مقال - التغيير المفاجئ في القيادة : صحة

إن وفاة رئيس السلطة الفلسطينية الحالي محمود عباس وفاةً مفاجئة سوف تتسبب على الأرجح بأزمةٍ في الحوكمة الفلسطينية ذات تداعيات ملموسة على قطاع الصحة. وأيّ انتخابات جديدة تُفرز قيادةً جديدة سوف تتسبب في قلاقل سياسية واجتماعية. ولكن ذلك مستبعدٌ لأن السلطة الفلسطينية ترفض عقدَ انتخابات رئاسية وتشريعية.

نتائج ممكنة

يمكن أن يتمخض التغير المفاجئ في القيادة الفلسطينية عن مسارات عدة، لكلٍ منها تداعياته المختلفة على قطاع الصحة الفلسطيني.

خلافة فتحاوية

إذا استقال عباس أو وافته المنية، فإن خليفته سيُختار على الأرجح من بين النخبة السياسية داخل حركة فتح. وفي حين أن المجتمع الدولي قد ينزعج من الطابع اللاديمقراطي لهذه الخلافة، إلا أنه سوف يُفضِّل استمرار الوضع الراهن على الأرجح، وسيواصل دعمه المالي للسلطة الفلسطينية وقطاعها الصحي. غير أن هذه الاستجابة لن تلقى الترحيب الشعبي، وقد يَشرع الفلسطينيون في التعبئة والمطالبة بعقد انتخابات، الأمر الذي سيُجابَه على الأرجح بقمعٍ واسع النطاق.

الانتخابات التشريعية

إذا أُجريت الانتخابات، فإن فتح لن تفوز على الأرجح. وإذا فازت حماس، كما تشير الاستطلاعات، فقد يتخلى المجتمع الدولي عن دعم الفلسطينيين، ومن المحتمل أن يمتد الحصار الإسرائيلي المضروب على غزة ليطال الضفة الغربية أيضًا.

قد يتسبب ذلك في انهيار السلطة الفلسطينية، بما فيها وزارة الصحة. ونتيجةً لذلك، ستعاني الضفة الغربية أضرارًا في قطاع الصحة على غرار ما شهدته غزة، حيث ستتراجع إمكانية تلقي الرعاية الصحية، وستتأثر المحدِّدات الاجتماعية الأخرى للصحة مثل الأمن المائي والغذائي والتوظيف والفقر. سوف تتدخل المنظمات غير الحكومية وتقدم خدمات ترقيعية من خلال التبرعات الطوعية من الحكومات والأفراد. غير أن النظام الإسرائيلي سوف يحدُّ كثيرًا من إمكانية الوصول إلى الضفة الغربية وغزة، وسيفاقم بذلك الأزمةَ الإنسانية القائمة أصلًا هناك.

خلافة غير مخطط لها

إذا لم يقترن التغير المفاجئ في القيادة بخطة من أجل الخلافة، فإن انهيار السلطة الفلسطينية سيكون وشيكًا، حيث ستسعى الأحزاب السياسية الفلسطينية إلى الاستيلاء على السلطة، وسيزيد المجتمع الدولي على الأرجح دعمه المالي للسلطة الفلسطينية حفاظًا على استقرارها، لكن الوضع لن يكونَ مستدامًا.

ستتدخل المنظمات غير الحكومية لسد نقص الخدمات، بما فيها خدمات القطاع الصحي. غير أنه مع غياب الهيكل الحاكم، أو مع صعود حماس إلى سدة الحكم، يُحتمَل أن ينسحبَ مانحون كُثُر من دعم تلك المنظمات غير الحكومية، بحيث لا تصبح قادرة على التدخل سوى في الحالات الطارئة دون أن يكون لديها موارد أو دعم لبناء القدرات. قد يستمر الدعم المقدَّم من بلدان مثل قطر لتمويل المبادرات الصحية، ولكنه لن يرقى إلى المستوى المطلوب. وحتمًا لن يتدخل النظام الإسرائيلي لإدارة الضفة الغربية وغزة كما فعل قبل اتفاقات أوسلو، ولربما يستغل فراغ السلطة عند الفلسطينيين كذريعة للضم واتخاذ خطواتٍ أحادية الجانب أخرى لتعزيز سيطرته على الأرض. وسيتسبب ذلك في تشريد الفلسطينيين بمن فيهم العاملون في المجال الطبي، وسيتدهور واقع النظام الصحي بلا شك.

الانتقال الديمقراطي

ختامًا، الانتقال الديمقراطي للسلطة من خلال الانتخابات أو الإجماع هو أمرٌ مستبعد، ومن الصعب التكهن بآثاره. يمكن للسلطة الفلسطينية، نظريًا، أن تُبادرَ بالإعلان عن عقد انتخابات، وتتحرى ترتيباتٍ لتقاسم السلطة مع أحزاب أخرى، وتدعمَ مرشحين شعبيين ومن أطراف ثالثة، وتتغلبَ على العراقيل التي تواجه الاقتراع في القدس الشرقية. وفي حالة تشكيل حكومة وحدة منتخبةٍ ديمقراطيًا، فإن المجتمع الدولي قد يكون منفتحًا على إقامة علاقات مع حماس.

قد تكون تداعيات هذا السيناريو المستبعد على القطاع الصحي غير متوقعة، بيد أن حكومةً جديدة وشرعية وممثلة ستحتاج إلى خطةٍ لإعادة إحياء المؤسسات الفلسطينية – من المحتمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية المعاد إحياؤها – ولتُعزز الخدمات الاجتماعية خدمةً لأجندة التحرير. وفي حين أن التمويل قد يتوقف إذا انسحب المانحون، فإن حكومةَ وحدةٍ شرعية ستكون قادرةً على تأمين تمويل بديل من الحلفاء.

قد تتخذ إسرائيلُ تدابيرَ عقابية بحق الفلسطينيين بحجة المخاوف الأمنية إذا وقعَ هذا السيناريو، مما سيؤدي إلى تشديد القيود على الحركة وزيادة العنف وبالتالي التأثير في تقديم الرعاية الصحية والمُحدِّدات الاجتماعية للصحة. أمّا إذا رأى المجتمع الدولي إمكانيةً حقيقية لقيام قيادة فلسطينية تطلعية ومنتخَبةٍ ديمقراطيًا ذات خطة واضحة لبناء نظام صحي متحرر من الاستعمار يُشدِّدُ على المشاركة المجتمعية والتمكين المحلي وبناء القدرات، فإنه في تلك الحالة قد يمارسُ ضغطًا أكبر على النظام الإسرائيلي لإنهاء احتلاله للضفة الغربية وغزة.

الدكتورة يارا عاصي أستاذةٌ مساعدة في جامعة سنترال فلوريدا في قسم الإدارة والمعلوماتية الصحية. تركز في بحوثها على الصحة العامة وحقوق الإنسان والتنمية في أوساط...
إن وفاة الرئيس محمود عباس وفاةً مفاجئة سوف تتسبب على الأرجح بأزمةٍ في الحوكمة الفلسطينية ذات تداعيات ملموسة على قطاع الصحة. وأيّ انتخابات جديدة تُفرز قيادةً جديدة سوف تتسبب في قلاقل سياسية واجتماعية. ولكن ذلك مستبعدٌ لأن السلطة الفلسطينية ترفض عقدَ انتخابات رئاسية وتشريعية.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content