The Palestinian Security Sector: Entrenching State Repression

كشف الفريق الأهلي الفلسطيني لدعم شفافية الموازنة العامة في تشرين الأول/أكتوبر 2021 أن قطاع أمن السلطة الفلسطينية ما يزال يحظى بنصيب الأسد من ميزانيتها، حيث أُنفقَ في النصف الأول من عام 2021 ما يزيد على 50 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 16 مليون دولار) على إصلاح قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية. وتلقت تلك القوات أيضًا 1،675 مليون شيكل (حوالي 538 مليون دولار) – أي ما يزيد على 22% من إجمالي ميزانية السلطة – خُصِّص 88% منها للرواتب، بزيادة بلغت 115 مليون شيكل (~ 37 مليون دولار) مقارنة بالأشهر الستة الأولى من العام 2020. 1
تُبرزُ هذه الأرقام الشرخ الواسع بين احتياجات الشعب الفلسطيني وأولويات السلطة الفلسطينية. فبينما يسعى الفلسطينيون إلى إنهاء الإطار الأمني القمعي الذي فرضته اتفاقات أوسلو، تواصل السلطة الفلسطينية الاستثمار سياسيًا وماليًا ومؤسسيًا في الوضع الراهن، وترسيخ الإطار الأمني بحجة الاستقرار وبناء الدولة.

وبدلاً من تبني عملية للتحول الديمقراطي ومبادئ التشاركية الشمولية والمساءلة، أفضت عمليات الإصلاح الأمني في السلطة الفلسطينية المنفذة برعاية دولية – والتي كانت العمود الفقري لمشروع السلطة لبناء الدولة في مرحلة ما بعد عام 2007 – إلى القمع والاضطهاد واحتراف الاستبداد الفلسطيني والسلطوية. وهكذا بات الاستبداد البنيوي متأصلًا في النظام السياسي الفلسطيني.

القمع والتدهور الاجتماعي

في أعقاب مقتل الناشط وناقد السلطة الفلسطينية، نزار بنات، في حزيران/يونيو 2021، أخذت قوات أمن السلطة الفلسطينية تقمع الاحتجاجات السلمية بالقوة غير المشروعة، واستهدفت الصحفيين وناشطي المجتمع المدني والمحامين بالاعتقالات التعسفية والتعذيب. وصل القمع الممارس في صيف 2021 إلى مستوى غير مسبوق، وكانت تعقيداته وتجلياته واضحة، حيث كان ينم عن تقارب مطرد بين المؤسسات القانونية والسياسية والأمنية والاقتصادية للسلطة الفلسطينية. وهذا التقارب من أجل القمع بفاعلية أكبر تطورٌ مقلق للغاية، وما لم يواجَه بآليات المساءلة الشعبية، فإن العدوان الاستبدادي سيشتد، ويُمنع التحول الديمقراطي. 

بات الاستبداد البنيوي متأصلًا في النظام السياسي الفلسطيني Share on X

لا تزال السلطة الفلسطينية عاكفةً على تركيز القوة والسلطة بيد قطاع الأمن كهدفٍ رئيسي. فسعت حملات قوات أمن السلطة الفلسطينية في 2007 إلى “تطهير” الضفة الغربية من الأسلحة غير التابعة للسلطة الفلسطينية، وتنفيذ عملية لنزع السلاح، واعتقال متحدي أوامر السلطة الفلسطينية، وإرسال رسالة واضحة إلى الفلسطينيين بأن السلطة الفلسطينية هي هيكل الحكم الوحيد والقوة الوحيدة. وهكذا تبنت السلطة الفلسطينية مقاربةً شاملة لمصادرة الأسلحة، وتعمدت طمس الفوارق بين أسلحة الفوضى وأسلحة المقاومة. فلم تفرِّق بين المجرمين والمقاومين واستهدفتهم جميعًا على حدٍ سواء. ولا أبلغ تعبيرًا عن هذه المفارقة من تعبير أحد أهالي مخيم بلاطة للاجئين، حين تساءل مستهجنًا: “كيف يُعقل أن يُحتجزَ لصٌ ومقاوم في زنزانةٍ واحدةٍ؟”

تستغرق تبعات عمليات إصلاح قطاع الأمن وقتًا لتتجلى في المجتمع، وقد أصبحت واضحة الآن في فلسطين. أسفرت الحملات الأمنية لعام 2007، والمسماة على سبيل المفارقة “عملية الابتسامة والأمل“، وعملية الإصلاح المستمرة التي تلتها، عن مشاكل وأوجه قصور هيكلية عميقة أدت إلى ترسيخ ثقافة الخوف، وترويض المقاومة وتجريمها، وترسيخ عدم الثقة لدى الفلسطينيين تجاه قيادتهم.

إن تعذيب المعارضين السياسيين وقتلهم، واعتقال المنتقدين اعتقالًا تعسفيًا واحتجازهم في ظروف غير إنسانية، وارتفاع مستويات الرقابة، وتدني مستويات التسامح والتعددية، هي عناصر رئيسية تُفضي إلى تدهور المجتمع الفلسطيني. وستؤدي الزيادة في أمننة المساحات الاجتماعية إلى إضعاف الشعب الفلسطيني، وترسيخ تجزؤهم، وتقويض قدرته على مقاومة الهياكل الاستعمارية والقمعية بفاعلية.

