Pubs with elements template - 9

مقدمة

في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: “ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة”. كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين.

لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.

حرب غير مبررة

في يوم الجمعة، 13 حزيران/يونيو 2025، وفي انتهاك صارخ للقانون الدولي، شنّ النظام الإسرائيلي هجومًا واسع النطاق على إيران، استهدف فيه البنية التحتية والمنشآت النووية، وأشعل بذلك فتيل حربٍ مباشرة بين إسرائيل وإيران. وفي وقت كتابة هذا التعقيب، كانت هذه الحرب قد حصدت مئات الأرواح بالفعل، وأغلبهم من المدنيين الإيرانيين. ثم أجَّجت الولايات المتحدة الصراع بمشاركتها في الضربات الجوية الإسرائيلية، حيث نفذت هجومًا منسقًا على مواقع نووية رئيسية في إيران، منها: فوردو ونطنز وأصفهان. أدانت إيران الضربات واصفةً إياها بالانتهاك الجسيم للقانون الدولي وتوعدت بردٍّ انتقامي عنيف. وفي يوم الاثنين، 24 حزيران/يونيو، أطلقت القوات الإيرانية صواريخ على قاعدة “العديد” الجوية الأميركية في قطر، وهي أكبر قاعدة للولايات المتحدة في المنطقة. وفي اليوم التالي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن وقفٍ لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران، ظلّ قائمًا رغم هشاشته حتى وقت كتابة هذا التعقيب.

بوصفهما الحرب دفاعًا عن النفس، ساعدت القوى الأوروبية في إضفاء الشرعية على حرب غير قانونية، وعززت الإفلات من العقاب الذي يتمتع به النظام الإسرائيلي منذ زمن بعيد Share on X

برَّر نتنياهو عدوانه على إيران بزعمه أنها تُطوِّر أسلحةً نووية، وهو ادّعاء يواصل تكراره منذ أكثر من ثلاثين عامًا. وقد تبنّت الولايات المتحدة الرواية نفسها لتبرير انخراطها المباشر في الضربات، ووصفت الهجوم المشترك على المواقع النووية الإيرانية بأنه خطوة استباقية ضرورية لتحييد ما اعتبرته تهديدًا وجوديًّا مزعومًا. غير أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية نفت هذه المزاعم مرارًا وتكرارًا، وأكّدت جازمةً عدم وجود أي أدلة موثّقة تثبت امتلاك إيران سلاحًا نوويًّا أو قيامها بتطويره حاليًّا.

المفارقة أن إيران طرفٌ في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وتخضع منشآتها النووية لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين أن إسرائيل لم توقِّع على هذه المعاهدة ولم تسمح قط بإجراء عمليات تفتيش دولية شاملة. ويُعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل لديها ترسانة نووية كبيرة، وهي مزاعم لا تنفيها ولا تؤكدها، متمسكةً بما يُعرف بسياسة الغموض النووي. وتقدِّر تقارير مستقلة أن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 90 رأسًا نوويًّا، ولديها قدرة تقنية على إنتاج أضعاف ذلك العدد. وعلى مدى العقود الماضية، أفادت تقارير بأنها تعاونت مع دول أخرى، من بينها: فرنسا، وجنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري– لتطوير أسلحتها النووية واختبارها.

تظلّ معظم البنية التحتية النووية الإسرائيلية بمنأى عن أي رقابة دولية، إذ لا تتمتع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلا بنفاذ جزئي في مركز سوريك للبحوث النووية، بينما تظل المنشأة النووية الإسرائيلية الرئيسية في ديمونا خارج نطاق الرقابة الدولية بشكل كامل. وهكذا، يظل الحجم الحقيقي لقدرات إسرائيل النووية مجهولًا وغير خاضع للمساءلة أمام المجتمع الدولي.

