Hamas: Dismantling the Dilemmas of Governance and Resistance

نظرة عامة

أبدت حركة المقاومة الإسلامية حماس مع نهايات الانتفاضة الفلسطينية الثانية استعدادها للمشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية، المحلّية والتشريعية، وتمكّنت من الفوز في الكثير من الانتخابات المحلية، ومن ثم التشريعية. حماس حين شاركت كانت ترى في الدخول إلى المؤسسة الرسمية الفلسطينية إسناداً للمقاومة وإسناداً للمؤسسة ذاتها في مواجهة الضغوط، فيما الأطراف المؤثرة في المشهد الفلسطيني حين أتاحت لحماس المشاركة، كانت ترى في دخول حماس إلى السلطة الطريق الأسرع نحو “ترويض” حماس.1

بين هاتين الرؤيتين، يناقش هذا التعقيب أهم المعضلات التي تحاول حماس تفكيكها، إذ يجادل بأنّ الحركة تجاوزت جزئياً التساؤلات والاتهامات المرتبطة بموقفها من الديمقراطية وقدرتها على الحكم والمقاومة، لتواجه معضلة أخطر بكثير وهي محاولات ربطها بغزة حصراً، وفصلها عن بقية الوطن قسراً، وهي مواجهة اعتمدت على مسارين متوازيين، الأول توسيع أشكال المقاومة، والثاني التخلّي التدريجي عن فكرة الحكم تحت الاحتلال. 

حماس نحو المشاركة في القيادة

شاركت حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 على أرضية سياسية جديدة تشكّلت من عدة متغيرات، أهمّها الحوار الفلسطيني الداخلي الذي تتوّج بإعلان القاهرة، والانسحاب الإسرائيلي أحاديّ الجانب من غزة في عام 2005، ونهاية الانتفاضة الفلسطينية الثانية. كانت حماس في تلك المرحلة منهمكة في أن تقدّم نفسها بديلاً قويّاً للناخب الفلسطيني، يمكنه انتشال السلطة ممّا آلت إليه بعد سنوات قليلة من تأسيسها، كالفشل السياساتي والفساد والبطالة، بيد أنّها كانت منهمكة أيضاً في تنقية صورتها من الزعم بأنّ مجرد المشاركة في الانتخابات تمثّل قبولاً ضمنياً بمخرجات اتفاقيات أوسلو. لم تكن المعادلة سهلة، فبعض الحركات السياسية الفلسطينية بما فيها حماس باتت مضطرة لممارسة أدوارها في السلطة أو تجاهها وهي التي صُنعت دون إقرار من تلك الحركات، إذ أن تركها يعني تفرّد فتح في إدارتها لتزداد الأزمات تعمّقاً.

أصرّت حماس في وقتها أنّ إعلان نيتها المشاركة في الانتخابات التشريعية والذي جاء على لسان القيادي فيها محمد غزال في نابلس عام 2005، جاء تتويجاً لنصر المقاومة في غزة وانسحاب الاحتلال، وعلى أرضية إعلان القاهرة الذي يتجاوز مرجعية أوسلو، وعلى لسان ذات القياديّ، أنّ المشاركة تأتي كمحاولة لإسناد السلطة في مواجهة الضغوط الدولية، وهو خطاب متقدّم في حينها، ويضع الحركة في موقع الظهير لفتح ومنظمة التحرير، لا الخصم أو حتى المنافس. 

أشهر قليلة بعد ذلك وتمّ إعلان فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في عام 2006، والذي أشار إلى أنّها هي التي ستقرّر شكل الحكومة المقبلة. لم يعد السؤال الذي تواجهه حماس ما إذا كانت مشاركتها في الانتخابات قبولاً بأوسلو أم لا. فهي الآن رأس حكومة، والسؤال الجديد هو اختبار يتمثّل في كيفية الجمع بين المقاومة والحكم. قدّمت حماس الكثير من المؤشرات على أنّها حركة لم تطلب الحكم ولم تغادر ساحة المقاومة، فقد كان حرصها على تشكيل حكومة وفاق، واستمرار كتائب القسام في مقاومتها أهم مؤشرين. 

إلّا أنّ هذين المؤشرين لم يكونا كافيين للجزم بأنّ حماس قادرة على الجمع بين المقاومة والحكم. ربما كان الجزم ممكناً في ذات العام الذي انتخبت فيه، لكن بعد ذلك وحتى يومنا هذا، تبيّن ملامح المشهد السياسي أنّه يمكن الجمع بين المقاومة والحكم، لكنّه حكم ناقص، ومقاومة مأزومة، إذ تروّض الثانية بسوط الأول، ليتحوّل الخطاب تدريجياً إلى خطاب الصمود والتأكيد على حق المقاومة، أكثر من كونه خطاب الحكم وممارسة المقاومة. 

