اقرأ/ي الورقة كاملةً
ملخص تنفيذي
الصهيونية الليبرالية: إحدى ركائز المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي
ما تزال الصهيونية الليبرالية تلعب دورًا مهيمنًا في الأيديولوجية الصهيونية رغم تنامي السياسات اليمينية في النظام الإسرائيلي. ولها وظيفة محددة ومهمة تتمثل في تغليف المشروع الصهيوني بقشرة الحضارة الغربية المستنيرة والسياسات الديمقراطية التقدمية. ولهذا نادرًا ما يوصَف النظام الإسرائيلي في الأوساط الغربية العامة بحقيقته: دولة استعمارية استيطانية تمارس الفصل العنصري.
يصفُ السياسيون ووسائل الإعلام على اختلاف أطيافهم السياسية في أوروبا وأمريكا الشمالية وخارجهما إسرائيلَ إلى حدٍ كبير بأنها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط،" وأنها تتبنى قيمًا غربية تجعلها منارةً للسياسة التقدمية في منطقة استبدادية يتعذر إصلاحها. ثم يُستخدم هذا الخطاب لتبرير الدعم الغربي الجامح للنظام الإسرائيلي، بما ينطوي عليه من تقديم الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لاستدامة استعماره في فلسطين وتوسيعه.
تنطلق الصهيونية الليبرالية المعاصرة من الصهيونية العمالية - الذراع الاشتراكي اليساري، كما يُشار إليه، للحركة الصهيونية والذي نشأ قبل أكثر من قرن ولعب دورًا محوريًا في تشكيل الدولة الصهيونية. ما انفكت الصهيونية الليبرالية منذ نشأة الدولة تتجلى في سياسات الحكومات اليسارية المتعاقبة، وفي رسالة العديد من المنظمات غير الحكومية، واللوبيات، والأحزاب السياسية، وشبكات الباحثين، والمؤسسات التي تروِّج لإسرائيل باعتبارها دولةً ليبرالية يهودية. وظلت الصهيونية الليبرالية مهيمنةً على الأيديولوجية الصهيونية لعقود عديدة بعد 1948. وفي هذا الصدد، يكتب الصهيوني الليبرالي، يهودا كيرتزر، بخصوص الصهاينة الأوائل: "اعتبرَ الصهاينةُ المنتصرون أنّ ما كانوا يفعلونه هو بناء حركة سياسية ليبرالية. وهكذا دخلت الليبرالية في الصهيونية السياسية التي أفضت في نهاية المطاف إلى بناء الدولة."
واليوم، يزعم الصهاينةُ الليبراليون تأييد حلَّ الدولتين ضمن حدود 1967، وعلى هذا النحو من الأجدرَ بهم نظريًا ألا يكونوا مهتمين في التوسع أكثر لأنهم ينظرون إلى الاحتلال على أنه خطرٌ على مشروع الدولة اليهودية. ويُعبِّرون عن ذلك أحيانًا من خلال انتقادهم سياسات وممارسات الفصل العنصري (دون استخدام مصطلح الفصل العنصري) التي توسِّعُ الدولة الإسرائيلية بإطلاق عنان السلطة المستبدة للتحكم في أعناق الفلسطينيين.
ومع ذلك، يجب النظر إلى تأييدهم حلَّ الدولتين على أنه نابعٌ من تخوفهم الأكبر من حل الدولة الواحدة الذي ستتحول بموجبه السيادة الإسرائيلية "غير الرسمية" إلى سيادة "رسمية" على سائر أرض فلسطين المستعمرة، بما يترك لإسرائيل عددًا كبيرًا من السكان الفلسطينيين يهدد مكانتها كدولةٍ يهودية. وبما أن الصهيونية الليبرالية لا تستطيع التوفيق بين الحلم الصهيوني بإقامة دولة يهودية عرقية وبين إقامة نظام ديمقراطي حقيقي، فإن واقع الدولة الواحدة سوف يفضح هذه المغالطة الجوهرية. وهكذا، فإن سياسات الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري تندرج تحت الأيديولوجية الصهيونية الليبرالية التي ترفض مواجهة حقيقة الصهيونية.
في جوهرها، الصهيونية الليبرالية هي أيديولوجية توفر الغطاء والدعم للغزو الاستعماري الاستيطاني في فلسطين باسم العقلانية والتقدم والمساواة والتسامح والديمقراطية وحتى مناهضة العنصرية. لذا لا بد من التصدي لهذه الأيديولوجية في جميع الفضاءات التي تعمل فيها. وهذا يعني نبذ الصهيونية الليبرالية بصفتها "شريكًا للسلام"، والإصرار على التحرير الفلسطيني لأرض فلسطين المستعمرةً كاملة وللفلسطينيين حيثما وُجدوا.
إن إطار عمل التحرير القائم على إنهاء الاستعمار يعود بالنفع أيضًا على اليهود الإسرائيليين على المدى البعيد. وهذا ما ينطوي عليه اجتثاث الصهيونية، الذي يبدأ باعتراف اليهود الإسرائيليين بأن الصهيونية لم تكن يومًا معنيةً "بالمسألة اليهودية" في أوروبا، وإنما استوعبتها واستنسخت المشروع الاستعماري الغربي في فلسطين؛ وينتهي حين لا يعود اليهود الإسرائيليون "مواطنين أصليين أو مستوطنين في فلسطين التاريخية،" وإنما "مهاجرون... ومقيمون مرحبٌ بهم في وطن تاريخي." المهم في ذلك هو أن هذا المفهوم يقتضي إعادةَ تصور الدولة والقومية والسيادة بعيدًا عن النماذج الاستعمارية الغربية.
في خارج فلسطين المستعمرة أيضًا يجب دحض الصهيونية الليبرالية في جميع الأحزاب والمؤسسات السياسية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ولا بد للناس في أوساط الناشطين والأوساط العامة أن يشكِّلوا ائتلافات متعددة القطاعات ملتزمة بالعدالة القائمة على إنهاء الاستعمار. ولا بد لهذه المجموعات والمنظمات أن تنظِّمَ أنشطةً من قبيل التثقيف المجتمعي، وعرائض، وحملات كتابة الرسائل، وغيرها من الأنشطة والفعاليات لوضع استراتيجية للتصدي للممانعة الصهيونية الحتمية.