Hawari_Image_Apr_2024 - 5

تتواصل المفاوضات المعوَّل عليها كثيرًا والرامية إلى إضفاء الطابع الرسمي على العلاقة السرية القديمة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية والارتقاء بها بينما تدور رحى الإبادة الجماعية في غزة بيد النظام الإسرائيلي. وبينما تحاول إدارة بايدن صياغة معالم اتفاق وقف إطلاق النار، فإنها ضاعفت جهودها للتوسط في إبرام اتفاقٍ تاريخي بين البلدين. 

تتناول هذه المذكرة السياساتية المصالحَ المتبادلة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل والتي تدفع باتجاه الاتفاق المرتقب. وتستفهم عن تضامن السعودية المصطنع مع النضال الفلسطيني، وتضع اتفاق التطبيع في سياق المتغيرات الإقليمية.1

المصالح الأمريكية والإسرائيلية: تحالف أمني متغير

لطالما طمحت واشنطن إلى أن تُرحِّبَ السعوديةُ بإسرائيلَ رسميًا. وقد أكّد هذا المرام قانونُ تطبيع العلاقات مع إسرائيل، الذي طرحه الحزبان، الديمقراطي والجمهوري، وأقرَّه الكونغرس في آذار/مارس 2022، وعَهِدَ لوزارة الخارجية بتعزيز التطبيع العربي مع إسرائيل على أساس اتفاقات آبراهام التي وُضعت في عهد ترامب.

الرسالة إلى السعودية واضحة: التحالف مع إسرائيل شرطٌ أساسي للحماية الأميركية Share on X

من بين بجميع الشراكات الممكن إبرامها مع إسرائيل، تتمتع المملكة العربية السعودية بوزنٍ خاص بالنسبة إلى المصالح الأمريكية والإسرائيلية. فالولايات المتحدة تسعى إلى ترسيخ مكانة إسرائيل باعتبارها المحور العسكري والاقتصادي البارز لنظام إقليمي تقوده الولايات المتحدة، بحيث تكون إسرائيل بمثابة مركز للتحالف المناوئ لإيران والذي يضم السعودية وشركاء آخرين في اتفاقات آبراهام. وبالتالي، فإن فهم التقارب السعودي الإسرائيلي باعتباره مبادرةً محسوبة لبناء تحالفات أمنية جديدة في خضم تنامي التنافس بين القوى العالمية هو أمرٌ بالغ الأهمية.

إن اتفاقية الدفاع الأمريكية السعودية، التي تقع في صميم محادثات التطبيع الجارية مع إسرائيل، تتعلق مباشرةً بهذا الهدف. وبموجبها تلتزم الولايات المتحدة بالدفاع عن السعودية وتزيد ما تحصل عليه من الأسلحة الأمريكية. وهكذا سيُعزِّز هذا الترتيبُ العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والسعودية ويساعد في الوقت نفسه في إحباط التعاون الأمني بين الرياض والصين. وبالرغم من المصالح الأمريكية في المنطقة، اشترطت الولايات المتحدة على السعودية لإبرام هذا الاتفاق أنْ تطبِّعَ مع إسرائيل. وبذلك، فإن الرسالة إلى السعودية واضحة: التحالف مع إسرائيل شرطٌ مسبق للحماية الأمريكية.      

التستر على تخلي السعودية عن فلسطين

يطرحُ النظامُ السعودي ظاهريًا عددًا من المطالب المتعلقة بفلسطين ضمن مفاوضات التطبيع. وتشملُ شروطُ الرياض، بحسب التقارير، وقفًا دائمًا لإطلاق النار في غزة و”مسارًا” لإقامة دولة فلسطينية. غير أن الجدول الزمني لإقامة الدولة ليس واضحًا، ومن المؤكد أن يفرضَ النظامُ الإسرائيلي شروطًا على الاتفاق تسمح بتأجيل هذه الخطوة إلى أجل غير مسمى.

لا شك أن محاولة السعودية ربطَ التطبيع مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية تهدف إلى توفير غطاء سياسي يقيها أولئك الذين قد يقولون إن المملكة تخلت عن القضية الفلسطينية. غير أن التطبيع مع إسرائيل في الواقع سيكون استمرارًا – وليس بدايةً – لتخلي السعودية عن النضال الفلسطيني وقبولها الفعلي بالوضع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي الراهن.

