Article - Sudden change in leadership: health

سوف يتسبب انهيار السلطة الفلسطينية بصدمةٍ كبيرة لقطاع الصحة الفلسطيني. وسيعتمد حجم الصدمة على ما سيفعله النظام الإسرائيلي والمجتمع الدولي في أعقاب ذلك، ولا سيما من حيث المساعدات الإنسانية. استثمرَ مجتمع المانحين منذ إنشاء وزارة الصحة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو عام 1993 مئات الملايين من الدولارات في بناء هذه المؤسسة واستدامتها كمكون أساسي من مكونات الدولة الفلسطينية التي كان من المفترض أن يدعمها. وبذلك اضطلعت وزارة الصحة بإدارة قطاع الصحة العامة في الضفة الغربية وغزة على مدى العقود الثلاثة الماضية.
فضلًا على أن العديد من الهيئات الإنسانية الأجنبية العاملة في الضفة الغربية وغزة تُشارك وزارةَ الصحة في الجهود المبذولة لبناء القدرات المحلية. وهكذا فإن من شأن انهيار السلطة الفلسطينية، وبالتالي وزارة الصحة، أن يترك فراغًا على صعيد توفير الرعاية الصحية المباشرة، وأن يُغيِّبَ الهيئة المركزية التي تستقبل المساعدات الخارجية الخاصة بالأمور الصحية.

آثار وخيمة على الخدمات الصحية

من المرجح أن تكون خدمات الرعاية الصحية المباشرة أولَ ما تطاله الصدمةُ الفورية التي تعقب انهيار السلطة الفلسطينية. بلغت نسبة المستشفيات الحكومية في العام 2020 نحو ثلث المستشفيات في الضفة الغربية، وقرابة 40% في غزة. ويبلغ عدد الأَسرة لكل 1,000 مقيم في فلسطين 1.3 سريرًا، وهو أقل بكثير من المتوسط العالمي (2.9)، وسيؤدي عجز المستشفيات العامة عن العمل إلى تراجع كبير في عدد المرافق القادرة على توفير رعاية متقدمة وطويلة الأجل للفلسطينيين.

لن يكون تأثير نقص الخدمات متساويًا على الفلسطينيين، وإنما سيكون أشد على الأقل اقتدارًا منهم، الذين درجوا على الحصول على الخدمات في المستشفيات ومرافق الرعاية الأولية العامة. وزارة الصحة هي أيضًا الهيئة المشرفة والمنظِّمة للقطاع الصحي، والمسؤولة عن إصدار التراخيص الطبية والإشراف على المستحضرات الصيدلانية. هذه الوظيفة من مستوى الدولة ولا يمكن توريثها لمنظمة غير حكومية، ولا يتضح مَن سيتولاها بعد انهيار السلطة الفلسطينية، المسؤولة أيضًا عن إرسال الأدوية إلى غزة، والتي تتأخر على الدوام بسبب الحصار الصارم الذي يفرضه النظام الإسرائيلي على غزة والانقسام السياسي المستمر بين الضفة الغربية وغزة. وما لم تضطلع المنظمات غير الحكومية – أو النظام الإسرائيلي وهو مستبعد – بهذه الوظيفة، فإن الأزمة الإنسانية ستتفاقم بسرعة في غزة مع انهيار السلطة.

تضطلع البرامج الحكومية أيضًا بجزءٍ كبير من تمويل الرعاية الصحية في فلسطين، وسيؤدي انهيار السلطة إلى زيادة مصاريف العلاج المرتفعة أصلًا في مرافق القطاع الخاص. ومن المرجح أن يتخلى معظم الفلسطينيين محدودي الدخل عن الرعاية برمتها، وأن يصبح المستحقون للدعم معتمدين كليًا على خدمات الأونروا القاصرة. توظف وزارة الصحة آلاف الأطباء والممرضين الفلسطينيين وغيرهم من العاملين في القطاع الصحي، سواء السريريين أو الإداريين، وسيفقد هؤلاء وظائفهم في حالة انهيار السلطة، وسيتسببُ ذلك في صدمة للقوى العاملة. ولطالما ارتبط هؤلاء العاملون، ولا سيما الأطباء، بعلاقة خلافية بالسلطة الفلسطينية، حيث شاركوا في إضرابات متعددة في السنوات الأخيرة مطالبين بزيادة رواتبهم وتحسين ظروف العمل. وفي حين أن مرافق القطاع الخاص أو تلك التابعة للمنظمات غير الحكومية قد تستوعب بعضهم، إلا أن الآخرين سيتخذون مهنًا أخرى أو يرحلون عن فلسطين.

