Article - Statehood Stalled: Next Steps for the Palestinian People

كان باستطاعة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن يقصد الجمعية العامة للأمم المتحدة لنيل عضوية بصفة دولة مراقبة وهو ما يتطلب أصوات أغلبية بسيطة ضمنتها بالفعل منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه اختار الذهاب إلى مجلس الأمن بطلبٍ لنيل عضويةٍ كاملةٍ لفلسطين في الأمم المتحدة، حتى وإن كان ذلك الطلب سيظل قابعًا أمام اللجنة المختصة لأسابيع أو أشهر.

تتحدث بعض التقارير عن وجود صفقة وراء الكواليس لفعل ذلك تحديدًا. وسواءً صدقت تلك التقارير أم لم تصدق، فإن عباس قد كسب وقتًا للسلطة الفلسطينية دون أن يخسر المعونة الأمريكية، واستطاع إلقاء كلمةٍ أمام الأمم المتحدة لقيت إشادةً وتصفيقًا حارًا. كما إن الولايات المتحدة كسبت بعض الوقت ولا يتعين عليها أن تستخدم حق النقض على الفور.

كما إن قرار الذهاب إلى مجلس الأمن كسب وقتًا لطرف ثالث وهو الشعب الفلسطيني، وهو ما قد يترتب عليه عواقب غير مقصودة بالنسبة للولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية وإسرائيل أيضًا.

عواقب غير مقصودة

ما هي هذه العواقب غير المقصودة؟ لقد حفّز مسعى منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية الرامي إلى إقامة دولة فلسطينية العديدَ من شرائح الشعب الفلسطيني لإبداء استهجانهم علنًا لسوء الإدارة الذي اتبعته منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية، على مدى أكثر من عقدين من الزمن، في سياق سعي الفلسطينيين لتقرير المصير ونيل حقوقهم الإنسانية.

وبرزت مواقف عامة أعربت عنها اللجنة الوطنية الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، وهي هيئة تحظى بدعمٍ دولي واسعٍ ومتنامٍ، وحملة أوقفوا الجدار، ومجموعة الكتاب والمثقفين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وحركة الشباب الفلسطيني، وشبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة.

لقد أعادت هذه التصريحات التأكيد بقوة على مبادئ النضال الفلسطيني بما فيها مكانة منظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وكذلك حقوق الفلسطينيين غير القابلة للتصرف. وفعليًا، طعنت هذه التصريحات في ادعاء القيادة الحالية بأنها تمثل الشعب الفلسطيني. وعلاوة على ذلك، فإن تصريحات اللجنة الوطنية للمقاطعة وحركة الشباب الفلسطيني وشبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة قد صيغت من خلال عمليات ديمقراطية طبّقت المبادئ ذاتها التي يودّ الفلسطينيون رؤيتها مرسخةً في منظمة التحرير الفلسطينية.

إن الرأي القانوني الذي أدلى به زميل الأبحاث الأقدم في جامعة أكسفورد، غاي غودوين-غيل، حول مخاطر مسعى إقامة الدولة على حق العودة للاجئين الفلسطينيين كان في الواقع بتكليفٍ من المسؤولة السابقة في منظمة التحرير الفلسطينية، وزميلته في جامعة أكسفورد، الدكتورة كرمة النابلسي. لقد فتح هذا الرأي باب النقاش وأثار مسألة التمثيل، وهو ما نبّه الشبكات الشعبية الفلسطينية التي ظلت حتى ذلك الحين غير مدركةٍ للمسائل القانونية التقنية.

لقد أضفى مسعى منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية الرامي إلى إقامة الدولة قوةً وإلحاحًا على الأصوات الفلسطينية التي ما فتئت تُطالب بالمساءلة والتمثيل الديمقراطي منذ انطلاق الانتفاضات العربية. وهناك تحركات جارية ضمن الجاليات الفلسطينية في أوروبا وأمريكا والمنطقة العربية تُطالب بانتخاب المجلس الوطني الفلسطيني وانعقاده من جديد (المجلس الوطني الفلسطيني هو البرلمان الفلسطيني في المنفى الذي ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.)

أما ثالث هذه العواقب غير المقصودة فهي الابتعاد عن المفاوضات الثلاثية ذات الصبغة الدافئة التي اتسمت بها عملية السلام منذ توقيع أولى اتفاقات أوسلو في عام 1993. فقد مكَّنت إدارة واشنطن لعملية السلام إسرائيلَ من مواصلة استعمارها دون رادع، في حين تعرّض الفلسطينيون للتخويف من خلال الضغوط الدبلوماسية والمالية لإبقائهم على طاولة المفاوضات.

