مقال - التهديدات التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان: إلى أي مدى ستذهب إسرائيل؟

لمحة عامة

تضيِّقُ إسرائيلُ على المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث استهدف مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى ناشطين في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، داعين إلى “تصفيات مدنية مستهدفة” لقادة المقاطعة الذين عليهم أن “يدفعوا ثمن” أعمالهم. وقد ذُكر مؤسس حركة المقاطعة، عمر البرغوثي، بالاسم.1

أيدت المحكمة الإسرائيلية العليا سنة 2015 قانونًا صدر في العام 2011 يعاقب المنظمات والأشخاص الداعين إلى مقاطعة إسرائيل أو المستوطنات غير الشرعية ويسمح برفع الدعاوى ضدهم. وخارجيًا، تستثمر إسرائيلُ مواردَ كبيرةً في محاربة حركة المقاطعة.

فإلى أي حدٍ سوف تذهب إسرائيل في تنفيذ تهديداتها للمدافعين عن حقوق الإنسان؟ وماذا ينبغي للفلسطينيين وحركة التضامن الدولية القيام به لحماية أنفسهم والمحافظة على تقدم الحركة؟ يتناول مستشارو السياسات في الشبكة نورا عريقات وإنغريد جرادات وديانا بطو في حلقة النقاش هذه التهديدات المحددة الموجهة لحركة المقاطعة والمدافعين عن حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة وإسرائيل وخارجها. أدارت هذه الحلقة النقاشية الزميلة السياساتية في الشبكة نور عرفة.

تعرض نورا عريقات نبذة تاريخية وقانونية عن عمليات “القتل المستهدف” أو الإعدام خارج نطاق القانون التي راح ضحيتها مئات الفلسطينيين على مر السنين، ولا سيما مؤخرًا في الضفة الغربية بسبب الزيادة الطفيفة في المقاومة الفلسطينية المسلّحة. تحدد إنغريد جرادات الاتجاهات وتُبرز الاعتداءات الإسرائيلية على ناشطي المقاطعة وغيرهم من المدافعين عن حقوق الإنسان بالإضافة إلى تواطؤ الدول الغربية في هذه الاعتداءات.2 وتقدم ديانا بطو أدلةً إضافية على الاعتداءات الإسرائيلية، وتؤكد أنها آخذةٌ في الازدياد من حيث الوتيرة ودرجة الهستيريا.

نورا عريقات: الاغتيالات الإسرائيلية والإعدامات الخارجة عن القانون

تستخدم إسرائيل منذ عقود الاغتيالات والإعدامات الخارجة عن نطاق القانون، أي سلب الأشخاص حياتَهم دون محاكمة تثبت تهمتهم.3 وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية مسؤوليتها عن هذه الاغتيالات على الملأ إبان انتفاضة الأقصى، وتحديدًا في نوفمبر 2000، عندما استحدثت مصطلح “القتل المستهدف” ووضعت مبررات قانونية لاستخدامه ضد الفلسطينيين.4

تحتج إسرائيل بأنها تخوض “صراعًا مسلحًا أدنى من منزلة الحرب” مع الفلسطينيين من أجل تعريف الصراع باعتباره صراعًا ضد “إرهابيين”. تسمح هذه الخطوة لإسرائيل باستخدام القوة العسكرية، كما يحددها القانون، دون منح الفلسطينيين صفة المقاتلين أو الجنود، بل إنها تعتبر استخدام الفلسطينيين للقوة إرهابًا سواء استهدفوا منشآت مدنية أم عسكرية.

وهكذا استحدثت إسرائيل إطارًا قانونيًا يسلب الفلسطينيين حقَّهم في استخدام القوة، ويمنح الإسرائيليين الحق في قتلهم حتى حين لا يشكلون تهديدًا ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. ويهدف هذا الإطار إلى شل كل مقاومة من جانب الفلسطينيين، وتوسيع حق إسرائيل في استخدام القوة. وفي هذا السياق بدَّلت إسرائيل مصطلحات العنف، فأصبح الاغتيال “قتلًا مستهدفا”.

