المواضيع
طالعوا تحليلاتنا بخصوص المجتمع المدني وسُبله في رسم ملامح المشهد الثقافي والسياسي والسياساتي.
طالعوا استشرافاتنا بخصوص تغيرات المشهد السياسي وتداعياتها على فلسطين
استزيدوا معرفةً بالسياسات والممارسات التي تحدد شكل الاقتصاد الفلسطيني
تعرَّفوا أكثر على الأوضاع الفريدة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الشرق الأوسط
التحليلات
تحليلات متعمقة للسياسات الحالية أو المتوقعة التي تؤثر في إمكانيات التحرير الفلسطيني.
رؤى ووجهات نظر حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين حول العالم.
تحليلات موجزة لسياسات محددة وخلفياتها وآثارها.
تعقيبات تضم رؤى متنوعة من محللين متعددين.
تجميعات لأعمال سابقة أنجزتها الشبكة حول موضوع محدد.
مشاريع مطوَّلة ومخصصة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة بحثية تقع خارج نطاق تحليلاتنا المعتادة.
مبادرة بحثية معنية بالسياسات أطلقتها الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية.
سلسلة ندوات شهرية عبر الإنترنت تجمع خبراء فلسطينيين.
متميز
اشتركوا في نشرة الشبكة البريدية الآن لتصلكم أحدث التحليلات السياساتية الفلسطينية على بريدكم الإلكتروني:
ما هي العناصر اللازمة لبلورة رواية وخطاب استراتيجيين؟
هذا التعقيب السياساتي هو جزءٌ من عمل الفريق السياساتي في الشبكة المعني بالرواية والخطاب، والذي اجتمع في العام 2018 بمشاركة مجموعة من محللي الشبكة السياساتيين العاملين معًا عبر الحدود لمناقشة ما إذا كان ينبغي للفلسطينيين أن يمتلكوا روايةً شرعية واحدة، ومناقشة ماهية هذه الرواية.1 للاطلاع على المزيد من أعمال هذا الفريق السياساتي، انظر“استرداد البعد السياسي في الرواية الفلسطينية” لحازم جمجوم، والنقاش الذي جرى عبر شبكة الإنترنت في إطار مختبر السياسات بمشاركة تمارا بن حليم، وحازم جمجوم، وأمجد عراقي تحت عنوان “الرواية الفلسطينية: كيف نبني استراتيجية؟”
تُعنى الرواية والخطاب بالمفاهيم التي نستخدمها في تفكيرنا وتعبيرنا عن أنفسنا والعالم من حولنا. وعادةً ما تصوغ هذه المفاهيم وتروجها مؤسسات وحركات سياسية واجتماعية وثقافية، وهي تعكس علاقات القوة وتشكِّلُها، وتؤثر في قيم الناس وأفكارهم ومعتقداتهم وتصرفاتهم في نهاية المطاف. وتتجلى هذه المفاهيم في أشكال متنوعة كالأدب والفن والتاريخ المكتوب (مثل المقالات والكتب) والرواية الشفهية والصورة والفيلم والأغنية والمسرح والرسم.2
فما أهمية هذه المفاهيم للشعب الفلسطيني؟ للإجابة عن هذا السؤال، قدَّم أربعة من المحللين السياساتيين في الشبكة – وهم تمارا بن حليم وجميل هلال ورفقة أبو رميلة وسمر بطراوي – تأملات وحُججًا صاغها مُدير الفريق السياسياتي أمجد عراقي في هذا التعقيب. وفيه ناقش المحللون السياساتيون العناصر التي تشكل الرواية والخطاب، وسُبل تحويلها إلى أدوات استراتيجية تخدم النضال الفلسطيني. ثم ختموا مناقشاتهم بطرح عدة أسئلة على المحللين والمؤرخين والفنانين الفلسطينيين لأخذها بعين الاعتبار في عملهم المستقبلي.
هل نحتاج روايةً موحدة؟
تُثار أحياناً تساؤلات حول جدوى استثمار الكثير من الوقت والجهد في تنقيح الرواية الفلسطينية والخطاب وتطويرهما. إذ يحتج بعض الفلسطينيين بأنْ ليسَ من “واجبنا” إقناعُ الآخرين، ومنهم الغرب، بمحنة الفلسطينيين، وأنه من الأحرى بنا توجيه جهودنا لموضع آخر.
