ملخص تنفيذي
تمتلك المرأة الفلسطينية المواطنة في إسرائيل واحدةً من أقلَّ النسب في العالم من حيث المشاركة في سوق العمل، بينما تمتلك نظيرتها اليهودية واحدةً من أعلى النسب. وبالرغم من التصريحات العلنية للمسؤولين الإسرائيليين بأن على إسرائيل أن تعزز فرص توظيف المرأة العربية، فإن تلك التصريحات لم تترجم على أرض الواقع. وبدلأ من ذلك، يعاني الفلسطينيون الفقر والتهميش والتمييز على يد الحكومة الإسرائيلية.
إن تهميش المرأة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلية هو نتيجة إجراءات إسرائيلية متعددة كاستيعاب المهاجرين اليهود وتوظيفهم على نحو أضر بالفلسطينيين، كما حدث في عقد التسعينيات حين أخذت المهاجرات اليهوديات الروسيات مكان المرأة الفلسطينية في وظائف من قبيل العمل في المصانع والأعمال الزراعية الموسمية.
أدت هجرة آلاف القرويين الفلسطينيين إلى المدن الإسرائيلية لغرض العمل عقب حرب عام 1967 إلى تغيير بُنية الأسرة العربية، فسادت الأسرة النووية بدل الأسرة الممتدة، وصار تعليم الفتيات والنساء مقبولًا.
وحينها أسست الفلسطينيات المتعلمات حياةً مهنية، ولا سيما في قطاعي التعليم والتمريض، وساهمن إلى جانب الرجل في تأمين مصدر دخل إضافي وأساسي في معظم الأحيان لأسرهن. وانخرطت المرأة الفلسطينية في إسرائيل في العقدين الماضيين في مجالات عمل غير تقليدية عديدة مثل المحاماة والطب. ومع ذلك، وبالرغم من أن قابلية التوظيف تزداد لدى المرأة المتعلمة، فإن مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل الإسرائيلية لم تواكب مستواها التعليمي.
إن ارتفاع نسبة التحاق المرأة الفلسطينية في إسرائيل بالمراحل التعليمية كافة يدل على أن ما يمنعها من المشاركة في سوق العمل بنسبة عالية ليس "الثقافة الفلسطينية" أو "الإسلام" وإنما الدولة الإسرائيلية. رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تطوير البلدات العربية. ولذلك فإنها تعاني من محدودية شبكات وسائل النقل العام وغيرها من مرافق البنية التحتية الأساسية. وهذا يحول دون المرأة الفلسطينية وفرص العمل. بالإضافة إلى أن النقص الكبير في حضانات الأطفال في المناطق الفلسطينية يعوق النساء عن ولوج سوق العمل.
حتى حين تعمل المرأة الفلسطينية، فإنها تواجه فجوة في الأجور وتمييزًا مزدوجًا كونها تعيش في مجتمع أبوي ذكوري ومجتمع يميز بين العرب واليهود.
توصيات سياساتية:
- على الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل أن ينظموا حملات دولية للضغط على حكومة إسرائيل لتنفيذ تعهداتها بضمان المساواة وإنهاء التمييز.
- يجب على لجنة المتابعة العربية أن تتحمل دورًا أساسيًا في وضع آليات واضحة متكاملة لمعالجة موضوع تهميش المرأة الفلسطينية.
- يجب على السلطات المحلية العربية التنسيق والعمل المشترك على بناء شبكات مواصلات بديلة وإنشاء رياض أطفال في المدن والقرى الفلسطينية.
- ينبغي أن تعمل مؤسسات المجتمع المدني الأهلية والحقوقية على تثقيف النساء بحقوقهن.
لمحة عامة
عند التحاقها بمنظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية” (OECD) عام 2010 تعهدت إسرائيل بالعمل على الغاء التمييز في العمل بين العرب واليهود، والتي أعتبرته المنظمة سبب في هبوط إسرائيل إلى أسفل السلم في موضوع المساواة. ورغم الاعترافات والتصريحات المتزايدة من حكومات إسرائيل المتعاقبة، وتصريح رئيس حكومة إسرائيل “بنيامين نتانياهو” مؤخراً أثناء زيارة وفد من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى إسرائيل على ضرورة تشجيع الاقتصاد في المناطق العربية، وعلى أهمية مشاركة المرأة العربية في الاقتصاد الإسرائيلي، الا ان تلك التصريحات لم تترجم على ارض الواقع.12
تناقش المُحللة السياساتية في الشبكة سهير أبو عقصة داود في هذه الورقة السياساتية موضوع تهميش المرأة الفلسطينية في سوق العمل، والدور السياسي الإسرائيلي الرسمي الذي وقف، وما زال يقف، ضد تطوير المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل ويحد من تطوير اقتصاده وفرص الاستثمار فيه، في سياسة تهدف لعزل هذه الاقلية اقتصادياً والسيطرة على مقدراتها بما يخدم الاغلبية اليهودية.
