الانتخابات الفلسطينية: معادلة البرغوثي الصعبة في «فتح»
هل تتذكر تلك الصورة الأيقونية التي يرفع صاحبها علامة النصر في المحكمة بينما يداه مكبلتان ويحيطه سجَّانان إسرائيليان؟ كان ذلك قبل نحو 19 عامًا، وصاحب تلك الصورة ما زال يحتفظ بكثير من الزخم الإعلامي والأضواء المسلطة، خاصة مؤخرًا بعد أن أصبح، ليس فقط أسيرًا يُعد رأس حربة الانتفاضة الثانية وقائدها الميداني، وإنما أيضًا فرس رهان الانتخابات الفلسطينية المقبلة وما يمكن أن تحمله من تغيُّر في صفته.
حسنًا، المعادلة معقدة ومعها يمكن أن يتغير كثير من النتائج والمسارات.
تكهنات عدة حول ما يمكن أن يؤول إليه مسار الانتخابات الفلسطينية، صاحبت التقارير التي أشارت إلى أن الأسير الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الفلسطينية «فتح»، مروان البرغوثي، ينتوي الترشح على منصب الرئاسة في الانتخابات الفلسطينية المزمع إقامتها في مايو/أيار المقبل.
لِمَ لا! فالرجل القابع في زنزانته بسجن هداريم الإسرائيلي منذ عام 2002 يُمثِّل إحدى الأيقونات الوطنية التي ما زال الشعب الفلسطيني مجمعًا عليها، وواحد من بين قلة من النخبة السياسية يُنظر إليها شعبيًّا بإيجابية. لا يختلف الأمر مع الفرقاء المحليين الذين يمتلك البرغوثي صورة أفضل لديهم من منافسيه، ناهيك عن الصورة الإيجابية الدولية التي يتمتع بها، حيث يُنظر إليه كشخص قادر على لمِّ الشمل وحلحلة الانقسام، وهو ما دفع إسرائيل مرارًا لرفض كل الضغوط الدولية والحقوقية – وحتى المطالبات الداخلية – بالإفراج عنه.
لماذا الانتخابات الفلسطينية الآن؟
ولكن قبل الخوض في فرص البرغوثي السياسية وما تعنيه احتمالية ترشحه للرئاسة، لا بد من رسم صورة موضحة لواقع تلك الانتخابات والهدف منها والسياق الذي تجري فيه محليًّا ودوليًّا.
في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرسومًا يقضي بإجراء الانتخابات الفلسطينية على ثلاث مراحل، حيث تُجرى الانتخابات التشريعية بتاريخ 22 مايو/أيار 2021، والرئاسية بتاريخ 31 يوليو/تموز، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي (البرلمان) المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان منظمة التحرير). وسيتم استكمال المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب.
لاحظ هنا أن الانتخابات ستُجرى بشكل متتابع وليس متزامنًا، وهذا بالتأكيد يحمل دلالته.
القرار أصدره عباس بأيادٍ مرتعشة؛ فالانتخابات التي رفض إجراءها عدة مرات من قبل بمسوغات مختلفة، تأتي حاليًّا في سياق ضغوط أوروبية (الاتحاد الأوروبي يقدم القدر الأكبر من المساعدات المالية للسلطة) لتجديد شرعية السلطة ومؤسساتها والضغط على إسرائيل للسماح بإقامتها بحيث يفضي المسار إلى عودة الطرفين لطاولة المفاوضات، دون نسيان الرغبة في مغازلة إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن – الذي صدر القرار قبل أيام من تنصيبه – بعد سنين عجاف مع سلفه دونالد ترامب الذي كان ورقة الاستيطان الإسرائيلي وبنيامين نتنياهو الرابحة.
أضف إلى ذلك الضغوط المحلية الراغبة في إنهاء الاقتسام مع حركة «حماس» وإنعاش أدوات السلطة السياسية لمجابهة اليمين الإسرائيلي الحاكم المستمر في انتهاج سياساته الإحلالية على الأرض بشكل متسارع، واتفاقات التطبيع العربية التي أنشئت عوامل جديدة في الصراع. هذا بجانب ضغوط إقليمية تتزعمها مصر – لحسابات استراتيجية تتعلق بأوراق نفوذها في المنطقة – نتج عنها جلسات الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، بمشاركة 14 فصيلًا على رأسهم فتح وحماس، وانتهت إلى اتفاق ظاهره إنهاء الاقتسام وجوهره محاصصة سياسية انتخابية لضمان عدم تكرار سيناريو 2006.
ارتعاش يد عباس أتى في المقام الأول بسبب تشككه في جاهزية «فتح» لخوض الانتخابات، أو بمعنى أدق: جاهزيته للإمساك بزمام الأمور. الخلاف داخل فتح ظهر مع رفض ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية وابن شقيقة ياسر عرفات وأحد رجال الصف الأول في الحركة، قائمة عباس الموحدة في الانتخابات التشريعية، حيث أعرب القدوة عن رغبته في تشكيل قائمة مستقلة، إذ يرى القدوة ضرورة تغيير النظام السياسي «لأن إصلاحه لم يعد مجديًا».
الرد من عباس لم يتأخر، وأتى صادمًا وقويًّا، بعدما أعلنت الحركة فصل القدوة في الحادي عشر من الشهر الجاري، بل امتد الرد لوقف الدعم المالي لمؤسسة ياسر عرفات الخيرية التي يترأس ناصر مجلس إدارتها، وهي التي تأسست بموجب مرسوم رئاسي عام 2007، بهدف المحافظة على تراث الرئيس الفلسطيني الراحل ونشره.
إلى جانب القدوة، يأتي «تحالف غير معلن يتشكل تدريجيًّا في قطاع غزة بين حركة حماس وتيار القيادي المنشق والمفصول من حركة فتح محمد دحلان»، مع عودة عدد من عناصر ورموز هذا التيار إلى القطاع، ما «يعني بالضرورة أن حركة فتح ذاهبة إلى مزيد من التفتيت والانقسام».