غير أننا نحتج في المقابل بأن لتوضيح هذه المفاهيم دورًا أساسيًا في شحذ تفكيرنا وتحليلنا للنضال الفلسطيني الساعي للحرية وحق تقرير المصير وحق العودة. ففي السياق السياساتي، تحدد الرواية الفعالة نظرة الشارع العام بمن فيه المؤثرون والفاعلون السياسيون إلى الرواية الفلسطينية وطريقتهم في فهمها بما فيها من تجارب ومفترقات تاريخية وأحداث راهنة. ويحدد الخطاب الفعال “اللغة” أو الزاوية التي يناقش الشارع العام من خلالها هذه الرواية – أي من خلال أسس قومية أو نسوية أو قانونية أو غيرها من أسس الحوار والاستيعاب.
يمكن القول إن الرواية والخطاب الفلسطينيين لم يدركا بعد طاقتهما الاستراتيجية الكامنة، حيث تعاني الرواية الفلسطينية، كما الشعب الفلسطيني، التشرذمَ إلى حد كبير. ويُعزى بعض ذلك إلى تباين تجارب الفلسطينيين مع القمع والاضطهاد (مثل اللاجئين المنفيين في لبنان مقابل الفلسطينيين المواطنين من الدرجة الثانية في إسرائيل)، وتباين الأيديولوجيات السياسية (مثل القومية مقابل الإسلامية)، وتباين الأولويات الملحة (مثل إنهاء احتلال 1967 مقابل العودة إلى أراضي 1948). ويُعزى بعضه أيضًا إلى الاختلاف في تحديد إطار التحليل المعاصر الذي ينبغي تطبيقه عند تشخيص المحنة الفلسطينية (مثل “الاستعمار الاستيطاني” أم “الفصل العنصري”) ولاستشراف المستقبل (مثل “الدولة” أم “المواطنة المتساوية”).
الفرق بين امتلاك رواية موحَّدة وخطاب موحَّد وبين الافتقار إليهما هو الفرق بين نجاح النضال الفلسطيني وبين فشله Share on Xتشير نادية حجاب وإنجريد جرادات جاسنر في تعقيب للشبكة، الى أن الفلسطينيين لا يزالون غير مُجمعين على كيفية تأطير نضالهم الجمعي، وغياب الاجماع “يحول دون اعتماد رسائل واضحة للتعبير عن مُصاب الفلسطينيين وما يتطلعون إليه. ويعوق أيضًا وضع استراتيجيات فعالة لتحقيق تلك التطلعات.” وعلى هذا النحو، يصبح الفرق بين امتلاك رواية موحَّدة وخطاب موحَّد وبين الافتقار إليهما بمثابة الفرق بين نجاح النضال الفلسطيني وبين فشله.
لذلك نقترح أن الفلسطينيين بحاجة لاستراتيجية فعالة تحشد موارد متنوعة بهدف توحيد روايتهم الوطنية وخطابهم الوطني والتعبير عنهما وإبرازهما على الصعيد العالمي. فبتعزيز هذه الأدوات يستطيع الفلسطينيون استمالة الرأي العام للوقوف في صف القضية الفلسطينية، ما قد يدفع بمرور الزمن جهاتٍ فاعلةً مؤثرة من أمثال الحكومات والمؤسسات إلى تغيير سياساتها تأييدًا للحقوق الفلسطينية. وفضلًا على ذلك، سوف يتمكن الفلسطينيون عند توحيد الرواية والخطاب من البناء على التجارب النضالية للشعوب المضطهدة الأخرى في العالم والمساهمة في تلك التجارب بتجسيد نموذجٍ يوضح كيف يمكن لمقاربة كهذه أن تخدم قضيتهم التحررية.
