يشكوا الفلسطينيون من تزايد انتهاك حقوقهم الرقمية في منصات التواصل الاجتماعي، حيث وثَّقت منظمة صدى سوشال المدافعة عن حقوق الفلسطينيين الرقمية 1000 انتهاك في العام 2019 شملت حذف الصفحات العامة، وإغلاق الحسابات، وإزالة المنشورات، وتقييد إمكانية الوصول. يتناول هذا الموجز السياساتي إرشادات المنتدى الإشكالية التي يطبقها اليوتيوب، وطريقته في إدارة محتوى التواصل الاجتماعي، وانتهاكه حقوقَ الفلسطينيين الرقمية من خلال فرض الرقابة المفرطة.
ويستند الموجز في دراسته لسياسات الرقابة الجدلية المتبعة في اليوتيوب إلى بحث أجراه المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) وإلى مقابلات مع صحفيين ومدافعين فلسطينيين عن حقوق الإنسان ومع منظمات حقوقية دولية. ويناقش تحديدًا التعريفات المبهمة والإشكالية لمصطلحات معينة ترد في إرشادات المنتدى لدى اليوتيوب وتُستخدم كذريعة لحذف المحتوى الفلسطيني، ويناقش أيضًا الممارسات التمييزية مثل التمييز اللغوي والتمييز المكاني. ويقترح توصيات لتصويب هذا الوضع.
يُعد اليوتيوب في الشرق الأوسط أحد أبرز المنصات المستخدمة في نشر المحتوى الرقمي، حيث زاد عدد مستخدميه في الشرق الأوسط بنسبة 160% في الفترة 2017-2019، وأكثر من مليون مشترك. غير أننا لا نعرف سوى القليل عن عمل اليوتيوب في تطبيق إرشادات المنتدى وتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستخدمة في استهداف محتوى بعينه.
يُطبق اليوتيوب أربع إرشادات وسياسات رئيسية لمراقبة المحتوى وهي سياسات الخداع والمحتوى غير المرغوب فيه، والمواضيع الحساسة، والمحتوى العنيف أو الخطير، والبضائع الخاضعة للرقابة. ومع ذلك، يقول مستخدمون كُثر إن الموقعَ يحذف فيديوهاتهم دون أن تُخالف أيًا من هذه الإرشادات، ما يدلُّ على أن اليوتيوب ليس مُحاسبًا على وضوح إرشاداته ومدى إنصافها، وأنه قادرٌ على تخيُّر ما يشاء من إرشاداته الأربع لتبرير حذف المحتوى.
تؤكد منظمة المادة 19، وهي منظمة حقوق إنسان دولية، أن سياسات وإرشادات المنتدى المتبعة لدى اليوتيوب لا ترقى لمستوى المعايير القانونية الدولية الخاصة بحرية التعبير. وحثت الموقع في بيان أصدرته سنة 2018 على التزام الشفافية عند تطبيق إرشاداته وذلك بتقديم أمثلة ودراسات حالة وشروحات وافية لِما يعدُّه محتوى "عنيفًا" و"جارحًا" و"مسيئًا"، بما في ذلك "خطاب الكراهية" والهجمات "المؤذية".
يشرح عضو في منظمة الشاهد لحقوق الإنسان كيف أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الإشكالية المستخدمة لدى اليوتيوب تحذف المحتوى المهم لتحقيقات حقوق الإنسان لأنها تصنفه خطأً كمحتوى "عنيف". وفي إحدى الحالات، يقول الصحفي والمصور السوري، هادي الخطيب، إنه جمع 1.5 مليون فيديو على مدار سنوات الثورة السورية يوثق مئات الهجمات الكيماوية التي شنها النظام السوري، ومع ذلك أفاد الخطيب أنه في عام 2018 تم حذف وإخفاء أكثر من 200,000 مقطع فيديو من اليوتيوب والتي يمكن الاعتماد عليها كدليل في محاكمة مرتكبي جرائم الحرب.
هذا تحديدًا ما يتعرض له محتوى المستخدمين الفلسطينيين. والأدهى من ذلك أن اليوتيوب قد صمم ذكاءه الاصطناعي ليكون منحازًا إلى جانب المحتوى الإسرائيلي، بغض النظر عن العنف الذي يروجه. فيسمحُ، مثلًا، لأُورين جولي، عارضة البنادق الإسرائيلية بأن تنشر محتواها الذي يروج للأسلحة النارية بالرغم من مخالفته الواضحة لسياسة الأسلحة النارية المعتمدة لدى اليوتيوب.
يقول المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان إن اليوتيوب يُمارس التمييز ضد محتواهم بحجة أنه "عنيف". ومن هؤلاء الصحفي الفلسطيني بلال التميمي الذي يقول إن الموقع انتهك حقَّه في نشر مقطع فيديو يظهر جنودًا إسرائيليين يسيئون معاملة صبي يبلغ من العمر 12 عامًا في قرية النبي صالح لأن المقطع كان "عنيفًا". ولاحقًا قام التميمي بتضمين الفيديو المحذوف في فيديو آخر أطول لتجاوز عقبة الذكاء الاصطناعي، وهو أسلوب يستخدمه للإفلات من ممارسة إزالة المحتوى.
وعلى وجه التحديد، يُفيد المدافعون الفلسطينيون عن حقوق الإنسان بتعرُّضِ محتواهم على اليوتيوب إلى تمييز لغوي ومكاني، أي أن اليوتيوب يدرِّب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على استهداف الفيديوهات الناطقة باللغة العربية أكثر من غيرها، ويصمم تلك الخوارزميات كذلك لرصد المحتوى الناشئ تحديدًا من الضفة الغربية وقطاع غزة. وكلما زاد عدد المشاهدات التي يحظى بها المحتوى الفلسطيني، زادت احتمالية تعرضه للرقابة، والحجب، وقطع العائد المالي، والحذف.
ولمواجهة هذه الممارسات التمييزية وحماية الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الفلسطينيين على اليوتيوب، ينبغي تنفيذ التوصيات التالية:
- يجب على إرشادات المنتدى في اليوتيوب أن تحترم القوانين والمعايير المرعية في مجال حقوق الإنسان، ولا بد من ترجمة هذه الإرشادات إلى لغات متعددة بما فيها العربية.
- ينبغي لطرف ثالث أن يكفل بأن خاصية الذكاء الاصطناعي لا تُفرِط في تمحيص المحتوى الفلسطيني ولا تميّزُ ضده. وينبغي للطرف الثالث أن يدعم المستخدمين في الطعن في قرارات حذف محتواهم.
- ينبغي لموقع اليوتيوب أن ينشر تقارير شفافة عن العمليات التي يتبعها في تقييد محتوى المستخدمين. وينبغي أن يبين بوضوح كيف يمكن للمستخدم أن يطعن في قرارات الحذف وتقييد المحتوى.
- ينبغي للسلطة الفلسطينية أن تساندَ الدعاوى القضائية التي يرفعها الفلسطينيون مستخدمو اليوتيوب ضد الموقع وضد غيره من منصات التواصل الاجتماعي.
- ينبغي لمنظمات المجتمع المدني الفلسطيني أن تساهم في نشر الوعي بالحقوق الرقمية.
- ينبغي للناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أن يتبادلوا الخبرات والاستراتيجيات للالتفاف على التمييز اللغوي والمكاني، وغيره من أشكال التمييز. وينبغي أن يعملوا أيضًا على تطوير تقنيات تُبطل تحيز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي المستخدمة في موقع اليوتيوب.