المرأة وسياسة التهميش الإسرائيلية
تواجه المرأة الفلسطينية مواطنة إسرائيل تحديات كبيرة في مجال العمل. فبعكس نسبة مشاركة النساء اليهوديات العاملات في سوق العمل في إسرائيل، والتي هي من أعلى النسب في العالم، تعتبر نسبة النساء الفلسطينيات مواطنات دولة إسرائيل من أدنى النسب. ورغم استمرار وجود معوقات مجتمعية وافكاراً مسبقة ضد مشاركة المرأة في العمل بشكل عام، والعمل المأجور غير المهني بشكل خاص، إلاّ أن التغيرات الجذرية التي طرأت على بنية المجتمع الفلسطيني نتيجة تغيرات سياسية واقتصادية عميقة، ساهمت في الانفتاح وتشجيع عمل المرأة. ولكن، بقيت سياسات الدولة تجاه تلك الشريحة سبب محوري في إبقاء المرأة على هامش الانتاج والعمل.
شهدت الأقلية الفلسطينية داخل حدود العام 1948 تدهوراً مستمراً في العلاقة مع مؤسسات الدولة والمجتمع اليهودي في العقد الأخير بسبب أحداث سياسية فارقة كهبة تشرين الاول/اكتوبر التي حصلت في العام 2000، وحرب تموز على لبنان في العام 2006 والحربين على غزة 2008 و 2014. تعاني هذه الأقلية من تفاقم الفقر والتهميش وارتفاع مستوى العنصرية والتحريض تجاهها من قبل حكومة نتانياهو. تجلت هذه الممارسات مؤخراً في اخراج الحركة الاسلامية “الجناح الشمالي” عن القانون في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والتحريض على هذه الأقلية في قضية الحرائق التي اندلعت في حيفا ومناطق أخرى في أواخر العام الماضي.
بقيت سياسات الدولة العبرية سبب محوري في إبقاء المرأة على هامش الانتاج والعمل Share on Xيعتبر تهميش المرأة الفلسطينية في إسرائيل في العمل وإعاقة التنمية الاقتصادية للأقلية الفلسطينية ليس موضوعاً فرعياً هامشياً، بل موضوعاً أساسياً من صلب السياسات الإسرائيلية التي تعمل على أكثر من صعيد لتطويع هذه الاقلية. وقد بدأت قضية تهميش المرأة تسترعي أهمية متزايدة كونها تدخل في صميم السياسة الإسرائيلية وتستوجب التحرك لتعزيز موقع هذه الفئة، والتي هي بالأساس جزء من الأقلية المهمّشة بالعموم اقتصادياً وسياسياً ووطنياً.
أيدي عاملة رخيصة
تبنت إسرائيل بعد النكبة سياسة اقتصادية رأسمالية هدفت لدمج إسرائيل بالاقتصاد العالمي. كان من أحد أهم أهدافها في السنوات الأولى لقيامها استيعاب الهجرة اليهودية وخلق فرص عمل لهم. تحقق هذا الهدف على حساب الفلسطينيين وعبر سلب اراضيهم وممتلكاتهم.3 انعكس هذا الامر على المرأة الفلسطينية التي شغلت في سبعينات القرن المنصرم وظائف في أسفل هرمية السلم الاقتصادي. حيث استوعبت في أعمال التنظيف والخياطة في المشاغل الصغيرة التي انتشرت في القرى العربية خاصة في منطقة الشمال.
استيعاب المرأة العربية في تلك المهن الخدماتية كان نتيجة للحكم العسكري الذي ساد في العقدين الاولين على إنشاء إسرائيل. بالإضافة إلى نقص فرص العمل في القرى والمدن العربية، وتدني نسبة تعليم المرأة الناتج عن الافكار التعصبية التقليدية لدى بعض المجتمعات الفلسطينية حول مفهوم تعليم الفتيات.