هذه الممارسة غير قانونية لأن سلب الحياة تعسفًا يَحرمُ المتهم حقَّه في محاكمة عادلة كما كفلته المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ويحصر القانون الدولي أيضًا استخدامَ القوة المميتة عن قصد “أثناء عمليات إنفاذ القانون في الحالات الضرورية لحماية الحياة”، أي أن الشرطة لا تطلق النار لتقتل إلا إذا كان المشتبه به سيقتل أحدًا ولم تكن ثمة وسيلةٌ أخرى لاعتقاله. والقانون أكثر وضوحًا في حالة الاحتلال، إذ ينص على أن سلطة القوة القائمة بالاحتلال تقتصر على إنفاذ القانون لأنها لم تعد في حالة حرب. وهذا يعني أن قوة الاحتلال لا تملك استخدام القوة المميتة كملاذ أول.

“استحدثت إسرائيل إطارًا قانونيًا يسلب الفلسطينيين حقَّهم في استخدام القوة، ويمنح الإسرائيليين الحق في قتلهم حتى حين لا يشكلون تهديدًا ودون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.”

وفي العام 2000 وتمشيًا مع القانون الدولي، عارضَ المجتمع الدولي، بما فيه إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش، الاستخدامَ الإسرائيلي للقوة المفرطة، وأصرّ على أن تقتصر إسرائيل على استخدام قوة إنفاذ القانون فقط مع الفلسطينيين. ولكن بعد أن اعتمدت الولايات المتحدة سياسة “القتل المستهدف” عينها في أعقاب أحداث 11/9، تراجعت إدانتها لهذه الممارسة. ومنذ ذلك الحين أخذت إسرائيل والولايات المتحدة تعملان سويًا ضمن برامج عالمية لمكافحة الإرهاب تتجاهل الفوارق بين الحرب الأمريكية على الفاعلين من غير الدول وبين الطموحات الاستيطانية الاستعمارية لإسرائيل في فلسطين.

عندما أذِن مجلسُ الأمن التابع للأمم المتحدة باستخدام القوة ضد القاعدة في أفغانستان في 2001، على سبيل المثال، حاولت إسرائيل تطبيق المنطق نفسه على استخدامها القوةَ ضد الفلسطينيين. وقد رفضت محكمة العدل الدولية هذا المنطق في رأيها الاستشاري الصادر سنة 2004 لأن إسرائيل، باعتبارها سلطةً قائمة بالاحتلال، هي صاحبة الولاية الوحيدة في المناطق التي تصدر منها هذه التهديدات، على عكس الولايات المتحدة التي لم يكن لها ولايةٌ بعدُ على أفغانستان. ولذلك لا تستطيع إسرائيلُ أن تزعم الدفاع عن النفس ضد سكانٍ تمارس عليهم بالفعل سلطةً عسكرية وسلطةَ إنفاذ القانون.

أدت الاحتجاجات العالمية ضد الاغتيالات الإسرائيلية إلى توقفٍ شبه تام لهذه الممارسة في الضفة الغربية حتى وقت قريب. غير أن إسرائيل ماضيةٌ في تنفيذ الاغتيالات في قطاع غزة، حيث تدعي أنه ما عاد تحت سلطتها منذ انسحابها الأحادي في 2005. وفي الوقت نفسه، لا تدعي إسرائيل أن قطاع غزة أصبح مستقلًا أو صار دولة. بل تستمر في وصفه ككيانٍ معاد – وهو مفهوم لا أساس له في القانون الدولي. وتكمن أهمية هذا الوضع في أن الدولة تملك الحق في بناء جيش واستخدام القوة أما “الكيان المعادي” فلا. لذا تدعي إسرائيل منذ 2005 بأن قطاع غزة ليس محتلًا ولا مستقل، وإنما تصنفه على نحو غير مسبوق ككيان معادٍ يمكن استخدام القوة ضده ولا يملك سكانه حق الدفاع عن أنفسهم.

