السلام من أجل الازدهار.. خطة السبعينات في صياغة جديدة
إدعت خطة البيت الأبيض "السلام من أجل الازدهار" أنها تعرض على الفلسطينيين فرصةً لحياةٍ أفضل، في حين لمحت إدارة ترامب إلى نيتها التخلي عن عملية أوسلو للسلام التي ظلت الدول الغربية - بقيادة أمريكية - تستند إليها في صياغة سياساتها تجاه فلسطين منذ 1993. تأتي تلك المبادرة الاميركية بعد ان أباحت الحظر القديم المفروض على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس واعترفت بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان المحتلة.
وفي حين أن خطة السلام من أجل الازدهار تهمِّش صراحةً القضايا السياسية المتعلقة بالحقوق الأساسية للفلسطينيين أو تطلعاتهم إلى دولة مستقلة، إلا إنها عرضت على الفلسطينيين حياةً كريمة تحت الحكم الإسرائيلي، ولكن من دون حل سياسي. وفي حين أنها عرضت تفاصيل نوعية قليلة حول كيفية تحقيق ذلك، إلا إنها قدمت وعدًا باستئناف المساعدات بصرف ما يربو على 50 مليار دولار على ثلاثة مجالات ذات أولوية هي الاقتصاد والشعب والحكومة، عقب تقليصات المعونة الأمريكية. وفي الحقيقة فان هذه الخطة لا ترقى أبدًا إلى مقترح جديد، فهي ليست سوى النسخة الأحدث من الخطة والمبادرة الأمريكية ذاتها التي دأب واضعوها منذ سبعينات القرن الماضي على مناقشتها وإعادة صياغتها وتحديثها المرة تلو المرة للحفاظ على هدوء الفلسطينيين، وقبولهم العيش تحت الحكم الإسرائيلي مهما كانت طبيعة ذلك الحكم.
مبادرات "الفلسطينيين السعداء" و"نوعية الحياة"
أستخدمت الولايات المتحدة منذ السبعينات المحفزات المالية كوسيلة لشراء السلام في الشرق الأوسط، بالتوافق مع طمأنة إسرائيل بضمانات تحمي أمنها. فقد استبعدت إدارة كارتر في العام 1978 الحقوقَ الفلسطينية من مفاوضات السلام بين إسرائيل ومصر، وسعت في المقابل إلى طرح حلٍ "غير مسيس" للقضية الفلسطينية عبر تبني سياسة تقوم على فكرة أن الفلسطينيين "السعداء" العاملين في وظائف ثابتة والمتمتعين بهيكل إداري كفؤ سيقبلون العيش في كنف الاحتلال الإسرائيلي، حتى وإنْ كان مؤقتًا. وفي الثمانينات قامت إدارة ريغان بتحديث هذه المقاربة عبر محاولة إيجاد حلٍ سلمي بالترويج للقضايا الاقتصادية عوضًا عن التوصل إلى تسويةٍ سياسية. طرحت الولايات المتحدة بعد سنوات، بين عامي 1983-1984، مبادرة "نوعية الحياة" التي سعت من خلالها الى الترويج لمصالحة سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين من خلال إغراءات اقتصادية كانت من الناحية النظرية منفصلة عن السياسة بشكل يجعل الاحتلال مستساغًا بما يكفي لكي يقبل الفلسطينيون العيشَ في ظل الوضع القائم.
وضعت حقبة السبعينات والثمانينات قيودًا على مدى التأثير الأمريكي في المنطقة لتوجس إسرائيلُ آنذاك من أن تُفضي التنمية الاقتصادية إلى استنهاض مسعى فلسطيني يطالب بالاستقلال. في الوقت نفسه، خشي الفلسطينيون من أن الاتفاق دون حلٍ سياسي سوف يرسِّخ الوضعَ القائم المتمثل في احتلال إسرائيل واستيطانها الأرضَ الفلسطينية المحتلة، وهو فخٌ سياسي هدف إلى الاستعاضة عن السلام بالاقتصاد. ومع ذلك ورغم كبح جماح الخطة الأمريكية، ظلت الفكرة الأساسية المتمثلة في محاولة فصل القضايا السياسية عن التنمية الاقتصادية الفلسطينية حاضرةً في دوائر صنع السياسة الأمريكية لغايات إنفاذ سياساتها.