كان لتحول الفلسطينيين الى اُجراء في المدن الإسرائيلية تأثيرات شديدة على البنى التقليدية للقرية العربية، ولعل من اهمها تحول العائلة الموسعة إلى نووية وذلك بعد أن فقدت العائلة الموسعة أساسها الاقتصادي الذي اعتمد على الزراعة كنتيجة لسياسة مصادرة الأراضي، وتحويل العرب إلى أيدي عاملة رخيصة للاقتصاد الإسرائيلي. وفرضت تغييرات جذرية كان لها أثرها على حياة الفلسطينيين وعلى العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والمفاهيم كتعليم الفتيات مثلا.
جاءت حرب العام 1967 لتشكل نقطة تحول في تاريخ مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل المأجور. فقد أحدثت الحرب تغييرات جوهرية في الاقتصاد الإسرائيلي فتدفقت عليه رؤوس الاموال والاستثمارات والمعونات، وخلقت معه العديد من فرص العمل. هذه التحولات الاقتصادية ساهمت في ارتفاع مستوى المعيشة، الامر الذي دفع المرأة الفلسطينية في إسرائيل للخروج الى سوق العمل المأجور لتأمين مصدر إضافي لمعيشة أسرتها والمساهمة الى جانب الرجل في سد الحاجات الاقتصادية لعائلتها.
أثرت الهجرة الروسية المكثفة الى إسرائيل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات من القرن الماضي سلباً على وضع الفلسطينيين المواطنين في سوق العمل وعلى نساء هذه الاقلية بالتحديد. فقد تدفق ما يقارب من مليون روسي خلال عقد التسعينات. وكون الغالبية العظمى من تلك الفئة المهاجرة من اصحاب الشهادات العالية، تم استيعابهم في اعمال تتطلب مهارات علمية عالية مثل الطب والتمريض، مما أدى الى أغلاق الباب امام الكفاءات العربية التي كانت تمتلك مهارات مشابهة. في حين تم استيعاب الفئة الأخرى، من غير الكفاءات العلمية، خاصة النساء منهم، في مجالات التنظيف والعمل في الفنادق والمصانع. هذا الوضع أدى الى استغناء واسع عن نساء فلسطينيات كن يقمن بتلك الوظائف لسنوات طويلة.
ساهمت اتفاقية وادي عربة مع الاردن عام1994 في إبقاء المرأة الفلسطينية في إسرائيل على الهامش الاقتصادي. فتحت هذه الاتفاقات الاقتصادية باب الاستثمار الإسرائيلي في الاردن على مصراعيه. وبموجب تلك الاتفاقات فتحت إسرائيل العديد من المصانع والمشاغل في الاردن ومصر. هذا الامر الذي أدى الى فقدان العديد من النساء عملهن في المشاغل، خاصة في مصانع الملبوسات والنسيج، وتقلصت فرص العمل التي كان يوفرها هذا القطاع. ففي أواسط التسعينات فقط تقلص عدد النساء العربيات اللواتي كن يعملن في مصانع النسيج من 10700 عاملة عربية الى 1700، مما ادى الى ارتفاع نسبة البطالة بين العربيات في إسرائيل وزيادة في مستوى الفقر لدى تلك الشريحة. يضاف إلى ذلك أنه تم استيعاب آلاف من العمال الاجانب للعمل في إسرائيل في مجال الزراعة والبناء، بشكل أدى الى تراجع نسبة تشغيل العمال العرب بشكل عام، والنساء خاصة، اللاتي كن يعملن في بعض الاعمال الزراعية الموسمية.
منظومة من السياسات العنصرية
تتعرض الأقلية الفلسطينية لسياسة عنصرية ممنهجة تحرمهم، كمواطنين إسرائيليين، من شغل العديد من المناصب الرفيعة في الدولة بحجج أمنية في العديد من الأحيان. فمن النادر استيعابهم في المؤسسات الحكومية والوظائف الإدارية العامة كبنك إسرائيل المركزي، والمطارات، والاعلام الرسمي. كما رفضت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تطوير التجمعات السكانية العربية من مدن وقرى، وتواصل سياساتها من تمييز في الميزانيات ورفض المصادقة على خرائط للبناء واقامة المشاريع، وعدم توفير المواصلات العامة وفتح مناطق صناعية توفر فرص عمل وغيرها. إضافة الى ذلك تقوم إسرائيل بحرمان الأقلية العربية من عملها التقليدي في الزراعة، نتيجة للمصادرة المستمرة للأراضي العربية وعدم توفير الدعم الحكومي للمزارعين.
