النقاط الرئيسية
- بالرغم من أن السلطة الفلسطينية في الظاهر لا تزال في محور السياسة الفلسطينية، فإنها لم تُحدِث سوى تغييرات حقيقية قليلة في طريقة حكم الضفة الغربية بعد 22 عامًا من استحداثها.
- ضعف السلطة الفلسطينية هو أحد أسباب فشل حل الدولتين. ومع ذلك، فإن البدائل لا تقتصر على حل الدولة الواحدة، بل تشمل أيضًا نسخًا متباينة من الوضع الراهن - وجميعها تفاقم حالة الفصل العنصري.
- إذا وُجِدَ مناخٌ إقليمي ودولي مؤات أكثر مع مرور الوقت فقد يوجدُ سيناريو مختلف - ثوري بطبيعته - ليصبحَ البديل للفصل العنصري.
ماذا تغير على صعيد الحكم في مرحلة ما بعد أوسلو (وماذا لم يتغير)
بالرغم من استحداث السلطة الفلسطينية منذ العام 1994، ظلَّ إطار الحكم السابق لاتفاقات أوسلو ساريًا في معظمه في الضفة الغربية المحتلة. ففي ظل السلطة الفلسطينية واصلت البلديات ولجان مخيمات اللاجئين، على سبيل المثال، عملَها كما كانت تفعل قبل إنشاء السلطة. ولا تزال المؤسسات الدينية في المجتمعات المتنوعة في الضفة الغربية تنظم قوانين الأسرة والأحوال الشخصية كما كانت تفعل قبل وجود السلطة. وأبقت السلطة الفلسطينية كذلك على المحاكم العسكرية كما استحدثتها منظمة التحرير الفلسطينية. وظلَّ النظامان التشريعيان النافذان في الضفة الغربية وقطاع غزة منفصلين.
ومع ذلك، ثمة مجالٌ واحد أحدثت فيه السلطة الفلسطينية تأثيرًا حقيقيًا وهو قطاع الأمن. فقد أوجدت السلطة الفلسطينية شبكةً ضخمة من موظفي الخدمة المدنية وعناصر قوات الأمن المعتمدين عليها في أرزاقهم. وهم في المقابل يبقونها على قيد الحياة ويمكِّنونها من الحفاظ على حدٍ أدنى من السيطرة على السكان. غير أن هذه الأجهزة الأمنية مفككة. فالأنظمة الداخلية لا تتواصل فيما بينها، وقلما تتبادل الأقسامُ المعلومات. وبالتالي لا يوجد جسمٌ سياسي فلسطيني حقيقي ومتماسك أو عاملٌ بتناغم في الأرض الفلسطينية المحتلة.
السيناريوهات المحتملة لمستقبل السلطة الفلسطينية: استمرار الوضع الراهن
لا تحكم السلطةُ الفلسطينية قطاعَ غزة منذ 2007. وقد يقولَ قائلٌ إنها لا تحكم الضفة الغربية كذلك. وسوف تستمر فترةُ ولاية السلطة الفلسطينية في الأجلين القريب والمتوسط بسبب إدامة الوضع الراهن على الأرجح، والذي تدعمه التجزئة المستمرة للضفة الغربية وقطاع غزة.
سوف يتحول عهد السلطة الفلسطينية على الأرجح إلى نسخة أشد من الوضع الراهن - وهو ما يسميه الكاتب "الوضع الراهن المطوَّر"، أي دولة فلسطين معدومة السيادة ومعتمدة كليًا على مجتمع المانحين الدولي وإسرائيل. وبموجب هذا النظام، سوف تُدخِل إسرائيل مناطقَ أكثر في سيطرتها، وسوف تظل السلطة الفلسطينية مسؤولةً عن السكان الفلسطينيين المحليين دون أي سلطةٍ تجاه الإسرائيليين. وسوف تستمر النخب السياسية والاقتصادية الفلسطينية في التربح من الامتيازات التي تقدمها سلطة الاحتلال. وهذا النظام سوف يمأسس نظام الفصل العنصري.
الوضع الراهن المطوَّر سوف يؤدي إلى موت حل الدولتين، لكن البديل لن يكون حلَّ الدولة الواحدة، وإنما حل اللادولة والذي يعني إدامةَ سلطات الحكم الذاتي الفلسطينية وتعزيزها، ولكن في مجالات تحددها السلطات الإسرائيلية. يمكن أن يتمخض حل اللادولة في مرحلة لاحقة عن حل الدول الثلاث هي: إسرائيل التي ستحتفظ بالأراضي التي حصلت عليها في 1948 والأراضي التي ضمتها بتوسيع مسار جدار الفصل العنصري، ودويلة يُنشؤها الفلسطينيون في قطاع غزة، ودولة ثالثة في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية تطبِّقُ نظام الفصل العنصري وستؤول بعد حين إلى دولةٍ ثنائية القومية. وبمرور الزمن يمكن أن تندمج في إسرائيل أو تصبح دولةً ذات صبغةٍ يهودية متزايدة.
فشل حل الدولتين وإمكانيات ثورية
هناك أسبابٌ عديدة تفسر فشل حلِّ الدولتين، ومنها انفصال قطاع غزة عن بقية الأرض الفلسطينية المحتلة والذي بات يزدادُ تجذرًا على نحوٍ لا رجعة فيه، واعتماد السلطة الفلسطينية على إسرائيل بوصفها سلطة الاحتلال، والتجزئة المستمرة للضفة الغربية بسبب المستوطنات والطرق الالتفافية وجدار الفصل العنصري.
من المرجح أن يقود السيناريوهان الأوليان الناجمان من هذا الفشل - الوضع الراهن المطوَّر وحل اللادولة - إلى "الاستقرار" في الأجلين القريب والمتوسط، وسيؤدي السيناريو الثالث - حل الدول الثلاث - إلى المزيد من الانقسام في الجسم السياسي الفلسطيني. غير أن هذا الاستقرار لن يكون حقيقيًا، بل سينتج حصرًا من احتواء السكان المحليين، وإدارة الضغوط الإقليمية والدولية. وهذه الترتيبات ليست مستدامة في الأجل البعيد لأن السيطرة على الشعوب بهذا النحو لا يمكن أن تستمر للأبد. أمّا إذا وُجِدَ مناخٌ إقليمي ودولي مؤات أكثر مع مرور الوقت، فقد يطرأ سيناريو رابع - ثوري بطبيعته - يمكن أن يصبح بديلا للوضع الراهن.