Palestine Sets Precedent with Legal Complaint

ينصب الاهتمام على “الإحالة” التي رفعتها دولةُ فلسطين مؤخرًا إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتي تتهم المسؤولين الإسرائيليين فيها بارتكاب جرائمَ حرب وجرائمَ ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني. غير أن هناك شكوى أخرى تقدمت بها دولة فلسطين مؤخرًا ولكنها حظيت باهتمامٍ أقل بكثير رغم أن مخرجاتها ستكون مهمة في بناء الأساس القانوني والوقائعي لمقاضاة المسؤولين الإسرائليين الذين قد يواجهون تهمًا أمام المحكمة الجنائية الدولية وغيرها – ومقاضاة دولة إسرائيل نفسها أيضًا إذا طُلب من محكمة العدل الدولية أن تدلي برأيها الاستشاري.1

أهمية الشكوى المرفوعة إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري

تقدمت فلسطين في نيسان/أبريل الماضي بشكوى قانونية إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، تشتكي فيها من انتهاكات جسيمة واقعة على حقوق الشعب الفلسطيني. وكما الإحالة المرفوعة إلى المحكمة الجنائية الدولية، تنطوي الشكوى تحديدًا على ادعاءات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. غير أن هناك ثلاثة أسباب أخرى تعزز أهمية الشكوى المرفوعة إلى اللجنة: أولًا، “دولة فلسطين” هي المدَّعي؛ ثانيًا، القضية مرفوعة على دولة إسرائيل، وليس على فرد؛ ثالثًا، تسمح الإجراءات المُتبعة لخبراءَ قانونيين دوليين مكلَّفين بالقضاء على العنصرية والفصل العنصري والأبرتهايد بإصدار قرارٍ بشأن الممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وسيكون القرار رسميًا يُحتَجُّ به أمام الهيئات الدولية كالمحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية.

آذنت هذه الشكوى بمرحلة جديدة هي الأولى من نوعها. فلم يَستخدم أحدٌ من قبل هذه الآلية للتظلم من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دولة أخرى. وإذا مضت اللجنة قدمًا في إجراءات الشكوى وطلبت من لجنة خبراء مختصة أن تصدر نتائجها، فإن ذلك سيؤكد كينونة الدولة الفلسطينية وأن الأرضَ الفلسطينية المحتلة هي أرض السيادة الفلسطينية. وفي وقت ينظر فيه الكنيست الإسرائيلي في ضم الضفةِ الغربية، بعضِها أو كلها، وفي وقت تعكف فيه وزارة الخارجية الأمريكية على محو الإشارات للضفة الغربية وغزة كأرضٍ محتلة في تقاريرها القُطرية، تؤكد هذه المنظمة القانونية الدولية بأن فلسطين تملك الصفة القانونية كدولة، الأمر الذي يعزز الموقفَ الفلسطيني ويؤكد عدم قانونية التصرفات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة.

لم يَستخدم أحدٌ من قبل لجنةَ القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة للتظلم من انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دولة أخرى Share on X

هذه هي المرة الأولى أيضًا التي تقف فيها دولتا فلسطين وإسرائيل كخصمين في إطار قضيةٍ قانونية مرفوعة أمام هيئةٍ دولية تبت في مسائل حقوق الإنسان أو المسؤولية الجنائية الدولية. الآليات القضائية الدولية القائمة ليست متاحة لتنظر في شكاوى فلسطين ضد الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. فمحكمة العدل الدولية لا تملك صلاحية النظر في القضايا المتنازَع فيها ما لم تقبل كلتا الدولتين بولايتها القضائية. أمّا المحكمة الجنائية الدولية فلا تنظر إلا في القضايا المرفوعة ضد أفراد.

وبخلاف الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكلاهما هيئةٌ سياسية تنحصر عضويتها في الدول، فإن لجنة القضاء على التمييز العنصري هي هيئةٌ تعاهدية أُنشئت بموجب الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، تضم في عضويتها خبراءَ قانونيين دوليين في العنصرية والتمييز. وتُعدُّ اتفاقيةُ القضاء على التمييز العنصري التي كُلِّفت اللجنة بصونها أحدَ صكوك حقوق الإنسان الأساسية. وقد صادقت فلسطين (2014) وإسرائيل (1979) على هذه الاتفاقية التي تطالبهما باحترام مبدأ المساواة أمام القانون والقضاء على أوجه التمييز القائم على أساس الجنس أو اللون أو الأصل الوطني أو الإثني، وسائر ممارسات الفصل العنصري والأبرتهايد، بما فيها تلك الواقعة على أي أرض خاضعة لولايتهما.