مضافاً إلى ذلك، فقد واجهت حماس سؤالاً لا يقلّ أهمّية وجدلاً عن سابقه، إذ كيف لحركة بمرجعية دينية أن توفّق بين أيديلوجيتها ومتطلبات الحكم الديمقراطي؟ وعلى مدار سنوات منذ انتخاب كتلة التغيير والإصلاح ومروراً بالانقسام وسيطرة حماس على غزة وفتح على الضفة الغربية، ووصولاً إلى محاولات المصالحة المتكررة، نجحت حماس تدريجياً في تقديم إجابات لصالحها كردّ على السؤالين السابقين، فالمقاومة في غزة نجحت في مراكمة قوتها، وهي قوة لم يكن لها أن تتحقق لولا حكمها لغزة، إذ حوّلت الحركة حكمها من أداة ترويض لمقاومتها إلى أداة إسناد ومساحة متحرّرة نسبياً من القيود الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية، دون أن يعني ذلك نجاحها في الحكم، بقدر تمكّنها من الصمود تحت الحصار، وقد جاءت معركة سيف القدس الأخيرة في أيار/ مايو 2021، لتؤكّد على تنامي قوة كتائب عز الدين القسام بل ونجاحها في خلق التفاف جماهيريّ حولها، لم تنجح فيه الفصائل المصرّة على التسوية السياسية مع الاحتلال. 

سعت إسرائيل وحلفاؤها منذ عام 2007 إلى خلق حالة من الربط الحصري بين حماس وغزة، وإلى الفصل القسري ما بين حماس وكافة أماكن تواجد الفلسطينيين خارج القطاع Share on X

أمّا في مسألة التوفيق بين أيديولوجيتها والحكم الديمقراطي، فقد طوّرت حماس من خطابها وأدبياتها في هذا الصدد، وأنهت كثيراً من الجدل حول هذه المسألة، رغم ما حمله ذلك من مخاطرة بتأجيج القاعدة الجماهيرية المؤدلجة، حيث تبنّت خطاباً عصرياً ينسجم مع مبادئ الديمقراطية في وثيقتها السياسية التي أعلنتها عام 2017.  بيد أنّ ممارستها للحكم على أرض الواقع تخلّلها الكثير من الانتهاكات لحقوق الإنسان ولمبادئ الديمقراطية، وإن كانت قد حسمت الجدل نظرياً، فما زالت الفجوة بين خطابها الجديد وسلوكها السياساتي ماثلة. 

عزل حماس في غزة

رغم نجاح حماس جزئياً في تفكيك معضلتي الحكم والمقاومة، والأيديولوجية والديمقراطية، إلّا أنّ معضلات أخرى كانت تتجذّر بشكلٍ متسارع، فسعت إسرائيل وحلفاؤها منذ عام 2007 إلى خلق حالة من الربط الحصري بين حماس وغزة، وإلى الفصل القسري ما بين حماس وكافة أماكن تواجد الفلسطينيين خارج القطاع. هذا الفصل كان يهدف إلى تقزيم حماس وعدم التعامل معها إلا كإدارة مؤقتة للقطاع وطارئة عليه.

وخلال سنوات اقتسام السلطة نتاجاً لعدم احترام نتائج الانتخابات بدأت هذه الفكرة تتجذّر أكثر في العقلية الفلسطينية، وهو ما خلق تحدّياً جديداً لحماس يتمثّل في كيفية الانتقال بالحركة من إطار غزة إلى فضاء الوطن والإقليم والعالم. الربط بين حماس وغزة فقط، لم يكن يستهدف تقزيم حماس فقط، إذ تسنّى للاحتلال أن يكثّف سياساته العدوانية تجاه غزة بعد هذا الربط، لإدراكه الخطورة الاستراتيجية التي يمثّلها قطاع غزة وأهله اللاجئون على مستقبل دولة الاحتلال. 

وفي الوقت الذي كانت فيه حماس بأمسّ الحاجة إلى كسر هذا التنميط، كانت العوامل من حولها تدفع باتجاه ترسيخه، فعلى المستوى العربيّ مثلاً شهدت سنوات الثورات والثورات المضادة وانتكاسة الإخوان المسلمين، وعدم استقرار الوضع في سوريا، تنقلاً لمكتب حماس السياسي الذي انتهى به المطاف في غزة، مما أدخل الحركة في مأزق إدارة العلاقة مع دول الإقليم في ظل المعارك البينية العربية.