الصدمة الفورية الشديدة الثانية التي ستصيب قطاع الصحة في أعقاب انهيار السلطة الفلسطينية تتمثل في إصدار التصاريح الطبية. ففي كل شهر، يتقدم آلاف الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية – والكثير منهم بحاجة إلى رعاية عاجلة وآنية لأمراض مثل السرطان وأمراض القلب والدم – للحصول على تصاريح تُمكِّنهم من تلقي الخدمات الصحية الأكثر تقدمًا المتوفرة في إسرائيل أو القدس الشرقية أو مناطق أخرى داخل الضفة الغربية. وإذا انهارت السلطة الفلسطينية، سينهار أيضًا خيار التقدم للحصول على تصاريح طبية. وستكون العواقب وخيمة على حياة الفلسطينيين.

يحتاج الفلسطينيون المتقدمون للحصول على تصاريح طبية إلى إحالة من وزارة الصحة للتنسيق مع منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ومع مديرية التنسيق والارتباط في غزة، وإلى تزويد المستشفى المستقبِل بنموذج الالتزام بالدفع. ويجب أن توافقَ دائرةُ شراء الخدمة في رام الله ماليًا على الإحالة قبل الشروع في عملية استخراج التصريح، وقبل أن تدفع السلطة الفلسطينية تكاليف السفر والعلاج من خلال الاقتطاع من الضرائب الفلسطينية التي تحتفظ بها إسرائيل. ويُحتَملُ، إذا انهارت السلطة الفلسطينية، أن تنهارَ هذه الآلية المعقدة أيضًا. وحتى إذا استمر النظام الإسرائيلي في إصدار تصاريح للفلسطينيين، فإن عبء التقدم للحصول على التصاريح ودفع تكاليف الرعاية سوف يقع بالكامل على عاتق الفلسطينيين طالبي العلاج، وهذا سيجعل كلفة التدخلات المطلوبة تفوق طاقة طالبيها، وبعيدًا عن متناول الأغلبية.

مشهد قاتم

لا أحد يستطيع أن يجزم بشأن الجهة التي ستدير الرعاية الصحية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة إذا انهارت السلطة الفلسطينية. قبل اتفاقات أوسلو، كانت وزارة الدفاع الإسرائيلية (وليس وزارة الصحة الإسرائيلية) هي التي تدير شؤون الصحة الفلسطينية. وقد أشرفت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إبان تلك الفترة على تقديم الخدمات بواسطة موظفي قطاع الرعاية الصحية الفلسطينيين بشكل أساسي. غير أن إسرائيل قصَّرت، في السنوات الأخيرة، في الوفاء بمسؤولياتها تجاه الصحة الفلسطينية، كما تجلى إبان جائحة كوفيد-19.

أمّا الأونروا، فمن غير المحتمل أن تأخذ مكان وزارة الصحة في إدارة الرعاية الصحية في الضفة الغربية وغزة، بالرغم من حضورها الكثيف في غزة وذلك لأن تفويضها محصورٌ في تقديم خدماتها إلى الفلسطينيين المسجلين كلاجئين.

سوف تواصل المنظمات غير الحكومية الفلسطينية محاولاتها لسد الثغرات في تقديم الخدمة، لكنها ستكون مقيدةً بنطاق صلاحياتها، والاحتلال الإسرائيلي، ومحدودية التمويل. وعلى سبيل المثال، تشاركُ جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بشكل أساسي في الاستجابة للحالات الطارئة، والصحة المجتمعية، وإعادة التأهيل، والصحة النفسية، بيد أن هذه الخدمات تعجز عن تلبية الاحتياجات الصحية الفلسطينية. وستواصل المنظمات المحلية الأخرى مثل جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية، ومؤسسة غزة للصحة النفسية، ومنظمة جذور للإنماء الصحي والمجتمعي، تقديم الخدمات على المستوى المحلي، لكنها ستواجه معوقات تتمثل في القيود الإسرائيلية، ومحدودية التمويل، وعدم قدرتها على التوسع في تقديم الخدمات لجميع السكان.

تستطيع المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، مثل أطباء لحقوق الإنسان، أن تساعدَ في التنسيق وجهود المناصرة، غير أنها تفتقر أيضًا إلى القدرة والولاية اللازمة للاضطلاع بتوفير الرعاية الصحية على مستوى وزارة الصحة. لذلك فإنها سوف تركز في الغالب على المهمات والمبادرات الطبية قصيرة الأجل، مثل العيادات المتنقلة. أمّا المنظمات غير الحكومية الدولية فستكون تحت رحمة النظام الإسرائيلي من حيث السماح للسلع والطواقم الطبية بدخول الضفة الغربية وغزة. ومن دون الشراكة مع وزارة الصحة، لا يُعرَف أيّ الجهات الفلسطينية ستكون قادرةً على قبول الدعم المالي الخارجي على نحو عادلٍ ومنصف.