مواصلة العمل على صعيد المحكمة الجنائية الدولية، والتركيز على لجنة القضاء على التمييز العنصري

إن الإحالة التي رفعتها فلسطين مؤخرًا إلى المحكمة الجنائية الدولية مهمة، وقد أثارت توقعات بإجراء مساءلة جنائية محتملة لمسؤولين مدنيين وعسكريين إسرائيليين على خلفية انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهذه هي المرة الأولى التي طلبت فلسطينُ فيها من المحكمة الجنائية الدولية أن تفتح تحقيقًا، رغم أنها زودت المحكمة في السابق بوثائق في سياق “دراستها الأولية” بشأن الأفعال الإسرائيلية منذ عملية الرصاص المصبوب في 2014 – بيد أن الدراسة تمت بوتيرة بطيئة جدًا ولم تُسفر عن فتح تحقيق رسمي.

تعتمد المحافل الدولية الأخرى على الوقائع والاستنتاجات القانونية التي تتوصل إليها الهيئات التعاهدية المنبثقة عن الأمم المتحدة مثل لجنة القضاء على الفصل العنصري Share on X

تشمل الإحالة المرفوعة للمحكمة الجنائية الدولية الانتهاكات المرتكبة أثناء قمع احتجاجات مسيرة العودة الكبرى في غزة، وسياسة إسرائيل الاستيطانية في الأرض الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، والعنف المستمر ضد الفلسطينيين خدمةً للتوسع الإسرائيلي على الأرض. سوف تتمخض عن الإحالة الفلسطينية تداعياتٌ جدية على صعيد العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية المستقبلية وجهود إحلال السلام، وسوف تتسبب في صدور قوانين أمريكية تنص على تعليق المساعدات المقدمة للسلطة الفلسطينية وإغلاق المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الأمريكية واشنطن.

إن الشكوى التي رفعتها فلسطين إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري تتسم بأهمية بالغة. فالمحافل الدولية الأخرى تعتمد في الغالب على النتائج الواقعية والاستنتاجات القانونية للهيئات التعاهدية المنبثقة عن الأمم المتحدة مثل لجنة القضاء على الفصل العنصري. ومن الأمثلة الجديرة بالذكر الرأي الاستشاري الصادر من محكمة العدل الدولية بشأن قانونية بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهكذا، إذا أعلنت اللجنة نتائجها بعد البت في الشكوى المرفوعة من فلسطين على إسرائيل، فمن المحتمل أن يشكِّل ما توصلت إليه الأساسَ لأي رأي استشاري تصدره محكمة العدل الدولية مستقبلًا – ويمكن الاحتجاج بتلك النتائج في القضية المرفوعة الآن أمام المحكمة الجنائية الدولية لإثبات المسؤولية الجنائية للمسؤولين الإسرائيليين. وهذا يحتم متابعة الشكوى المرفوعة لدى لجنة القضاء على التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة، ولا سيما أن الإحالة المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية تتضمن ادعاءً بإقدام إسرائيل على إنشاء نظام فصل عنصري داخل الأرض الفلسطينية المحتلة.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
العضوة السياساتية في الشبكة، زها حسن، هي محامية عن حقوق الإنسان، وزميلة زائرة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي. تركز في عملها البحثي على السلام بين...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

كشفت الإبادة الجماعية المستمرة التي يرتكبها النظام الإسرائيلي في غزة عن فشل الأطر القانونية الدولية في حماية المدنيين، ما شكَّل انهيارًا غير مسبوق في الوظيفة الحمائية للقانون الدولي. فعلى الرغم من أن اتفاقية الإبادة الجماعية تُلزِم الدول بمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، وأن اتفاقيات جنيف تفرض حماية المدنيين تحت سلطة الاحتلال، فإن هذه الآليات أثبتت عجزها في غياب الإرادة السياسية اللازمة لإنفاذها. في هذا السياق، أطلقت ثماني دول من الجنوب العالمي -جنوب إفريقيا، ماليزيا، ناميبيا، كولومبيا، بوليفيا، السنغال، هندوراس، وكوبا- مجموعة لاهاي، وهي مبادرة قانونية ودبلوماسية تهدف إلى إنفاذ القانون الدولي ومساءلة النظام الإسرائيلي. وتتناول هذه المذكرة السياساتية جهود مجموعة لاهاي في مواجهة حالة الإفلات الممنهج من العقاب الذي يتمتع به النظام الإسرائيلي، وتُبرز الإمكانات التي يتيحها التحرك الجماعي للدول في مساءلة المنتهكين للقانون الدولي، رغم القيود البنيوية التي تحد من إنفاذه.
Al-Shabaka Munir Nuseibah
منير نسيبة· 08 يوليو 2025
 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
Skip to content