بات الحديث عن هيمنة وسيطرة الرئيس محمود عباس على النظام السياسي والقضائي الفلسطيني أمرًا عاديًا. إذ أصدر الرئيس خلال العام 2022، بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر، وكحالة امتداد للقرارات السابقة، وإحكام السيطرة، مرسومًا رئاسيًا يقضي بإنشاء المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية، يترأسه الرئيس نفسه. جدير بالإشارة أنه منذ عام 2007 أُصدر نحو 400 قرار بقانون، وتصاعدت منذ عام 2019.
تعمل هذه القرارات بقانون على ترسيخ هيمنة الرئيس والنخبة الحاكمة على الأنظمة القضائية وعلى حمايتهم من المساءلة. تتناول هذه الورقة السياساتية الأساليب والقرارات المختلفة، والتي عن طريقها نجح الرئيس والنخبة الحاكمة في تعزيز الهيمنة على النظام القضائي الفلسطيني في الضفة الغربية. وعليه، يدور السؤال في هذه الورقة حول ترابطات وتفاعلات هذه الهيمنة على مختلف نواحي الحياة، والتفكير ربما بما هو العمل أمام حجم السيطرة والتفرد، وكيف بالإمكان مواجهة هذا النظام السياسي، والمبادرة لإصلاح الوضع الراهن.
إلا أنه ومنذ بداية الانقسام الفلسطيني عام 2006 وانفصال السلطة القضائية في غزة عن مجلس القضاء الأعلى في الضفة الغربية عام 2007، برزت مظاهر جديدة لتدخل السلطة التنفيذية - المتماهية مع حزب السلطة في الضفة الغربية، حركة فتح - في السلطة القضائية في الضفة الغربية، وتمثلت بإحكام السيطرة الأمنية على التعيينات القضائية وفي النيابة العامة، والتدخل المباشر في تعيين رؤساء مجلس القضاء الأعلى وإقالتهم، وإجبارهم على توقيع استقالاتهم، وإحكام السيطرة على محكمة العدل العليا، والتحكم بميزانيات السلطة القضائية، والامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية، ومحاولات تعديل قانون السلطة القضائية المستمرة.
على الرغم من الإدانة الواسعة لهذه المراسيم من قبل المجتمع المدني الفلسطيني على مر السنين، لم يتراجع الرئيس عن المراسيم فحسب، بل وأصدر قرارات بقانون إشكالية جديدة. وفي هذا السياق، يندرج المرسوم رقم 17 لعام 2022 ضمن مسار الإجراءات القانونية التي رسّخت هيمنة الرئيس على القضاء. إذ يشكل المرسوم الرئاسي لإنشاء المجلس الأعلى للهيئات والجهات القضائية رقم 17 لسنة 2022 وبرئاسته، مساسًا بمبادئ دستورية، خاصة المبدأين الأساسيين في القانون الأساسي الفلسطيني؛ الفصل بين السلطات، واستقلال القضاء.
تضمن هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء، متجسدة بهمينة الرئيس والنخبة الحاكمة، توطيد سلطتها على العديد من جوانب الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الفلسطينية، ففي نظام الحكم الاستبدادي، تعني السيطرة على الأنظمة السياسية والقضائية السيطرة على الحقوق الجماعية والفردية للشعب، بما في ذلك قدرتهم على العمل والتنظيم وصياغة هوية جماعية والنضال من أجل حقوقهم. ويمس هذا بالتحديد على الشركات غير الربحية و الحراكات الاجتماعية والمطلبية والنقابية.
وفي ظل غياب قانون ناظم لعمل الاتحادات الشعبية وقانون عام للنقابات المهنية، نلاحظ أن السلطة القضائية تساهم في هذا القمع من خلال القرارات القضائية التي تبطل الإضرابات النقابية باستخدام تفسير الصالح العام من وجهة نظرها، إضافة إلى طرح مسألة الإضراب وتأثيرها على القطاعات ذات الصلة. ونلاحظ أن "90% من القرارات الصادرة عن محكمة العدل العليا تأتي في صالح السلطة التنفيذية."
على الرغم من أن السلطوية لا تزال مترسخة في العديد من جوانب الحياة الفلسطينية في الضفة الغربية، تظهر هذه الورقة السياساتية أن العمل الجماعي من جانب الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني الفلسطيني يمكن أن يكون فعالًا في عرقلة الهيمنة على النظام القضائي والسياسي. وللقيام بذلك بشكل فعال يجب على الفلسطينيين أن يتحدوا حول رؤية مشتركة للإصلاح السياسي والقضائي والوسائل التي يمكن من خلالها تحقيق ذلك في ظل الوضع الراهن. إذ دون إجماع المجتمع حول الحاجة إلى تفكيك ركائز الاستبداد والديكتاتورية التي رسختها النخبة الحاكمة، وحول طريقة القيام بذلك، فإن أي استبدال للوضع الراهن لن يعكس الإرادة الشعبية الفلسطينية، وبالتالي قد يفشل.
في ظل غياب انتخابات حرة ونزيهة، يجب على المجتمع الفلسطيني إنشاء لجان إصلاح مستقلة مؤلفة من ممثلين عن الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والحركات الاجتماعية لتولي مهمة التدقيق في القرارات بقانون. ويجب على لجان الإصلاح التحقيق في قضايا القمع القضائي للنقابات والحركات الاجتماعية من أجل تحديها. سيتطلب جزء من هذا وضع مبادئ مجتمعية للمساءلة يمكن استخدامها لمواجهة الهيمنة، بما في ذلك سيطرة القوات الأمنية والنخبة الحاكمة والقضاة المنحازون لموقف سياسي في إصدار أحكامهم.
كما يجب على القضاء بعد إصلاحه أن يضع شروطاً تمنع السلطة التنفيذية من تعليق عمل المجلس التشريعي وإلغاء الانتخابات التشريعية. إذ دون انتخابات حرة وديمقراطية، لا يمكن ضمان مساءلة القضاء والسلطة التنفيذية أمام القانون.