هذا الغموض المتعمد -مقترنًا بغياب التفتيش الدولي- حصَّن إسرائيل ضد المساءلة بموجب المعايير العالمية المتبعة في الحدِّ من انتشار الأسلحة النووية. وعزّز أيضًا إفلاتها من العقاب بما يمكِّنها من اقتراف أفعالها العدوانية دون تبعات. وفي هذا السياق، يشكِّلُ عدوان النظام الإسرائيلي على إيران عملًا حربيًّا غيرَ مبرر، ينفذه كيانٌ يرتكب في الوقت نفسه إبادةً جماعية في غزة، وتخضع قياداته للتحقيق في المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

أصداء طبول حرب 2003

يُعيد المنطق الأمريكي الإسرائيلي المعلَن في عدوانهما الأخير على إيران إلى الأذهان، ما حدث قُبيل غزو العراق في 2003، حينما اُستُخدمت مزاعم واهية بوجود أسلحة دمار شامل لتبرير حربٍ أدت إلى تدمير بلدٍ بأكمله وأسفرت عن مقتل ما يزيد على نصف مليون عراقي. ورغم فضح زيف تلك المزاعم لاحقًا، فإنها نجحت في شرعنة حملةٍ عسكرية استباقية لا تزال تزعزع استقرار المنطقة. تم استدعاء الصيغة نفسها مرة أخرى لتبرير العدوان على إيران: اتهامات غير موثَّقة بتطوير أسلحة دمار شامل نووية، من أجل تبرير ضربات استباقية مزعومة، يدعمها الخطاب الغربي من خلال بناء سردية تفتقر إلى الأدلة الموثَّقة.

لم يكن مستغربًا أن يردّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سردية نتنياهو، لكن اللافت كان إسهام القادة الأوروبيين أيضًا في تحريف الأبعاد القانونية والسياسية لهذا التصعيد. ففي بيان مشترك صدر بعد وقت قصير من بدء العدوان الإسرائيلي على إيران، جدّد وزراء خارجية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، إلى جانب الممثلة السامية للاتحاد الأوروبي، تأكيدهم على ما وصفوه بـ”حق إسرائيل في حماية أمنها وشعبها، بما يتوافق مع القانون الدولي.” ثم حوَّل البيان تركيزه إلى إيران ليحثَّها على العودة إلى طاولة المفاوضات والسعي للتوصل إلى حلٍّ دبلوماسي.

تأتي حرب إسرائيل على إيران بمثابة تأكيد واضح على هيمنتها الإقليمية، وهي محاولة لتعزيز الدعم الداخلي وصرف الانتباه الدولي عن قتلها الجماعي للفلسطينيين Share on X

إن استخدام خطاب “الدفاع عن النفس” في البيان يهدف إلى طمس حقيقة جوهرية، وهي أن إسرائيل هي من أشعلت فتيل الحرب في انتهاك واضح للقانون الدولي. ومن خلال تأطير عدوان إسرائيل وتحريضها على الحرب بوصفهما دفاعًا عن النفس وتوجيه الضغط الدبلوماسي نحو إيران، ساعدت القوى الأوروبية في إضفاء الشرعية على حرب غير قانونية، وعززت الإفلات من العقاب الذي يتمتع به النظام الإسرائيلي منذ زمن بعيد.

غير أنَّ الفارق الجوهري بين عام 2003 واللحظة الراهنة يتمثل في التراجع الملحوظ في رغبة الشارع الأمريكي في دخول الحرب. فقد أظهر استطلاع أُجري أخيرًا أنّ 16 في المئة فقط من الأمريكيين يؤيدون مشاركة الولايات المتحدة في حرب إسرائيل ضد إيران، ما يعكس شعورًا متناميًا لدى مختلف التيارات السياسية بالإرهاق من التدخلات العسكرية الخارجية. ويبرز ذلك الشعور خاصةً داخل الحزب الجمهوري وفي أوساط مؤيدي ترامب، حيث بدأت تظهر انقسامات واضحة بشأن استمرار الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط.