مراجعة حوكمة قطاع الأمن

لا بد لأي حوار وطني جاد وشامل أن ينطوي على مراجعة حوكمة قطاع الأمن الفلسطيني بما يولي الأولوية للشعب الفلسطيني. فترسيخ السلطة، في مقابل مبادئ التشاركية الشمولية والمساءلة، يعني أن قوات أمن السلطة الفلسطينية باتت مساءلةً أكثر أمام المانحين والنظام الإسرائيلي منها أمام الشعب الفلسطيني. ويُعدّ قَلب هذه الحال من المقتضيات الأساسية لإصلاح قطاع الأمن. وتحقيقًا لذلك:

  • يجب أن يلتزم المجتمع المدني الفلسطيني والقيادة الفلسطينية بالانخراط في حوار وطني حقيقي وشامل للكافة. فإعادة النظر في البرنامج الوطني الفلسطيني من منظور حوكمة قطاع الأمن يمكن أن يخدم أغراضًا متعدد لأنه يقتضي مناقشة استراتيجيات المقاومة وطبيعة هياكل الحكم وآليات المساءلة.
  • يجب على الفصائل السياسية الفلسطينية والمجتمع المدني أن يطالبوا السلطة الفلسطينية بإعادة توزيع ميزانيتها توزيعًا عادلًا، بما في ذلك في القطاعات الاقتصادية المنتجة، لوضع حد لتضخم ميزانية المؤسسة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية.
  • يجب على المجتمع المدني الفلسطيني أن يضغطَ على السلطة الفلسطينية لتنفيذ قرار منظمة التحرير الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، الأمر الذي فشلت السلطة الفلسطينية في تنفيذه رغم ادعاءاتها.
  • يجب أن يتبنى المجتمع المدني والقيادة الفلسطينية استراتيجية مقاومة موحدة، تشمل الاتفاق على أطر وأشكال المقاومة المسلحة، لتفادي استخدام الأسلحة في الاقتتال الداخلي بين الفصائل السياسية خاصة في أوقات انتقال الحكم وفراغ القيادة.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية أو باللغة الإيطالية، اضغط/ي هنا أو هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
علاء الترتير، مستشار سياسات وبرامج لدى الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية، ومدير وباحث رئيسي في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. الترتير هو...
(2021, نوفمبر 14)
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2803 الذي يزكِّي الخطة ذات العشرين بندًا التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة. وقد فُرض التصويت بعد أسابيع من الضغوط الأمريكية، ليُقرَّ إنشاء هيئتين يُفترض أنهما انتقاليتان لتولي السيطرة على غزة: "مجلس السلام" المكلف بالإشراف على توزيع المساعدات، وإعادة الإعمار، والإدارة اليومية، و"قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة"، المكلفة بتولي الشؤون الأمنية ونزع سلاح حركة حماس. ومن اللافت أن القرار لا يشير إلى الإبادة الجماعية التي فتكت بغزة خلال العامين الماضيين، ولا يتطرق إلى المساءلة عنها. توضح هذه المذكرة السياساتية كيف يعيد القرار تغليف السيطرة الاستعمارية على الشعب الفلسطيني في غزة، ويُكافئ الولايات المتحدة -وهي شريكة في الإبادة الجماعية- بالسيطرة على غزة وعلى عملية إعادة الإعمار التي قد تدرّ أرباحًا كبيرة، بينما يُعفي في الوقت نفسه النظام الإسرائيلي من جميع مسؤولياته كقوة احتلال غير قانونية. وبذلك، يُقوِّض مجلس الأمن مرة أخرى مبادئ الأمم المتحدة القانونية تحت ضغط الولايات المتحدة، بدلًا من أن يدفع في اتجاه العدالة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 20 نوفمبر 2025
 اللاجئين
أعاد المسؤولون اللبنانيون طرح مسألة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، باعتبارها جزءًا من الجهود المبذولة للحدِّ من "الأسلحة غير الشرعية" وتعزيز سيادة الدولة. غير أن هذا الطرح يُنظر إليه، من قِبَل كثير من الفلسطينيين والمراقبين الإقليميين، باعتباره تمهيدًا لمرحلة جديدة من الضغوط السياسية والأمنية على اللاجئين ضمن رؤية أوسع لإعادة تشكيل البنية الأمنية الإقليمية. كما أنه يثير ذكريات جماعية مؤلمة عن حملات نزع السلاح السابقة التي تركت المخيمات عرضة للمجازر والدمار.
 الاقتصاد
تقدّم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى نفسها على أنها صانعةُ عالمٍ أفضل، مدفوعٍ بالذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والحلول المبتكرة المدعومة بالبيانات. وتحت شعاراتٍ، مثل: "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" (AI for Good)، تَعِدُ بابتكارٍ أخلاقي مسؤولٍ يخدم الإنسانية. إلا أنّ هذه السرديات قد انهارت في غزة، إلى جانب المعايير الدولية وما تبقّى مما يُعرف بالنظام الدولي المحكوم بالقواعد. لقد سلّطت الحرب الإبادية التي شنّتها إسرائيل على غزة الضوء على الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين العمليات العسكرية ودعم الاحتلال. فخلف هذا الدمار تكمن البُنى التحتية الرقمية، من خوادمٍ وشبكاتٍ عصبيةٍ اصطناعيةٍ والبرمجيات التي طوّرتها بعض من أكثر الشركات التقنية ريادةً عالميًّا. ومع تسليح إسرائيل الذكاءَ الاصطناعي وتكنولوجيا تحليل البيانات لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم، يشهد العالم عسكرة للتقنيات والبنى التحتية الرقمية بشكل يعيد تعريف المساءلة القانونية ويكشف عن فراغٍ خطِر في الحوكمة العالمية. يستعرض هذا الموجز السياساتي كيف امتدّ تواطؤ الشركات ليشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، ويدعو إلى تنظيمٍ عاجلٍ لعسكرة الذكاء الاصطناعي.
Al-Shabaka Marwa Fatafta
مروة فطافطة· 26 أكتوبر 2025