وتواجه النساء اللواتي يتقدمن لوظائف تمييز عنصري بالرغم من ان قانون تكافؤ الفرص بالعمل يمنع التمييز في التوظيف بسبب الجنس او العرق او الدين. ولكن غالباً ما يستخدم الحجاب، او اللكنة عند تكلم العبرية، كمسوغ عنصري يقف عائق امام دمج النساء في العجلة الاقتصادية ويحرمهن من فرص العمل. ويشكل النقص الحاد في دور الحضانة عائقاً اساسياً آخر امام دمج النساء العربيات في سوق العمل. فالنقص في الدعم الحكومي لدور الحضانة أدى الى تمنع عدد كبير من النساء من الانخراط في سوق العمل. حيث يغطي هذا الدعم 25 دار حضانة من اجمالي 1600 دار تعمل في المناطق العربية في إسرائيل.
يشكل النقص الحاد في دور الحضانة والمواصلات العامة عائقاً أمام دمج النساء العربيات في سوق العمل Share on Xوحتى حين تعمل المرأة الفلسطينية فإنها تبقى عرضة التمييز والاستغلال. تظهر الإحصاءات التي قامت بها مؤسسات مختلفة الفجوة في الأجور والتمييز المضاعف الذي تواجهه المرأة الفلسطينيية كونها أمرأة تعيش في مجتمع أبوي ذكوري ومجتمع يميز بين العرب واليهود. ورغم أن القانون الإسرائيلي يدعو الى المساواة في الأجر في العمل إلا ان الوقع يختلف. علاوة على ذلك، تتقاضى المرأة في إسرائيل 15% أقل من أجر الرجل، ويتقاضى الرجل الفلسطيني مواطن دولة إسرائيل نصف أجر الرجل اليهودي عن نفس العمل.
من ناحيه اخرى، لا تعمل السلطات المحلية العربية، والتي تعاني بدورها من التمييز في الميزانيات من جهة ومن سوء الادارة والفساد من جهة اخرى، على معالجة مسألة إيجاد فرص عمل للنساء او العاملات منهن. تحاول النساء العربيات، بالأخص الأمهات منهن، جاهدات الى احداث تغييرات في حياتهن، ولكن عدم توفر مراكز رعاية للأطفال يقف عائقاً امامهن. وفي حين ان قدرة البلديات العربية بتغطية هذه الفجوة مازالت ضعيفة جداً، تفتقد أغلب القرى العربية الى المشاريع الصناعية، بالإضافة لافتقادها الى شبكة مواصلات عامة. في ضوء هذا الواقع، تعاني نسبة كبيرة من النساء المتعلمات من البطالة، فيما تعمل الفئة الأخرى من النساء اللواتي لم يكملن تعليمهن بالعمل في المصانع، في المدن اليهودية او مجال الزراعة بأجر زهيد. هذه الامور مجتمعة حجمت اختيارات النساء، الامر الذي وجعلها تختار البقاء في البيت ورعاية اطفالها.
زيادة في التعليم ومحدودية في المشاركة
رغم وجود علاقة طردية بين تعليم المرأة، خاصة التعليم العالي، وبين انخراطها في سوق العمل المأجور، وانعكاس هذا الاختلاف في نسب العمل لدى النساء في إسرائيل على تحصيلهن العلمي، الا انه في حالة النساء الفلسطينيات في إسرائيل لم يغير هذا الاختلاف بشكل كبير في وضعية المرأة الفلسطينية. فبالرغم من الاقبال الملحوظ على التعليم لدى الاقلية الفلسطينية، وبشكل خاص نساء هذه الأقلية، وهو ما يعتبر من اهم الانجازات التي حققتها هذه الاقلية في إسرائيل، بقيت مشاركة المرأة الفلسطينية محدودة.
ساعد التحصيل العلمي لدى هؤلاء النسوة على المشاركة، الا ان تلك المشاركة لا تتلاءم مع التحصيل الكبير في مستوى تعليمهن، بالرغم من أن المتعارف عليه ان المرأة الأكاديمية تجد فرصتها أكثر بكثير ممن لا تتمتعن بتحصيل علمي. انخرطت المرأة الفلسطينية داخل إسرائيل في العقدين الاخيرين بقوة في مجالات عمل غير تقليدية عديدة تشمل سلك المحاماة والقضاء والطب والفن والسينما والتعليم والهندسة وغيرها. ورغم ذلك بقيت نسبة مشاركة المرأة الفلسطينية في سوق العمل في إسرائيل متدنية جداً، وتعتبر من أدنى النسب في العالم وتصل فقط الى ما يقارب 21%. من الملاحظ ان هذه النسبة بقيت ثابتة تقريباً منذ أكثر من عشرين عاماً بعكس الزيادة الملحوظة لمشاركة المرأة اليهودية والتي وصلت نسبة مشاركتها في سوق العمل حالياً الى حوالي 95% وهي من اعلى النسب في العالم، بل وتفوق الولايات المتحدة التي تصل نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل فيها الى 56%. كما ان المشاركة المتواضعة للمرأة الفلسطينية في إسرائيل تتناقض عالمياً مع الاحصاءات الصادرة عن الامم المتحدة والتي تدل على ارتفاع مطرد في نسبة المشاركة النسائية في العمل المأجور على مستوى العالم.
