يتعرض النشاط المتضامن مع فلسطين في المملكة المتحدة لهجمةٍ متنامية في السنوات الأخيرة. تتناول هذه الورقة السياساتية جهود الحكومة البريطانية الأخيرة الرامية إلى منع الهيئات العامة من ممارسة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، وإلى الخلط بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. وتضع هذه الإجراءات القمعية في سياق الدعم البريطاني التاريخي المعهود للنظام الإسرائيلي، وفي سياق تشريع مقترح الذي من شأنه أن يجرِّمَ طائفةً واسعة من الحركات السياسية وحركات العدالة الاجتماعية. وتُبرز الجهود الناجحة في مقاومة هذا القمع الممارس ضد المعارضة، وتختتم باقتراح استراتيجيات لمواجهة هذا القمع وتعزيز الروابط بين الحركات المستهدفة.
لم تتوقف الحكومة البريطانية عن دعمها للصهيونية منذ ما يزيد على قرنٍ من الزمن. فبالإضافة إلى وعد بلفور للصهاينة سنة 1917 بإنشاء "وطن قومي" لليهود في فلسطين، دأبت بريطانيا على تقديم المساعدة العسكرية للنظام الإسرائيلي، اشتملت على تطوير الأسلحة النووية ومبيعات الأسلحة وغيرها من أشكال المساعدة. تتخذ الحكومة البريطانية موقفًا رسميًا معارضًا للمستوطنات الإسرائيلية منذ 1967، ولكنها ترفض محاسبة إسرائيل، بل وتكافئ النظام الإسرائيلي بتوطيد العلاقات التجارية والدبلوماسية معه. وهذا ناجم بوضوح عن التوافق الأيديولوجي التاريخي بين بريطانيا والصهيونية، وعن أولويات السياسة الخارجية البريطانية في الشرق الأوسط.
وانسجامًا مع تلك السياسات، ما انفكت الحكومة البريطانية تتخذ تدابير لقمع النشاط المتضامن مع فلسطين. غير أن المناورات الأخيرة تمثل حقبة جديدة في القمع الذي تمارسه الدولة البريطانية ولها تداعيات خطيرة على نشاط التضامن مع فلسطين والحركات المتحالفة معها. يتمثل أحد الأساليب المفضلة لدى الحكومة في ربط النضال الفلسطيني من أجل التحرير بالإرهاب. وفي عام 2003، وفي إطار هذا النهج، استحدثت الحكومة البريطانية استراتيجية "المنع (بريفينت)" للتعامل مع "التطرف." واستراتيجية المنع هذه تستهدف الأفراد قبل ارتكابهم أي جريمة، وتقتضي من العاملين في قطاعي التعليم والصحة تحديد المتطرفين المحتملين الذين لم يرتكبوا جريمةً بعد.
وبالرغم من أن غالبية البلاغات التي يرفعها العاملون في هذين القطاعين عارية عن الصحة، إلا أن لها عواقب وخيمة على المبلَّغ عنهم، فضلًا على أن المسلمين مستهدفون أكثر من غيرهم. يُعد التعاطف مع فلسطين أو الاهتمام بشأنها، بموجب استراتيجية المنع، أمارةً محتملة للتطرف. وتتجلى آثار ذلك بوضوح، حيث تعرض تلاميذ للاستجواب من الشرطة، وتعرض طلاب جامعيون للمراقبة والمضايقة.
بالإضافة إلى ربط النشاط المتضامن مع فلسطين بالإرهاب والتطرف، كثيرًا ما يُخلَطُ بينه وبين معاداة السامية. في عام 2018، تبنت الحكومة البريطانية تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، والذي يخلط عمدًا بين معاداة الصهيونية ومعاداة السامية. ومنذ عام 2020، تعرضت الجامعات في المملكة المتحدة لضغوط لاعتماد ذلك التعريف، حيث هددتها الحكومة بإيقاف تمويلها إذا لم تنصاع إلى تعليماتها. وقد أذعنت جامعات كثيرة لتلك الضغوط، وأخذ أكاديميون فلسطينيون يواجهون خطر فقدان وظائفهم على نحو متزايد بسبب ذلك.
بالإضافة إلى تبني تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، اتخذت الحكومة البريطانية خطوات تشريعية لتقييد الحق في المقاطعة، وهو تهديد مباشر لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات. وفي عام 2016، أصدرت الحكومة "توجيهات" تندد بمقاطعة المشتريات في الهيئات العامة باعتبارها "غير مناسبة." وقد تصاعدت وتيرة هذه الهجمات في السنوات الأخيرة، ومن المزمع أن يُعرض مشروع القانون المناهض للمقاطعة على البرلمان - وهي خطوة من شأنها أن تهدد عمل طائفة واسعة من حملات العدالة الاجتماعية.
يواجه نشاط التضامن مع فلسطين أيضًا قمعًا من المناورات القانونية التي تستهدف حركات العدالة الاجتماعية والمجتمعات المستضعفة. ولعل أكثر ما يُثير القلق هو مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم الذي يمنح وزارة الداخلية ومسؤولي الشرطة سلطةَ تقديرية واسعة لاعتبار الاحتجاجات غير قانونية واعتقال واتهام المشاركين فيها ومنظميها.
يواصل الناشطون مقاومتهم لهذه الموجة الجديدة من قمع الدولة، وقد نجحوا في مسعاهم في حالات كثيرة حتى الآن. وعملهم يشكِّل وصفةً تُتَّبع لمقاومة القمع الحكومي المستمر، وإرساء الأرضية للنضال المستقبلي.
- تكوين التحالفات الطلابية وتحالفات الأكاديميين عنصرٌ أساسي في مقاومة السياسات القمعية في الجامعات. يستطيع الأكاديميون، ويجب عليهم، أن يرفضوا رفضًا جماعيًا بأن يشاركوا في التجسس الذي تسنّه الحكومة على الطلاب، وأن يضغطوا على الجامعات لكي ترفض تبني تعريف معاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.
- تُعد المعارضة القانونية ضد نزع الشرعية عن حركة المقاطعة فعالةً على نحو خاص. في المملكة المتحدة، قاومت حملة التضامن مع فلسطين وحلفاؤها محاولات الحكومة البريطانية لإسكات حركة المقاطعة في المحاكم، بالتزامن مع نجاحات مشابهة حققتها تدخلات قانونية في أنحاء مختلفة من أوروبا. وينبغي للناشطين وحركات العدالة الاجتماعية أن يستفيدوا من هذه الأسبقيات القانونية الجديدة.
- ينبغي للناشطين المتضامنين مع فلسطين أن يواصلوا التعبئة من خلال المجموعات المتداخلة ضد مشروع قانون الشرطة والجريمة وإصدار الأحكام والمحاكم وغيرها من المناورات الحكومية. فهذه المجموعات قادرة على ممارسة ضغط أكبر على الحكومة، وتعتقد اعتقادًا راسخًا بترابط النضالات، وتؤمن بمقاومة القمع والاضطهاد.