دروس من النضال ضد نظام الفصل العنصري (الأبرتهايد)
لكي يستوعب الفلسطينيون أهمية بناء الرواية، عليهم النظر في الدروس المستفادة من الحركات الاجتماعية والسياسية الأخرى في التاريخ الحديث. ومنها كمثال رئيسي النضال العالمي المناهض لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا إبان الفترة من 1948 حتى 1994. كانت المجموعات المناهضة لنظام الأبرتهايد تروج لأيديولوجيات وخطابات كثيرة مختلفة (وأحيانًا متنافسة)، حيث ركَّز حزب المؤتمر الوطني الأفريقي على مناهضة العنصرية، وركزت حركة الوعي الأسود على قوة السود، وركَّز الحزب الشيوعي على الطبقة الاقتصادية، وهلمّ جرا. بيد أن غالبية تلك المجموعات اتفقت بوجه عام على رواية مشتركة لكفاحها، وهي أن نظام الأبرتهايد، كفلسفة ونظام حكم، كان مرفوضًا أخلاقيًا ويجب إسقاطه بالكامل واستبداله، على أقل تقدير، بنظام ديمقراطي يكفل حقوقًا سياسيةً متساوية لجميع الأعراق.
شكلت هذه الرواية تحديًا للخطاب العنصري والأمني لنظام الحكم في جنوب أفريقيا، الذي كان له حلفاء كُثر في الحكومات الأوروبية زعموا بأن الأبرتهايد نظام مسالم ويدعو للازدهار وسط قارة غير متحضرة ويشوبها العنف، وأن السود تحت حكم البيض كانوا أفضل حالًا من نظرائهم في البلدان المجاورة، وأن شخصيات من أمثال نيلسون مانديلا وأوليفر تامبو هي شخصيات “إرهابية”. وهذه الادعاءات تشبه كثيرًا الادعاءات الإسرائيلية اليوم، وهي ترد في المقالة سيئة الصيت المنشورة في 1989 في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور للأكاديمية الجنوبية الأفريقية آن-ماري كريك، والتي طرحت فيها التساؤل التالي: “لماذا نُدين جنوب أفريقيا بهذه القسوة بينما نطبق على أفريقيا السوداء معايير مختلفة تمامًا؟”
لقد ساعدت الحركات الشعبية الدولية التي أيدت النضال المناهض لنظام الأبرتهايد في تكثيف رسالته السياسية المؤثرة، بما في ذلك داخل مراكز القوة الغربية. وبمرور السنوات، أخذ حلفاء نظام الحكم الجنوب الأفريقي كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة يغيرون سياساتهم تدريجيًا باتجاه رفض نظام الأبرتهايد. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1986 صادق الكونغرس الأمريكي على “القانون الشامل لمناهضة الفصل العنصري” الذي أبطل بموجبه فيتو الرئيس رونالد ريغان، وفرض حزمةً من العقوبات على جنوب أفريقيا واشترط لرفعها جملةَ مطالب منها احترام مبدأ العدالة المتساوية للمواطنين من جميع الأعراق طبقًا للقانون، والإفراجَ عن جميع السجناء السياسيين بمن فيهم مانديلا، وجدولًا زمنيًا لإلغاء القوانين العنصرية.
تعكس لغة هذه السياسات وأهدافها مدى شيوع الرواية المناهضة للفصل العنصري وخطاب المساواة بين الأعراق ومدى الإيمان بهما في الأوساط العامة وحتى في دوائر صنع القرار. وكان الصدى الأخلاقي لرواية حزب المؤتمر الوطني الأفريقي ذات أهمية خاصة في حشد المد الشعبي والسياسي ضد حكومة الفصل العنصري. وقد لاحظ الباحث أدريان غيلكه في كتابه المعنون: Rethinking the Rise and Fall of Apartheid “تأملات في صعود الأبرتهايد وسقوطه” (2004) أن “من أسباب نجاح حزب المؤتمر الوطني الأفريقي قدرتَه على تصوير مستقبل جنوب أفريقيا على شاكلة تختلف عن تصور حكومة الحزب الوطني القائم على نظريات الاختلاف الإثني والعرقي المُفتقرة إلى المصداقية.”
وهكذا يجدر بالفلسطينيين أن يستفيدوا من الدروس القيِّمة المستمدة من التجارب النضالية السالفة كنضال جنوب أفريقيا لمعرفة سُبل صياغة “رواية” و”لغة” واضحة وموحدة ومؤثرة قادرة على الحشد ضد سياسات إسرائيل ودفع المساعي الفلسطينية نحو التحرر وإعمال حق تقرير المصير وحقوق الإنسان. تمثل المكونات المحددة في هذه الأطر موضوعًا للبحث المستقبلي، وسيتطرق هذا التعقيب فيما يلي لبعض التحديات الأساسية الكامنة في بلورة الرواية الفلسطينية.