وهكذا، أوغلت إسرائيل في استخدام حقها في استخدام القوة العسكرية والمميتة بينما حدَّت من حق الشعب الفلسطيني في المقاومة رغم أن القانون الدولي يجيز للرازحين تحت الاستعمار الأجنبي استخدامَ القوة.5 وقد تذرعت إسرائيل بهذه الحجة لقتل الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي في غزة ومئات الفلسطينيين بين عامي 2000 و2005.

تستخدم إسرائيل القوة المميتة اليوم في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة كذلك، ولا تكاد تجد احتجاجًا عالميًا على ذلك. إن سياسة “صوِّب لتقتل” المتبعة في مواجهة الفلسطينيين المتهمين في حمل السكاكين هي خير مثال للإعدام خارج نطاق القانون، ويُتوقع من المجتمع أن يصدق الحكومة الإسرائيلية بأن القتلى الفلسطينيين كان يحملون سكاكين وكانوا يهددون بإيذاء الجنود الذين كان لديهم سببٌ وجيه يدعوهم للخشية على حياتهم. وبذلك أُلغت إسرائيل عملية التحقيق برمتها وتقمصت دور القاضي والجلاد، وهذا يجعل حياة الفلسطينيين محفوفةً أكثر بالمخاطر.

إنغريد جرادات: الحملات الإسرائيلية المحلية والعالمية في مواجهة حركة المقاطعة

ما فتئت إسرائيلُ تقمع المدافعين عن حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة وفلسطين التاريخية وخارجها، كجزء من جهودها لقمع العمل من أجل العدالة والحرية للفلسطينيين، الذي يشمل المقاومة غير العنيفة والمناصرة. ومن تجليات هذا القمع العنفُ المسلّح، والقيود التعسفية المفروضة على حرية التنقل وحظر السفر والطرد المؤقت والاعتقال والسجن والتعذيب.

وفيما يلي ثلاثة أساليب تستخدمها الحكومة الإسرائيلية اليمينية لتضييق الخناق على أنشطة حقوق الإنسان.

الأسلوب الأول هو الزيادة في التهديدات والهجمات العنيفة، ولا سيما في الأرض الفلسطينية المحتلة. وهذه ناجمةٌ بالأساس من الاستعمار الإسرائيلي العدواني، والتحريض الذي يمارسه المسؤولون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين المقاومين ومَن ينتقد السياسة الإسرائيلية، والإفلات من العقاب الممنوح لمن يعتدي على الفلسطينيين وممتلكاتهم. وكل هذا يعطي الجنود والمستوطنين وسواهم رخصةً لتهديد الفلسطينيين وضربهم وقتلهم، ولا سيما المدافعين منهم عن حقوق الإنسان.

الأسلوب الثاني هو الهجمات الإسرائيلية الصريحة على حرية التعبير والحقوق المدنية والسياسية ذات الصلة في الأرض الفلسطينية المحتلة وداخل إسرائيل. تشن إسرائيل هجمات كهذه بسبب دعوات الناشطين إلى اتخاذ تدابير دولية لمساءلة الدولة والمسؤولين أو المتواطئين في سياساتها غير القانونية والقمعية. وهذا تطور جديد لأن الحكومات الإسرائيلية بقيادة الوسط/اليسار الصهيوني ظلت تاريخيًا تتجنب مثل هذه الهجمات الواضحة على الحريات المدنية التي تقوض ادعاء إسرائيل بأنها “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”. وبدلا من ذلك، لجأت الحكومات السابقة إلى ذرائع متصلة “بالأمن” و “مكافحة الإرهاب” المتاحة بموجب أنظمة الطوارئ في إسرائيل والنظام العسكري غير الخاضع للمساءلة في الأرض الفلسطينية المحتلة، لإسكات المقاومة الفلسطينية من قبيل الاحتجاجات السلمية وجهود الدفاع عن حقوق الإنسان.

