استخدم الزعماءُ الصهاينة التصويرات الدينية والاستشراقية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين لترويج فكرة اليهودي المتفوق والعربي الدوني. وفي عقدي الثلاثينات والأربعينات على وجه الخصوص، استخدمت جمعية تنمية السياحة في فلسطين تلك التصويرات والرسومات لحث اليهود الأوروبيين على الهجرة الدائمة إلى فلسطين. وكان الملصق الشهير المعنون "زوروا فلسطين" في الواقع جزءًا من الدعاية الصهيونية، وتمت طباعته في العام 1936 لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
واظبت إسرائيلُ على هذه الممارسة منذ قيامها كدولة في 1948. ولا تزال تستديم رواية التفوق الهيودي-الإسرائيلي في الإنتاج والفكر والبنية التحتية على السكان الفلسطينيين الأقل تقدمًا الذين تواصل قمعهم واضطهادهم. تتجلى هذه الممارسة المؤذية في الحملات الإعلانية التي تنفذها وزارة السياحة الإسرائيلية في القدس والأرض الفلسطينية المحتلة، وبخاصة في المستوطنات. وقد أدانت منظمات عديدة السياحةَ في المستوطنات، ودعت إلى محاسبة الشركات والمصالح التجارية العاملة في المستوطنات عن انتهاكات حقوق الإنسان.
تُعدّ سياحة المستوطنات صناعةً مهمة للدولة الإسرائيلية، ولاسيما في الآونة الأخيرة في ظل سعيها لضم أجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن. ولذلك، وافقت إسرائيل في 2016 على تمويل المستوطنات بمبلغ 20 مليون دولار، وقد شدَّد وزير السياحة الإسرائيلي ورئيس الوزراء نتنياهو على ضرورة إنفاق التمويل على تطوير المواقع السياحية وبناء الفنادق في مستوطنات الضفة الغربية غير القانونية. وفي كانون الثاني/يناير 2020، وافق وزير الدفاع نفتالي بينيت على إنشاء متنزهات قومية ومحميات طبيعية في الضفة الغربية في إطار مبلغ يفوق 110 مليون دولار أُنفقت في الربع الأول من العام على مستوطنات الضفة الغربية.
تعزز هذه السياسات الاستعمارية الاستيطانية الادعاءات التوراتية والعنصرية الصهيونية بملكية الأرض، وتَحُول في الوقت نفسه دون وصول الفلسطينيين إلى مواردهم الطبيعية والثقافية والاستفادة منها في تنميتهم الاقتصادية ولاسيما قطاعهم السياحي. فضلًا على أن سياحة المستوطنات تستديم اضطهاد الفلسطينيين وقمعهم. ووفقًا لتقرير أصدرته منظمة التحرير الفلسطينية في كانون الأول/ديسمبر 2017، رخَّصت وزارة السياحة الإسرائيلية ما يزيد على 8,000 مرشد سياحي إسرائيلي ومنحتهم تراخيص لدخول المواقع السياحية المنتشرة في إسرائيل والضفة الغربية، بينما لم تتجاوز نسبة التراخيص الممنوحة للفلسطينيين 0.5% من المجموع.
تتلقى الصناعة الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية القمعية الدعمَ من تدفق السياح الدينيين المستمر، وبخاصة الصهاينة المسيحيين القادمين من الولايات المتحدة. وبالرغم من أن الكثير من المواقع التاريخية ذات الأهمية الدينية تقع في الأرض الفلسطينية المحتلة، إلا أن إسرائيل تدَّعي إسرائيليتها. وعلى سبيل المثال، هدمت إسرائيل منازل فلسطينية في القدس الشرقية لإقامة "الطريق التوراتي" الذي سيكون جزءًا من متنزه أسوار القدس القومي الفسيح. ومن الأمثلة الأخرى تل شيلوه، وهو موقع أثري يقع شمال رام الله بالقرب من مستوطنة شيلوه، ويأمه عشرات الآلاف من السائحين الصهاينة المسيحيين سنويًا. ويجري تطوير هذه المواقع السياحية وغيرها بتمويل من عائلات أمريكية ثرية تربطها بالحكومة الإسرائيلية علاقات وطيدة.
يعمل برنامج معابر الأمريكي في قطاع السياحة الدينية وهو منمذج على غرار منظمة بيرث رايت إسرائيل الإشكالية. وهو يوفر الفرصة للمسيحيين الأمريكيين الشباب لزيارة إسرائيل في رحلات يدعمها ماديًا ممولون صهاينة ومسيحيون. يُمجِّد البرنامج في رحلاته إسرائيل كدولةٍ حديثة تتجلى فيها الاستمرارية مع الماضي التوراتي دون تعريج يُذكر على تاريخ الأرض الإسلامي أو الفلسطيني مما ينفي علاقة تشريد الفلسطينيين واضطهادهم بقيام إسرائيل.
يضرب برنامج معابر مثالًا للبنية التحتية الأشمل للسياحة الدينية التي تخدم الرواية الصهيونية وأجندة بناء الدولة الإسرائيلية. ويوضح، في الوقت نفسه، تواطؤ السياح الصهاينة المسيحيين في استمرار اضطهاد الفلسطينيين وتشريدهم، وحرمانهم الحقَّ في تنمية اقتصادهم.
نشرت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل نداءً من أجل سياحة أخلاقية، تطلب فيه من السائحين عدم زيارة المواقع السياحية في الأرض الفلسطينية المحتلة التي تديرها السلطات الإسرائيلية. كما أصدرت منظمات مسيحية فلسطينية أدلةً سياحية لتشجيع السياح المسيحيين على دعم شركات السياحة الفلسطينية. وفي الولايات المتحدة، هناك منظمات مثل "آي ويتنس فلسطين" توفر بدائل للسياح لزيارة الأرض المقدسة دون المساهمة في صناعة السياحة الإسرائيلية. توصيات أخرى:
- ينبغي لمنظمات المجتمع المدني، ولا سيما المنظمات الدينية في الولايات المتحدة، أن تُقيم من منظور نقدي دورَ السياحة الصديقة لإسرائيل في شرعنة الضم غير القانوني وانتهاكات حقوق الإنسان.
- بوسع المنظمات المناصرة لفلسطين في الجامعات الأمريكية أن تضطلع بدورٍ رئيسي في معارضة سفر الطلاب إلى الأرض الفلسطينية المحتلة. ويمكن اتخاذ رحلة برنامح معابر كهدفٍ رئيسي في الحملات لمنع التواطؤ مع الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان.
- ينبغي أن تدركَ السلطات التنظيمية وصناع السياسات الحاجةَ إلى إنهاء التعاملات مع الكيانات الإسرائيلية الواقعة فيما وراء الخط الأخضر. وينبغي، على أقل تقدير، مطالبة الشركات والمصالح التجارية العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة بتبني تدابير تنظيمية رادعة تضمن عدم مساهمتها في مشاريع الاستيطان الإسرائيلي غير القانوني أو التربح منها.