Article - Modest but Powerful Activism for Palestinian-Origin Jordanian Rights

أتاحت الانتفاضات العربية فرصةً نادرةً للأردنيين من أصل فلسطيني للتطرق مباشرةً إلى الوضع المُزري المتفاقم الذي يعيشونه بالملايين في الأردن، وهو موضوع ظلَّ من المحرمات إلى الآن. فمنذ آذار/مارس 2011، دأبت حِراكات جديدةٌ عديدة، تضم أردنيين من أصل فلسطيني كانوا أو لا يزالون في مواقع سلطة، على الدعوة من أجل مساواة المواطنين الأردنيين جميعهم في الحقوق والتأكيد على أن الأصل الفلسطيني لا ينبغي أن يحرم المواطن الأردني حقوقَه وواجباتَه في بلده الأردن.

وفي الآونة الأخيرة، بعثت نخبة من الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية رسالةً ناقدةً اتسمت بالأدب والكِياسة إلى الملك عبد الله الثاني للاحتجاج على سياسات التهميش التي تنتهجها الدولة ضد الأردنيين من أصل فلسطيني في قطاعات مثل التعليم، وقانون الانتخاب، والتعيينات العامة، وحقوق الجنسية. وتُعتبر هذه الرسالة ، التي حملت توقيع المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية، الأولى من نوعها. وقد وصَفت وسائل الإعلام الإخبارية الناطقة بالعربية التي نشرت الرسالة الموقعين عليها بأنهم قادة سياسيون ومفكرون، ورجال دولة، وصُنّاع قرار، وناشطون مدنيون، وإعلاميون. وحذّر هؤلاء من أن سياسة التهميش قد تُمهد الطريق أمام الإرهابيين ليتسللوا ويستميلوا أبناء المجتمعات المهمشة.

وأشاروا إلى أن سياسات التمييز الظاهرة والخفية تناقض توجيهات الملك نفسه، وتُسفر عن تباين في المواطنة والولاء بين أصحاب الامتيازات المتمتعين بفرص الحصول على التعليم العالي والعمل في القطاع العام وغيرها من الحقوق وأولئك غير المتمتعين بتلك الفرص والحقوق. وأكدوا بشدة، وهم ينشدون حقوقهم الأساسية، على أن الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية ملتزمون بإعمال حق الفلسطينيين في العودة وأنهم يرفضون فكرة أن “الأردن هو فلسطين” (وهي لازمةٌ يرددها اليمين الإسرائيلي).

وبالإضافة إلى المبادرة الأردنية لمواطنة متساوية، ثمة تجمعات أخرى مثل المواطنة والعودة، ومجموعة حق العودة، وحركة مواطنة متساوية. ويضم أعضاء تلك المجموعات مسؤولين سابقين وسياسيين ومفكرين وكتابًا وصحفيين ومحامين ونقابيين. وتشكلت في البرلمان أيضًا جماعات للضغط لضمان حقوق متساويةٍ ونصيبٍ عادل للمواطنين ذوي الأصول الفلسطينية في العملية الانتخابية.

ظلت النظرة إلى الأردنيين من أصل فلسطيني بأنهم سلبيون وغير مكترثين للسياسة الأردنية المحلية. غير أن التجمعات السياسية الجديدة تُظهِر التغير والنشاط المتنامي في أوساط هذه الشريحة السكانية بعد طول انسحابٍ جاء كردةِ فعل على تآكل حقوقهم. وعلاوة على ذلك، وفي سياق الربيع الأردني الآخذ بالازدهار، شكّل أفرادٌ من طبقات اجتماعية مختلفة حركاتٍ سياسيةً وأحزابًا سياسيةً صغيرة تنادي بالمساواة في الحقوق بين المواطنين في الأردن كافة على اختلاف أصولهم.

إن التهميش في العمليات الانتخابية من أحد المشاكل الرئيسية التي تواجه الأردنيين من أصل فلسطيني. فقد خضع قانون الانتخاب لسنة 1989 والذي تمخض عن انتخابات ديمقراطية ونظامٍ تمثيلي نسبي لتعديلات في العام 1993، فأصبح يستند إلى نظام الصوت الواحد الذي اعتُبر بأنه مصممٌ ليصب في صالح النخب التقليدية والمرشحين العشائريين الذين استفادوا أيضًا من كيفية ترسيم الدوائر الانتخابية. ولم تُثمر الوعود المقطوعة على مر السنين بتعديل القانون. وعلى إثر الاضطرابات المتولدة في الأردن بسبب الثورات العربية، دعا الملكُ البرلمانَ إلى عقد جلسةٍ استثنائية لتعديل القانون بما يضمن مشاركةً شعبية أوسع. غير أن التعديلات الجديدة اعتُبرت خطوةً للحد من نفوذ الإسلاميين وقوى المعارضة الأخرى والمرشحين الأردنيين من أصول فلسطينية، ولم تُرضِ المحتجين.