يلزم قانون التعليم الالزامي (1949) اي طفل في إسرائيل بتلقي العلم من جيل الخامسة حتى الثالثة عشرة. تدارك الفلسطينيون في إسرائيل ان التعليم هو الوسيلة الاهم لتعزيز موقعهم في الدولة، فازداد اقبال الشبان والفتيات العرب على الجامعات الإسرائيلية بعد زوال الحكم العسكري ليخلق جيلا جديداً منفتحاً أكثر على مفاهيم الحرية والمساواة الاجتماعية وحقوق المرأة. عانت العديد من النساء ضغوطات من قوى اجتماعية متحفظة احياناً، وكان لنجاح هؤلاء النسوة في إيجاد وظائف مهنية، خاصة في مجالي التعليم والتمريض، والمساهمة بدخل اضافي شكل في العديد من الاحيان دخلاً اساسياً للأسرة، حافزاً في تشجع اطيافاً واسعة من المجتمع لتعليم وتشغيل الفتيات.
إنخرطت المرأة الفلسطينية بداية في ممارسة التعليم في المدارس العربية، بحيث تبوأت تلك المهنة مكانة اقتصادية واجتماعية وتحولت معها الى مهنة نسائية حيث وصلت نسبة المرأة في جهاز التعليم الى حوالي 70% مقارنة بـ 88% في الوسط اليهودي. يعد التعليم مؤشراً ايجابياً هاما لدخول المراة الفلسطينية في سوق العمل حيث تزداد الفرص امام المرأة المتعلمة لايجاد عمل حيث تدل دائرة الاحصاء في إسرائيل على ان نسبة النساء المتعلمات العاملات اللواتي التحقن باكثر من 15 عاما من التعليم تفوق سبعة أضعاف نسبة النساء اللواتي لم يكملن تعليمهن او التحقن بـ 5-8 سنوات من التعليم.4
هذه الأرقام المنخفضة تبين المسؤوليات التي يجب على المجتمع العربي ومؤسساته ومجالسه المحلية التركيز عليها من أجل تحفيز التعليم العالي لدى شريحة الفتيات، والضغط على صانعي القرار في الدولة لبناء جامعة عربية في إسرائيل ومؤسسات اكاديمية تستوعب الأكاديميين العرب، وتعطي الفرصة لأبناء الاقلية للدراسة باللغة العربية، والتي هي لغة رسمية ايضاً في الدولة.
أثر التغييرات الاجتماعية والثقافية على المشاركة
يعتبر المجتمع الإسرائيلي مجتمع أبوي بامتياز، يعتمد على تفوق العنصر الذكوري ويكرس دونية المرأة وتهميشها، كغيره من المجتمعات الصناعية.5 يظهر هذا الامر في التقسيم الوظائفي العميق بين الرجل والمرأة والفصل بين الخاص والعام وفجوه الاجور. ورغم ذلك، لم تمنع البنية الابوية في المجتمع الإسرائيلي المرأة اليهودية من وصولها الى نسبة مشاركة من ضمن أعلى النسب على مستوى العالم. في حين ظلت مشاركة المرأة الفلسطينية في العمل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالواقع الاقتصادي والسياسي المهمش للفلسطينيين ككل. وهذا مؤشر واضح ان السياسات الحكومية في إسرائيل مسؤولة اولاً خاصة وان مفاهيم الثقافة الابوية، خاصة فيما يتعلق في دور المرأة ومشاركتها، في تغيير دائم، وان المجتمع العربي مجتمع متطور وغير ثابت. فالتغيرات في مفاهيم الثقافة الابوية كانت أسرع واشمل لدى سكان الجليل، وابناء الطوائف المسيحية، والنساء اللاتي عرفن أنفسهن كعلمانيات. ويؤثر العمل ايضا على النساء غير المهنيات حيث ان الخروج للعمل والاستقلالية الاقتصادية يُدعّم شخصية المرأة ويزيد من وعيها وتفتح ادراكها وبالتالي ينعكس على العلاقات الاسرية والمجتمعية بالمجمل.
