Article - When Exiled Communities Act

شرّفني إخوة وأحباء من قادة الجالية الفلسطينية في ألمانيا بأن أكون ضيف احتفالاتهم هذه السنة بذكرى يوم الأرض المجيد (30 آذار/مارس)، ولقد سُعدت بتلبية الدعوة الكريمة، فهي مناسبة بالغة الأهمية والعاطفية بالنسبة لي. كما إن الأسئلة والتساؤلات حول طبيعة هذه الجالية ومستوى اهتمامها وانخراطها في العمل على القضية الفلسطينية لم تبارحني، فكان البحث عن أجوبة شافية لأسئلتي الحائرة، مدعاة إضافية لتلبية دعوة الإخوة والأعزاء.

في دورتموند، المدينة الصغيرة ذات الستمائة ألف مواطن، تقاطر مئات الفلسطينيين المقيمين في المدينة وجوارها، جاءوا بعائلاتهم من مختلف الأعمار والأجيال، حضرت الفصائل على اختلافها، ارتفعت الرايات والكوفيّات، وصدحت مكبرات الصوت بصوت فيروز وأغاني الثورة والتراث الشعبي الفلسطيني، لوحات الشباب والصبايا بشكل عفوي، لوحات من الدبكة الفلسطينية، عُلِّقت الصور والمطرزات واللوحات، التي تذكر بمدن فلسطين التاريخية، وبفصول مختلفة من مراحل نضال هذا الشعب وحياته.

الجيل الرابع من أبناء النكبة، أطفال في عمر الرياحين، جاءوا متدثرين بالكوفية والراية، في إشارة تحدٍّ، لا تخطئها العين، على حيوية هذا الشعب، وتشبثه بوطنه وأرضه وحقوقه، مهما طال الزمن، وفي سقوط آخر مروّع ومدوٍّ، للقول المأثور عن الآباء المؤسسين للحركة الصهيونية بأن “الكبار سيموتون والصغار سينسون” بحسب تعبير دافيد بن غوريون أول رئيس للوزراء في إسرائيل.

لقد بدا واضحًا انخراط الجالية في الشأن الفلسطيني، فهذا يسألك عن مقابلة أجريتها على البي بي سي، وذاك يسألك عن حوار على الجزيرة، وثالث يعيد على مسامعك ما سبق وأن كتبته في زاويتك هذه، مؤخراً أو قبل سنوات. وفي كل مرة أتى متحدثو الحفل على ذكر منظمة التحرير، أو استذكر شهيداً لفتح أو حماس أو الشعبية أو الديمقراطية، كانت القاعة تلتهب بالتصفيق، الجميع توّاقون لاستيقاظ حركتهم الوطنية، الجميع مشتاقون لمنظمة التحرير ممثلهم الشرعي الوحيد، الجميع بلا استثناء، يريد إتمام المصالحة واستعادة الوحدة، بل ويريدها الآن وليس غداً.

عرضت في كلمتي لمآلات المشهد الفلسطيني بعد انسداد أفق السلام وانهيار خيار المفاوضات، وناقشت والحاضرين الحاجة لبعث منظمة التحرير الفلسطينية وإحياء الحركة الوطنية الفلسطينية من جديد. وكان الحدث مناسبةً للتطرق إلى دور الجاليات الحاسم في المنفى في فرض خيار المصالحة وإعادة بناء منظمة التحرير وهيكلتها وتفعيلها‪.‬

ويجدر التذكير بأنه، في حوارات القاهرة واتفاقاتها، أجمعت القيادة الفلسطينية، فتح وحماس ومختلف الفصائل، على الحاجة لإحياء المنظمة ودمقرطتها وإعادة هيكلتها، بدءا بالمجلس الوطني الفلسطيني الذي ينبغي أن يغادر مربع “التعيين” و”الكوتات الفصائلية” إلى مربع “الانتخاب” و”صناديق الاقتراع”، لكن شيئاً فعلياً على الأرض لم يتحقق حتى الآن، ليس بسبب تعثر المصالحة فحسب، بل وبفعل غياب الجدية في التعامل مع هذه المسألة، لكأن قرار إجراء الانتخابات، اتخذ من باب “المسايرة” و”التناغم” مع مناخات الربيع العربي.
لا أحد جال على الجاليات، لا أحد رسم بدقة خرائط توزعها وأعدادها، لا أحد لديه كشوف بالناخبين، لا نعرف شيئاً عن الهيئة الناخبة، بدلالة أنني كنت شاهداً على حوار حول تعداد الجالية الفلسطينية في ألمانيا، بين نشطاء الجالية ذاتها، الأرقام التي استمعت إليها راوحت ما بين 75 ألفا وربع مليون لاجئ فلسطيني!