ومن الجدير ذكره أن قانون الانتخاب لسنة 1989 أفرز تمثيلًا قويًا للإسلاميين متمثلين بجماعة الإخوان المسلمين، إذ حصدوا أكثر من ربع المقاعد الثمانين آنذاك. وقد ضغط هؤلاء النواب بشدة لمناهضة مؤتمر مدريد للسلام مع إسرائيل المنعقد في 1991 وانتقدوا علانيةً المعاملة غير العادلة التي يلقاها المواطنون ذوي الأصول الفلسطينية في الأردن.1 ومثَّل الإسلاميون الصوت الفلسطيني لبضع سنوات وكان يُنظرُ إليهم على أنهم منحازون للفلسطينيين. ومن هذا المنطلق، ما فتئت الحركات السياسية والاجتماعية الجديدة ذات الأصول الفلسطينية والممثِّلة لأيديولوجيات ليبرالية تسعى لخلق فضاء سياسي مغايرٍ لفضاء الإسلاميين والتأكيد على الدور الذي يمكن للأردنيين من أصل فلسطيني الاضطلاع به كمواطنين مكتملي المواطنة.

تتساوى مسألة الحصول على فرص التعليم بالنسبة للأردنيين من أصل فلسطيني مع مسألة المشاركة السياسية من حيث الأهمية، إنْ لم تكن تفوقها. تُظهر دراسةٌ بحثية لقطاع التعليم العالي أجرتها المبادرة الأردنية من أجل مواطنة متساوية في العام 2012 بأن 20% فقط من المرشحين للدراسة في الجامعات الأردنية يُختارون بناءً على علاماتهم. أمّا البقية، فيجري اختيارهم بناءً على نظام حصص يشمل قطاعات من قبيل الديوان الملكي، والبادية الجنوبية والشمالية، والمناطق النائية، والمناطق الأقل حظًا، وجيوب الفقر الواقعة في مناطق ريفية في الغالب. ويقل وجود المواطنين من أصل فلسطيني في تلك القطاعات جميعًا.

تؤثر اللامساواة على صعيد التعليم العالي في فرص التوظيف، ولا سيما لدى القطاع العام، وفي الحقوق المقترنة بالتوظيف كالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي. ويظل هذا التأثير شديدًا رغم انحسار حدته بعض الشيء بفضل حوالات العاملين في دول الخليج وفرص التوظيف التي يوفرها القطاع الخاص. وقد ظل التراجع البطيء للأردنيين من أصل فلسطيني العاملين في القطاع العام مستمرًا منذ عقود منذ شُرِع في تطبيق سياسات الأردنة.2 وفي حين أن بعض الأردنيين من أصل فلسطيني المنحدرين في معظمهم من عائلات فلسطينية مرموقة نجحوا في الحصول على امتيازاتهم كجزءٍ من النخبة الحاكمة، فإن الغالبية ظلت مهمشةً.

وثمة مسألةٌ رئيسية أخرى تبعث على القلق، تناولتها الرسالة الموجهة إلى الملك، وتتعلق بسحب جوازات السفر من مواطنين أردنيين من أصول فلسطينية ومنحهم وثائق سفر عوضًا عنها. فمنذ 2001، أُنيطت بمسؤولي الهجرة الأردنيين صلاحيةُ سحب الجوازات حسبما يرتأون. وقد طُبق هذا التوجه بوجه خاص على حاملي بطاقات الجسور الصفراء التي تتيح لهم التنقل بين الضفة الغربية والأردن. وبهذا فإن السلطات الأردنية تسعى إلى إجبار هؤلاء المواطنين ذوي الأصول الفلسطينية على البقاء فيما تبقّى من فلسطين التاريخية، وهو تدبير تدّعي السلطات بأنه “حسن النية” إذ يمنع إسرائيل من إخلاء الأرض الفلسطينية. ورغم عدم توفر الأرقام عن عدد الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية المتضررين، فإن تلك الخطوات أمعنت في زعزعة استقرار المجتمع كما هو متوقع.