واستنفذت الكثير من طاقتها في محاولات خلق توازنات ما بين حاجتها لفتح خطوط اتصال مع جميع الدول في المنطقة وتحديداً مصر وضرورة ألا يتسبب ذلك في إثارة قاعدتها الجماهيرية التي تشرّبت التضامن مع الإخوان المسلمين والتأييد لهم. وبالرغم من تحقيق حماس تقدماً في ذلك، إذ استطاعت الحفاظ على خطوط اتصال مع العديد من الدول بما فيها مصر، إلّا أنّ التواصل معها كان يجري بشكل أساسي على المستويين الإنساني والأمني، وبنطاق لا يتجاوز النظر إليها كإدارة أمر واقع لغزة، لا كحركة تحرر وطني يمكن الحديث معها إلى جانب فتح عن مستقبل القضية الفلسطينية برمّتها. 

بالتوازي مع ذلك، واجهت حماس وما تزال ماكينة إعلامية تحاول نمذجة حكمها في غزة، وخلق صورة متوهّمة عن القطاع كحاضنة لحكم إسلامي ظلاميّ، وفي الوقت الذي كان فيه الخصوم الفلسطينيين والعرب يركّزون على بعض السياسات التي مارستها الأجهزة التنفيذية التي توجهها حماس في غزة، كسياسات التدخّل في طبيعة اللباس أحياناً، أو في إقامة الفعاليات الفنية والثقافية، ويقدمونها كمؤشرات على كون حماس نسخة كربونية عن تيارات دينية منبوذة في المنطقة على المستوى الشعبي والرسمي، مستفيدين من النفور الشعبي من أنماط حكم داعش. 

كانت إسرائيل تركّز أكثر على الربط بين المقاومة العسكرية التي تقودها حماس والأعمال الإرهابية التي تمارسها بعض الجماعات وأبرزها داعش في المنطقة، متجاهلين الفروقات الجوهرية بينهما، وأنّ حماس واجهت مثل هذه التيارات بحسم في غزة. ورغم نجاح حماس في مواجهتها لهذا التطرف الإسلامي، إلا أنها اضطرت إلى اتخاذ موقف دفاعي تقدم من حيثه البراهين على عكس هذا الزعم، وإن بطريقة غيرمباشرة، لمواجهة جهود ماكينة إسرائيل الإعلامية في تصوير حماس على أنها مماثلة لداعش.

إلى جانب محاولات الربط بين حماس وغزة، كانت السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي قد شنّوا حملة ممنهجة لاجتثاث الحركة ومؤسساتها من الضفة الغربية بشكل شبه كامل. مع فقدان مؤسساتها التقليدية كالمؤسسات التعليمية الملحقة بالمساجد والجمعيات الخيرية ولجان الزكاة ومراكز الأبحاث وزيادة أعداد المعتقلين على خلفية الرأي، لم تعد الحركة قادرة على تنشئة جيل جديد منظم في صفوفها كما كان الأمر في السابق، كما لم تعد قادرة على تأكيد حضورها في المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية بالكفاءة السابقة، وانشغل أبناؤها في محاولات صد الأذى وتأمين أدنى حقوقهم، وقد أوردت تقارير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان آلاف حالات انتهاك حقوق الإنسان على خلفية سياسية في الضفة الغربية. 

كما أنّ تفكيك بنيتها التنظيمية السياسية والعسكرية أفقدها القدرة على ممارسة المقاومة ضد الاحتلال انطلاقاً من الضفة الغربية مقارنة بقدراتها ودورها خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية وما بينهما. هذه السياسات ساهمت أيضاً في تقديم الضفة الغربية على أنها مساحة حكم فتح وغزة مساحة لحكم حماس. 

