المواضيع
طالعوا تحليلاتنا بخصوص المجتمع المدني وسُبله في رسم ملامح المشهد الثقافي والسياسي والسياساتي.
طالعوا استشرافاتنا بخصوص تغيرات المشهد السياسي وتداعياتها على فلسطين
استزيدوا معرفةً بالسياسات والممارسات التي تحدد شكل الاقتصاد الفلسطيني
تعرَّفوا أكثر على الأوضاع الفريدة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الشرق الأوسط
التحليلات
تحليلات متعمقة للسياسات الحالية أو المتوقعة التي تؤثر في إمكانيات التحرير الفلسطيني.
رؤى ووجهات نظر حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين حول العالم.
تحليلات موجزة لسياسات محددة وخلفياتها وآثارها.
تعقيبات تضم رؤى متنوعة من محللين متعددين.
تجميعات لأعمال سابقة أنجزتها الشبكة حول موضوع محدد.
مشاريع مطوَّلة ومخصصة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة بحثية تقع خارج نطاق تحليلاتنا المعتادة.
مبادرة بحثية معنية بالسياسات أطلقتها الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية.
سلسلة ندوات شهرية عبر الإنترنت تجمع خبراء فلسطينيين.
متميز
اشتركوا في نشرة الشبكة البريدية الآن لتصلكم أحدث التحليلات السياساتية الفلسطينية على بريدكم الإلكتروني:
استجابة فلسطينية للتوجهات العالمية والإقليمية
يستند هذا التعقيب إلى محاضرة ألقاها طارق بقعوني، محلل السياسات في الشبكة، خلال المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بجامعة بيرزيت. عقد في مايو 2022 المؤتمر الذي استمر لمدة ثلاثة أيام بعنوان “القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب“، وقد جمع العلماء والخبراء من فلسطين وخارجها لدراسة الاتجاهات العالمية والإقليمية الأخيرة وانعكاساتها على القضية الفلسطينية. يحلل بقعوني في مداخلته بعض هذه التطورات، ويضع النضال الفلسطيني من أجل العدالة والتحرير في سياق تغيير السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، وثورات المنطقة الشعبية، وصفقات التطبيع بين النظام الإسرائيلي والدول العربية الاستبدادية.
مقدمة
لقد بَرَزت في العقد الماضي بنيةٌ إقليمية جديدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأبدت الولايات المتحدة إشارات أوضح على الانسحاب والتراجع من المنطقة. ونشأت التوترات وانحسرت بين القوى الإقليمية، واستمرت الحروب بالوكالة في الانتشار، وما انفكت التحالفات تتغير وتتبدل بين اللاعبين. ولا تزال الثورات التي اندلعت في جميع أنحاء المنطقة ابتداءً من 2011 تتعثر في ظل نظام جديد قيد الإنشاء توضحت معالمه باتفاقات التطبيع الموقعة بين دول الخليج والمغرب والسودان وإسرائيل و المبنية على عقدٍ من العلاقات السرية بين هذه الدول، باستثناء السودان ربما، وظهرت على السطح بينما كانت الثورات الشعبية تتلقى ضربات شبه قاتلة في معظم أنحاء المنطقة. هذه العلاقات المتنامية بين إسرائيل صاحبة نظام الفصل العنصري الاستيطاني الاستعماري وبين الأنظمة العربية المستبدة تنمُّ عن ركيزة مهمة للمشهد الإقليمي المستقبلي الذي يتعين على الفلسطينيين فيه أن يخوضوا نضالَهم من أجل التحرير.
روابط الحكم المناهض للديمقراطية
تقوم التحالفات المتنامية بين إسرائيل والدول العربية على رؤية إقليمية مشتركة للتنمية الاقتصادية والنمو والاستقرار والتسامح الديني، بحسب وصف مؤيديها. ولكنها في الحقيقة رؤية قائمة على الالتزام بالهيمنة المناهضة للديمقراطية، تستديمُ بموجبها الأنظمةُ المتسيدةُ قبضتَها على السكان الذين تحكمهم بسطوة الأجهزة الأمنية. ويكمن جوهر هذه الاتفاقات في تبادل تكنولوجيا المعلومات المتعدية على الخصوصية وأساليب المراقبة الإلكترونية التي يمكن أن تقضي على المعارضة وأي تحدٍ للوضع الراهن.