أعلن عددٌ من المعلقين اليمينيين البارزين: مثل: تاكر كارلسون وستيف بانون، كبير مستشاري البيت الأبيض السابق، عن معارضتهم لمشاركة الولايات المتحدة في هذه الحرب. ويرى هؤلاء -إلى جانب شخصيات أخرى في الدائرة السياسية المقربة من ترامب- أنّ تدخله العسكري يتعارض مع وعده الأساسي في حملته الانتخابية، المتمثل في تجنُّب توريط الولايات المتحدة في صراعات خارجية. بل وقال بانون إن مشاركة واشنطن في حرب إسرائيل ضد إيران قد تصرف التمويل والموارد عن الأولويات الداخلية، وعلى رأسها الحملة الغاشمة لترحيل المهاجرين. وقد ظهرت بوادر الخلاف داخل الإدارة الأمريكية نفسها، إذ صرَّحت مديرة الاستخبارات تولسي غابارد بعدم وجود أي أدلة موثوق بها، تثبت تطوير إيران للأسلحة النووية.

بعد الضربة الأولى التي شنَّتها إسرائيل، تردَّد ترامب لعدة أيام قبل أن يقرر تعميق دور الولايات المتحدة في الصراع، وقد صرَّح آنذاك بأن اتخاذ القرار قد يستغرق أسبوعين، ما يعكس الانقسامات المتزايدة داخل إدارته. لكنّه وافق في نهاية المطاف، وتحت ضغط مباشر من مسؤولين إسرائيليين، على استهداف منشآت نووية، مشدّدًا على أن هذا التدخّل يمثّل الحد الأقصى للمشاركة الأمريكية. وفي المقابل، أدان وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الهجمات التي وصفها بـ“الوحشية” وحذر من أنها ستخلِّف “عواقب دائمة”. وبذلك، لم يدُم تعهّد ترامب خلال حملته الانتخابية بإبقاء الولايات المتحدة خارج الحروب الخارجية طويلًا، ومن المتوقّع أن يُلقي هذا التحوّل بظلاله على ولايته.

فرصة نتنياهو الذهبية

لطالما لوَّح نتنياهو بتهديدات بضرب إيران ولكنه تجنب اتخاذ أي إجراء مباشر قبل الآن. وتوقيت هذه المناورة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة لم يأتِ صدفةً على الإطلاق، وثمة عدة ديناميكيات متضافرة تساعد على تفسير هذا التحوُّل الإستراتيجي.

أولًا، بعد أن باغت ترامب إسرائيل بإعادة إطلاق المفاوضات النووية مع إيران في وقت سابق من هذا العام، تزايد شعوره بالإحباط لعدم إحراز تقدُّم فيها. وكان لتدخل حلفاء نتنياهو داخل الإدارة الأمريكية دورٌ حاسم في تصلُّب الموقف الأمريكي، ما أفضى إلى إصدار إنذار نهائي مدته 60 يومًا يطالب إيران بالامتثال لالتزاماتها النووية، ليبدأ بذلك العد التنازلي للمواجهة فعليًّا. ووفقًا لتقارير إعلامية، لم يلقَ المسؤولون الإسرائيليون أي مقاومة من ترامب عندما عرضوا عليه خططهم العملياتية.

ما شهدناه لم يكن مجرّد حرب بين إسرائيل وإيران، بل كان انهيارًا للمعايير الدولية، وبداية نشوء نظام عالمي أكثر عنفًا وأقل مساءلة Share on X

وفي اليوم نفسه الذي انتهت فيه المهلة الأمريكية، تحقّق طموح نتنياهو القديم بشنِّ إسرائيل ضربةً مباشرة على إيران. وجاء هذا التصعيد في بيئة دولية متساهلة شكَّلها السياق الأوسع لحملة الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها إسرائيل في غزة تحت حصانة شبه تامة من المساءلة والعقاب. كانت الرسالة الموجهة إلى إسرائيل واضحة لا لبس فيها، بأن لها حرية التصرف دون محاسبة. وما زاد الطين بلة كان الكراهية المتأصلة تجاه إيران لدى قطاع كبير في داخل المؤسسة السياسية الغربية. وفي ظل هذا المناخ، رجّح نتنياهو أن الهجوم على إيران لن يثير ردَّ فعلٍ دبلوماسي يُذكَر، بل قد يلقى موافقة ضمنية تحت ستارٍ مألوف يتمثل في مواجهة تهديد نووي. وبالفعل، نجح في مناورة الولايات المتحدة ودفعها إلى موقف صار فيه من الصعب عليها سياسيًّا مقاومة توجيه ضربة إلى إيران. وقد أدت هذه التحولات المتقاطعة إلى هبوب عاصفة مكتملة الأركان: لحظة بالغة الخطورة صاغتها دبلوماسية متعثرة ونزعة عسكرية جريئة وإفلات إستراتيجي من العقاب.

