربية المستنيرة والسياسات الديمقراطية التقدمية. ولهذا نادرًا ما يوصَف النظام الإسرائيلي في الأوساط الغربية العامة بحقيقته: دولة استعمارية استيطانية تمارس الفصل العنصري.

يصفُ السياسيون ووسائل الإعلام على اختلاف أطيافهم السياسية في أوروبا وأمريكا الشمالية وخارجهما إسرائيلَ إلى حدٍ كبير بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط،" وأنها تتبنى قيمًا غربية تجعلها منارةً للسياسة التقدمية في منطقة استبدادية يتعذر إصلاحها. ثم يُستخدم هذا الخطاب لتبرير الدعم الغربي الجامح للنظام الإسرائيلي، بما ينطوي عليه من تقديم الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لاستدامة استعماره في فلسطين وتوسيعه.

تنطلق الصهيونية الليبرالية المعاصرة من الصهيونية العمالية - الذراع الاشتراكي اليساري، كما يُشار إليه، للحركة الصهيونية والذي نشأ قبل أكثر من قرن ولعب دورًا محوريًا في تشكيل الدولة الصهيونية. ما انفكت الصهيونية الليبرالية منذ نشأة الدولة تتجلى في سياسات الحكومات اليسارية المتعاقبة، وفي رسالة العديد من المنظمات غير الحكومية، واللوبيات، والأحزاب السياسية، وشبكات الباحثين، والمؤسسات التي تروِّج لإسرائيل باعتبارها دولةً ليبرالية يهودية. وظلت الصهيونية الليبرالية مهيمنةً على الأيديولوجية الصهيونية لعقود عديدة بعد 1948. وفي هذا الصدد، يكتب الصهيوني الليبرالي، يهودا كيرتزر، بخصوص الصهاينة الأوائل: "اعتبرَ الصهاينةُ المنتصرون أنّ ما كانوا يفعلونه هو بناء حركة سياسية ليبرالية. وهكذا دخلت الليبرالية في الصهيونية السياسية التي أفضت في نهاية المطاف إلى بناء الدولة."

واليوم، يزعم الصهاينةُ الليبراليون تأييد حلَّ الدولتين ضمن حدود 1967، وعلى هذا النحو من الأجدرَ بهم نظريًا ألا يكونوا مهتمين في التوسع أكثر لأنهم ينظرون إلى الاحتلال على أنه خطرٌ على مشروع الدولة اليهودية. ويُعبِّرون عن ذلك أحيانًا من خلال انتقادهم سياسات وممارسات الفصل العنصري (دون استخدام مصطلح الفصل العنصري) التي توسِّعُ الدولة الإسرائيلية بإطلاق عنان السلطة المستبدة للتحكم في أعناق الفلسطينيين.

ومع ذلك، يجب النظر إلى تأييدهم حلَّ الدولتين على أنه نابعٌ من تخوفهم الأكبر من حل الدولة الواحدة الذي ستتحول بموجبه السيادة الإسرائيلية "غير الرسمية" إلى سيادة "رسمية" على سائر أرض فلسطين المستعمرة، بما يترك لإسرائيل عددًا كبيرًا من السكان الفلسطينيين يهدد مكانتها كدولةٍ يهودية. وبما أن الصهيونية الليبرالية لا تستطيع التوفيق بين الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية عرقية وبين إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، فإن واقع الدولة الواحدة سوف يفضح هذه المغالطة الجوهرية. وهكذا، فإن سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري تندرج تحت الأيديولوجية الصهيونية الليبرالية التي ترفض مواجهة حقيقة الصهيونية.

في جوهرها، الصهيونية الليبرالية هي أيديولوجية توفر الغطاء والدعم للغزو الاستعماري الاستيطاني في فلسطين باسم العقلانية والتقدم والمساواة والتسامح والديمقراطية وحتى مناهضة العنصرية. لذا لا بد من التصدي لهذه الأيديولوجية في جميع الفضاءات التي تعمل فيها. وهذا يعني نبذ الصهيونية الليبرالية بصفتها "شريكًا للسلام"، والإصرار على التحرير الفلسطيني لأرض فلسطين المستعمرةً كاملة وللفلسطينيين حيثما وُجدوا.