يكمن في صميم اتفاقات التطبيع التزامُ القوى الإقليمية بملء الفراغ المتصوَّر الناجم عن انسحاب الولايات المتحدة، وتولي زمام الأمور للحفاظ على النظام الإقليمي السائد من خلال مجموعة من الأساليب مثل تصدير أنظمة الأمن الإسرائيلية – المجرَّبة على الفلسطينيين في ظل نظام الفصل العنصري – إلى الدول العربية التي تستخدمها للنيل من الناشطين والصحفيين وغيرهم ممن يسعون إلى الإصلاح الديمقراطي. فهناك العديد من الحكام المستبدين في المنطقة وخارجها ممن يحسدون إسرائيل على نموذجها المتمثل في استدامة نظام الفصل العنصري بموازاة الظهور بمظهر الدولة الديمقراطية المرحب بها على الساحة العالمية، والدولة المتطورة اقتصاديًا والقوية دبلوماسيًا. تقوم التحالفات على قيام إسرائيل، من خلال نفوذها العسكري والاقتصادي والدبلوماسي، بتزويد حلفائها بالمعرفة اللازمة لتحويل الأنظار عن استبدادهم ورأسماليتهم العنصرية، وتقديم أنفسهم كدول حديثة، وأكثر ليبرالية وتسامحًا – بينما تعكف على قمع المعارضة وتطبيق سياسات تتسبب في تفاوت اقتصادي واسع وحكم مناهض للديمقراطية. وفي حالة المغرب، فإنها تجني من خلال علاقاتها بإسرائيل فائدة إضافية تتمثل في تطبيع احتلالها للشعب الصحراوي.
برهنت انتفاضة الوحدة…أن الفلسطينيين متى ما نهضوا كشعب واحد، ستكون لهم القدرة على التغلب على نظام كان يُنظر إليه حتى حينه على أنه لا يقهر Share on Xلا بد من فهم هذه التحالفات المتوسعة في سياق الثورات التي اجتاحت المنطقة ابتداءً من عام 2011، واستمرت على فترات متقطعة. ترى الغالبية العظمى من شعوب المنطقة بأن النظام الإقليمي الجديد المتمثل فيما يسمى “الاستقرار الأمني” لم يلبِّ المطالب الرئيسية التي حركت الاحتجاجات الجماهيرية. بل على العكس تمامًا، فلم يزل الحكم الاستبدادي مستمرًا، وبلغَ درجةً من إراقة الدماء والقتل الممنهج لم تكن متصورةً من قبل؛ وانهارت دول أو تبنت أساليب استبدادية أكثر قسوة؛ ولا تزال البطالة وأوجه عدم المساواة منتشرة على نطاق واسع؛ والفساد مستشرٍ؛ والتعددية السياسية معدومة؛ والتحديات الديموغرافية والتغيير المناخي تتوعد بحدوث انهيار تحت وطأة هذه الضغوط. ولكن بدلاً من معالجة هذه القضايا، تتشبث القوى الإقليمية بسلطتها، وتعزز قدرتها على قمع المعارضة الشعبية.
لقد أضفت الفظائع التي أعقبت ثورات المنطقة، على المدى القصير إلى المتوسط، مصداقيةً أكثر على المقولة المتكررة في أنحاء المنطقة بأن الاستقرار في ظل الطواغي أفضل من الانفتاح الديمقراطي والعدالة الاجتماعية – بالنظر إلى ثمن الحرية والكرامة. فلا توجد، أو لا تكاد توجد، نهايات إيجابية للحماسة الثورية التي اجتاحت المنطقة، وهناك عِبرَ لا تعد ولا تحصى يمكن أخذها مما حصل في سوريا ومصر وغيرهما. وفي ظل الشعور السائد باليأس، تعكف القوى الناشئة على ترسيخ الثورة المضادة. إن اليأس منتشر، والهوة شاسعةٌ بين الأنظمة والشارع أكثر من أي وقت مضى. والتحالف الجديد بين الاستبداد العربي والاستعمار الاستيطاني الصهيوني – والذي هو في حد ذاته مجرد شكل جديد للتحالف بين الإمبريالية الأمريكية والاستبداد العربي – لا يعدو عن كونه وسيلةً لاستخدام الأساليب القمعية لإدارة هذه الهوة.