تشوهات في الرواية الفلسطينية
تواجه الرواية الفلسطينية العديد من العراقيل الخارجية التي تعوق قدرتها على التأثير في الرأي العام والسياسة السائدة. فما انفكت تتعرض لأشكال فظة من التشهير والمغالطة والتشويه – ليس من مروجي الرواية الصهيونية وحسب، وإنما من مصادر محلية وإقليمية ودولية أيضًا. ولا تزال النقاشات السياسية والعامة السائدة تعكس في المقام الأول الروايات التي تروج لها إسرائيل، والتي تولي الصدارة لمطالب الأمن القومي الإسرائيلي، وليس الحقوق الفلسطينية. وهذه الظروف ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسعي إسرائيل والمجتمع الدولي الحثيث الرامي إلى عرقلة الفعل السياسي الفلسطيني، وهي بذلك تُحبط قدرة الفلسطينيين على تنظيم روايتهم والتعبير عنها وتفعيلها.
حدد إدوارد سعيد بعض هذه العراقيل في الفصل الافتتاحي لكتابه “القضية الفلسطينية” (1979). تتمثل إحدى العراقيل في إقدام الأمريكيين والأوروبيين والإسرائيليين على نبذ الرواية الفلسطينية على أساس أن المروجين لها عرب “متخلفون” و”غيرُ متحضرين.” ومثال آخر هو لغة “الحرب على الإرهاب”- التي انتشرت بشدة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 – والتي تصور الفلسطينيين ومقاومتهم- سواء العنيفة أو غير العنيفة – في تناقض مطلق مع ما يُسمى الحضارة الغربية.
يُضطر الفلسطينيون في الغالب إلى التركيز على إعادة تفسير الروايات الصهيونية/الإسرائيلية أو تفنيدها - وهي عملية مضنية تُلهي الفلسطينيين عن سرد روايتهم Share on Xوفي تعقيب نشرته الشبكة عام 2013، حدد المحلل السياساتي جميل هلال خمسَ “مغالطات” رئيسية تؤثر في الخطاب السائد هذه الأيام حول فلسطين، وهي: (1) أن الحقوق الإقليمية الفلسطينية تقتصر على 22% فقط من وطنهم التاريخي؛ (2) أن انطلاقة النضال الفلسطيني كانت في 1967 وليس 1948 أو قبل ذلك؛ (3) أن الشعب الفلسطيني يتكون فقط من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة؛ (4) أن حل الدولتين هو المستقبل السياسي الأكثر شرعية وقابلية للحياة بالنسبة إلى الفلسطينيين؛ و(5) أن الفلسطينيين يستطيعون تنمية مجتمعهم وتطوير مؤسساتهم وهم تحت الاحتلال العسكري.
تتفاقم هذه التشوهات بسبب الرواية الصهيونية/الإسرائيلية التي جرى تكييفها بمرور الوقت لتقويض أي محاولة للنهوض بالرواية الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، روجت الحركة الصهيونية في بادئ الأمر خرافةَ أن فلسطين “أرضٌ بلا شعب لشعب بلا أرض.” وعندما استعادت القومية الفلسطينية زخمها في عقد الستينات – بدفعة كبيرة من منظمة التحرير الفلسطينية – وصفت إسرائيلُ الهوية الفلسطينية بأنها مُختَلقة، كما حدث حين زعمت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير بأنه “لا وجود للفلسطينيين.” وعندما عززت الانتفاضة الأولى (1987-1993) الرواية الفلسطينية في الساحة العالمية، ركزت إسرائيل على وصف مطالبات الفلسطينيين بحقوقهم بأنها تهديدات معادية للسامية تهدد وجود الدولة اليهودية.