التطبيع مع إسرائيل سيكون استمرارًا – وليس بدايةً – لتخلي السعودية عن النضال الفلسطيني Share on X

في الواقع، بدأت ثمار العلاقة غير الرسمية المستمرة منذ عقود بين السعودية والنظام الإسرائيلي تتجلى الآن من خلال قمعها جهود التضامن المحلي مع فلسطين وتعزيز الدعاية المعادية للفلسطينيين في تغطيتها الإعلامية للإبادة الجماعية. بل ذهبت السعودية إلى حدِّ حذف اسم “فلسطين” من الخرائط في الكتب المدرسية ضمن مناهجها الدراسية الجديدة.

على الرغم من هذا الجهد الممنهج لإعادة تشكيل المنظور العام إزاء الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، يواجه النظام السعودي معركةً مضنية في مسعاه لتغيير قناعات شعبه. فقد وجدت دراسةٌ حديثة أجراها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنَّ 95% من الشعب السعودي يعتبرون القضية الفلسطينية قضيةً عربية مركزية. وأفادَ استطلاعٌ أجراه معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى المؤيد لإسرائيل في 2023 أنّ 96% من السعوديين يعارضون التطبيع ويعتقدون أن الدول العربية يجب أن تقطعَ جميع علاقاتها بإسرائيل.

الانضمام إلى اتفاقات آبراهام

إذا توصَّلت السعودية وإسرائيل إلى اتفاق تطبيعي، فعلى الأرجح أنه سيُدرَج في إطار اتفاقات آبراهام الأشمل. ولدخول السعودية رسميًا في هذا المخطط تداعياتٌ بعيدة المدى وخطيرة على فلسطين والمنطقة برمتها. فنفوذها المالي الهائل وثقلها الرمزي في العالمين العربي والإسلامي سوف يحفِّز الأنظمة الأخرى بأنْ تحذو حذوها، حيث قد تجبر المشاركة السعودية دولاً عربية وإسلامية أخرى على الانضمام إلى هذا التحالف المتنامي، سواءً بالحوافز الاقتصادية أو الضغوط السياسية.

حتى لو ظلّ اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي الرسمي معلَّقًا إلى ما بعدَ تولي الرئيس الأمريكي المقبل منصبَه في 2025، فإن إصرار السعودية على شرعنةِ نظامٍ مدانٍ على نطاق واسع يظل يمثِّلُ مسعى منسلخًا كليًا عن الواقع العالمي. فبينما تصحو شريحة عريضة من العالم من غفلتها وتدركَ أهداف إسرائيل الإبادية والاستعمارية، تَمضي الرياض معاندةً في استعدادها للاستمرار في هذا التطبيع وتمحو بذلك أي تظاهر بالحسابات العقلانية والاستراتيجية، وقَطعًا أيَّ تظاهرٍ بالتضامن مع القضية الفلسطينية.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
طارق دعنا هو أستاذ مساعد في دراسات النزاع والإنسانية في معهد الدوحة للدراسات العليا، ومحاضر مساعد في جامعة نورث وسترن في قطر. عمل في منصب...
(2024, يوليو 30)
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