أهمية فلسطين في السياق الإقليمي
يقع النضال الفلسطيني، من نواحٍ عديدة، على الخط الفاصل بين الشارع والنظام، وهو خط فاصل يتجلى بشدة داخل فلسطين نفسها بين النظام الاستبدادي المتجسد في السلطة الفلسطينية وبين الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل التحرير. لكن الأهم من ذلك أن فلسطين تقع على هذا الخط الفاصل على المستوى الإقليمي أيضًا. فقد استندت اتفاقات التطبيع إلى الافتراض بأن النضال الفلسطيني قد تهمَّش فعليًا، ولكن زيف هذا الافتراض واضح، كما اثبتت انتفاضة الوحدة التي اندلعت في أيار/مايو 2021، إذ بدَّلت الافتراضات الراسخة التي اعتنقها الكثيرون كحقائق مسلَّمة عن فلسطين، بما فيها الافتراض بأن الفلسطينيين قد رُوِّضوا وهُزموا وما عادوا يملكون القدرة على الاحتجاج أو حتى الاهتمام فيه. ومن الافتراضات المفنَّدة الأخرى افتراض أن الفلسطينيين رضوا بتشتتهم وتشرذمهم، حيث برهنت انتفاضة الوحدة على أن الفلسطينيين شعبٌ واحد يواجه نظامًا واحدًا عازمًا على القضاء عليه، وأنهم شعبٌ قادرٌ على النهوض كافة من النهر إلى البحر في وجه القمع والاضطهاد. والعبرة الرئيسية هنا هي أن الفلسطينيين متى ما نهضوا كشعب واحد، ستكون لهم القدرة على التغلب على نظام كان يُنظر إليه حتى حينه على أنه لا يقهر. وبالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن انتفاضة الوحدة كشفت، للمرة الأولى ربما، عن التصدعات في نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
لهذا السبب تحديدًا، جاء رد النظام الإسرائيلي، كما كان متوقعًا، بتنفيذ اعتقالات واسعة النطاق للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 من خلال أجهزته الأمنية، وفي أنحاء الضفة الغربية من خلال شريكته، السلطة الفلسطينية، و استخدم قوة النيران الكاسحة في محاولة أخرى فاشلة لترويض غزة. وقد مثَّلت الجهود الرامية إلى احتجاز أعداد كبيرة من الناس على جانبي الخط الأخضر مؤشرًا على السعي لتعطيل قدرة الفلسطينيين على التنظيم والتعبئة، وثنيهم عن إشعال انتفاضة بإجبارهم على العودة إلى الوضع الراهن. استخدمت إسرائيل أيضًا أساليبها في المراقبة، وشرعت في اتخاذ تدابير ضد المجتمع المدني الفلسطيني، ولا سيما من خلال تصنيف ست منظمات فلسطينية متصدرة للجهود المبذولة لمحاسبة إسرائيل، بما في ذلك من خلال الدعاوى القانونية المنظورة أمام المحكمة الجنائية الدولية، كمنظمات إرهابية. وفي ظل غياب قيادة فلسطينية ملتزمة بالتحرير، انتقلت مهمة التعبئة الاستراتيجية للنضال الفلسطيني إلى منظمات المجتمع المدني والتجمعات الشعبية، ومن هنا انبرت إسرائيل لتفكيكها. وتُعد هذه الكيانات العقبةَ الأخيرة التي لا بد لإسرائيل من إزالتها كي تضمن عدم وجود مقاومة فعالة لحكمها.
وهكذا تجلّى من خلال الرد الإسرائيلي (والفلسطيني الرسمي) على انتفاضة الوحدة النموذجُ الذي يستخدمه الإسرائيليون وشركاؤهم العرب في التعامل مع المعارضة ومع مجتمع مدني يسعى حثيثًا لحماية حقوقه الإنسانية. وأظهرت الانتفاضة أن قضية فلسطين ليست هامشية بالنسبة للجماهير إقليميًا أو عالميًا، وعرت الأكذوبة التي قامت عليها اتفاقات التطبيع والتي تُفيد بأن فلسطين ليست قضية مهمة لشعوب المنطقة، حيث اندلعت الاحتجاجات الشعبية، طوال الانتفاضة، في المدن الكبرى في المنطقة والعالم. وبالتالي فإن محاولة النخب الحاكمة تهميش القضية الفلسطينية لا تعكس المشاعر الشعبية وإنما الحكم الاستبدادي.