إن إطار عمل التحرير القائم على إنهاء الاستعمار يعود بالنفع أيضًا على اليهود الإسرائيليين على المدى البعيد. وهذا ما ينطوي عليه اجتثاث الصهيونية، الذي يبدأ باعتراف اليهود الإسرائيليين بأن الصهيونية لم تكن يومًا معنيةً "بالمسألة اليهودية" في أوروبا، وإنما استوعبتها واستنسخت المشروع الاستعماري الغربي في فلسطين؛ وينتهي حين لا يعود اليهود الإسرائيليون "مواطنين أصليين أو مستوطنين في فلسطين التاريخية،" وإنما "مهاجرون... ومقيمون مرحبٌ بهم في وطن تاريخي." المهم في ذلك هو أن هذا المفهوم يقتضي إعادةَ تصور الدولة والقومية والسيادة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية الغربية.

في خارج فلسطين المستعمرة أيضًا يجب دحض الصهيونية الليبرالية في جميع الأحزاب والمؤسسات السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ولا بد للناس في أوساط الناشطين والأوساط العامة أن يشكِّلوا ائتلافات متعددة القطاعات ملتزمة بالعدالة القائمة على إنهاء الاستعمار. ولا بد لهذه المجموعات والمنظمات أن تنظِّمَ أنشطةً من قبيل التثقيف المجتمعي، وعرائض، وحملات كتابة الرسائل، وغيرها من الأنشطة والفعاليات لوضع استراتيجية للتصدي للممانعة الصهيونية الحتمية.

نظرة عامة

ما تزال الصهيونية الليبرالية تلعب دورًا مهيمنًا في الأيديولوجية الصهيونية رغم تنامي السياسات اليمينية في النظام الإسرائيلي. ولها وظيفة محددة ومهمة تتمثل في تغليف المشروع الصهيوني بقشرة الحضارة الغربية المستنيرة والسياسات الديمقراطية التقدمية. ولهذا نادرًا ما يوصَف النظام الإسرائيلي في الأوساط الغربية العامة بحقيقته: دولة استعمارية استيطانية تمارس الفصل العنصري.1

يصفُ السياسيون ووسائل الإعلام على اختلاف أطيافهم السياسية في أوروبا وأمريكا الشمالية وخارجهما إسرائيلَ إلى حدٍ كبير بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط،” وأنها تتبنى قيمًا غربية تجعلها منارةً للسياسة التقدمية في منطقة استبدادية يتعذر إصلاحها. ثم يُستخدم هذا الخطاب لتبرير الدعم الغربي الجامح للنظام الإسرائيلي، بما ينطوي عليه من تقديم الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لاستدامة استعماره في فلسطين وتوسيعه.

وفي حين أنه لا بد من مواجهة الأيديولوجيات الصهيونية اليمينية الكثيرة التي لها أتباع كُثر على الصعيد العالمي – ولا سيما في أوساط الصهاينة المسيحيين – فإن من الضروري التصدي للصهيونية الليبرالية. وبينما يواصل القادة العالميون ووسائل الإعلام الرئيسية التعبير عن تخوفهم من الحكومة الائتلافية الإسرائيلية المتطرفة، ويدعون إلى العودة إلى حل الدولتين، فإن فكرة وجود نسخة ليبرالية من الصهيونية يمكن استصلاحها هي فكرة لا بد من دحضها. بعدما يُعرِّفُ هذا الموجز السياساتي الصهيونيةَ الليبرالية، ويفضح أُسُسَ الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري التي تقوم عليها، ويعرض دراسة لحالة من الولايات المتحدة، سيقترحُ وضع إطار عمل لتوجيه الجهود الرامية إلى مواجهة مفهوم الصهيونية الليبرالية ودحضه.

مفهوم الصهيونية الليبرالية

تنطلق الصهيونية الليبرالية المعاصرة من الصهيونية العمالية – الذراع الاشتراكي اليساري، كما يُشار إليه، للحركة الصهيونية والذي نشأ قبل أكثر من قرن ولعب دورًا محوريًا في تشكيل الدولة الصهيونية. ما انفكت الصهيونية الليبرالية منذ نشأة الدولة تتجلى في سياسات الحكومات اليسارية المتعاقبة، وفي رسالة العديد من المنظمات غير الحكومية، واللوبيات، والأحزاب السياسية، وشبكات الباحثين، والمؤسسات التي تروِّج لإسرائيل باعتبارها دولةً ليبرالية يهودية. وظلت الصهيونية الليبرالية مهيمنةً على الأيديولوجية الصهيونية لعقود عديدة بعد 1948. وفي هذا الصدد، يكتب الصهيوني الليبرالي، يهودا كيرتزر، بخصوص الصهاينة الأوائل: “اعتبرَ الصهاينةُ المنتصرون أنّ ما كانوا يفعلونه هو بناء حركة سياسية ليبرالية. وهكذا دخلت الليبرالية في الصهيونية السياسية التي أفضت في نهاية المطاف إلى بناء الدولة.”