إن معيار الجدية الأول والأخير في الحكم على جدية التزام الأحزاب السياسية الفلسطينية بإعمال الديمقراطية يتمثل في قيامها بتعداد الجاليات ورسم خرائط توزعها الجغرافي، وإعداد كشوف الناخبين وتسجيلهم تحت إشراف جهات نزيهة ومحايدة، ومتوافق عليها، وهذا هو الأهم. مثل هذه العملية ستستغرق أشهراً عديدة، فكيف يردد بعضنا من دون تمحيص، أننا نريد انتخابات للمجلس الوطني في كل الساحات التي يمكن فيها إجراء مثل هذه الانتخابات، وفي غضون ثلاثة أشهر فقط من تشكيل حكومة المصالحة!

لقد أكدت في كلمتي أمام الحشد المُتميز للجالية في ألمانيا بأنه يتعين علينا الشروع في الاستعداد لإجراء الانتخابات. وينبغي للجاليات الفلسطينية أنفسها أن تبدأ بالتنسيق، وتنظيم علميات الحصر والتسجيل. وقد أطلعت الجالية على مبادرةٍ يقوم بها عدد من النشطاء تحت عنوان “سجّل، أنا فلسطيني” أي سجّل للانتخابات لممارسة حقك في المواطنة التي تملي عليك اختيار ممثلك إلى المجلس الوطني بصورة حرة وطوعية وشفافة (حملة التسجيل لانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني www.pncregcampaign.org).

لقد أبدى كل من تحدثت إليه تجاوباً واهتماماً مفاجئين، وهو ما أحسبه يحدث أيضاً في بلدان أخرى. وهذا يستحق كل التشجيع والإسناد من قيادة المنظمة والسلطة وحماس، ومن مختلف الفصائل الفلسطينية وكذلك المستقلين، إذ من دون إتمام هذه العملية المجتمعية، من دون توفير الفرصة لكل مواطن فلسطيني بلغ الثامنة عشرة من عمره، للإدلاء بصوته، فإن كل هذا الحديث عن انتخاب المجلس الوطني يبقى حبراً على ورق، أو كلام ليل يمحوه النهار.

عريب الرنتاوي هو المؤسس والمدير العام لمركز القدس للدراسات السياسية في عمان. قام بتأليف وتحرير العديد من الدراسات الإستراتيجية. نظم وشارك في ندوات ومؤتمرات دولية...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
في 26 أيار/مايو 2025، تم إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل في غزة، الذي يجري تأمينه من قِبَل شركات أمنية أمريكية خاصة. تسبب هذا النظام في قتل أكثر من 100 فلسطيني، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات الواقعة قرب مواقع عسكرية على حدود رفح، وسط ظروف غير إنسانية. وتُثير هذه الخسائر الفادحة تساؤلات مهمة حول سلامة نظام المساعدات الجديد ودور الشركات الأمنية الأمريكية التي تعمل تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يُبيّن هذا الموجز السياساتي أن خصخصة المساعدات والأمن في غزة تمثّل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُحوِّل المساعدات إلى أداة للسيطرة السياسية، والتطهير العرقي، وإدامة الاستعمار. كما تهدّد حياة الفلسطينيين من خلال ربط الحصول على المساعدات بظروف قسرية، وتسهيل التهجير القسري، وتوفير غطاء قانوني وأخلاقي لانتهاكات الاحتلال. كذلك، تُسهم هذه الخصخصة في تهميش وتقويض دور المؤسسات المحلية والدولية، وعلى رأسها الأونروا، التي لعبت دورًا محوريًّا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة طوال عقود.
الشبكة جودة
صفاء جودة· 10 يونيو 2025
Skip to content