مفارقة بناء الحركة الفلسطينية
نحن نمر في وقت تتعدد فيه الأقطاب في العالم حتى مع بلوغ التكامل الاقتصادي مستويات غير مسبوقة. فالأنظمة الاستبدادية والأحزاب العرقية القومية اليمينية آخذة في الارتقاء إلى الحكم وفي ترسيخ حكمها. وبينما تُظهر التحديات مثل كوفيد-19 وتغير المناخ الحاجةَ إلى استجابات منسقة عالميًا، تتناحر القوى العظمى مجددًا في مواجهة عسكرية في أوروبا. وفضلًا على ذلك، كشف رد الفعل الغربي على الغزو الروسي لأوكرانيا نفاق النظام الغربي الليبرالي، حيث سارعت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الحديث عن النظام القائم على القواعد وحقوق اللاجئين على نحو لم نعهده من قبل عند الحديث عن فلسطين.
إن تداعيات هذه التحولات العالمية على فلسطين وحلفائها الملتزمين بالعدالة الاجتماعية والقيم التقدمية هائلة. فالنضال من أجل التحرير الفلسطيني مسألةٌ مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالسياسات الإقليمية والعالمية، ولذا لا يمكن النظر إليه كمسألة منعزلة يمكن معالجتها بشكل منفصل عن القوى الجيوسياسية والاجتماعية الاقتصادية الرئيسية التي تشكل عالمنا. وفي ضوء ذلك، هناك ثلاث نقاط مترابطة، والتي ربما تثير أسئلةً أكثرَ مما تقدم إجابات.
لا بد أن يركز الفلسطينيون على بناء التحالفات الإقليمية والعالمية مع الحركات والمنظمات والأحزاب السياسية المشابهة لفكرهم والملتزمة بمبادئ إنهاء الاستعمار والتحرر Share on Xالنقطة الأولى هي أن النضال الفلسطيني من أجل التحرير قد دخلَ منذ زمن في مرحلة ما بعد أوسلو، التي كان يُنظر فيها إلى صنع السلام والدبلوماسية على مستوى الدولة كوسيلة لتحقيق التحرير. وأمسى النضال اليوم نضالًا تقوده قيادة شعبية من أجل التحرير. ولا يُعزى ذلك وحسب إلى كون القيادة الفلسطينية الرسمية مخترقة ومفضوحة، وإلى تخلي الفاعلين الإقليميين رسميًا عن القضية الفلسطينية، ولكن أيضًا إلى ضعف رغبة الدول على مستوى العالم في الدفاع عن السياسات التي تضمن حقوق الفلسطينيين. تكمن قوة الشعب الفلسطيني الحالية في المستوى الشعبي، حيث توجد إمكانات هائلة. ولا بد أن يركز الفلسطينيون على بناء التحالفات الإقليمية والعالمية مع الحركات والمنظمات والأحزاب السياسية المشابهة لفكرهم والملتزمة بمبادئ إنهاء الاستعمار والتحرر. ولهذا أهمية خاصة في وقتٍ يشهد فيه النظام العالمي تحولات وتغييرات كبرى، ويواجه فيه نظام الهيمنة الأمريكية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة ضغوطًا في المنطقة. فكيف ينبغي لنا كفلسطينيين أن نعيد ضبط تفاعلنا وانخراطنا؟ توجد في الجنوب العالمي، وفي الأحزاب التقدمية الغربية، وفي جميع أنحاء المنطقة تحالفات يمكن أن تدعم الجهود الفلسطينية في التعبئة والتنظيم، كما توجد قضايا يمكن للفلسطينيين أن يدعموها. ويُعد هذا تطورًا طبيعيًا للحركة الفلسطينية، التي اتخذت تاريخيًا شكل النضال ضد الاستعمار، والتي يجب أن تجيب الآن على السؤال حول معنى إنهاء الاستعمار في القرن الحادي والعشرين.