لا يمكن النظر إلى الصهيونية الليبرالية إلا كاستعمار استيطاني، أصلًا وفرعًا، لأنها المسؤول المباشر عن النكبة في 1948 Share on X

وعلى غرار كيرتزر، يُركِّز معظم المحللين الإسرائيليين على التفاعل بين الأيديولوجيات اليسارية واليمينية باعتباره شأنًا إسرائيليًا داخليًا ومسألةً سياسيةً يهودية داخلية. غير أن أفضل وسيلة لتعريف الصهيونية هي من خلال تجارب ضحاياها، أي الفلسطينيون. ومن هذا المنطلق، لا يمكن النظر إلى الصهيونية الليبرالية إلا كاستعمار استيطاني، أصلًا وفرعًا، لأنها المسؤول المباشر عن النكبة في 1948. ومع أن الصهيونية الليبرالية ليست وحدةً مفاهيمية واحدة، إلا أن أتباعها ينشطون في الأوساط العامة منذ عقود بمعتقداتهم المحورية التالية:

  1. إقامة دولة إسرائيل هي السبيل الوحيدة لتأمين سلامة اليهود وحلّ مشكلة نفيهم،
  2. لليهود حقوق سيادية وتوراتية متأصلة في أرض فلسطين،
  3. المشروع الصهيوني هو مسعى بطولي ومُعجِز يحمل شعلة التحديث والحضارة إلى ما يُسمى أرض إسرائيل، و
  4. “حرب الاستقلال” سنة 1948 كانت ضرورية، وكانت نتائجها – المتمثلة في طرد ما يزيد على 750,000 فلسطيني من أراضيهم وديارهم وتدمير فلسطين – طبيعيةً ولا بد من تقبلها.

لا يتفق الصهاينة الليبراليون جميعًا على كل نقطة من هذه النقاط الأربع. فبعضهم، مثلًا، يستخدم لغةً مختلفة كثيرًا للتعبير عن النقطة الرابعة، حيث يحتجون بأن الفلسطينيين خرجوا بمحض إرادتهم ولم يُطرَدوا. غير أن الأيديولوجية الصهيونية الليبرالية السائدة، بنسخها المتعددة، ترى بأن الغزو الاستعماري الاستيطاني لفلسطين في 1948 كان مشروعًا صائبًا ومبررًا تمامًا ولذلك لا يمكن توجيه أي انتقادٍ حقيقي لإقامة إسرائيل في 1948.

تُعادي الصهيونية الليبرالية الأصوات الفلسطينية المنتقِدة لإقامة الدولة الإسرائيلية والداعية لإنهاء الاستعمار، وغالبًا ما تصفها بأنها معادية للسامية بهدف تهميشها وفرض الرقابة عليها. ويعود تاريخ محاولات القضاء على المنظور الناقد الفلسطيني من خلال مفهوم “معاداة السامية الجديدة” إلى مطلع سبعينات القرن الماضي حين أخذَ وزيرُ الخارجية الإسرائيلي في حكومة حزب العمال، أبا إيبان، يروِّج فكرةَ أنّ معاداة الصهيونية هي معاداة للسامية. فضلًا على أن الصهاينة الليبراليين يستخدمون هذه المعتقدات الأساسية لانتقاد احتلال الضفة الغربية سنة 1967، بما فيها القدس الشرقية وغزة، بينما يحرصون على تفادي لفت الانتباه إلى 1948.

خير مثالٍ لهذه الانتقادات التكتيكية ما جاء في مقالة رأي كتبها الصهاينة اليبراليون بول بيرمان ومارتن بيريتز ومايكل ولزر وليون وايزيلتير، ونشرتها صحيفة واشنطن بوست في 2023. يصف هؤلاء الكُتاب إسرائيلَ بأنها كانت منذ نشأتها من “الأمم المُحبة للحرية،” ويقولون إن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية الجديدة “تهدد مكانة إسرائيل عالميًا.” وتتجلى في خاتمة المقالة أهمية مشكلة الصورة، حيث يُصرّون على استمرار التمويل العسكري الأمريكي الكامل لإسرائيل، ويطلبون دعم الولايات المتحدة للإسرائيليين المحتجين على حكومة نتنياهو الائتلافية اليمينية.