الغالبية العظمى من المجتمع العربي، نساءً ورجالاً، يدعمون بقوة التعليم العالي للمرأة وحقها الاساسي في الخروج للعمل. الا ان هذا الدعم ينخفض نوعاً ما لدى من عرّفوا أنفسهم بالمتدينين من الطوائف المختلفة. وقد أظهرت عدة ابحاث نتائج مشابهة. حتى الحركة الاسلامية في إسرائيل والتي تُتهم عادة بالتعصب في موضوع المرأة، تشدد على موضوع التعليم واهميته. ويدعم الجناح الشمالي للحركة، والذي تم حظره من قبل إسرائيل، تعليم المرأة، بالرغم من انه يُؤخذ عليه قضية الفصل بين الجنسين، وبناء مدارس منفصلة للبنات.6
تبرز المشاركة الكبيرة للنساء من الطائفة المسيحية في سوق العمل وقد بلغت حوالي %45 مقارنة بالنساء من الطائفة المسلمة والتي بلغت 23.9%. ويعود هذا الاختلاف في النسب في المشاركة بين الطائفتان الى عدة عوامل منها التجمعات السكانية للمسيحيين والتي تتواجد في معظمها في المدن حيث تتوفر لتلك النساء فرص عمل أكثر من النساء المقيمات في القرى والضواحي. بالإضافة الى التأخر في اتخاذ قرار الزواج، وارتفاع مستوى التعليم العالي حيث يفوق المجتمع اليهودي، وانخفاض في نسبة الولادات والتي هي الادنى على مستوى الدولة.7 هذه العوامل مجتمعة، بالإضافة الى عدم تعرض المرأة المسيحية لقيود اجتماعية كتلك المفروضة على النساء من ديانات أخرى او القاطنات في مناطق معينة كالنقب، ساعدت على مشاركة اوسع للمرأة من الطائفة المسيحية.
الغالبية العظمى من المجتمع العربي يدعمون بقوة التعليم العالي للمرأة وحقها في العمل Share on Xوفي هذا السياق، تعتبر مشاركة المرأة البدوية في الجنوب، في منطقة النقب، هي الأضعف، ليس فقط بين النساء الفلسطينيات، بل على مستوى الدولة كلها. حيث تبلغ نسبة المشاركة في العمل فقط 6%. ويُعزى هذا الضعف في المشاركة الى سياسة القمع الإسرائيلية لبدو النقب الذين يمثلون ما يقارب 130.000 اي 11% من الفلسطينيين من داخل الدولة.
ويعاني البدو من خطر دائم يتمثل في الترحيل وهدم البيوت. كما لم تُطبق عدة قوانين من شأنها تحسين وضع المرأة البدوية، كقانون العقوبات 1977 الذي ينص على السجن خمسة سنوات في حالة اتخاذ اكثر من زوجة. وتتزايد نسبة تعدد الزوجات بين المواطنين البدو ووصلت الى 20-30 % على الرغم من مخالفة تعدد الزوجات للقانون المذكور. مما أثر سلباً على مكانة المرأة البدوية وعدم استفادتها من هذه القوانين. ورغم هذه الظروف، الا ان تعليم المرأة يتحسن في النقب ويتزايد باضطراد عند الفتيات الجامعيات والناشطات اللواتي يعملن على دعم المرأة اجتماعيا، ومحاربة السياسات العنصرية للدولة.
من جهة أخرى، تعاني المناطق العربية، ومن ضمنها المدن الصغيرة التي هي اقرب الى قرى كبيرة، من ضعف في التطوير والتخطيط، ومن محدودية وسائل المواصلات العامة خاصة في الاحياء المستحدثة والتي تفتقر في كثير من الاحيان لشوارع معبدة وكهرباء وماء.8 وتنعكس هذه الحقيقة على المرأة الفلسطينية التي لا تستطيع تأمين فرصة العمل بسبب عدم توفر مواصلات مناسبة الى موقع العمل داخل احياء المدينة وخارجها. كما بينت دراسة استطلاعية لتنظيم “كيان” النسوي حول وسائل التنقل المتوفرة للنساء العربيات في إسرائيل، ان عدد النساء الفلسطينيات اللاتي يحصلن على رخص قيادة يتزايد. الا ان نسبة حوالي 37% من النساء اللواتي شاركن في الدراسة لا يستطعن شراء سيارة بسبب ظروفهن الاقتصادية، في حين 23% منهن لا يملكن سيارة بسبب التقاليد والعوائق الاجتماعية. وفي هذا الشأن ايضاً لا تزل المرأة الدرزية تمنع من القيادة لأسباب دينية، ومع ذلك هنالك عدد من النساء الدرزيات تحدين هذا المنع وقدن سيارتهن.