أمّا في حال استمرار الاحتلال الإسرائيلي على الأرجح بعد انهيار السلطة الفلسطينية، فإن النظام الإسرائيلي سيظل مسيطرًا على الحدود الفلسطينية، ويقرر الخدمات التي سيسمح لها بدخول الضفة الغربية وغزة. أي أنه حتى لو لم تتحمل إسرائيل مسؤوليةَ إدارة الرعاية الصحية للفلسطينيين بعد انهيار السلطة الفلسطينية، فإن احتلالها سيُبقيها اللاعبَ الأساسي في تقرير صحة الفلسطينيين، وسيستمر الفلسطينيون في المعاناة اليومية بسبب ذلك.

الدكتورة يارا عاصي أستاذةٌ مساعدة في جامعة سنترال فلوريدا في قسم الإدارة والمعلوماتية الصحية. تركز في بحوثها على الصحة العامة وحقوق الإنسان والتنمية في أوساط...
(2023, مايو 24)
إن من شأن انهيار السلطة الفلسطينية، وبالتالي وزارة الصحة، أن يترك فراغًا على صعيد توفير الرعاية الصحية المباشرة، وأن يُغيِّبَ الهيئة المركزية التي تستقبل المساعدات الخارجية الخاصة بالأمور الصحية.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025، اعتمد مجلس الأمن القرار رقم 2803 الذي يزكِّي الخطة ذات العشرين بندًا التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة. وقد فُرض التصويت بعد أسابيع من الضغوط الأمريكية، ليُقرَّ إنشاء هيئتين يُفترض أنهما انتقاليتان لتولي السيطرة على غزة: "مجلس السلام" المكلف بالإشراف على توزيع المساعدات، وإعادة الإعمار، والإدارة اليومية، و"قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة"، المكلفة بتولي الشؤون الأمنية ونزع سلاح حركة حماس. ومن اللافت أن القرار لا يشير إلى الإبادة الجماعية التي فتكت بغزة خلال العامين الماضيين، ولا يتطرق إلى المساءلة عنها. توضح هذه المذكرة السياساتية كيف يعيد القرار تغليف السيطرة الاستعمارية على الشعب الفلسطيني في غزة، ويُكافئ الولايات المتحدة -وهي شريكة في الإبادة الجماعية- بالسيطرة على غزة وعلى عملية إعادة الإعمار التي قد تدرّ أرباحًا كبيرة، بينما يُعفي في الوقت نفسه النظام الإسرائيلي من جميع مسؤولياته كقوة احتلال غير قانونية. وبذلك، يُقوِّض مجلس الأمن مرة أخرى مبادئ الأمم المتحدة القانونية تحت ضغط الولايات المتحدة، بدلًا من أن يدفع في اتجاه العدالة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 20 نوفمبر 2025
 اللاجئين
أعاد المسؤولون اللبنانيون طرح مسألة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، باعتبارها جزءًا من الجهود المبذولة للحدِّ من "الأسلحة غير الشرعية" وتعزيز سيادة الدولة. غير أن هذا الطرح يُنظر إليه، من قِبَل كثير من الفلسطينيين والمراقبين الإقليميين، باعتباره تمهيدًا لمرحلة جديدة من الضغوط السياسية والأمنية على اللاجئين ضمن رؤية أوسع لإعادة تشكيل البنية الأمنية الإقليمية. كما أنه يثير ذكريات جماعية مؤلمة عن حملات نزع السلاح السابقة التي تركت المخيمات عرضة للمجازر والدمار.
 الاقتصاد
تقدّم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى نفسها على أنها صانعةُ عالمٍ أفضل، مدفوعٍ بالذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والحلول المبتكرة المدعومة بالبيانات. وتحت شعاراتٍ، مثل: "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" (AI for Good)، تَعِدُ بابتكارٍ أخلاقي مسؤولٍ يخدم الإنسانية. إلا أنّ هذه السرديات قد انهارت في غزة، إلى جانب المعايير الدولية وما تبقّى مما يُعرف بالنظام الدولي المحكوم بالقواعد. لقد سلّطت الحرب الإبادية التي شنّتها إسرائيل على غزة الضوء على الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين العمليات العسكرية ودعم الاحتلال. فخلف هذا الدمار تكمن البُنى التحتية الرقمية، من خوادمٍ وشبكاتٍ عصبيةٍ اصطناعيةٍ والبرمجيات التي طوّرتها بعض من أكثر الشركات التقنية ريادةً عالميًّا. ومع تسليح إسرائيل الذكاءَ الاصطناعي وتكنولوجيا تحليل البيانات لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم، يشهد العالم عسكرة للتقنيات والبنى التحتية الرقمية بشكل يعيد تعريف المساءلة القانونية ويكشف عن فراغٍ خطِر في الحوكمة العالمية. يستعرض هذا الموجز السياساتي كيف امتدّ تواطؤ الشركات ليشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، ويدعو إلى تنظيمٍ عاجلٍ لعسكرة الذكاء الاصطناعي.
Al-Shabaka Marwa Fatafta
مروة فطافطة· 26 أكتوبر 2025