إن “الدعم المزدوج، ولكن غير المتناقض،” بحسب تعبيرهم هو في الواقع وصفٌ دقيق ليس لأن من شأنه أن يحمي الديمقراطية، كما يرون، في المعركة العالمية بين “الديمقراطية والاستبداد.” ولكن لأن تقديم هذا الطلب لإدارة بايدن يمثل اعترافًا ضمنيًا بأن: (أ) ما أُخذَ بالقوة في 1948 لا يمكن استبقاؤه إلا بالقوة – وهذا يفسر الحاجة الدائمة للتمويل العسكري بغض النظر عن الأيديولوجية السياسية المتربعة على السلطة، (ب) رفض سياسات الحكومة الجديدة للتوسع وضم الأراضي سوف يُنقذ الدولة اليهودية كدولة لأغلبية يهودية، ويَحول دون دخول الانتقادات الفلسطينية الموجهة لإسرائيل في الخطاب السائد.

يدلُّ ذلك على أن دعم الصهاينة الليبراليين للاحتجاجات الإسرائيلية التي شهدتها أراضي 1948 في 2023 لا يتعارض مطلقًا مع المشروع الاستعماري الاستيطاني للدولة الصهيونية، وإنما يشير إلى قلقهم من أن يتسبب المسارُ اليميني في إفساد القشرةِ الليبرالية التي تُغلف الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. ففي نهاية المطاف، يجتمع تيارا اليسار واليمين كلاهما على إقامة إسرائيل و”الدفاع” عنها كدولةٍ لأغلبية يهودية. 

وختامًا، لا بد من النظر إلى الصهيونية الليبرالية كجزءٍ لا يتجزأ من الحداثة الاستعمارية. أي أنه لا يمكن فصل تلك الحداثة – التي يُنظَر إليها كظاهرة غربية – عن الأدوات المستخدمة في تحقيقها، وهي الاستعمار والعبودية. وليس مستغربًا أن يفشل الصهاينة الليبراليون في انتقاد الأسس الاستعمارية العنيفة لِما يسمى بالديمقراطيات الليبرالية الغربية. بل إنهم يعتقدون إيمانًا وتسليمًا بأن الحضارة الغربية متفوقة على سائر الحضارات الأخرى، وأن فيها أكثر النُظم الديمقراطية تطورًا في العالم.

يعتقدون أيضًا بأن الغرب يستحق أن ينشر حضارته التي طورها بنفسه للعالم أجمع. وكمثال لذلك كتاب وُلزر الأخير الذي يُثني فيه على “الأخلاق الليبرالية” و”المذهب الليبرالي” باعتبارها “نتاج عصر التنوير وانتصار… الفرد المتحرر – الشخصية الغربية.” ويرى أنّ هذا الاختراع الغربي على حدّ زعمه، والذي يَعدُّ إسرائيلَ جزءًا منه، ضروري لكي يَحولَ دون أن نصبح “أُحاديين، وعقائديين، وغير متسامحين، وقمعيين.” ولا يتضمن الكتاب نموذجًا لإنهاء الاستعمار يُركز على تجارب وتطلعات أولئك الذين ما انفكوا يعانون ويتعرضون للمحو بسبب المشروع الاستعماري الغربي. ومن خلال فصل حضارة الغرب عمّا يفعله الغرب، فإن الصهيونية الليبرالية تُبرِّر وتشرعن وتطبِّعُ المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين المستعمرة وخارجها.

 سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري في الصهيونية الليبرالية

يتجلى في طرد الفلسطينيين الجماعي في 1948 وتبريراته الأيديولوجية والشرعنة اللاحقة أن جميعَ السياسات المنبثقة من إطار عمل الصهيونية الليبرالية هي سياسات للاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري. والأهم من ذلك أنّ إقامة الدولة الصهيونية في 1948 كانت سياسة استعمارية استيطانية اقتضت طرد الفلسطينيين وتجريدهم من ممتلكاتهم. وبُعيد ذلك، أصدرت إسرائيل سلسلةً من قوانين الفصل العنصري لضمان أن الطرد نهائي، ولتشرعَ في عملية تهويد فلسطين المستعمرة – ومن تلك القانونين قانون العودة لسنة 1950، قانون أملاك الغائبين لسنة 1950، وقانون الجنسية لسنة 1952.

