Abbas and the Farce of Palestinian Democracy

يهيمن محمود عباس منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية في 2005 على المشهد السياسي الفلسطيني بإحكام قبضته على المؤسسات المختلفة والتضييق على الأحزاب والشخصيات المعارضة. وبالإضافة إلى الانقسام بين حركتي حماس وفتح، والذي يقف حجر عثرة في طريق السياسة الفلسطينية الداخلية، لم يترك هذا سوى مساحة ضئيلة للديمقراطية والمشاركة السياسية الشعبية، ولا أدلَّ على ذلك من أن عباس قد دخل عقده الثاني في الحكم بعد انتهاء تفويضه كرئيس منتَخب للسلطة الفلسطينية.1
في كانون الأول/ديسمبر 2018، أعلن عباس في اجتماعٍ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريرالفلسطينية قرارًا جديدًا صادرًا من المحكمة الدستورية العليا يدعو إلى حل المجلس التشريعي الفلسطيني التابع للسلطة الفلسطينية وعقد انتخابات في غضون ستة أشهر. وفي اليوم التالي، أعلنت حماس رفضها القرار على أساس أنه غير دستوري وأن عباس والمحكمة الدستورية العليا لا يملكان صلاحية حل المجلس التشريعي الفلسطيني. ودعت الحركة، في المقابل، إلى عقد انتخابات عامة لمنصب الرئاسة والمجلس التشريعي الفلسطيني والمجلس الوطني الفلسطيني – وهو الهيئة التشريعية في منظمة التحرير الفلسطينية.

وفي هذا الشهر، أعلن عباس بأن الانتخابات التشريعية لن تنعقد إلا إذا شملت القدس الشرقية. غير أن موقف النظام الإسرائيلي القائم واضح بأنه لن يسمح أبدًا بأي نشاط سياسي فلسطيني في القدس، لأنه يرى ذلك تهديدًا لمطالبات إسرائيل بالسيادة على المدينة بأسرها. وفي هذا الصدد، قال صائب عريقات، كبير المفاوضين وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إن حلَّ المجلس التشريعي الفلسطيني جزءٌ من انهاء مرحلة السلطة والانتقال الى مرحلة الدولة، حتى إنه دعا إلى عقد انتخابات عامة لمجلس تأسيسي لدولة فلسطين. ولكن هذا مستبعدٌ في سياق التشرذم السياسي الحالي.

فإذا علمنا كل ذلك وعلمنا أن حماس ما كانت لتسكت على هذا القرار، لِمَ يُقدِمُ عباس وحلفاؤه على حل المجلس التشريعي الفلسطيني؟ لا بد من الإشارة إلى أن حماس تسيطر على المجلس التشريعي الفلسطيني منذ انتخابات 2006، حيث تستأثر بـ 76 مقعدًا من أصل 132، بينما تستأثر فتح بـ 43 مقعدًا فقط. غير أن المجلس التشريعي ظل متعطلًا عن العمل منذ وقوع الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا أدى إلى جمود العملية التشريعية في السلطة الفلسطينية. وأخذ عباس يدير شؤون الحكم بالمراسيم الرئاسية على نحو متزايد في ظل غياب الجسم التشريعي الفعال. إن حل المجلس التشريعي سوف يسمح لعباس بترسيخ سلطته بنقل معظم عملية صنع القرار إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية الذي لا وجود لحماس فيه. وهكذا يستطيع عباس زيادة الضغط السياسي على حماس.

يستطيع عباس بحله المجلسَ التشريعي الفلسطيني أن يلوم حماس وإسرائيل على غياب الديمقراطية Share on X

يتضمن القانون الأساسي (الدستور الفعلي) بندًا ينص بأنه في حال تعذر على الرئيس القيام بواجباته (في حال وفاته مثلًا)، فيشغل منصبه رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لمدة 60 يومًا قبل عقد انتخابات عامة. والرئيس الحالي للمجلس التشريعي هو عزيز الدويك، العضو في حركة حماس.