إن تدويل الصراع قد يكون أبرز نتيجةٍ مترتبةٍ على مسعى إقامة الدولة. فكما قال معين رباني، وهو زميل أقدم في معهد الدراسات الفلسطينية ومستشار لشؤون السياسات في الشبكة، في حديثه إلى الجزيرة “إنها خطوةٌ أولى أساسية نحو رفع القضية الفلسطينية نهائيًا من إطار أوسلو وإعادتها إلى المجتمع الدولي.”

وشدّد على أن التدويل ينبغي أن يكون جزءًا من “تحولٍ استراتيجي” يقوم على توافق وطني فلسطيني، لا أن يكون مناورةً تكتيكية. إن اتباع نهجٍ متعدد الأطراف في التعامل مع النزاع لن يكون، في الواقع، أفضل من قَبضة الولايات المتحدة ما لم يتم تعزيز مصادر قوة الحركة الوطنية الفلسطينية، بما فيها المقاومة المدنية وجهود المقاطعة، وإعادة صياغة الخطاب ليتمحور حول الحقوق الفلسطينية.

استغلال الفرصة

ما الذي يمكن أن يفعله الفلسطينيون من أجل استغلال هذه الفرصة وضمان “التحولٍ الاستراتيجي” لكي يُسفر حلّ الصراع عن تقرير المصير، والتحرر من الاحتلال، وتحقيق العدالة للاجئين والمساواة للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل؟

الخطوة الأولى والأهم هي إنقاذ أرض فلسطين. وهذا ينطبق بطبيعة الحال على الأراضي التي ظلت خاضعةً للاحتلال العسكري والاستعمار الإسرائيليين منذ 1967، ولا سيما القدس الشرقية وأراضي القرى المتضررة من الجدار الفاصل الذي تبنيه إسرائيل وغور الأردن. كما ينطبق أيضًا على أراضي الفلسطينيين داخل دولة إسرائيل، بما في ذلك في النقب حيث يتعرض البدو في الوقت الراهن لتهديدات بتجريدهم من أرضهم، وفي الجليل التي تتعرض لتهديدٍ مستمرٍ بسبب المحاولات الإسرائيلية المتكررة “لتهويد” المنطقة، وفي ما يُسمى بالبلدات المشتركة داخل الخط الأخضر.

لقد نجحت لجان النضال الشعبي في الضفة الغربية بعضَ الشيء في وقف التعديات الإسرائيلية على قُراهم. ولسوء الحظ، فإن مسعى إقامة الدولة في الأمم المتحدة قد صرف الاهتمام عن حملات المقاومة المدنية هذه. لذا فإنه ينبغي للفلسطينيين في الشتات المداومة على دعم المقاومة المدنية وإعطاء صوتٍ لها وتأييدها حيثما كانت. وهناك بعض الحلفاء الإسرائيليين والأمريكيين والأوروبيين العاملين في إطار حقوق الإنسان الذين يمكنهم المساعدة في هذا المجال.

أما الخطوة الرئيسية الثانية فهي الضغط من أجل المساءلة. إن اغتراب الفلسطينيين عن مؤسساتهم الوطنية، ومنها منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية، ليس شاملًا كما هي الحال في أماكن أخرى من العالم العربي. إن الكثير من الموظفين القائمين على هذين الكيانين هم من أقارب مَن يعارضون النظام الآن ومِن أصدقائهم ورفقاء دربهم، وهو ما يجعل الدعوة للقطيعة التامة معهما أمرًا صعبًا. أضِف إلى ذلك أن هاتين المؤسستين تمتلكان مخزونًا أكبر من الشرعية التاريخية والقواعد الشعبية مقارنةً بوضع العديد من الأنظمة العربية.

وعلاوة على ذلك، فإن رواتب السلطة الفلسطينية تُعيل أكثر من ثُلث السكان في الضفة الغربية والعديد في قطاع غزة. لذا فإن المطالبة بأن يتأهب الناس للعيش في فقر مدقع هي مطالبة غير مسؤولة، كما حصل مؤخرًا في مظاهرة فلسطينية في الولايات المتحدة حثّ بيانها التنظيمي دون مبالاة على طرد كافة موظفي السلطة الفلسطينية. بل ينبغي للفلسطينيين في الشتات وحركة التضامن مع فلسطين أن يلتمسوا سبلًا لاستدامة الاقتصادات المحلية، والتعليم، وإدراك قدرات الفلسطينيين، حتى في ظل الاحتلال.

ومع ذلك، ينبغي للفلسطينيين أن يضغطوا من أجل المساءلة، والتمثيل، واحترام حقوقهم الإنسانية سواء من حكومة حماس في قطاع غزة أو حكومة فتح في الضفة الغربية. وهذا هو الوقت المواتي أيضًا لفضح التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي والضغط من أجل إنهائه.