ثانيًا، شهد ميزان القوى الإقليمي على مدار العامين الماضيين تغيرات جوهرية أوهنت ما يُسمى “محور المقاومة” بشكل كبير. فقد مثَّل سقوط نظام الأسد في سوريا ضربةً إستراتيجية قاصمة لوضع طهران الإقليمي، باعتبار هذا النظام الحليف الرسمي الوحيد لإيران في المنطقة. وفي الوقت نفسه، نفَّذ النظام الإسرائيلي اغتيالات لشخصيات بارزة، وأضعف بشكل كبير القدرات العسكرية لحلفاء إيران الرئيسيين من غير الدول، بما في ذلك حزب الله وحركة حماس. وبينما برز الحوثيون في اليمن أخيرًا كقوة مُزعزِعة للاستقرار، إذ أظهروا قدرة على تعطيل مسارات الملاحة الإقليمية وإطلاق صواريخ إلى تل أبيب، فإن قدرتهم على تحدي إسرائيل عسكريًّا بشكل مباشر أو مستمر تظل محدودة من حيث النطاق والتأثير على حدٍّ سواء.

وأخيرًا، أدت الإبادة الجماعية المستمرة في غزة -وفشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق هدفه المعلن بالقضاء على حركة حماس في القطاع- إلى تصاعد الضغوط الداخلية على نتنياهو وحكومته الائتلافية. فقد أدت المعارضة المتصاعدة لإدارة الحرب، بما في ذلك العجز عن تأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، مقترنةً بمحاكمات نتنياهو الجارية بقضايا الفساد، إلى إضعاف مكانته السياسية أكثر وأكثر. وفي ذلك السياق، صار تحويل التركيز نحو إيران خطوةً مناسبة سياسيًّا، حيث يدرك نتنياهو أن الحرب مع إيران تحظى بتأييد شعبي كاسح في الداخل الإسرائيلي. وبالنظر إلى المعارضة الداخلية المحدودة لمثل هذه الضربة، يمكنه تقديم نفسه كزعيم قوي وحاسم يدافع عن مصالح إسرائيل الأمنية، حتى مع استمرار تعثر حكومته بسبب فشلها في غزة. والأخطر من ذلك أن هذا التصعيد يمنحه غطاءً سياسيًّا لتعزيز أجندة أوسع للتطهير العرقي في غزة، وفي الضفة الغربية أيضًا.

وعلى الصعيد الدولي، أدرك نتنياهو تمامًا التحوُّل في الرأي العام ضد إسرائيل بسبب إبادتها الجماعية المستمرة في غزة التي لا تزال تحصد أرواح الفلسطينيين بالعشرات يوميًّا. فقبل شن الهجوم الإسرائيلي على إيران، كان صبر حلفاء إسرائيل قد بدأ ينفد تدريجيًّا مع تصاعد الإدانات للإبادة الجماعية وتزايد التساؤلات حول تواطئهم معها في هذه الجريمة. وهكذا، فإن هذا التوقيت ليس انتهازيًّا، بل يعبِّر عن إعادة تقييم إستراتيجية مدروسة من قِبل النظام الإسرائيلي، مدفوعة بمستويات غير مسبوقة من الإفلات من العقاب، وديناميكيات إقليمية متغيرة، وضعف سياسي حاد تواجهه حكومة نتنياهو داخليًّا.

نحن في زمن الوحوش

تأتي حرب إسرائيل على إيران بمثابة تأكيد واضح على هيمنتها الإقليمية، وهي محاولة لتعزيز الدعم الداخلي وصرف الانتباه الدولي عن قتلها الجماعي للفلسطينيين. وتحمل هذه الحرب في طياتها إمكانية إعادة تشكيل الشرق الأوسط وديناميكيات القوة والمساءلة في العالم. وكما علَّق المحلل السياسي الإيراني السويدي تريتا بارسي: “لقد قصفت دولتان مسلحتان نوويًّا دولةً لا تمتلك أي أسلحة نووية، دون أن تتعرضا لأي هجوم. سيُحدث هذا الأمر صدمةً عالمية، وستدركُ مزيدٌ من الدول أنها تحتاج إلى امتلاك أسلحة نووية لردع الدول المسلحة نوويًّا بالفعل”.

