ملخص تنفيذي
الفساد في فلسطين: نظامٌ متجدد
للاطلاع على الورقة كاملةً وقراءة المزيد أو تحميلها انقر هنا.
النقاط الرئيسية
- يعتقد 81% من الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية وفقًا لدراسةٍ استطلاعية أجريت مؤخراً.
- فساد السلطة الفلسطينية في فلسطين هو نظامٌ متجدد وله جذور سياسية، وهذا لا يمكن معالجته بالإصلاحات الإجرائية.
- توظِّف إسرائيلُ الفساد لخدمة أجندتها من خلال التواطؤ والتعاون والضغط من أجل "إصلاحات" مؤسسية تقوض الكفاح الوطني الفلسطيني.
- تزايد إحباط الفلسطينيين إزاء الفساد في السلطة الفلسطينية إبان العقد الماضي، وأدى إلى احتجاجات في الشارع في العام 2004، وانتخاب حركة حماس في 2006.
- يتطلب التعامل مع الفساد بفاعلية تغييرًا هيكليًا يطال النظام السياسي، ويشتمل على إيجاد نظامٍ تشريعي فعال، وقضاءٍ مستقل، ومجتمع مدني رقابي، وإصلاح نظام المعونة الدولي.
تفكيك منظومة الفساد: نظام التنفيع
اتسمت الجهودُ المبذولة لمكافحة الفساد في السنوات الأخيرة بطابعها "الفني" الغالب، حيث تجاهلت الأسباب السياسية الجذرية للفساد. وفي الواقع، فساد السلطة الفلسطينية في فلسطين هو نظامٌ متجدد، تستديمه شبكات التنفيع التي لطالما استخدمتها الدائرة المقربة في قيادة منظمة التحرير الفلسطينية على نحو منهجي لبسط نفوذها على المكونات السياسية، وإقصاء القوى السياسية الأخرى، وتنفيذ أجندتها بلا معارضة.
وبعد توقيع اتفاقات أوسلو، استمر نظام التنفيع، حيث كسبت السلطة الفلسطينية الولاءات ضمن القواعد الجماهيرية بتوفير فرص الحصول على الموارد الاقتصادية. وصبَّ نظام التنفيع في مصلحة الحكومة الإسرائيلية، حيث مكَّنها من التحكم بالسلطة الفلسطينية من خلال الريوع المصروفة لها من المانحين الدوليين، بالإضافة إلى أن تعطل المجلس التشريعي الفلسطيني، وغياب الرقابة التشريعية على الميزانية الحكومية، حرَّر الرئاسة والسلطة التنفيذية من الضوابط والموازين المؤسسية والمساءلة العامة.
مال النخب ونفوذها
إن فساد السلطة السياسية على أعلى مستوى هو الأصعب من حيث كشفه لأن النخب تتمتع في الغالب بحصانة اجتماعية أو سياسية أو قانونية. وما نعرفه عن فساد النخبة يخرج عادةً إلى العلن في أوقات النزاعات السياسية الداخلية في أوساط النخبة، حين تهيمن على عناوين الأخبار اتهاماتٌ متبادلةٌ باختلاس مبالغ طائلة.
وانطوت القضايا التي خرجت إلى العلن على الاستخدام الشخصي غير المأذون للموارد العامة، والصفقات غير القانونية بين القطاعين العام والخاص. وبحسب أول عملية تدقيق ورقابة فلسطينية أجريت في 1997، هناك قرابةَ 40% من ميزانية السلطة الفلسطينية – 326 مليون دولار أمريكي تقريبًا - قد أُسيء استعمالها. وبحسب تقرير منظمة أمان لعام 2011، فإن هدر المال العام ظل شكلَ الفساد الأبرز.
الفساد في ظل الاحتلال
تضطلع إسرائيل بدورٍ أساسي في تعزيز الفساد وحماية الفاسدين بطرق ووسائل عديدة. فاحتكارات القطاعين العام والخاص التي يتحكم بها ذوو المراتب العليا في بيروقراطية السلطة الفلسطينية وشركاؤهم في القطاع الخاص ليست ممكنةً لولا تواطؤ الشركات الإسرائيلية وتعاونها وموافقة المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية. ففي عقد التسعينيات، تورطت إسرائيل في تحويل الضرائب الفلسطينية التي جبتها إلى "حسابات سرية" فتحها بعض مسؤولون فلسطينيون.
استخدمت إسرئيل ورقةَ الفساد إبان الانتفاضة الثانية ضمن استراتيجية أوسع للتخلص من عرفات وفرض عملية "الإصلاح" التي ترعاها جهات خارجية لإعادة هيكلة مؤسسات السلطة الفلسطينية، وإضعاف عرفات من خلال استحداث منصب رئيس الوزراء، وإعادة هيكلة وزارة المالية.
رد الفلسطينيين على الفساد
تحوَّل الاستياء الشعبي المتنامي من فساد السلطة الفلسطينية إلى احتجاجات بالشارع في العام 2004 للتنديد بتعيين شخصيات فاسدة في مناصب حكومية. وكان الغضبُ الشعبي من الفساد عاملًا رئيسيًا في فوز حركة حماس الساحق في الانتخابات البرلمانية عام 2006. ولكن حكومية حماس أخذت في استحداث نسختها الخاصة من التنفيع، حيث عينت مؤيديها ورقَّتهم في مناصب حكومية مختلفة. وهذا ساهمَ في الصراع على السلطة والتنافس السياسي بين حركتي حماس وفتح. ولا تزال المنافسة بين حماس وفتح على التعيينات تشكل عائقًا كبيرًا أمام عملية المصالحة بين الفصيلين.
أسَّست السلطة الفلسطينية في العام 2010 هيئةَ مكافحة الفساد الفلسطينية وهي مكلفةٌ باستقبال شكاوى الجمهور، وضمان التعامل مع قضايا الفساد بسرعة وفاعلية. ورغم أن الهيئة توصفُ بأنها مستقلة، ماليًا وإداريًا، فإن رئيسها معينٌ بموجب مرسومٍ رئاسي، وتشير التقارير الصحفية إلى أن التحقيقات اتسمت بالانتقائية. وقد انحسرت الحملات الشعبية الموجهة ضد الفساد انحسارًا كبيرًا في السنوات الأخيرة لعدة أسباب منها تنامي الاستبداد الذي تمارسه السلطة الفلسطينية والقمع المتزايد الذي تنتهجه أجهزتها الأمنية.
اجتثاث الفساد
إن الجهود المبذولة للقضاء على الفساد من خلال تدابير فنية وبيروقراطية لا تعالج أصل المشكلة. بل قد تترتب عليها نتائجُ عكسيةٌ لأنها قد تواري مسبباته السياسية الجذرية التي تستديم حوافز الفساد وفرصه. إن التعامل مع الفساد يتطلب إعادة هيكلة المؤسسات الوطنية، ويتطلب نظامًا تشريعيًا رقابيًا فاعلًا، وضوابط وموزاين مؤسسية، ونظامًا قضائيًا مستقلًا وفاعلًا.
ينبغي أن يضطلع ممثلو المجتمع المدني بدورٍ فعال في ممارسة الرقابة على المؤسسات والموارد العامة. وينبغي إصلاح نظامِ المعونة القائم إلى إصلاحٍ يضمن ألا يساهمَ في تعزيز الفساد.