كما ينبغي ردُّ السلطة الفلسطينية، إنْ استمرّ وجودها (حذّر عباس في كلمته التي ألقاها يوم 23 أيلول/سبتمبر من أن السلطة الفلسطينية قد تُدفع إلى درجة الانهيار)، إلى مهمتها الأصلية المتوخاة المتمثلة في كونها جهازًا إداريًا انتقاليًا يتبع لمنظمة التحرير الفلسطينية لا أن يأتي ليبتلعها.

وفي الوقت نفسه، يجب على الفلسطينيين مضاعفة جهودهم من أجل التمثيل الديمقراطي بُغية ضمان تقرير المصير وإعمال حقوقهم غير القابلة للتصرف. ويكمن التحدي، في هذه الأثناء، في الحد من حرية المناورة لدى منظمة التحرير الفلسطينية/السلطة الفلسطينية ضمن معايير قومية واضحة. يتحلى الشعب الفلسطيني بثراء خبراته وتجاربه، ودعاته المفوَّهين ومفكريه الاستراتيجيين، ويجب لهؤلاء أن يشاركوا في المؤسسات الوطنية الفلسطينية وأن يتولوا قيادتها. وينبغي للنقاشات والاستراتيجيات حول السُبل الكفيلة بتحقيق ذلك أن تتوصل بسرعة إلى نتيجة بشأن الآليات العملية لاستعادة قيادة الشعب الفلسطيني بأسره.

وختامًا، فإن آوان استخدام الأدوات القانونية التي وفّرها الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية بشأن التبعات القانونية المترتبة على تشييد الجدار استخدامًا حازمًا قد آن منذ زمن. وثمة أهمية خاصة للتذكير الذي أصدرته المحكمة لكافة الدول بأنها مُلزَمة بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناتج عن تشييد الجدار “وعدم تقديم العون أو المساعدة في الإبقاء على الوضع الناشئ” عن هذا التشييد، وأنها مُلزَمة أيضًا بإنهاء العوائق الناتجة عن تشييد الجدار والتي تحد من ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير المصير. إن هذا وغيره من الأمور الواردة في الرأي الاستشاري توفر أساسًا ممتازًا لمنظمة التحرير الفلسطينية للضغط على الدول من أجل سحب استثماراتها من الهيئات التي تتربح من الاحتلال والفصل العنصري الإسرائيلي، وفرض عقوبات على إسرائيل، اقتداءً بحركة المقاطعة ذات النجاح الباهر التي أطلقها المجتمع المدني الفلسطيني سنة 2005 في الذكرى السنوية الأولى لصدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، والتي يقودها اليوم تحالفٌ ممثلٌ للقوى الشعبية والسياسية المنخرطة في جهود مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها.

إن استراتيجيات ومصادر القوة الفلسطينية اللاعنيفة هذه، المتمثلة في المقاومة المدنية والمقاطعة والأدوات والآليات القانونية وإعادة صياغة النقاش والتضامن الدولي المتنامي في أوساط الشعوب والدول، أساسيةٌ في الكفاح من أجل تقرير المصير وإعمال الحقوق غير القابلة للتصرف.‏

نادية حجاب هي الرئيسة الفخرية لشبكة السياسات الفلسطينية "الشبكة" وأحد مؤسسيها. شغلت منصب المديرة التنفيذية في الشبكة في الفترة ما بين 2011 وآذار/مارس 2018. وهي...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
في 26 أيار/مايو 2025، تم إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل في غزة، الذي يجري تأمينه من قِبَل شركات أمنية أمريكية خاصة. تسبب هذا النظام في قتل أكثر من 100 فلسطيني، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات الواقعة قرب مواقع عسكرية على حدود رفح، وسط ظروف غير إنسانية. وتُثير هذه الخسائر الفادحة تساؤلات مهمة حول سلامة نظام المساعدات الجديد ودور الشركات الأمنية الأمريكية التي تعمل تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يُبيّن هذا الموجز السياساتي أن خصخصة المساعدات والأمن في غزة تمثّل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُحوِّل المساعدات إلى أداة للسيطرة السياسية، والتطهير العرقي، وإدامة الاستعمار. كما تهدّد حياة الفلسطينيين من خلال ربط الحصول على المساعدات بظروف قسرية، وتسهيل التهجير القسري، وتوفير غطاء قانوني وأخلاقي لانتهاكات الاحتلال. كذلك، تُسهم هذه الخصخصة في تهميش وتقويض دور المؤسسات المحلية والدولية، وعلى رأسها الأونروا، التي لعبت دورًا محوريًّا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة طوال عقود.
الشبكة جودة
صفاء جودة· 10 يونيو 2025
Skip to content