نضال مدني وسياسي لتغيير المنظومة القائمة
تقوم مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في المجتمع العربي في إسرائيل بدور هام يتضمن حملات إعلامية ونشر تقارير وأبحاث عن المرأة والمعوقات التي تواجهها في عدة مجالات. كما تقوم تلك المؤسسات بعقد ورش عمل ودورات تأهيل للمرأة وتدريبات لدعم دور المرأة القيادي في المجتمع. تركز معظم المؤسسات النسوية في الداخل على موضوع العنف ضد المرأة بالأساس، وتأتي الامور الاخرى كمكملة للاهداف الاساسية لهذه الجمعيات كجمعيتا “كيان” النسوية في حيفا و “نساء ضد العنف” في الناصرة. تنشط بعض الجمعيات الإسرائيلية في الوسط العربي بادارات عربية كمنظمة “شتيل” التي تنشط في مجال خلق موارد ودعم مؤسسات عربية تركز على تمكين المرأة، ومؤسسات حقوقية كمؤسسة “مساواة” ومؤسسة “عدالة” وغيرها.
ولكن للأسف ما زالت السياسات والجمعيات والساسة العرب في إسرائيل تتمحور حول الندوات والجلسات والتصريحات بدون تقديم سياسة عملية واقعية وبرنامج عمل محدد وسياسة شاملة تنسق بين الاطراف. وان قدمت، كما حصل في وثيقة “التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل” عام 2006 مثلا، التي بادر الى نصها بعض الجمعيات الاهلية وعدد من الأكاديميين الفلسطينيين في الداخل، والتي أكدت على الحقوق التاريخية للأقلية الفلسطينية في إسرائيل والدعوة الى استبدال “الدولة اليهودية الديمقراطية” بدولة لجميع المواطنين، فإن مبادراتهم تفتقر بالعادة الى المتابعة.
يعمل بعض النواب العرب في الكنيست على تحسين مكانة المرأة في العمل وضمان سريان قوانين العمل على النساء العاملات. ومن هؤلاء النواب النائبة العربية عايدة توما العضو في “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” التي تنشط لجهة الضغط باتجاه تطبيق القوانين التي تساعد على استيعاب أكبر للمرأة، والنائبة العربية في “حزب التجمع الديمقراطي العربي” “حنين زعبي” الناشطة في الدفاع عن حقوق النساء والتوعية لحقوق المرأة في العمل. كما تعمل مؤسسة “لوبي النساء في إسرائيل” على مشروع لاطلاق خطًا هاتفيًا لاستقبال شكاوى من نساء يتعرضن لظروف عمل غير قانونية ومساعدتهن في المسار القضائي. وينتقد بعض النواب الرجال في الاحزاب العربية ومنهم النائب مسعود غنايم من الحركة الاسلامية الجناح الجنوبي بشدة ظاهرة استغلال النساء والشابات في أماكن العمل المختلفة ويصفها بانها “ظاهرة خطيرة ومخجلة،” ويدعو الى توفير الحماية والدعم للعاملات والتصدي لهذه الظاهرة، والقيام بحملات شعبية ضد استغلال النساء العربيات لتحصيل حقوقهن ومنها على الحد الادنى للأجور وإلى تشديد المراقبة على أماكن العمل واجبار المُشغل على الالتزام بحقوق العاملات. ويعتبر النائب السابق عصام مخول ان وجود النائبة عايدة توما كرئيسة لجنة المرأة في الكنيست هو مؤشر ايجابي ومهم لدعم حقوق النساء العربيات.