فإن سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري تندرج تحت الأيديولوجية الصهيونية الليبرالية التي ترفض مواجهة حقيقة الصهيونية Share on X

يَحرصُ الصهاينة الليبراليون على الحفاظ على صورة إسرائيل، ولذلك يتجنبون استخدامَ اللغة التي تكشف واقع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، يصف بيرمان وبيريتز ووَلزر ووايزلتير، في معرض نقدهم لحكومة نتنياهو الائتلافية الأخيرة، سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري الإسرائيلية بأنها حملةٌ “تزداد ضراوةً” من أجل إقامة مستوطنات إضافية وفرض “تحديات متزايدة” على المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. ويصفونها بأنها تشجِّع “الحراس اليهود المتطرفين” و”القوميين العرقيين،” ويحذرون من أن إسرائيل في طريقها لتصبح كهنغاريا التابعة لفيكتور أوربان. وفي خطابهم، تغدو إسرائيل ضحيةً أخرى لموجة القومية العرقية التي يشهدها العالم والتي تهدد الديمقراطيات الغربية الليبرالية – وهي نقطة يُبرزها آخرون، مثل كيرتزر، لتأكيد صورة إسرائيل على أنها ديمقراطية ليبرالية في أساسها.

وهذا التأطيرُ بعيد عن الحقيقة. حيث دأبت إسرائيل على ترسيخ نظام يضع المستوطن في مكانة متفوقة على السكان الأصليين مكانيًا وسياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا وقانونيًا. وهي تفعل ذلك بطريقة تعود بالنفع ماديًا ومعنويًا على المستوطن؛ فهي من ناحية توسِّع المستوطنات، ومن أخرى توطن المستوطنين وتشرِّدُ الفلسطينيين. وفي هذا الصدد، يُعدُّ الفصل العنصري حلقةً في سلسلة العنف الاستعماري الاستيطاني المتواصلة التي بدأت بطرد السكان الأصليين وتشريدهم جماعيًا. وهي عملية تقضي على سيادة السكان الأصليين، وتخدم بالتالي كأداة لترسيخ الغزو الاستعماري الاستيطاني وتوسيع رقعته.

ولمَّا كان الصهاينةُ الليبراليون يزعمون تأييد حلَّ الدولتين ضمن حدود 1967، كان من الأجدرَ بهم نظريًا ألا يكونوا مهتمين في التوسع أكثر لأنهم ينظرون إلى الاحتلال على أنه خطرٌ على مشروع الدولة اليهودية. ويُعبِّرون عن ذلك أحيانًا من خلال انتقادهم سياسات وممارسات الفصل العنصري (دون استخدام مصطلح الفصل العنصري) التي توسِّعُ الدولة الإسرائيلية بإطلاق عنان السلطة المستبدة للتحكم في أعناق الفلسطينيين.

ومع ذلك، يجب النظر إلى تأييدهم حلَّ الدولتين على أنه نابعٌ من تخوفهم الأكبر من حل الدولة الواحدة الذي ستتحول بموجبه السيادة الإسرائيلية “غير الرسمية” إلى سيادة “رسمية” على سائر أرض فلسطين المستعمرة، بما يترك لإسرائيل عددًا كبيرًا من السكان الفلسطينيين يهدد مكانتها كدولةٍ يهودية. وبما أن الصهيونية الليبرالية لا تستطيع التوفيق بين الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية عرقية وبين إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، فإن واقع الدولة الواحدة سوف يفضح هذه المغالطة الجوهرية. وهكذا، فإن سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري تندرج تحت الأيديولوجية الصهيونية الليبرالية التي ترفض مواجهة حقيقة الصهيونية.