النقطة الثانية هي أن على الفلسطينيين أن ينشئوا حركةً شاملة تضم جميع شرائح وأطياف الشعب الفلسطيني بأسره على اختلاف أيديولوجياته وتجاربه المعاشة كشعب مشتت إلى حدٍ كبير، ولكن مع الحفاظ على وحدة التركيز والرؤية على إنهاء الاستعمار في فلسطين. وفي هذا تحدٍ كبير. يُظهر المجتمع المدني الفلسطيني تقدمًا هائلاً، سواء في دول مثل الولايات المتحدة حيث الرواية آخذة في التغير تدريجيًا، أو في فلسطين نفسها حيث تستمر انتفاضة الوحدة في إظهار ما يجري على أرض الواقع. تتمثل المرحلة التالية في الاستفادة من هذا العمل الشعبي وتجميع نجاحاته المتفرقة ضمن رؤية واحدة للتحرر. ولأجل ذلك يجب على الفلسطينيين أن يعيشوا القيم التي ننادي بها حول الحرية والعدالة والمساواة داخل حركتنا. فكيف يمكننا إنشاء هياكل جديدة ديمقراطية وحرة وتمثيلية لقيادة المرحلة التالية من نضالنا وتحويل التعبئة الشعبية إلى رؤية سياسية؟ وكيف يمكن لهذه الهياكل أن تبني على إرث النضال الفلسطيني المتراكم حتى تاريخه بموازاة التكيف مع الوقائع العالمية التي نواجهها الآن؟
وثالثًا، وأننا كفلسطينيين غالبًا ما لجأنا في إطار جهودنا لتأمين حقوقنا المعترف بها دوليًا إلى القانون الدولي والدول الغربية بصفتها حاكمةً بالعدل. لكن القوى الغربية، كما الدول العربية، فشلت تاريخيًا في الوفاء بالتزامها تجاه النضال الفلسطيني، ومكنت ودعمت القمع الذي تمارسه إسرائيل وتوسيع استعمارها للأراضي الفلسطينية. فالدول الغربية والأنظمة الإقليمية تدفعها مصالحها الذاتية والسياسة الواقعية، وليس الأخلاق أو العدالة. وبالمثل، يأمل الفلسطينيون في البناء على النجاح الباهر الذي حققته حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) لتوسيع الضغط الشعبي من أجل دعم الحقوق الفلسطينية. غير أن القانون الدولي وحركات المقاطعة، رغم كونها أدوات مهمة في النضال من أجل التحرير، لن تكون أبدًا الوسيلة لتحريرنا. فكيف يمكننا، عند التفكير في وضع الحركة اليوم، أن ننتقل من تركيزنا على أساليب التحرير – مثل القانون الدولي والمقاطعة – إلى تطوير استراتيجية سياسية للتحرير؟
إنْ كانت الثورات العربية وانتفاضة الوحدة قد علمتنا شيئًا، فهو أن قوة الجماهير هائلة، ويمكنها أن تُسقِطَ الأنظمة وتُحدِثَ تغييرًا ثوريًا. غير أن تلك القوة تفتقر إلى القدرة على إحداث تغيير سياسي دائم وأنظمة حكم تعددية واستشرافية. فالقوى المستثمرة في الوضع الراهن متنفذة وقوية، وسيظل هناك على الدوام تدخلٌ إقليمي ودولي في معتركات المنطقة، ولا سيما في فلسطين. يجب على الفلسطينيين أخذ العبرة من هذه الدروس. ومع تجذر الثورة المضادة، يجب على الفلسطينيين وحلفائهم في المنطقة أن يفكروا في النظام العالمي الجديد الذي نعيش فيه، ويوسعوا البنية التحتية للحركة التي نعكف على بنائها لكي تكون قابلةً للتكيف ومترابطة وعادلة.
طارق بقعوني
أحدث المنشورات
تصور جديد لفلسطين بعد عام من الإبادة الجماعية
محور سياساتي: عام من الإبادة الجماعية في غزة
المملكة المتحدة وحظرها الوهمي على الأسلحة
نحن نبني شبكةً من أجل التحرير.
ونحن نعمل جاهدين، باعتبارنا المؤسسة الفكرية الفلسطينية العالمية الوحيدة، للاستجابة للتطورات السريعة المؤثرة في الفلسطينيين، بينما نحافظ على التزامنا بتسليط الضوء على القضايا التي قد يتم تجاهلها لولا تركيزنا عليها.