فصل الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية
بالنظر إلى الظروف الخطابية السلبية الموضحة أعلاه، يُضطر الفلسطينيون غالبًا إلى التركيز على إعادة تفسير الروايات الصهيونية/الإسرائيلية أو تفنيدها – وهي عملية مضنية تُلهي الفلسطينيين عن سرد روايتهم وفقًا لشروطهم الخاصة (أو وفقًا “لإذنهم بالرواية“، على حد قول إدوارد سعيد). وأحيانًا يجد الفلسطينيون أن إسرائيل تستولي حتى على عناصر من روايتهم الخاصة لكي تقدم نفسها في صورة الضحية، كحين وصف رئيس الوزراء بنيامين نيتنياهو فكرة إزالة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بأنها “تطهير عرقي”. وهكذا يميل تفاعل الفلسطينيين مع الخطاب السائد إلى أن يكون دفاعيًا ومعتمدًا على رد الفعل، فيضطره غالبًا لتعريف ذاته بناءً على موقعه من المواقف الإسرائيلية أو كردٍ عليها.
ثمة مثال قريب لهذه الديناميكية شهدته مسيرة العودة الكبرى في غزة في 2018، حيث كان العديد من المدافعين عن فلسطين المتحدثين عبر وسائل الإعلام الدولية مضطرين دائمًا إلى الرد على مزاعم إسرائيل بأن الاحتجاجات كانت من تدبير حماس وتسعى لانتهاك “سيادة” إسرائيل بالعنف. وغالبًا ما طغت هذه الرواية الأمنية، المتمركزة حول إسرائيل، على تفسير الفلسطينيين للمسيرة كحركة شعبية غير عنيفة تهدف إلى الانعتاق من حصار وحشي واستيفاء الحق في العودة إلى الوطن. وكما أوضحت نورا عريقات في تعقيب مصور لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، “خطيئتنا هي جرأتنا على الوجود وعدم الزوال، ويُرى ذلك إلى حد ما كردٍ على إسرائيل وليس كرغبة منا في الحياة … نحن لا نحاول قول أي شيء عن إسرائيل. نحن نريد الحياة. والحقيقة هي أن إسرائيل هي… السبب الرئيسي في كوننا غير أحياء.”
بالنظر إلى ما سبق، ثمة تحدٍ استراتيجي أساسي يتمثل في التوقف عن إقران الرواية الفلسطينية بالرواية الإسرائيلية وتجنب التداخل السلبي مع الرواية الإسرائيلية. وللقيام بذلك، تحتاج الرواية الفلسطينية لصياغة عقدتها أو نقطة انطلاقها الخاصة، وأن تكون صادقة في سرد مجرياتها. ومن الأهمية بمكان، كما يؤكد حازم جمجوم، أن نكون صادقين إزاء “البعد السياسي” في الرواية الفلسطينية. ويحذر من أن التركيز المفرط في العقود الأخيرة على تأصيل النضال الفلسطيني في أطر قانونية دولية “قد يُفقد النضالَ الفلسطيني طابَعه الجوهري السياسي.”
وفي الوقت نفسه، وبينما ينكب الفلسطينيون على تفنيد رواية الدعاية الإسرائيلية، عليهم أن يحرصوا ألا تقع روايتهم هي الأخرى في فخ الدعاية. فذلك لن يشوب نضالهم بتشوهات جديدة وحسب، بل سيعرضه أيضًا للاحتكار والاستغلال من قبل قادتهم أنفسهم لخدمة غايات خفية وفاسدة وسلطوية. وقد شوهد هذا النمط بدرجات متفاوتة في البلدان المتحررة من الاستعمار أو الإمبريالية، كالجزائر وايران وسوريا وفيتنام وفنزويلا وزيمبابوي ودول أخرى. ويبدو أن منظمة التحرير الفلسطينية في يومنا هذا قد سلكت الدرب ذاته.
بين الاستراتيجية والأيديولوجية
لا بد للمضي قدمًا من التفريق بين تأصيل الرواية والخطاب الفلسطينيين في “الأيديولوجيا” وبين تأصيلهما في “الاستراتيجية.” فإذا كانت الأيديولوجيا تدفع الناس للدفاع عن معتقداتهم بطريقتهم المرغوبة وبصرف النظر عن النتيجة (أي الفشل أو النجاح في إقناع الناس)، فإن الاستراتيجية هي الطريقة الواقعية الافضل التي تُعين الناس على تنحية الأيديولوجيات جانبًا بغية إيجاد أنجع الوسائل لتحقيق الغاية المرغوبة أو العثور على حل للمشكلة. وهكذا فإن التحدي يكمن في إيجاد الإطار الأفضل الذي يعظم الأثر الاستراتيجي لرواية الفلسطينيين الموحدة وخطابهم الموحد، دون التفريط في المبادئ الأيديولوجية الجوهرية.