دراسة حالة في الصهيونية الليبرالية الأمريكية

منظمة “جي ستريت” هي إحدى المنظمات الصهيونية الليبرالية الرائدة في الولايات المتحدة، تصف نفسها بأنها “مؤيدة لإسرائيل ومؤيدة للسلام ومؤيدة للديمقراطية” وتناهض “التعصب واللامساواة والظلم.” الأهم من ذلك هو أنَّ “جي ستريت” تعتقد بأن إسرائيل تشاطر هذه “المبادئ الديمقراطية” مع الولايات المتحدة، وترى أن “التهديد الشديد” الذي يواجه “الديمقراطية الليبرالية” في إسرائيل هو جزءٌ من موجةٍ عالمية من التشدد والقومية العرقية برزت مؤخرًا وباتت تهدد أيضًا الولايات المتحدة. وعلاوةً على ذلك، تدّعي المنظمة بأنها تعمل ضمن “ائتلافات متعددة الأديان والأعراق لمؤازرة مجتمعات محلية في سعيها للتغلب على… القمع ولتعزيز الديمقراطية الليبرالية.” وتؤمِنُ بأن إسرائيل تواجه “أعداء خطرين” وأن لها الحق في الدفاع عن نفسها – وبالتالي – الدفاع عن الديمقراطية والتقدمية والحضارة.

تبني “جي ستريت” معارضتها للاحتلال على هذا الأساس الذي يجعل “التشكيكَ في حق إسرائيل الأساسي في الوجود كوطن يهودي” أمرًا غير شرعي. وتقرُّ أيضًا بأن الفلسطينيين “يستحقون حقوقًا مدنية كاملة ووضع حدٍ للظلم الممنهج الذي يمارسه الاحتلال” وأنها “تؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح بحدود محددة.” وبهذا تصف “جي ستريت” نفسها صراحةً كمنظمة ليبرالية وعقلانية.

غير أنها تعجز عن تفسير سبب اعتقادها بأن على الدولة الفلسطينية أن تكون منزوعة السلاح. وهذا يدلُّ على أن الصهاينة الليبراليين يعتقدون بأن الفلسطينيين أعداء خطرون – أو أن الفرصة سانحةٌ دائمًا لأن يكونوا كذلك – وأنهم إذا تمكنوا من الحصول على سُبل العنف المسلح المنظم فإنهم حتمًا سيطلقون العنان له. وهذه اللغة تنسجم تمامًا مع الخطاب والسياسات الصهيونية المستمرة منذ عقود والتي تميِّز ضد الجهات الفلسطينية باعتبارها عنيفة.

الصهيونية الليبرالية هي أيديولوجية توفر الغطاء والدعم للغزو الاستعماري الاستيطاني في فلسطين باسم العقلانية والتقدم والمساواة والتسامح والديمقراطية وحتى مناهضة العنصرية Share on X

موقف منظمة “جي ستريت” إزاء الحدود يكشف حقيقتها أيضًا، حيث تُصرِّح على موقعها الإلكتروني بأنّ على إسرائيل أن “تتنازل عن غالبية الأراضي المحتلة التي يمكن إقامة دولة فلسطينية عليها مقابل السلام.” وحين تدعو المنظمةُ إسرائيلَ إلى “التنازل” عن الأرض، فإنها تعترف ضمنيًا بأن لإسرائيل الحق فيها، وتعكس المنطق الذي تقوم عليه الصهيونية الليبرالية القائل بأن لإسرائيل الحق في الأرض الممتدة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.

وتنص صراحةً في سياستها بشأن الحدود إن تصورها لخطة السلام “يتيح دمج الأحياء اليهودية القائمة في القدس الشرقية وبعض الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية القريبة من الخط الأخضر في دولة إسرائيل.” وهذه السياسة تشير إلى تأييد الضم وتنسجم مع الحكومات الإسرائيلية على اختلاف انتماءاتها السياسية. 

معضلة الضم

بالنسبة إلى “جي ستريت” والمنظمات الشبيهة، فإن الضم لا بد وأن يكونَ محدودًا مخافةَ أن يفضحَ التوسعُ الأسسَ الاستعمارية الاستيطانية التي تقوم عليها إسرائيل. وبالرغم من أن الصهاينة الليبراليين يتجاهلون بأن الأراضي المحتلة في 1948 قد أصبحت يهودية وديمقراطية – لليهود فقط – من خلال سياسات وقوانين الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري، إلا أن هذا الواقع يظل حاضرًا في أيديولوجيتهم. ولا سيما في معارضتهم لحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، وأيضًا في قلقهم من أن الحديث المتزايد عن العنف الذي تمارسه إسرائيل يوميًا على الفلسطينيين – بفضل الثورة الرقمية والنشاط الفلسطيني – قد يحدو بالمراقبين الدوليين إلى التشكيك في السياسات الإسرائيلية كافة، وربما في الأساس نفسه الذي تقوم عليه إسرائيل.