وفي الآونة الأخيرة أخذت الحكومات الإسرائيلية تدَّعي بأن حرية التعبير، حين تُمارس لتعزيز حقوق الإنسان الفلسطينية – ولا سيما عند الدعوة إلى المقاطعة – تكون جريمةً ضد “الأمن” ولا بد من قمعها. وبالإضافة إلى التأييد العلني للعنف ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، يعكف المسؤولون والمشرعون الإسرائيليون على سن تشريعات أكثر تقييدًا وتخويفًا. وقد كثفت السلطات الإسرائيلية أيضًا عملياتها الاستخبارية وهجماتها الإلكترونية على المدافعين عن حقوق الإنسان بموازاة معاقبتهم من خلال الإجراءات الإدارية مثل حظر السفر وإلغاء تصاريح الإقامة الإسرائيلية بسبب “انعدام مركز الحياة في إسرائيل” أو بسبب “خرق الولاء لدولة إسرائيل” كما في الآونة الأخيرة.

الأسلوب الثالث هو نقل هذه الهجمات الإسرائيلية إلى بلدان أخرى، وتواطؤ بعض الدول الغربية فيها. فسعيًا لإحباط جهود المقاطعة محليًا وخارجيًا، تقود إسرائيل حملةً مكارثية ضد أي شخص يتبنى موقفًا في صف الشعب الفلسطيني. وتركز هذه الحملة تحديدًا على أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث تقوض الحريات المدنية وفضاء المجتمع المدني.

وفي صميم هذه الهجمات تكمن الادعاءات الكاذبة بمعاداة السامية. فقد استثمرت إسرائيلُ وجماعات الضغط التابعة لها مواردَ كبيرةً لتحريف معنى التمييز العنصري بصيغته المعتمدة في الاتفاقيات الدولية، حيث تروج لتعريفات ظرفية لمعاداة السامية تصنِّف أي معارضة للصهيونية والسياسات الإسرائيلية كشكلٍ من أشكال التمييز العنصري ضد “الشعب اليهودي”، وبالتالي كمعاداةٍ للسامية.

ووفقًا لتقريرٍ حديثٍ صادر من اللجنة الوطنية للمقاطعة، فإن هذه الهجمات الممتدة من النمسا إلى الولايات المتحدة تشمل:

  • حملات إعلامية تطلقها مؤسسات إسرائيلية، وجماعات ضغط، وصحف وصحفيون تستهدف ناشطي المقاطعة؛
  • دعاوى قضائية ترفعها إسرائيل والجماعات المرتبطة بها ضد ناشطي المقاطعة، والنقابات، والمجالس المحلية؛
  • ممارسة الضغط على المصارف، ويشارك في هذه العملية في الغالب صحفيون “استقصائيون” إسرائيليون وتنطوي على تهديدات بالتسبب بأضرار مالية، ممَّا يؤدي إلى إغلاق الحسابات المصرفية التابعة للجماعات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان الفلسطيني؛
  • ممارسة الضغط على ملاك مرافق المناسبات العامة، بمن فيهم البلديات والمنظمات غير الحكومية، لدفعهم إلى عدم إتاحتها للمقاطعين المدافعين عن حقوق الإنسان؛
  • مذكرات ضد المقاطعة ترفعها جماعات الضغط الإسرائيلية والنواب الداعمين لإسرائيل إلى البرلمانات؛
  • التجسس على أنشطة المقاطعة وإفسادها بواسطة الجماعات الموالية لإسرائيل المتظاهرة بدعمها حقوق الإنسان الفلسطيني.

أخفقت السلطات في البلدان التي تُشَن فيها هذه الهجمات في حماية المستهدفين من مواطنيها. وما يثير القلق أكثر هو أن بعض حكومات البلدان الغربية استجابت بالفعل للضغط الإسرائيلي وتبنت تدابير خاصة لقمع حملات المقاطعة.

ففي فرنسا، مثلًا، واجه نحو 30 ناشطًا من ناشطي المقاطعة تهمًا جنائية، وأُدين العديد منهم في المحاكم الفرنسية التي فسَّرت زورًا دعوتَهم إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية بأنها تمييز ضد “أمة”، وهي جريمةٌ جنائية بموجب القانون الفرنسي. وعلاوةً على ذلك، تطبق السلطات الفرنسية هذه الأحكام القضائية على أشكال المقاطعة كافة، حتى عندما لا تنطوي على دعوة إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية. وقد قمعت الشرطة الفرنسية مرارًا مظاهرات مؤيدة لحركة المقاطعة.

