Article - The Missing Narratives in Palestinian Schoolbooks

سَرَد الإنسان القصص منذ القدم ليروي ما يجري من حوله ويفسره. وفي السياق الفلسطيني، يكمن مغزى السرد القصصي في الحفاظ على الذاكرة الفلسطينية والتصدي للرواية الصهيونية المهيمنة حول النكبة. ولكن للأسف، لم تُدرِج وزارة التربية والتعليم العالي التابعة للسلطة الفلسطينية روايات اللاجئين الفلسطينيين خلال النكبة في الكتب المدرسية. وبالمثل، تجاهلت الجهات الرسمية الأخرى أهمية الوسائل التعليمية غير الرسمية، كالسرد القصصي، في النظام التعليمي الفلسطيني رغم أن لروايةِ القصص قدرةً على تعزيز إدراك التلاميذ وفهمهم لتاريخهم وتعويض القصور في الكتب المدرسية.

تولّت السلطة الفلسطينية زمام التحكم بالقطاع التعليمي في فلسطين سنة 1994 بعد عقودٍ عديدة من خضوعه لإشراف سلطاتٍ غير فلسطينية: الانتداب البريطاني قبل 1948، ثم الأردن ومصر لغاية 1967، ثم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الفترة 1967-1994. ولم يُنهِ الفلسطينيون العمل على كتبهم المدرسية للصفوف من الأول وحتى الثاني عشر إلا في عام 2006. وقبل عام 1994، كانت الكتب المدرسية الفلسطينية التي تحتوي على أي معنى من معاني الوطنية الفلسطينية تُصادَر؛ وكان الطلاب والمدرسون عرضةً للاعتقال وحتى القتل.1 وحينما استطاعت فئةٌ واحدةٌ على الأقل من الشعب الفلسطيني الرازحة تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة أن تضع مقرراتها الدراسية بنفسها، فإن الجوانب الأساسية المكوِّنة للتاريخ الفلسطيني لم تأخذ حقها كما ينبغي.

مواضيع مرتبطة

وُضِع المنهاج التعليمي الفلسطيني الجديد في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتعتبر إسرائيل ومناصروها أي مادةٍ تتناول القومية الفلسطينية بأنها “معاديةٌ للسامية” وتحريضية. ولطالما ظلت المزاعم الإسرائيلية ضد الكتب المدرسية الفلسطينية تلقى آذانًا صاغيةً في الولايات المتحدة على نطاقٍ واسع باعتبارها الحقيقة المطلقة، حتى إنه جرى توظيفها في الانتخابات الأمريكية. فعلى سبيل المثال، هاجمت هيلاري كلينتون الكتب المدرسية الفلسطينية حين ترشحت لعضوية مجلس الشيوخ وشاركت في وقت لاحق في التوقيع على رسالةٍ ضدها. غير أن تلك المزاعم لا أساس لها من الصحة كما يُظهر تقريرٌ صدَرَ مؤخرًا حول الكتب المدرسية الفلسطينية والإسرائيلية، وهذ المرة بتمويلٍ من وزارة الخارجية الأمريكية ذاتها.

لكن للأسف، يبدو أن السلطة الفلسطينية قد استجابت للانتقادات الدولية الموجهة إلى الكتب المدرسية الجديدة إذ تطرقت إلى النكبة وقضية اللاجئين بضبابية وعلى عجالة بدلًا من أن تضع منهاجًا تعليميًا يصف القضية الفلسطينية بأبلغ العبارات. فعلى سبيل المثال، تحتوي كتب التربية الوطنيةالتي تُدرَّس لتلاميذ الصف الأول وحتى الخامس على معلوماتٍ أساسيةٍ وعامةٍ جدًا حول مخيمات اللاجئين داخل فلسطين وخارجها، ولا يرد مصطلح “النكبة” إلا في كتاب الصف الخامس. وحتى حين ترد كلمة النكبة، فإن النص لا يوضح كيف ولماذا أُجبر الفلسطينيون بالقوة على التشرد والهجرة.

ولا تشير كتب الصفين السادس والسابع إلى استيلاء إسرائيل على فلسطين سنة 1948، ولا إلى تدمير القرى والمدن الفلسطينية على يد القوات الصهيونية، ولا إلى طرد الفلسطينيين، ولا إلى دور المقاومة الفلسطينية عامي 1947-1948. غير أن كتب التربية الوطنية للصفوف الأساسية – مثل كتاب الصف الثامن – تتطرق بإيجاز شديد إلى قضية اللاجئين، وإنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وحق العودة. أمّا كتب الصف التاسع فتمر مرورًا خاطفًا على فصول مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني كتدمير القرى الفلسطينية، وقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 و194، وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242.