يقود هذا التخوف الصهاينة الليبراليين لانتقاد حكومة نتنياهو الائتلافية اليمينية. فكيف لهم الدفاع عن رواية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية إذا قاموا بضم أرض فلسطين المستعمرة بالكامل؟ وهكذا، فإن أبرز تداعيات النظام الإسرائيلي الجديد على الصهيونية الليبرالية هو أنه يُعرِّيها على حقيقتها: خرافة محضة. أي أن النظام الإسرائيلي الجديد يَقرنُ سياساته الإقصائية بالتعبير الصادق عن التطلعات الكامنة وراء هذه الممارسات – والشاهد على ذلك وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، حين دعا الدولة الإسرائيلية إلى “مسح” بلدة حوارة الواقعة في الضفة الغربية عن الوجود، وبذلك نزعَ قشرةَ الديمقراطية والتقدمية التي قضى الصهاينة الليبراليون عقودًا في ترويجها.

وسعيًا لترقيع تلك القشرة، ردَّ الصهاينة الليبراليون بالاحتجاج على العدوان الذي استهدف حوارة، مستخدمين لغةَ “مناهضةِ الاحتلال” و”المستوطنين المتطرفين” و”الإرهاب اليهودي.” ولكنهم لا يزالون يتجاهلون بأن الأراضي التي يُسمونها “دولة إسرائيل” – والتي ينطلقون في احتجاجاتهم منها – أمست “إسرائيلية” بفضل هيكل العنف الاستيطاني الاستعماري نفسه الذي يسعى إلى مسح حوارة عن الوجود.

تكمن الصهيونية الليبرالية، في أحسن أحوالها، ضمن سياسة ليبرالية متعددة الثقافات ترى أن أسس الأنظمة السياسية الاستعمارية الاستيطانية مأساوية ربما، ولكنها سليمة في جوهرها وموجهةٌ نحو تحقيق التقدم والحضارة. وهكذا تنضم إلى قائمة طويلة من المدافعين عن المشاريع الاستعمارية الغربية، حيث تتستر على أُسسها وهياكلها، وبالتالي تُهمِّشُ وتُقصي بدائل تلك الهياكل. وإذا كانت السياسة التقدمية اليوم لا تعتقد بوجوب أن يكون المشروعُ المناهضُ للعنصرية منزوعَ الاستعمار بالضرورة، وملتزمًا بتفكيك الحداثة الاستعمارية، فإن تلك السياسة ليست تقدميةً على الإطلاق.

اجتثاثُ الصهيونية السبيلُ الوحيدة للمضي قدمًا

الصهيونية الليبرالية هي أيديولوجية توفر الغطاء والدعم للغزو الاستعماري الاستيطاني في فلسطين باسم العقلانية والتقدم والمساواة والتسامح والديمقراطية وحتى مناهضة العنصرية. لذا لا بد من التصدي لهذه الأيديولوجية في جميع الفضاءات التي تعمل فيها. وهذا يعني نبذ الصهيونية الليبرالية بصفتها “شريكًا للسلام“، والإصرار على التحرير الفلسطيني لأرض فلسطين المستعمرةً كاملة وللفلسطينيين حيثما وُجدوا.

إن إطار عمل التحرير القائم على إنهاء الاستعمار يعود بالنفع أيضًا على اليهود الإسرائيليين على المدى البعيد. وهذا ما ينطوي عليه اجتثاث الصهيونية، الذي يبدأ باعتراف اليهود الإسرائيليين بأن الصهيونية لم تكن يومًا معنيةً “بالمسألة اليهودية” في أوروبا، وإنما استوعبتها واستنسخت المشروع الاستعماري الغربي في فلسطين؛ وينتهي حين لا يعود اليهود الإسرائيليون “مواطنين أصليين أو مستوطنين في فلسطين التاريخية،” وإنما “مهاجرون… ومقيمون مرحبٌ بهم في وطن تاريخي.” المهم في ذلك هو أن هذا المفهوم يقتضي إعادةَ تصور الدولة والقومية والسيادة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية الغربية.