وثمة تحدٍ إضافي يكمن في كيفية تحويل تشرذم الفلسطينيين إلى قوة واستراتيجية فلسطينية والاستفادة منه، فهذا التشرذم، برغم آثاره السلبية، يخلق أيضًا شبكات واسعة متنوعة ومتعددة الجوانب من التأثير والوصول. وهذا الأمر معقد بوجه خاص بسبب الافتقار إلى مؤسسات قوية وشرعية تشبه الدولة من شأنها أن تُيسِّر عملية بناء الرواية وترسيخها واستدامتها بطريقة منظمة وممثِّلة. فيمكن القول إن الخطاب الموحد لا يعني بالضرورة إجماعًا مطلقًا بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني. بل يجب إيجاد الإطار القادر على موالفة اختلافات الفلسطينيين وتشابهاتهم واستيعابها جميعها؛ أي إطار يستوعب ولا يُقصي طبيعته المتعددة الأوجه.
يكمن التحدي في إيجاد الإطار الأفضل الذي يُعظم الأثر الاستراتيجي لرواية الفلسطينيين الموحدة وخطابهم الموحد دون التفريط في المبادئ الأيديولوجية الجوهرية Share on Xفي ضوء هذه القضايا، هناك ثلاثة مستويات من التأطير بوسعها أن توجِّه تأطير الخطاب الاستراتيجي، وهي مستلهَمة من أدبيات تأطير الهوية والحركات الاجتماعية. يتصل المستوى الأول، التأطير التشخيصي، بكيفية تحديدنا للمسببات الأساسية المسؤولة عن المحنة الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، ما هي المشاكل الأساسية التي ينبغي حلها في النضال؟ مَن المسؤول عن نشأتها؟ وما هي الأوصاف والمصطلحات التي ينبغي أن نستخدمها لتوضيحها؟
المستوى الثاني هو التأطير الاستشرافي، ويُعنى بالمخرجات والقرارات التي نهدف إلى تحقيقها. وهذا يشمل وضع الاستراتيجيات والأساليب المطلوبة، وتحديد العراقيل المفروضة، والفرص السانحة للمواجهة. المستوى الثالث هو التأطير التحفيزي، ويُعنى بطريقتنا في صياغة التشخيص والمآلات لاستمالة الجماهير المختلفة وحشدها، فهل نستطيع اتباع مقاربة واحدة شاملة إزاء الجميع؟ وهل تكفي الدعوة إلى إحقاق العدالة وفقًا لمعتقداتنا الأيديولوجية، أم هل ينبغي لنا التفطن والتكيف مع وجهات النظر المختلفة؟
أسئلة للنقاش
أردنا بهذا التعقيب إثارة قضايا وأسئلة رئيسية بخصوص الرواية والخطاب الفلسطيني. وثمة حاجة لمزيد من النقاش للتحرك قدمًا، وستكون الشبكة جزءًا من هذا النقاش. وفي هذا الصدد، نطرح التساؤلات التالية:
هذه بعض الأسئلة التي تقتضي اهتمام الفلسطينيين وحلفائهم أيضًا، من خلال مشاركة الخبرات وتعلم الدروس من تجارب نضالية أخرى.
سمر بطراوي
جميل هلال
تمارا بن حليم
رفقة أبو ارميله
أمجد عراقي
أحدث المنشورات
تصور جديد لفلسطين بعد عام من الإبادة الجماعية
محور سياساتي: عام من الإبادة الجماعية في غزة
المملكة المتحدة وحظرها الوهمي على الأسلحة
نحن نبني شبكةً من أجل التحرير.
ونحن نعمل جاهدين، باعتبارنا المؤسسة الفكرية الفلسطينية العالمية الوحيدة، للاستجابة للتطورات السريعة المؤثرة في الفلسطينيين، بينما نحافظ على التزامنا بتسليط الضوء على القضايا التي قد يتم تجاهلها لولا تركيزنا عليها.