كيف تصرّفت حماس 

تأسيساً على ذلك، فقد عملت حماس بشكل مكثّف على عدّة ملفات خلال السنوات الخمس الماضية، وهي فك الربط بين غزة وحماس، وتقديم نفسها كمظلّة للنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وإحدى الجهات الممثّلة للشارع الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، والتعامل بشكلٍ جذريّ مع إشكالية الجمع بين المقاومة والحكم. هذه الغايات الاستراتيجية التي سعت لتحقيقها الحركة، تطلبت منها الآتي: 

توسيع أشكال المقاومة وأهدافها 

ارتبط مفهوم المقاومة في الثقافة السياسية الفلسطينية بالأعمال النضالية ذات البعد العسكري، وتكرّس ذلك خلال مرحلة ما بعد أوسلو والانتفاضة الفلسطينية الثانية والحروب المتتالية على غزة، بيد أنّ حاجة ملحّة باتت تتنامى لضرورة تفعيل أشكال المقاومة الأخرى وأهمّها الشعبية من قبل كافة الحركات وتحديداً حماس، إذ أنّ الأخيرة لم تعد قادرة على ممارسة المقاومة العسكرية من الضفة الغربية، فيما المقاومة العسكرية من غزة باتت تكلفتها باهظة جداً رغم تطوّر قدرات المقاومة، حيث تصر إسرائيل في كل حرب على أن تزيد من حجم الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين بحيث تخلق ضغط شعبي على المقاومة، ورغم أنّها فشلت في ذلك حتى اللحظة، إلّا أنّ استمرار المقاومة العسكرية من غزة يعني تكريس مسألة اختصاص حماس بالقطاع وتسخير مقاومته لقضاياه. 

تولّدت غاية جديدة لحماس تمثّلت في استخدام المقاومة كورقة ضغط من أجل تخفيف الحصار عن غزة وتأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة لقاطنيه Share on X

في سياق متّصل، فإنّ غاية حماس الأساسية كحركة مقاومة تمارس العمل العسكري منذ تأسيسها تمثّلت في محاولة استنزاف الاحتلال، وإبقاء الصراع مفتوحاً، ومنذ أن فرضت إسرائيل حصارها الوحشي على غزة عام 2007 تولّدت غاية جديدة لحماس تمثّلت في استخدام المقاومة كورقة ضغط من أجل تخفيف الحصار عن غزة وتأمين الحد الأدنى من مقوّمات الحياة لقاطنيه. وعليه أصبحت غاية توسيع أشكال المقاومة وأهدافها تحتل سلّم الأولويات باعتبارها أداة إعادة الحركة إلى حيث يمكنها استنزاف الاحتلال وإبقاء الصراع مفتوحاً دون إنهاءٍ له وفق رؤية الاحتلال ومبتغاه، وقد شرعت الحركة في ثلاث خطوات: 

  • الأولى: دعم فكرة المقاومة الشعبية في غزة، والتي تمثلت في مسيرات العودة التي انطلقت عام 2018، وتلاحمت مع مسيرات العودة التي نظمت في مناطق فلسطينية وعربية أخرى، وهنا قد نجحت حماس في اللجوء إلى المقاومة الشعبية كنمط أقل كلفة في مواجهة الاحتلال من الأنماط العسكرية دون التخلّي عنها، وفي التكامل مع الحالة النضالية العامة للفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم، مما أضعف محاولات ربط غزة بحماس أو العكس. 
  • الثانية: حث أبنائها ومناصريها في الضفة الغربية على إسناد أشكال المقاومة الشعبية التي قد تنطلق من الضفة الغربية، فرغم أن الحركة ما زالت محظورة في الضفة، إلّا أنّ تقديراتها تشير إلى إمكانية مشاركة أبنائها في المقاومة الشعبية لا كما هو الحال مع المقاومة العسكرية.
  • الثالثة: بما أنّ حماس لم تتخلّ عن نمط المقاومة العسكرية من غزة، فقد سعت إلى أن يتم تطويع هذه المقاومة لخدمة القضايا الوطنية وعدم الاستسلام لفكرة استثمارها لتخفيف الحصار فقط، وهو ما عملت عليه بقوة خلال معركة سيف القدس، إذ ربطت عملها العسكري بمطالب متصلة بحقوق المقدسيين وتحديداً في الشيخ جراح وباب العامود. 

التخلّي التدريجي عن فكرة الحكم تحت الاحتلال

 هذا استنتاج مبنيّ على قراءة خطاب الحركة بشأن منظمة التحرير الفلسطينية في السنوات القليلة الماضية، فحماس لم تعلن صراحة تخليها عن فكرة الحكم تحت الاحتلال، ولم تعلن انسحابها، بل جددت رغبتها في المشاركة بانتخابات المجلس التشريعي، وقدمت قائمة “القدس موعدنا” من أجل ذلك. بيد أنّ ذلك لا يعكس بالضرورة قناعتها بذلك بقدر قناعتها بضرورة عدم ترك فتح تتفرّد بإدارة المؤسسات الفلسطينية، ولذلك فإنّ فكرة تخلّيها التدريجي عن الحكم تحت الاحتلال تُستشف من تركيز خطابها في الآونة الأخيرة على ضرورة إصلاح منظمة التحرير وانخراط حماس فيها، فيما المشاركة في إدارة السلطة بدت مسألة ثانوية، علماً أنّ سعيها للدخول إلى المنظمة سابق لسعيها للمشاركة في السلطة، وأن هذه القناعة موجودة سلفاً لكن تجربة حكم غزة عززتها وجعلتها أكثر وضوحاً. 