في خارج فلسطين المستعمرة أيضًا يجب دحض الصهيونية الليبرالية في جميع الأحزاب والمؤسسات السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ولا بد للناس في أوساط الناشطين والأوساط العامة أن يشكِّلوا ائتلافات متعددة القطاعات ملتزمة بالعدالة القائمة على إنهاء الاستعمار. ولا بد لهذه المجموعات والمنظمات أن تنظِّمَ أنشطةً من قبيل التثقيف المجتمعي، وعرائض، وحملات كتابة الرسائل، وغيرها من الأنشطة والفعاليات لوضع استراتيجية للتصدي للممانعة الصهيونية الحتمية.

ويجب على هذه الائتلافات أن تتبع خمس ممارسات رئيسية لضمان اجتثاث الصهيونية:

  1. مواجهة الأيديولوجية بالواقع: ينبغي للصحفيين والباحثين والناشطين أن يرفضوا مواقف المنظمات الصهيونية الليبرالية، مثل منظمة “جي ستريت،” إزاء السيادة على القدس، والمعنى الحقيقي لتقرير المصير الفلسطيني، وما إلى ذلك. ولأن الصهاينة الليبراليين لا يريدون الحديث عن التحرير الفلسطيني القائم على إنهاء الاستعمار، فإن من الضرورة تحويل النقاش لينصب على هذا الموضوع، ورفض تطبيع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.
  2. رفض استخدام معاداة السامية كسلاح: لا تقدم الصهيونية الليبرالية إجابات مقنعة في ردها على النقد القائم على إنهاء الاستعمار، وإنما ترد بكيل تهمة معاداة السامية. يجب على المؤسسات والمنظمات أن ترفضَ تعريفات معاداة السامية التي تشتمل على القضية الفلسطينية بأي شكلٍ من الأشكال (المستخدمة في تيار اليمين مثل تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى المحرقة، وفي تيار اليسار مثل تعريف إعلان القدس بشأن معاداة السامية).
  3. التركيز على النماذج الفلسطينية: سماع القصص عن معاناة الفلسطينيين لا يكفي. لا بد للخطاب العام أن يركز على النماذج الفلسطينية التي تفسر سبب معاناة الفلسطينيين وأشكالها، وتوفر، وهو الأهم، منصةً لتطلعات الفلسطينيين من أجل التحرير. ولفعل ذلك، لا بد من الضغط على وسائل الإعلام كي تتحدى الوضع الراهن المتمثل في فرض الرقابة على النماذج الفلسطينية وإسكاتها.
  4. إبراز مناهضة العنصرية القائمة على إنهاء الاستعمار: أصبحت مكاتب المساواة والتنوع والإدماج منتشرة في مختلف المؤسسات الاجتماعية والسياسية، ويعمل العديد منها على مناهضة العنصرية المؤسسية والمتعددة الثقافات والليبرالية، وترى بأن النقد القائم على إنهاء الاستعمار والموجَّه لإسرائيل هو معاداة للسامية وبالتالي ليس له مكان في فضاءات مناهضة العنصرية. إنّ معارضة مبادرة المساواة والتنوع والإدماج المؤسسية ضرورية ليس فقط للتحرير الفلسطيني، بل أيضًا لتحرير كل مَن لا يزالون يعانون من عنف الحداثة الاستعمارية.
  5. تفكيك الصهيونية: لا يمكن أن تؤدي الصهيونية إلى التحرير القائم على إنهاء الاستعمار. فالصهيونية، الليبرالية واليمينية على حدٍ سواء، تمثلُ سيادةً يهودية خالصةً على الأرض، تجعل من إسرائيل سلطةً متفوقة غير قابلة للتجزئة. وهذا يعني بالضرورة الاستمرار في طرد الفلسطينيين من أراضيهم والقضاء على سيادة السكان الأصليين الفلسطينيين. إنّ تفكيك السيادة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية هو فقط ما يمكن أن يؤدي إلى مشروع حقيقي مناهض للعنصرية وقائم على إنهاء الاستعمار. ولكي يتسنى ذلك، يجب على المجتمعات الإسرائيلية واليهودية – التي تدَّعي المصالح الصهيونية بأنها تتحدث باسمها – أن تشارك في مشروع اجتثاث الصهيونية.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
م. مهند عياش أستاذ في علم الاجتماع بجامعة ماونت رويال في كندا. نشأ وترعرع في سلوان بالقدس. ألَّف كتابًا بعنوان" A Hermeneutics of Violence (UTP, 2019)"....
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content