ومن المرجح أيضًا أن عباس أراد تخفيف الضغط الذي يمارسه المجتمع الدولي عليه لدفعه إلى دمقرطة مؤسسات السلطة الفلسطينية وعملياتها السياسية. فبهذه الخطوة يستطيع عباس أن يلوم حماس على غياب الديمقراطية (والوحدة) لأن حماس ترفض شرعيةَ حل المجلس التشريعي الفلسطيني، وأن يلومَ إسرائيل لأنها لا تسمح بعقد الانتخابات في القدس الشرقية.

وفي الأثناء، يستمر الفلسطينيون، ولا سيما الشباب، في فقدان ثقتهم في النظام السياسي، حيث تواجه السلطة الفلسطينية انتقادات متزايدة لفسادها، وقمعها المعارضة، وعجزها عن الوقوف في وجه إسرائيل التي تواصل تشديد احتلالها العسكري في الضفة الغربية وغزة وتفرض تدابير عقابية جماعية على الفلسطينيين كافة. وفي ظرف كهذا لا يمكن للنظام السياسي الفلسطيني أن يزدهر، حيث كثيرًا ما تعتقل إسرائيل الشخصيات السياسية الفلسطينية، وبعضهم لفترات طويلة، مثل مروان البرغوثي وخالدة جرار. فضلًا على أن السياسات الإسرائيلية مصممةٌ لإضعاف حركة التحرير الفلسطينية وبث الفرقة بين صفوفها. ويمكن القول إجمالًا إن إسرائيل أوجدت حالةً في الضفة الغربية وقطاع غزة تتفوق فيها متطلبات العيش الأساسية عند معظم الفلسطينيين على المشاركة والتنظيم السياسي من حيث الأولوية والأهمية.