تركيز حماس على ضرورة إصلاح منظمة التحرير وانضمامها إليها يأتي مبنياً على إدراكها أنّ الخروج من مأزق الحكم تحت الاحتلال لن يتسنّى للفلسطينيين دون إعادة توجيه خيارات المنظمة السياسية نحو مسارات جديدة بعيدة عن مشروع التسوية السياسية، وتوجيه الطاقات الفلسطينية في الشتات والوطن لخدمة قضيتهم، وهو توجيه يستوجب دخول حماس إلى جانب فصائل أخرى للمنظمة المراد إصلاحها. 

مهّدت حماس الطريق إلى ذلك من خلال تغيير موقفها بشكل واضح من منظمة التحرير في وثيقتها السياسية الجديدة، ومن ثمّ في خطاباتها المتكررة، وفي إصرارها على تفعيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، بل رفعت سقف خطابها بعد معركة سيف القدس، حين أعلن يحيى السنوار، وهو رئيس مكتب الحركة السياسي في غزة، مدفوعاً بالالتفاف الجماهيري حول المقاومة أن المنظمة دون حماس وفصائل المقاومة ليست سوى صالوناً سياسياً، وهو تصريح قد قيّمه البعض كعبارات انفعالية متأثرة بأجواء ما بعد سيف القدس، إلّا أن قراءة أخرى أكثر وجاهة وينبغي الإشارة إليها، أنّ حماس باتت ترى نفسها أكثر قوّة ولديها شرعية مستمدة من مقاومتها تسوّغ لها التشكيك في تمثيل المنظمة للفلسطينيين. 

التحديات المستمرة لحل المعضلات

يمكن القول أنّ حماس نجحت في توسيع أشكال المقاومة وأهدافها بدرجة مكّنتها من الحصول على تأييد ملايين الفلسطينيين باختلاف مشاربهم ومعتقداتهم وميولهم السياسية، وأصبحت حماس عنواناً للنضال الفلسطيني المعاصر وإطاراً متجاوزاً للتباينات الفكرية والأيديولوجية، وإن اختلف كثير من الناس على حكمها وفكرها، فقد اتفقوا على مقاومتها. 

أمّا التخلّي التدريجي عن فكرة الحكم تحت الاحتلال فهو مرتبط بفتح أولاً، ولذلك سيبقى من المتعذّر على حماس الدخول إلى منظمة التحرير والمساهمة في إصلاحها ما لم تتشكّل ظروف جديدة تحدّ من سطوة فتح أو تدفعها إلى تبنّي خيارات جديدة تلتقي فيها مع حماس والجهاد والجبهة الشعبية. 

والظروف المقصودة هنا داخلية مرتبطة بإعادة بناء الشارع الفلسطيني لنفسه كمؤثّر في التوجهات السياسية، فاستمرار حالات انتهاك حقوق الإنسان على يد السلطة الفلسطينية والتي تشمل اغتيال الناشط السياسي نزار بنات دفع الشارع الفلسطيني للمطالبة بتغييرات جذرية في السلطة الفلسطينية وإنهاء الوضع السياسي الراهن.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، فلسطين. وهو محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية. وهو مؤسس ومنسق برنامج درجة الماجستير المزدوج في...

أحدث المنشورات

في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، صوَّت الناخبون الأمريكيون لدونالد ترامب رئيسًا لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية الستين. وفي حين لا تزال العديد من أوجه خطط السياسة الخارجية للإدارة القادمة غير مؤكدة، فإن تبعاتها الكارثية على الشعب الفلسطيني ستستمر بلا شك. وفي هذه الحلقة النقاشية، يُقدِّم محللو الشبكة طارق كيني الشوا وعبد الله العريان وأندرو كادي وهناء الشيخ رؤيتهم إزاء ترامب مقارنةً بسلفه، وتأثير رئاسته على السياسة الأمريكية في المنطقة العربية، وما تعنيه لفعاليات التضامن مع فلسطين في الولايات المتحدة، وتأثيرها المادي على الأرض في فلسطين.
 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
Skip to content