وفي خضم كل هذه الضغوط الداخلية والخارجية، تمخضت الانتفاضات العربية عن صوتٍ نابض بالحياة ومفعمٍ بأمل التغيير في أوساط الأردنيين ذوي الأصول الفلسطينية. وهذا يُوجِد صوتًا سياسيًا يؤكد إيمانهم بقضيتهم الفلسطينية العادلة وبحقوقهم كلاجئين وفلسطينيين في العودة إلى ديارهم في فلسطين، ويؤكد في الوقت نفسه على حقِّهم في التصرف كمواطنين أردنيين والمطالبة بحقهم في الحد الأساسي من التعليم والتوظيف والحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والمشاركة السياسية في الحياة العامة على غرار أي مواطنٍ من أصل أردني.

ورغم أن هذه الحركةَ لا تزال وليدةً وتواجهها تحدياتٌ كثيرة بما فيها ردودُ الفعلِ السلبية من القوميين الأردنيين والقمعِ من أجهزة الدولة الأمنية، فإن مبادرات الناشطين الأردنيين من أصل فلسطيني تشكل الخطوة الأولى باتجاه إنهاء التهميش وإرساء علاقة جديدة مع الدولة علاقةٍ قوامها الاحترامُ المتبادل بين الدولةِ ومواطنيها. إن مبادرات الأردنيين من أصل فلسطيني تنسجم والسياق الأعم للمحاولات العديدة الرامية إلى تعزيز النقاش المفتوح بين أفراد المجتمع الأردني كافة كي تستطيع كل جماعةٍ أن تُعبّر عن احتياجات أفرادها ويكون لها صوتٌ ممثِّل ومسموع. وهذه الحركة أيضًا لا تزال في مهدها.

تسعى هذه الحركات مجتمعةً إلى الحفاظ على المصلحة والهوية الوطنية الأردنية والوقوف بحزمٍ في وجه المساعي الصهيونية الرامية إلى القضاء على الهوية الفلسطينية. وسوف تُحسِن الدولة الأردنيةُ صنعًا إنْ هي أدركت أن احترام الحقوق السياسية وحقوق المواطنة سبيلٌ ناجعة لخلق التضامن المطلوب للتصدي للأزمات، وإلا فإن القضايا الاجتماعية والاقتصادية العديدة المتفاقمة بسبب ارتفاع الأسعار سوف تنفجر ولن يستطيع أحدٌ التنبأَ بعواقبها.

  1. تجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين القاطنين في الأردن لا يحملون جميعهم الجنسية الأردنية. فعلى سبيل المثال، ثمة ما يزيد على 100,000 فلسطيني غِزّي يقيمون في الأردن ولا يحملون جنسيته.
  2. انظر عدنان أبو عودة، “الأردنيون، الفلسطينيون والمملكة الهاشمية في عملية سلام الشرق الأوسط،” مطبوعات معهد الولايات المتحدة للسلام، 1999، وجامعة ميشيغان، 2008.
عريب الرنتاوي هو المؤسس والمدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية في عمان. قام بتأليف وتحرير العديد من الدراسات الإستراتيجية. نظم وشارك في ندوات ومؤتمرات دولية...
عروب العابد هي زميلة بحث في مرحلة ما بعد الدكتوراه في معهد الأبحاث البريطانية في بلاد الشام (منحة من الأكاديمية البريطانية). وهي حاصلة على شهادة...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
في 26 أيار/مايو 2025، تم إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل في غزة، الذي يجري تأمينه من قِبَل شركات أمنية أمريكية خاصة. تسبب هذا النظام في قتل أكثر من 100 فلسطيني، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات الواقعة قرب مواقع عسكرية على حدود رفح، وسط ظروف غير إنسانية. وتُثير هذه الخسائر الفادحة تساؤلات مهمة حول سلامة نظام المساعدات الجديد ودور الشركات الأمنية الأمريكية التي تعمل تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يُبيّن هذا الموجز السياساتي أن خصخصة المساعدات والأمن في غزة تمثّل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُحوِّل المساعدات إلى أداة للسيطرة السياسية، والتطهير العرقي، وإدامة الاستعمار. كما تهدّد حياة الفلسطينيين من خلال ربط الحصول على المساعدات بظروف قسرية، وتسهيل التهجير القسري، وتوفير غطاء قانوني وأخلاقي لانتهاكات الاحتلال. كذلك، تُسهم هذه الخصخصة في تهميش وتقويض دور المؤسسات المحلية والدولية، وعلى رأسها الأونروا، التي لعبت دورًا محوريًّا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة طوال عقود.
الشبكة جودة
صفاء جودة· 10 يونيو 2025
Skip to content