تُدرَّس مادة التاريخ في النظام التعليمي الفلسطيني ابتداءًمن الصف الخامس، بيد أن كتب التاريخ من الصف الخامس وحتى الثامن تتجاهل قدرًا كبيرًا من قضية اللاجئين. أمّا كتاب الصف التاسع، فيأتي على ذكر حرب عام 1948 في بضعة أسطر ضمن درسٍ يتناول القضية الفلسطينية. وهكذا حتى ترد في كتاب الصف الحادي عشر وحدةٌ دراسية مكرسةٌ لتاريخ فلسطين في الفترة 1948-1967 ومن ضمنها حرب عام 1948، وقضية اللاجئين، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وإعدام وقتل الفلسطينيين في دير ياسين واللد والطنطورة.

وباختصار، يظهر من استعراض كتب التربية الوطنية وكتب التاريخ المدرسية التي وضعتها السلطة الفلسطينية أن المنهاج التعليمي الفلسطيني مقصرٌ في تناول النكبة وقضية اللاجئين وحق العودة. ولذا ثمة حاجةٌ ملحةٌ لتعويض ثغرات المنهاج بتثقيف التلاميذ بشأن تاريخهم. وإن للسرد القصصي في هذا المَقام أهميةٌ بالغة إذ يُمكِّن المعلمين من تثقيف الأطفال بشأن خصوصية تاريخهم وتفرده. ويتسنى ذلك للمعلمين من خلال استضافة لاجئين ولاجئات من الجيل الأول والأجيال اللاحقة للتحدث إلى تلاميذ المدارس عن حياتهم وتجاربهم وخبراتهم.

إن استضافة هؤلاء للتحدث إلى الأطفال لن يساعد في تثقيف التلاميذ وحسب، بل سيمثل أيضًا إقرارًا بقيمة قصص اللاجئين ويُنشئ رابطًا بين رواة القصص ومستمعيهم. فأنا أذكر مثلًا، لاجئةً من الجيل الأول تحدثت أمام الطلاب في مدرسة الفرندز في رام الله عن الحياة قبل النكبة وكيف انقلبت بعدما أُجبِرت هي وأسرتها فجأةً وبكل قسوة على العيش كلاجئين. وكانت تتكلم بفخر واعتزاز عن تجربتها في التحدث إلى التلاميذ، وقالت إن ذلك أشعَرها بأن ثمة مَن يستمع إلى قصتها، وقالت أن التلاميذ كانوا ” مبسوطين لأنهم سمعوا قصتي وزعلانين على اللي صار فينا.”2

عندما يسمع التلاميذ روايات النكبة، فإنهم يبدأون بمعاينة الأحداث من منظورٍ جديد. فالروايات التي تتحدث عن استعمار الأرض وتخريبها والاستيلاء عليها تُمكِّن الأطفال القاطنين في ظل الاحتلال الإسرائيلي من ربط حاضرهم بماضي اللاجئين الأوائل، وفهم السياسية الصهيونية التي يعود تاريخها إلى ما قبل النكبة التي انطوت على تطهير فلسطين التاريخية عرقيًا من سكانها الأصليين.

تعاني روايات اللاجئين من الإهمال وبالأخص روايات النساء اللاجئات. وبسبب استبعاد روايات الفلسطينيات من الخطاب والتاريخ “الوطني” الفلسطيني واستبعادها حتى داخل الأسرة، يصبح علينا بوجهٍ خاص أن نستمع إلى قصصهن ونروِّجها في المدارس. إن إتاحة الفرصة للمرأة الفلسطينية لكي تتحدث وتخبر تلاميذ المدارس بقصصها سيساعد في التصدي لصورة المرأة التي تجهل التاريخ. ولأن النساء الفلسطينيات يحكين قصصهن بطريقةٍ تختلف عن الرجال، فإنهنّ يُسلطنّ الضوء على جوانب النكبة الأقل بحثًا مثل الصورة النمطية للاجئين داخل المجتمع الفلسطيني.

وإلى أن يتمكن واضعو السياسات الفلسطينيون من معالجة الثغرات القائمة بشأن النكبة وقضية اللاجئين وحق العودة في المقررات الدراسية الفلسطينية، فإن عليهم أن يروجوا لأسلوب السرد القصصي في المدارس. فبالإضافة إلى توعية التلاميذ بالأحداث التاريخية وصِلتها بالحاضر، ينطوي السرد القصصي على منافع أخرى إذ يساعد في رفع مستوى تركيز الطالب وتوسيع مفرداته وشحذ قدرته على التفكير رمزيًا ومجازيًا.3 فمن الأجدر والأجدى أن يفهم المرء التاريخَ بدلًا من حفظه صمًّا. وينبغي للنظام التعليمي الفلسطيني أن يتجاوز طرق التدريس القديمة التي يعقد فيها المعلمون والتلاميذ حصصَهم جميعها في فصولٍ مدرسيةٍ رتيبةٍ ومغلقة. إن استحداث أساليبَ تعليميةٍ تفاعلية في النظام التعليمي الفلسطيني تنطوي على إشراك المجتمع سيمثل تجربةً تعليميةً وممتعةً للتلاميذ ورواة القصص على حدٍ سواء.