على مدى عامين، ألحقت إسرائيل دمارًا هائلًا بغزة، متسببة في أعدادٍ هائلة من الشهداء بسبب القصف المتواصل وسياسة التجويع الممنهجة. ولا تزال الجهود الدولية للاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية ووقف عملية القضاء على الشعب الفلسطيني متأخرة وقاصرة. في 16 أيلول/سبتمبر 2025، خلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى ما كان الفلسطينيون قد أكدوه منذ البداية: أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية. وفي 29 سبتمبر/أيلول، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقترحٍ يعد بوقف إطلاق النار، لكنه يخضع الفلسطينيين في غزة لحكم خارجي، وينكر عليهم حقهم في تقرير المصير، ويُرسّخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض. ورغم أن الخطة تُقدَّم كأنها مبادرة سلام، فإنها في الواقع محاولة من الولايات المتحدة لحماية النظام الإسرائيلي من المساءلة، في تجسيد واضح لتواطؤ الغرب في استعمار فلسطين وإبادة شعبها. وفي هذا السياق، تُعدّ موافقة حركة حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين إشارة إلى التزامها بإنهاء العنف الدائر، وفي الوقت نفسه نقلًا للمسؤولية إلى النظام الإسرائيلي وإدارة ترامب لتوضيح وتعزيز التزاماتهم بعملية وقف إطلاق النار. يجمع هذا الموجز السياساتي تحليلات الشبكة خلال العام الماضي، مسلطًا الضوء على السياق البنيوي لفهم جريمة الإبادة الجماعية وآثارها الإقليمية. كما يرصد ويحلل الحملة الإبادية التوسعية التي ينفذها النظام الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والمنطقة الأوسع، كاشفًا تواطؤ الغرب ليس فقط في تمكين النظام الإسرائيلي من ارتكاب جرائمه، بل أيضًا في حمايته من المساءلة. وفي الوقت نفسه، يُبرز هذا الموجز المبادرات التي تتصدى لحصانة إسرائيل، وتدفع باتجاه تحقيق العدالة والتحرر.
تُبين هذه المذكرة السياساتية كيف أن "حياد الصين المنحاز" إلى النظام الإسرائيلي يتجلى في نأيها الإستراتيجي عن الإبادة الجارية في غزة. فمن خلال الدعوة إلى الوحدة الفلسطينية دون ممارسة أي ضغط مباشر على إسرائيل، تحافظ بكين على علاقاتها مع الدولة الصهيونية متظاهرة بالحياد. لا يعكس هذا الموقف خضوع بكين لهيمنة واشنطن في القضايا المتعلقة بإسرائيل فحسب، بل هو قرار مدروس منها لصون مصالحها الإستراتيجية على المدى البعيد. وبدلًا من أن تتدخل الصين مباشرةً لردع إسرائيل، تُلقي بالمسؤولية على مجلس الأمن، وتتعامل مع قضايا وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات وإطلاق سراح الأسرى وكأنها التزامات تقع على عاتق الآخرين لا ضمن نطاق مسؤولياتها.
رزان شوامرة· 16 سبتمبر 2025
 السياسة
يقع محو الشعوب الأصلية في صميم السرديات الاستيطانية الاستعمارية، إذ تعتمد هذه السرديات على إنكار وجود الجغرافيات والمجتمعات والتاريخ لتبرير تهجير السكان الأصليين وإحلال مستوطنين مكانهم، ولم يزِغ المشروع الصهيوني عن هذا النهج. فمن الأساطير التي قام عليها زعمُه أنه "أحيا الصحراء"، وأن المستوطنين الأوائل أسسوا درَّة تاجه، تل أبيب، من كثبان رملية قاحلة وخلاء مُقفرٍ غير صالحٍ للسكن. تطمس هذه الرواية حقيقةَ أن تل أبيب أُنشئت بدايةً على مشارف مدينة يافا الفلسطينية المزدهرة والعامرة بالحياة الثقافية، المشهورة بتجارة البرتقال الرائجة. أمّا اختيار وصف "الكثبان الرملية"، فيوحي بالخلاء ويُخفي الحياة الزراعية والاجتماعية النابضة التي كانت مزدهرة في المنطقة. وقد أسهمت هذه الرواية التي صوَّرت الأرض وكأنها لم تكن صالحة للعيش حتى مجيء المستوطنين في تبرير سلبها والتغول الاستعماري فيها. وقد تسارعت هذه العملية في أعقاب 1948، حين ضمت تل أبيب أراضي القرى الفلسطينية المطهَّرة عرقيًّا، بما فيها صميل وسَلَمة والشيخ مُوَنِّس وأبو كبير، لتمتد في نهاية المطاف إلى مدينة يافا. إن هذا الخطاب الاستعماري الاستيطاني نفسه هو ما يغذي الحرب الإبادية المستمرة على غزة، إذ يُعاد تأطير الدمار من خلال رواية "عدم صلاحية القطاع للعيش،" التي تصوِّر غزة كأنقاض، وهي رواية بعيدة عن الحياد. يرى هذا التعقيب أن مصطلح "غير صالح للعيش" مصطلحٌ مشحون سياسيًّا يعفي الجاني من المسؤولية، ويُعيد إنتاج المحو الاستعماري، ويشكِّل السياسات والتصورات العامة بطرق تؤثر في حياة الفلسطينيين ومستقبلهم تأثيرًا عميقًا. ويتناول التعقيب جذورَ هذا الخطاب ووظيفته وتبعاته في إطار المنطق الأوسع للاستعمار الاستيطاني. ويدعو في خاتمته إلى تحوُّل جذري في اللغة، من روايات تتستر على العنف إلى روايات تُثبِّت الوجود الفلسطيني وتاريخه وحقه في السيادة.
عبدالرحمن كتانة· 27 أغسطس 2025
Skip to content