وفي المملكة المتحدة، يزعم أعضاء رفيعو المستوى في الحكومة المحافظة بأن حركة المقاطعة معادية للسامية. وتسمح الحكومة بتوجيه الأموال إلى مبادرات مناهضة المقاطعة من خلال المؤسسات العامة. وعلاوةً على ذلك، تبنت كلية الشرطة البريطانية “تعريفًا ظرفيًا لمعاداة السامية” وضعه الاتحاد الأوروبي بدعم من إسرائيل، رغم أن الاتحاد الأوروبي قال إنه لم يصدر الوثيقة التي تحتوي التعريف.

وبالإضافة إلى ذلك، أصدرت الحكومة البريطانية مذكرةً سياساتية بخصوص المشتريات العامة في شباط/فبراير 2016 تذكِّر بالقانون البريطاني النافذ وقواعد منظمة التجارة العالمية التي تفيد بأنه لا يجوز للهيئات العامة أن تستبعد شركةً من المناقصات والعقود بسبب “بلد منشأها”. وأعلنت الحكومة كذلك عقدَ اجتماعٍ تشاوري في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 بشأن صناديق التقاعد الحكومية المحلية. وقد نص الاجتماع على أن القرارات الاستثمارية التي تتخذها الحكومات المحلية “لا ينبغي أن تتبنى سياسات تناقض السياسة الخارجية للمملكة المتحدة”، ويتضمن مقترحًا من شأنه أن يمنح الحكومة الوطنية حقَّ نقضِ القرارات الاستثمارية للمجالس المحلية.

وقعت كندا مؤخرًا اتفاقيةَ تعاون مع إسرائيل تتضمن التزامًا صريحًا بمساعدة إسرائيل في قمع حركة المقاطعة. وفي أعقابها، تبنت الحكومة الكندية – بما فيها المعارَضة المحافظة والحكام الليبراليين – مذكرةً تدين أنشطة المقاطعة كافة التي ينفذها مواطنون كنديون. وكثيرًا ما يُنكر السياسيون الكنديون على أنشطة المقاطعة في الجامعات باعتبارها معاديةً للسامية.

“سعيًا لإحباط جهود المقاطعة محليًا وخارجيًا، تقود إسرائيل حملةً مكارثية ضد أي شخص يتبنى موقفًا في صف الشعب الفلسطيني.”

وفي الولايات المتحدة، وضِعت مشاريع قوانين وسُنَّت قوانين لمناهضة المقاطعة في أكثر من 20 ولاية وفي الكونغرس. وتسعى جميعها لحجب الأموال العامة، والعقود، و/أو الاستثمارات عن الكيانات التي تؤيد المقاطعة. وفي الآونة الأخيرة، صادق حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، على مشروع قانون من هذا القبيل بموجب مرسوم، متجاوزًا العملية التشريعية التي سبق وأن طعنت في مشروع القانون المعني، وبذلك سنّ سابقةً لحكام الولايات الأخرى.

تؤثر هذه الهجمات سلبًا في قدرة المجتمع المدني على تنفيذ أنشطة المقاطعة، ولا سيما في أوروبا حيث اختلاف القوانين الوطنية والبيئات السياسية والثقافات يُصعِّب تقديم الدعم لناشطي المقاطعة على نطاق القارة. ولا يزال ناشطو المقاطعة في العديد من الدول الأوروبية يفتقرون حتى اليوم إلى الدعم القانوني الفعال. ومع ذلك، فإن جهود اللجنة الوطنية للمقاطعة والعديد من الشركاء الأوروبيين المنخرطين في الدفاع عن شرعية المقاطعة والحق في ممارستها قد ساعدت في التغلب على الإحباط الأولي. وعلاوةً على ذلك، برهَّن المدافعون عن حقوق الإنسان في أوروبا على أنهم يمتلكون القدرة على الصمود والإبداع اللازميْن للقيام بأعمال المقاطعة الاستباقية رغم الهجمات الإسرائيلية والسلطات الوطنية متواطئة.