ونظرًا إلى الفوائد الكثيرة المترتبة على السرد القصصي، ينبغي لواضعي السياسات الفلسطينية أن يشجعوا اللاجئين، رجالًا ونساءً، على سرد قصصهم للأطفال. وبوسع وزارة التربية والتعليم، بالتنسيق مع وزارة الثقافة، أن تنظم الجدول المدرسي بحيث تخصص وقتًا منتظمًا لاستضافة لاجئين فلسطينيين في المدارس ولا سيما الابتدائية.

ولا تخفى بالطبع أهمية مراعاة التفاوتات بين الفلسطينيين من حيث تجاربهم في النكبة وتأثرهم بعواقبها، كالتفاوتات بين الرجال والنساء، والأغنياء والفقراء، والكبار والصغار، وبين مَن أُجبر على الهجرة ومَن بقي.4 فهناك أكثر من قصةٍ تُروى عن النكبة ولا بد من إيجاد حيزٍ يتسع للتجارب العديدة وأوجه الفهم المختلفة.

وفي الوقت ذاته، ثمة ضرورةٌ لإعادة تقييم بعض المقررات المدرسية ولا سيما مقرَّري التاريخ والتربية الوطنية، وتناول موضوع النكبة وحق العودة في إطارٍ أوسع وأكثر شمولًا. ومن المفيد أيضًا لو تُدرَج شهادات اللاجئين الفلسطينيين الشفوية في المناهج التعليمية الفلسطينية بصفةٍ رسميةٍ أكبر.

ينبغي لواضعي السياسات في السلطة الفلسطينية أن يُسارعوا إلى تشجيع السرد القصصي في المدارس لأن الجيل الأول من اللاجئين نادر الوجود، مع أن الفرصة لا تزال سانحةً بالطبع للاستفادة من تجارب أولادهم وأحفادهم. وعلاوةً على ذلك، توجد العديد من المشاريع المعنية بالتاريخ الشفوي الرامية إلى تسجيل ذكريات هؤلاء اللاجئين وتوثيقها، ومنهامشروع روزماري صايغ، ومشروع الأرشيف الفلسطيني بجامعة بير زيت، وبديل، وغيرها الكثير.

وبناءً على مقابلات أجريتها، فإن تدخلًا كهذا سيكون موضعَ ترحيبٍ من المعلمين.5 فمثلًا، شدَّدت إحدى معلمات التاريخ قائلةً: “لما بدي أشرح لطلابي عن تاريخ فلسطين بأقدرش أعتمد على المنهاج الفلسطيني. لازم يكون في منهاج ثاني وأنا مستعدة أعطي دروس خصوصية بعد الدوام عن النكبة. لازم يفهموا أولادنا من وين أصلهم، لأن الرواية رايحة تضيع وإحنا لهفتنا على الأرض رايحة تضيع.”5

ورغم أنه لا يمكن اختزال النكبة في روايةٍ شاملة واحدة، فإن على السلطة الفلسطينية أن تُدرِج في المناهج المدرسية قصص اللاجئين الأدبية وروايتهم لتجاربهم الموثوقة. فكتابات وليد الخالدي وغسان كنفاني وإدوارد سعيد ومحمود درويش وكثيرين غيرهم ينبغي أن تُعطى حيزًا أكبر في الكتب المدرسية الفلسطينية. فإنْ لم يتعلم الأطفال الفلسطينيون الأبعادَ التاريخية والنقدية والأدبية للنكبة ويعوها، فإننا نكون عاكفين على تنشئة أجيالٍ تجهل تاريخها. وفضلًا على ذلك، قد نكون مساهمين عن غير قصد في المسعى الصهيوني الرامي إلى محو التاريخ الفلسطيني وذكريات الفلسطينيين. فقد تبرهن روايات النكبة على أنها أداةٌ تعليميةٌ فعالة من أجل تدريس تاريخنا ووضع مسار الاستعمار المتواصل على أرض فلسطين في سياقه.

  1. أحمد العداربة، “اللاجئون الفلسطينيون في المناهج الفلسطينية دراسة حالة في منهاجي التربية الوطنية والتاريخ، _المنهاج الفلسطيني_”، المحرر عبد الرحيم الشيخ (فلسطين: مواطن، 2006)، .422-224
  2. أجريت هذه المقابلة في رام الله بتاريخ 1 شباط/فبراير 2012.
  3. Jack Maguire, _Creative Storytelling_ (Cambridge: Yellow Moon Press, 1985), 13
  4. Rosemary Sayigh, “Women’s Nakba Stories: Between Being and Knowing,” _Nakba Palestine, 1948, and the claims of memory_, Ed. Laila Abu-Lughod and Ahmad Sa’di (New York: Columbia University Press, 2007), 136.
  5. Zarefa Ali, _A Narration Without an End: Palestine and the Continuing Nakba_, Birzeit University, 2012.
العضوة السياساتية للشبكة زريفة علي حاصلة على درجة الماجستير في الدراسات الدولية -- تركيز هجرة قسرية ولاجئين من جامعة بيرزيت.

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content