لقد بات من الواضح بلا لبس أن ما يُسمّى بالنظام الدولي القائم على القواعد، الذي هيمن على العلاقات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية، ينهار اليوم بشكل حاسم. وقد لعب النظام الإسرائيلي دورًا محوريًّا في تحطيم وهم هذا النظام، كاشفًا التناقضات البنيوية التي يقوم عليها، وانتقائية تطبيقه. وفي هذا السياق، تتردد أصداء مخيفة لما كتبه أنطونيو غرامشي في “دفاتر السجن” (1929-1935): “العالم القديم يُحتضَر، والعالم الجديد يكافح ليرى النور: الآن هو عصر الوحوش.”

ما شهدناه لم يكن مجرّد حرب بين إسرائيل وإيران، بل كان انهيارًا للمعايير الدولية، وبداية نشوء نظام عالمي أكثر عنفًا وأقل مساءلة. لقد سقط القناع، وفي مكانه تنهض وحوش العسكرة، والاستبداد، والإفلات من العقاب.

يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
في 26 أيار/مايو 2025، تم إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل في غزة، الذي يجري تأمينه من قِبَل شركات أمنية أمريكية خاصة. تسبب هذا النظام في قتل أكثر من 100 فلسطيني، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات الواقعة قرب مواقع عسكرية على حدود رفح، وسط ظروف غير إنسانية. وتُثير هذه الخسائر الفادحة تساؤلات مهمة حول سلامة نظام المساعدات الجديد ودور الشركات الأمنية الأمريكية التي تعمل تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يُبيّن هذا الموجز السياساتي أن خصخصة المساعدات والأمن في غزة تمثّل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُحوِّل المساعدات إلى أداة للسيطرة السياسية، والتطهير العرقي، وإدامة الاستعمار. كما تهدّد حياة الفلسطينيين من خلال ربط الحصول على المساعدات بظروف قسرية، وتسهيل التهجير القسري، وتوفير غطاء قانوني وأخلاقي لانتهاكات الاحتلال. كذلك، تُسهم هذه الخصخصة في تهميش وتقويض دور المؤسسات المحلية والدولية، وعلى رأسها الأونروا، التي لعبت دورًا محوريًّا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة طوال عقود.
الشبكة جودة
صفاء جودة· 10 يونيو 2025
 المجتمع المدني
بينما تقود الولايات المتحدة وحلفاؤها هجومًا واسعًا على القانون الدولي من أجل حماية النظام الإسرائيلي من المساءلة على جريمة الإبادة الجماعية، أشعل الغضبُ العالمي فتيل موجةٍ استثنائية من التضامن والحراك المنظم الداعم لفلسطين. فقد خرج ملايين المتظاهرين إلى الشوارع في حركةٍ احتجاجية واسعة النطاق تعكس تحوُّلًا عميقًا في الوعي العام. وأدت المبادرات الشعبية العديدة المتنامية إلى ترسيخ المكانة المركزية للقضية الفلسطينية في النضال العالمي من أجل العدالة. يتناول هذا المحور السياساتي تحليلًا لكيفية تنامي التضامن مع القصية الفلسطينية وإعادة تشكُّله حول العالم. ويسلط الضوء على التحديات الكبرى التي تواجه الحركة في ظل حملة قمع شرسة ضد الحراك المؤيد لفلسطين، إلى جانب الإستراتيجيات المبتكرة من أجل مجابهة هذا القمع. تضم هذه المجموعة من الكتابات تحليلات لخبراء في مجالات حقوق الإنسان وصنع السياسات وفي الأوساط الأكاديمية تتناول سبل ترسيخ هذا التضامن وتحويله إلى قوة سياسية فعالة ومستدامة.
Skip to content