ان التحديات والعوائق التي تواجه المرأة العربية في إسرائيل تتطلب من المجتمع بأطيافه المختلفة، خاصة مثقفيه والاحزاب العربية والقادة الدينيين والمرأة نفسها في إسرائيل، دوراً مسؤولاً لتصحيح مكانة المرأة وتغيير الأفكار، ولتعزيز دورها ودعم مشاركتها لأن ذلك ينعكس ايجابياً على المجتمع ككل. ان تحسين وضع المرأة العربية في الداخل والنضال لاحراز حقوقها الاجتماعية والاقتصادية هو نضال متشعب يستلزم نضال المرأة نفسها الى جانب النضال الذي يخوضه المجتمع المدني والنخب السياسية والأحزاب. يُفترض في هذا النضال ان يحارب الممارسات الاجتماعية والتقليدية للمجتمع العربي وان يدعم المرأة في نضالها للانعتاق من الممارسات الذكورية التي تحدد إطار مشاركتها في الهامش العائلي، وفي نضالها ضد المنظومة القانونية الإسرائيلية التي تعمل على اضطهادها ومحاولة اشغالها بمطالبات اجتماعية واقتصادية على حساب مطالبها القومية ككل.
توصيات
بينما تعمل ايديولوجية الدولة العبرية وممارساتها اساساً على إقصاء الفلسطينيين وخاصة المرأة في العمل والتنمية في الدولة العبرية، الا أن على الفلسطينيين في الداخل ان يأخذوا زمام الامور للتخطيط وبلورة استراتيجيات للنهوض بوضع المرأة والعمل على تحقيق مشاركتها في الحيزين العام والخاص. وفيما يلي بعض المقترحات والتوصيات:
- على الاقلية العربية في الداخل ان تقوم بحملات دولية للضغط على حكومة إسرائيل للتحرك وتغيير سياساتها وتنفيذ ما تعهدت به امام منظمة “التعاون الاقتصادي والتنمية” والمنظمات الأممية.
- يجب على لجنة المتابعة العربية ان تتحمل دورا أساسياً، كجسم سياسي وطني يضم جميع أحزاب وأطياف المجتمع الفلسطيني في الداخل، في وضع آليات واضحة متكاملة لموضوع تهميش المرأة الفلسطينية في العمل، والتحرك العملي والمتابعة في هذا الموضوع واعتباره أولوية سياسية.
- ينبغي على لجنة المتابعة العربية العمل على تجديد وثيقة ال 2006 “التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين في إسرائيل” والقيام بمتابعة سنوية والتحقق من مدى تطبيق توصيات الوثيقة والقيام بتوصيات جديدة او بديلة اذا لزم.
- يجب على السلطات المحلية العربية التنسيق والعمل المشترك على ايجاد آليات وطرح البدائل في غياب مساهمة الدولة لتطوير القرى والمدن العربية ووضع عمل المرأة، وتوفير شبكات مواصلات بديلة وانشاء رياض اطفال كأولويات.
- يجب على القيادات العربية الضغط على المشغلين لوقف استغلال المرأة العاملة واحترام القانون.
- ينبغي على مؤسسات المجتمع المدني الاهلية والحقوقية ان تتحمل مسؤولية تعريف المرأة لحقوقها وكيفية مواجهة تحديات العمل والاستغلال وتقديم المساعدة القانونية لها لرفع دعاوي في الحالات التي تتعرض فيها للتمييز او الاستغلال.
- تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
- يعتمد هذا المقال على عده سنوات من بحث هذا الموضوع يشمل دراسه الماجستير : “المرأه الفلسطينيه العامله في اسرائيل”، جامعه كلارك/ ماستشوستس عام 2003 ومقالتي “المرأه العامله في اسرائيل: اضطهاد قومي ومعوقات اجتماعيه”، مجله دراسات المرأه في الشرق الاوسط عام 2012.
- يصل عدد الفلسطينيون اليوم إلى حوالي واحد وعشرين بالمائة من سكان إسرائيل البالغ عددهم ثمانية مليون و680 الفاً في مايو/ايار 2017
- Suheir Abu Oksa Daoud, “Palestinian Working Women in Israel: National Oppression and Social Restraints.” Journal of Middle East Women’s Studies. 8(2) (Spring 2012): pp.78-101.
- Suheir Abu Oksa Daoud, “Palestinian Working Women in Israel: National Oppression and Social Restraints.” Journal of Middle East Women’s Studies. 8(2) (Spring 2012): pp.78-101.
- Suheir Abu Oksa Daoud, “Women in the Islamic Movement in Israel.” Gender and Islamism-Special Issue, Frontiers: A Journal for Women Studies 37 (3) (Fall 2016): pp.21-46
- تبلغ نسبة الولادات عند المرأة المسيحية 2.2 مقارنة بـ 3.5 عند المرأة الفلسطينية المسلمة، و3 عند المراة اليهودية.
- Suheir Abu Oksa Daoud, “Negotiating Space: The Construction of a New Spatial Identity for Palestinian Women in Israel.” Journal of Social Sciences (July 2017).