وفي الولايات المتحدة، تعملُ جمعياتٌ رائدة في مجال الحقوق المدنية مثل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية ومركز الحقوق الدستورية ونقابة المحامين الوطنية على التنسيق فيما بينها ومع منظمة فلسطين القانونية (Palestine Legal) لحماية الحقوق المدنية والدستورية للأمريكيين الذين يجهرون بالدفاع عن حرية الفلسطينيين. وقد أوضحت تلك الجمعيات كافة أن الحق في المقاطعة من أجل التغيير الاجتماعي والسياسي محمي بموجب الدستور، وأن التغول على هذا الحق لن يصمد أمام الطعن القانوني.

ديانا بطو: تهديدات إسرائيلية للناشطين في دولة تزداد فاشيةً

توجه الحكومة الإسرائيلية التهديدات للمدافعين عن حقوق الإنسان في إسرائيل، سواء من المواطنين الفلسطينيين أو اليهود الإسرائيليين، مباشرةً أو عبر وكلائها. وفي أواخر العام الماضي، استهدفت السلطات الإسرائيلية تمويل جمعية الشباب العربي (بلدنا) عقب احتجاجها على تجنيد الشباب الفلسطيني في الجيش الإسرائيلي. وفي آذار/مارس 2016، وصفَ وزير الدفاع السابق، موشيه يعلون، منظمة كسر الصمت – وهي منظمة للجنود الإسرائيليين الذين يفضحون الممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة – بأنها ثلة من “الخونة”. وفضلًا على ذلك، تلقى متطوعٌ في منظمة بتسليم تهديدات بالقتل بعد أن صوَّر إعدامًا خارج نطاق القانون لشاب فلسطيني في الخليل في آذار/مارس 2016.

وفي تموز/يوليو 2016، سنَّت إسرائيلُ قانونًا يتطلب من المنظمات غير الحكومية التي تتلقى أكثر من نصف تمويلها من حكومات أجنبية أن تفصح عن مصادر تمويلها الأجنبي في كل منشوراتها. ولا يشترط القانون الإفصاح عن الأموال التي تدفعها الجهات المانحة الخاصة. ويسري هذا القانون على منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية حيث إنها غالبًا ما تتلقى أموالًا من حكومات أجنبية، بينما تنزع المنظمات غير الحكومية اليمينية إلى الحصول على مواردها من جهات مانحة خاصة ذات دوافع أيديولوجية.

ومن خلال تسخير منظمات غير حكومية ترعاها الحكومة الإسرائيلية إلى حدٍ كبير، تستهدف إسرائيل عملَ منظمات حقوق الإنسان بالضغط من أجل قطع التمويل الخارجي عنها. ولا تتصدى المنظمات التي ترعاها إسرائيل إلا للمنظمات غير الحكومية التي تنتقد الأفعال الإسرائيلية، ولا تتطرق إلى تمويل منظمات حقوق الإنسان التي تنتقد السلطة الفلسطينية.

“سعيًا لإحباط جهوازدادت الهجمات الإسرائيلية على المدافعين عن حقوق الإنسان في وتيرتها وهستيريتها، مما يخلق مناخًا مستقطبًا إمّا أن تكون ‘معنا’ أو ‘معهم،’ وكلُّ مَن ليس ‘معنا’ (أي اليمين اليهودي الصهيوني الإسرائيلي) يصير هدفًا مشروعًا للهجوم.”

