Farah_PolicyMemo_Mar2018

لم يعترض الكثيرون من القيادات والشخصيات العامة على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتجميد جزء كبير من مساهمة الولايات المتحدة في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والازمة الإنسانية التي ستتسبب بها، بل ركزوا على التطرف الفلسطيني المُفترض الذي سينتج عن خفض التمويل. وعلى سبيل المثال، بعثَ أعضاءٌ من الحزب الديمقراطي رسالةً إلى ترامب نقلوا فيها عن الناطق الرسمي السابق في الجيش الإسرائيلي، بيتر ليرنر، قولَه “إن إضعاف الأونروا سيجعل الفلسطينيين أكثرُ عرضةً للمزيد من التطرف والعنف.” وحذروا ترامب أيضًا من أن تقليص التمويل “سوف يضر المصالح الأمريكية.”
لا يُستغرب من المسؤولين الإسرائيليين والساسةِ الأمريكيين أن يُلصقوا صفةَ العنف بشعبٍّ مستَعمَر، وأن يؤكدوا أن الأونروا تكبح “التطرف” الفلسطيني، ولكن المحيِّر هو أن يُعربَ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن رأي مماثلٍ في خطابه الأخير أمام مجلس الأمن، حيث حذَّر من أن تقليص التمويل الأمريكي سيدفع اللاجئين الفلسطينيين ليصبحوا “إرهابيين” و/أو لإغراق الدول الغربية – في خطاب شبيه بذلك الذي يُغذي رُهاب الأجانب في الأوروبي. ولم يذكر عباس حقَّ العودة في خطابه ولا حتى لمرةٍ واحدة، وإنما استعاض عنه بالإشارة إلى “الحل العادل” – وهذه كناية عن التنازل.

الأونروا لا تكبح المقاومة الفلسطينية ولا تحث عليها. وبرهان ذلك أن الوكالة استهلت عملَها في خمسينات القرن الماضي، ولم تبدأ منظمة التحرير الفلسطينية الكفاح المسلح إلا في منتصف الستينات. الفلسطينيون يقاومون سواء كانوا مسجلين لدى الوكالة أم لم يكونوا مسجلين – والكثير من أعمال المقاومة الفلسطينية سلمية.

يبين تصريح عباس بشأن تقليص التمويل استخدام السلطة الفلسطينية للاجئين كأداة خطابية وسياسية Share on X

اليوم، يتوسل عباس والسلطة الفلسطينية عند أقدام إمبراطورية تتعدى على الحقوق الوطنية الفلسطينية. ويأتي اعتراف الولايات المتحدة مؤخرًا بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وقرارَها بنقل سفارتها إليها في ذكرى النكبة كمثالٌ رئيسي على ذلك. ومع ذلك تتمسك السلطة الفلسطينية بحل الدولتين غير القائم، والذي لم تكن إسرائيل ولا الولايات المتحدة عازمةً يومًا على تنفيذه، والذي محته الولايات المتحدة من المفاوضات. تُبيِّن كلمةُ عباس حول تقليص تمويل الأونروا كيف أن السلطة الفلسطينية تستخدم اللاجئين الفلسطينيين بشكل مُعيب كأداةٍ خطابية وسياسية لتأمين التمويل ومواصلةِ هذه المهزلة. وبما أن السلطة الفلسطينية لن تدافع عن حقوق الفلسطينيين كما هو واضح، فلا بد للفلسطينيين حول العالم أن يعملوا بأنفسهم لإيجاد حلٍ عادل.

نداء من أجل التحرك الفلسطيني

بالرغم من العلاقة المضطربة في كثير من الأحيان بين الأونروا واللاجئين، إلا أنها ضرورية من أجل تأمين حقوقهم. لذا يتعين على الموظفين في الوكالة والمستفيدين منها أن يعملوا معها للتصدي للهجمات التي تطالها وتطال وضع اللاجئين.

ينبغي للفلسطينيين وحلفائهم في مناصرتهم لحقوقهم أمام الحكومات الوطنية والهيئات الدولية والخبراء القانونيين أن يضغطوا تجاه تحميل الأمم المتحدة مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين ومسؤولية الأونروا لأنها شاركت في خلق أزمة اللاجئين من خلال: 1) إقرار خطة التقسيم لعام 1947 التي انتهكت مبدأ تقرير المصير المنصوص عليه في ميثاق عصبة الأمم لعام 1922، و2) قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة في 1949، بشرط أن تنفذ إسرائيل الميثاق وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا سيما القرار 181 (II) – قرار التقسيم – والقرار 194 (III) – حق العودة. غير أن إسرائيل لم تلتزم بأيٍّ من هذه القرارات.

يجب على المجتمع المدني الفلسطيني وممثلي الشعب الفلسطيني أن يدعوا إلى إعادة اللاجئين إلى وطنهم كجزء من الكفاح من أجل تقرير المصير، وأن يدعوا أيضًا إلى حماية مخيمات اللاجئين. فالمخيمات مسؤوليةٌ دولية وعنوان المأزق الوطني والنضال من أجل العودة.

يجب على الفلسطينيين حول العالم أن يستعدوا لحشد قواهم لمعارضة أي اتفاقٍ مستقبلي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل من شأنه أن يتنازل عن الحقوق الكاملة للاجئين وحق العودة. وعليهم أن يقولوها صراحةً بأن تقرير المصير لا يتحقق إذا كان الطرف المعني غير مُمثَّلٍ بالكامل في تحديد مستقبله. وإلى أن تصبح منظمة التحرير الفلسطينية ممثِّلةً للشعب الفلسطيني بمكوناته وأطيافه كافة، بما في ذلك اللاجئون، فإنها ستظل تفتقر إلى الشرعية اللازمة للتفاوض.

رندة فرح هي أستاذة مشاركة في جامعة ويسترن أونتاريو، قسم الانثروبولوجيا. كتبت الدكتور فرح في الذاكرة الشعبية الفلسطينية وإعادة بناء الهوية مستندة على العمل الميداني...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content