وقّعت منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية في 1994 بروتوكول باريس الذي أسَّس "اتفاقًا تعاقديًا" يُضفي الطابع الرسمي على العلاقات الاقتصادية الرسمية، التي كانت إسرائيلُ قد حددتها سابقًا، في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة خمس سنوات. ولا يزال البروتوكول رغم انتهاء صلاحيته منذ 19 سنة يشكِّل أساسَ العلاقات الاقتصادية وإطارَ التدابير الاقتصادية والنقدية والمالية في السلطة الفلسطينية.
ومن الناحية النظرية يسمح هذا الترتيب التجاري، الأشبه بالاتحاد الجمركي، بتدفق البضائع بحرية بين الجانبين وبالاتفاق على تعريفة خارجية مشتركة على الواردات. غير أن البروتوكول أنشأ اتحادًا جمركيًا تفرض إسرائيلُ بموجبه سياستها التجارية على الضفة الغربية وقطاع غزة. ولأن الاتحاد الجمركي لا يتطلب ترسيم الحدود أو إلغاءها، فإنه قد مكَّن إسرائيل من تأجيل قضية الحدود والعمل في الوقت نفسه على احتواء الأرض الفلسطينية المحتلة واستعمارها.
تنتهك إسرائيل البروتوكول إذ تسمح فقط بحرية مرور البضائع منها إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، وليس العكس. وتفرض إسرائيل كذلك قيودًا على حركة البضائع داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، وتعوق التجارة الخارجية بسياسات الإغلاق والعراقيل غير الجمركية التي تطبقها. وهكذا أضحت الأرض الفلسطينية المحتلة سوقًا أسيرةً للصادرات الإسرائيلية.
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للأرض الفلسطينية المحتلة كسورَ الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي. إن هيكل التعريفة الجمركية اللازم لبناء الاقتصاد الفلسطيني الواهن يختلف كثيرًا عن هيكل التعريفة الجمركية الذي يلائم اقتصادًا صناعيًا كالاقتصاد الإسرائيلي. لذا، حتى لو طُبِّقَ الاتحاد الجمركي تطبيقًا سليمًا، كما نص عليه البروتوكول، فإنه سيضر بالاقتصاد الفلسطيني لأنه لا يلبي احتياجاته.
أرسى بروتوكول باريس نظامًا رسميًا تجبي إسرائيلُ بموجبه الرسومَ الجمركية المفروضة على مستوردات السوق الفلسطينية من الخارج. وفي حين أن النظام يمكَّن السلطة الفلسطينية من الحصول على موارد مهمة، فإنه يمنح إسرائيلَ سلطةً هائلة في التحكم بالإيرادات الفلسطينية. فتستغلُ إسرائيلُ هذه السيطرةَ باحتجاز الإيرادات كتدبيرٍ عقابي أو للضغط سياسيًا على الفلسطينيين.
توصيات سياساتية
- المطالبة بنظام تجاري جديد يقوم على منطقة تجارة حرة أو سياسة تجارية غير تمييزية.
- منطقة التجارة الحرة أفضل لأنها لا تقيد التجارة بين البلدان الأعضاء فيها. غير أن كل بلد عضو سيطبق سياسته التجارية الخاص به إزاء البلدان الثالثة، وهذا يجعل ترسيم الحدود الاقتصادية أمرًا ضروريًا.
- تستطيع السلطة الفلسطينية بموجب السياسة التجارية غير التمييزية أن تطبِّق سياستها التجارية الخاصة بها أُحاديًا دون الحصول على ميزة الوصول التفضيلي إلى إسرائيل أو منحها هذه الميزة.
- استحداث هيكل تعريفة جمركية جديد يتماشى والمصالح الإنمائية الفلسطينية إمّا باستمرار الوضع القائم والعمل من خلال بروتوكول باريس أو بسياسة تجارية فلسطينية مستقلة غير تمييزية مبنية على تشجيع التصنيع.
- إن تحقيق أيٍّ من هذه الخيارات يقتضي صياغة رؤية واستراتيجية اقتصادية فلسطينية واضحة تسترشد برؤية ومصلحة سياسية.