تشكِّل هذه الهجمات الدعامة الأساسية للحكم الاستعماري الإسرائيلي منذ العام 1948، والفارق بين الأمس واليوم هو أنها ازدادت في وتيرتها وهستيريتها، مما يخلق مناخًا مستقطبًا إمّا أن تكون “معنا” أو “معهم،” وكلُّ مَن ليس “معنا” (أي اليمين اليهودي الصهيوني الإسرائيلي) يصير هدفًا مشروعًا للهجوم. وبالتالي، باتت منظمتا بتسيلم وكسر الصمت – وكلاهما غير مناهض للصهيونية – تُصنفان الآن ضمن فئة “معهم”. فأي انتقاد لإسرائيل، حتى لو كان نقدًا خجولًا كالذي تمارسه منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية غالبًا، يُعتبر “تهديدًا” لإسرائيل. ومن الطبيعي أن تزدهر الفاشية عندما يصف الساسة الإسرائيليون كوزيرة العدل الحالية، أيليت شاكيد، مثلًا، الأطفالَ الفلسطينيين بأنهم “أفاعي صغيرة“. هذه التصريحات وغيرها التي يطلقها القادة الإسرائيليون تعكس التأييد المتنامي للسياسات الفاشية في المجتمع الإسرائيلي، وتؤجج الفاشية أيضًا.

إن تعيين أفيغدور ليبرمان وزيرًا للدفاع ودخول يهودا غليك في الكنيست في الآونة الأخيرة يعكس هذه الفاشية الصاعدة. يؤيد ليبرمان جرائم الحرب الإسرائيلية، سواء القصف أو الحصار المفروض على قطاع غزة أو التوسع المتسارع للمستوطنات. ويدافع عن التطهير العرقي للفلسطينيين في إسرائيل (أو “النقل” كما يسمى مجازًا)، وسبق أن قال إن الفلسطينيين الذين لا يعلنون الولاء “يجب أن تُقطَع رؤوسهم بالفأس.” ودعا كذلك إلى إغراق السجناء الفلسطينيين. إن البرنامج الذي يستند إليه ليبرمان يتضمن فرض عقوبة الإعدام على الفلسطينيين الذين يقاومون حكم إسرائيل – الذين تسميهم إسرائيل “إرهابيين” تحقيقًا لمآربها.

وبالرغم من أن ليبرمان مستوطنٌ ومدافعٌ جهوري عن هذه السياسات، فإنه حظي باستقبال وترحاب في العواصم الأجنبية عندما كان وزيرًا للخارجية. والآن، بعد أن صارَ الوزير المسؤول عن الحروب الإسرائيلية، صارت لديه الفرصة ليطبق معتقداته على أرض الواقع. إن صعود ليبرمان أمرٌ مقلقٌ بلا شك، ولكن ما يدعو للقلق أكثر هو استمرار العمل كالمعتاد في المجتمع الدولي، حيث أعلنت الولايات المتحدة بالفعل أن منصبه الجديد في الحكومة لن يؤثر في حزمة المساعدات العسكرية الأميركية غير المسبوقة لإسرائيل التي من المرجح أن تبلغ 4 مليارات دولار سنويًا لمدة عشر سنوات.

ما الذي يجب فعله؟

يعتمد هذا القسم الختامي على الأفكار التي طرحتها المشاركات في هذه الحلقة النقاشية: نورا عريقات وإنغريد جرادات وديانا بطو.

في حالة عمر البرغوثي المحروم مؤخرًا من حقه في السفر خارج البلاد فضلا على تعرضه للتهديد واحتمال إلغاء إقامته بحسب التقارير، فإنه ربما حظي بحماية محدودة بفضل اعتماده كمدافع عن حقوق الإنسان لدى منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، ويوروميد رايتس، وبفضل الحملة الإعلامية الواسعة التي رافقت الهجمة عليه. غير أن توفير حماية أكثر فعالية للبرغوثي يتطلب إدانةً عامة للهجمة الإسرائيلية، وتدخلات بالنيابة عنه من كبار ممثلي الحكومات الغربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. ولقد دُعي كل هؤلاء إلى ذلك. ومن الضروري كذلك متابعة جهود الدعوة والمناصرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل والخارج للتأكد من أنهم سوف يتخذون الخطوات اللازمة.