زيادة الحيز الديمقراطي

  • إن من الواضح أن السلطة الفلسطينية لن تحقق التحرر الفلسطيني ولن تقدر على تأمين أي شكلٍ من أشكال السيادة الفلسطينية. لذا، لا بد للقيادات الساعية لبث الديمقراطية في السياسة الفلسطينية أن يولوا الأولوية لإحياء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وإصلاحها. ولا بد من أن ينصب التركيز على تطبيق اللامركزية في السلطة والحكم داخل منظمة التحرير، لأن اللامركزية ستخفف قبضة السلطة الفلسطينية على مشروع المنظمة التحريري بعمومه. وفي سياق هذه العملية، لا بد من استحداث آليات موثوقة وذات مصداقية تكفل المساءلة الأفقية والرأسية.
  • تمارس النخب السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة النفوذ داخل الأجهزة الأمنية، ولا بد من تصويب هذا الخلط بين السياسي والأمني لأنه يُسفر عن زيادة في السلطوية والاستبداد والتدابير الأمنية ضد النشاط السياسي الذي يتحدى الوضع الراهن.
  • ينبغي للمجتمع المدني الفلسطيني والناشطين على امتداد فلسطين التاريخية وفي الشتات أن يدعوا إلى قيادة ممثِّلة ومساءلة ومنتخبة ديمقراطيًا. ولا بد أن يتخذ هذا النداء صفةً جماعية وأن يقترن بتدابير لحماية المعرَّضين لقمع الأجهزة الأمنية ومضايقاتها على خلفية هذا النداء.
  • ينبغي للمجتمع الدولي أن يكثف جهوده في الضغط على إسرائيل لحملها على احترام حقوق الفلسطينيين. وهذا يشمل السماح بإجراء العمليات الديمقراطية الفلسطينية في القدس الشرقية بما يتفق والقانون الدولي.
  • يجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عن تشجيع الهيمنة التي يمارسها حزبٌ أو فصيل سياسي واحد، حيث إنه يتبع سياسة عدم الاتصال بحماس وجهات أخرى فاعلة، ويصف غالبية الأحزاب السياسية الفلسطينية بأنها “منظمات إرهابية”. ويجب عليه أن يُبدي استعداده لقبول قيادة فلسطينية موحدة تضم الأحزاب والفصائل كافة.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
يارا هواري هي مديرة الشبكة بالمشاركة. عملت سابقًا كزميلة سياساتية للشبكة في فلسطين وكمحللة رئيسية في الشبكة. نالت درجة الدكتوراه في سياسة الشرق الأوسط من...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
في يوم الخميس، 19 حزيران/يونيو 2025، وقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام موقع الضربة الإيرانية قرب بئر السبع، وقال للصحفيين: "ما نعيشه اليوم يذكّرني حقًّا بما تعرّض له الشعب البريطاني أثناء قصف لندن (البليتز) في الحرب العالمية الثانية. نحن نُقصف اليوم بطريقة مماثلة". كانت البليتز حملة قصف جوي مكثفة شنَّتها ألمانيا النازية ضد المملكة المتحدة في الفترة بين أيلول/سبتمبر 1940 وأيار/مايو 1941. أراد نتنياهو بهذه المقارنة الدرامية استعطافَ الغرب وتأمين حصول حكومته على دعمٍ غير مشروط في عدوانها غير المبرر على إيران الذي يشكل تصعيدًا عسكريًّا وانتهاكًا جديدًا للقانون الدولي. ومثل تلك المراوغات الخَطابية ليست بشيءٍ جديد، بل هي نمط راسخ في الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يصوِّر إسرائيل كضحية دائمًا ويصف خصومها بالنازيين المعاصرين. لطالما راودت نتنياهو طموحاتٌ بضرب إيران بدعمٍ مباشر من الولايات المتحدة، غير أن التوقيت ظلّ دائمًا العنصر الحاسم. وعليه، فلا ينبغي النظر إلى هذه اللحظة على أنها مجرّد عدوان انتهازي، بل كجزء من إستراتيجية أوسع محسوبة بعناية. فشنّه هذه الحرب غير المبرّرة اليوم، نابع من حالة الإفلات غير المسبوقة من العقاب التي يتمتع بها، التي تزامنت مع تحوّلات إقليمية متسارعة أعادت تشكيل موازين القوى في المنطقة، إلى جانب الهشاشة المتفاقمة في المشهد السياسي الداخلي الإسرائيلي. يتناول هذا التعقيب التصعيدَ الأخير في هذا السياق، ويُسلّط الضوء على الدوافع السياسية التي تقف خلف شنّ الحرب في هذا التوقيت تحديدًا.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 26 يونيو 2025
 السياسة
في خضمّ هذا التصعيد، تصبح ديناميكيات القوى الدولية والإقليمية وعلى رأسها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وتركيا عاملاً حاسماً في تحديد مسار الصراع. ويعد دعم الولايات المتحدة للكيان الصهيوني بمثابة انحراط فعلي في الحرب كيف يمكن أن يؤثر هذا التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران على موازين القوى في الشرق الأوسط؟ وما هي تبعات الحرب على القضية الفلسطينية؟ في مختبر السياسات هذا، ينضم إلينا الدكتور بلال الشوبكي، وزيد الشعيبي، مع الميسر فتحي نمر، لمناقشة الأبعاد الدولية والاقليمية للحرب على إيران.
في 26 أيار/مايو 2025، تم إطلاق نظام توزيع المساعدات الجديد المدعوم من إسرائيل في غزة، الذي يجري تأمينه من قِبَل شركات أمنية أمريكية خاصة. تسبب هذا النظام في قتل أكثر من 100 فلسطيني، أثناء محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات الواقعة قرب مواقع عسكرية على حدود رفح، وسط ظروف غير إنسانية. وتُثير هذه الخسائر الفادحة تساؤلات مهمة حول سلامة نظام المساعدات الجديد ودور الشركات الأمنية الأمريكية التي تعمل تحت إشراف مباشر من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يُبيّن هذا الموجز السياساتي أن خصخصة المساعدات والأمن في غزة تمثّل انتهاكًا للمبادئ الإنسانية الأساسية، إذ تُحوِّل المساعدات إلى أداة للسيطرة السياسية، والتطهير العرقي، وإدامة الاستعمار. كما تهدّد حياة الفلسطينيين من خلال ربط الحصول على المساعدات بظروف قسرية، وتسهيل التهجير القسري، وتوفير غطاء قانوني وأخلاقي لانتهاكات الاحتلال. كذلك، تُسهم هذه الخصخصة في تهميش وتقويض دور المؤسسات المحلية والدولية، وعلى رأسها الأونروا، التي لعبت دورًا محوريًّا في دعم اللاجئين الفلسطينيين في غزة طوال عقود.
الشبكة جودة
صفاء جودة· 10 يونيو 2025
Skip to content