إن الاستعمار الأكثر عدوانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، والتدابير الأكثر قمعًا ضد المدافعين عن حقوق الإنسان قد تزيد الدعم الدولي لأولئك المدافعين عن الشعب الفلسطيني. وهذا من شأنه أن يُسرِّعَ عملية عزل نظام الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، يظل على المدافعين عن حقوق الإنسان أن يبادروا ويستديموا حملة المقاطعة وجهود الدفاع عن الحقوق المدنية والسياسية بما فيها حق المقاطعة، ولا سيما أن الحكومات الغربية القوية تعكف على إطلاق مبادرةٍ أخرى للسلام على غرار أوسلو لحماية النظام الإسرائيلي، والإبقاء على القمع الراهن. وتحقيقًا لهذه الغاية، تستطيع الحركة المؤيدة للعدالة أن تمارسَ الضغط، وتدعو المدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين المستهدفين إسرائيليًا للتحدث في بلدانها، وتنضمَ إلى الجهود المحلية أو الإقليمية الرامية إلى توفير الدعم القانوني الفعال لناشطي المقاطعة.

وفي الجانب الفلسطيني، ينبغي للناشطين أن يطرحوا مبادرات دبلوماسية تطلب من حكومات الاتحاد الأوروبي إدانة عمليات الإعدام خارج نطاق القانون، ومحاسبة إسرائيل على جرائمها. ويحتاج الفلسطينيون أيضًا إلى وضع استراتيجية إعلامية وتشكيل فريق قانوني لمتابعة القضايا المرفوعة ضد الجنود الإسرائيليين. وعلى الرغم من تعدد المنظمات والناشطين في مجال حقوق الإنسان العاملين على هذه الجبهة، فإن جهودهم عادةً ما تكون غير منسقة ومتفرقة؛ فلا بد من تحقيق التماسك والاتساق من خلال التعاون. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي لمنظمات حقوق الإنسان أن تتعاون للتصدي للقيود المفروضة على تمويلها، سواء بسبب القانون الإسرائيلي الجديد الذي يتطلب الإفصاح عن التمويل الأجنبي أو الهجمات المنسقة التي تشنها إسرائيل والمنظمات غير الحكومية المدعومة منها على تمويلها.

  1. تتوفر كافة إصدارات الشبكة باللغتين العربية والانجليزية (اضغط/ي هنا لمطالعة النص بالإنجليزية). لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. آراء إنغريد جرادات الواردة في حلقة النقاش هذه هي آراؤها الشخصية ولا تمثل اللجنة الوطنية للمقاطعة.
  3. الاغتيال هو إعدام خارج نطاق القانون لأن الدولة تنتحل صفة القاضي والجلاد. ولا يحظى المتهم أبدًا بفرصة الطعن في دليل الإدانة أو إثبات براءته. أما في حالة الحرب، فلا ينطبق هذا الإطار لأن المتحاربين يطلقون النار على بعضهم البعض بهدف القتل أصلًا.
  4. تتناول نورا عريقات هذه المسائل بتعمق أكثر في كتابها المقبل المعنون Law as Politics in the Palestinian-Israel Conflict.
  5. حق الفلسطينيين في استخدام القوة مكفول منذ العام 1977 في البروتوكولين الأول والثاني الإضافيين الملحقين باتفاقات جنيف والذيْن لم تصادق عليهما الولايات المتحدة ولا إسرائيل لغاية الآن.
نورا عريقات هي أستاذة مساعدة في جامعة جورج مايسون في مادة الدراسات القانونية والدولية، وتركز في بحثها على قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. وهي محامية...
نور عرفة زميلة في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، في واشنطن العاصمة، تركز في عملها على الاقتصاد السياسي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى...
شاركت إنغريد جرادات غاسنر في تأسيس مركز بديل/المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين وعملت في السابق مديرةً له. عملت كثيرًا في مجالات القانون الدولي والدعوة...
ديانا بطو هي محامية، شغلت منصب مستشارة قانونية سابقة لوفد المفاوضات الفلسطيني. كانت واحدة من الفريق الذي ساعد في انجاح الدعوى الخاصة بالجدار امام محكمة...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content