داهمت الشرطة الإسرائيلية في 22 تموز/يوليو 2020 معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى، ومركز يبوس الثقافي، وشبكة فنون القدس (شفق) في القدس الشرقية ونهبت موجوداتها بحجة تمويلها الإرهاب. واعتقلت أيضًا مديري هذه المؤسسات واحتجزتهم. لا تُعدّ هذه الهجمات على المراكز الثقافية الفلسطينية جديدة، وإنما تعكس المسعى الإسرائيلي الممنهج والمستمر في تدمير القدس الفلسطينية.
اضطلعت القدس تاريخيًا بدورٍ أساسي في تشكيل الهوية السياسية والاجتماعية الفلسطينية. ولكن منذ احتلالها وتقسيمها في 1948 إلى شَطر غربي تسيطر عليه إسرائيل وشَطر شرقي يسيطر عليه الأردن، عملت إسرائيل بجدٍ على طمس الهوية الفلسطينية للقدس من خلال حملات التطهير العرقي واحتلالها المستمر الذي يجعل حياة الفلسطينيين لا تُطاق في المدينة. وسعت إسرائيل على قدمٍ وساق منذ احتلالها القدس الشرقية في 1967 إلى محو الوجود الفلسطيني في المدينة من خلال تشييد الجدار الفاصل، وفرض متطلبات غير عملية لاستدامة الإقامة، وخطط التطوير الحضري التي تنطوي على إزالة المباني الفلسطينية وبناء أخرى غيرها، وإغلاق المؤسسات السياسية والثقافية الفلسطينية مرارًا وتكرارًا.
يُعدّ بيت الشرق الكائن في حي الشيخ جراح بالقدس المؤسسةَ السياسيةَ والثقافيةَ الفلسطينية الوحيدة التي صمدت لأطول فترة في وجه حملة التدمير الإسرائيلي. أنشأت عائلةُ الحسيني العريقة بيت الشرق في العام 1987، واكتسب المبنى أهميةً لاستخدامه في حفظ المواد المؤرشفة وكحيزٍ للتنظيم السياسي، واستُخدم في تسعينات القرن الماضي كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية في القدس. غير أن النظام الإسرائيلي أغلق بيت الشرق في العام 2001، وقضى بذلك على السلطة السياسية الفلسطينية الوحيدة المعتَرف بها في القدس.
دأب النظام الإسرائيلي، منذئذٍ، على منع المؤسسات السياسية الفلسطينية من ممارسة نشاطها في القدس. وأغلق منذ العام 2000 ما يزيد على 42 مؤسسة فلسطينية في القدس الشرقية بحججٍ مختلفة تراوحت بين الانتماء السياسي "غير المشروع" وبين التخلُّف عن دفع الفواتير. وهكذا فإن الهجمات الأخيرة على المراكز الفلسطينية الثلاثة في المدينة تندرج ضمن المسعى الإسرائيلي المتواصل الرامي إلى تعطيل الحياة السياسية والثقافية الفلسطينية في القدس. وهي تمثل أيضًا جهودًا متجددة ومنسَّقة تهدف إلى تشويه سمعة المنظمات الحقوقية والأهلية الفلسطينية وتدميرها. وتضطلع منظمة مونيتر بدورٍ بارز في هذا الصدد، حيث ترتبط بِصلات مع الحكومة وتعمل مع وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية بهدف قطع التمويل الدولي عن المنظمات الفلسطينية لإجبارها على الإغلاق.
تحقق المنظمة هذا الهدف بطريقتين: اتهام المنظمات الفلسطينية بدعم حركة المقاطعة أو العمل معها، واتهام المنظمات أو الأفراد "بالانتماء إلى منظمات إرهابية" أو "تمويل الإرهاب." وهذه الاتهامات محض افتراء ولا سند لها، فضلًا على أن مصطلح "الانتماء" تُركَ عامًا وفضفاضًا عن قصد، حتى يتسنى تصنيف أي تعبيرٍ سياسي فلسطيني تحت باب "الانتماء". وبالرغم من الشك والريبة التي تعتري ادعاءات منظمة مونيتر بحق المنظمات الفلسطينية، إلا أن المجتمع الدولي يَحفل بها ويستخدمها لقمع المجتمع المدني الفلسطيني بتقليص التمويل أو قطعه أو حتى سحبه نهائيًا. وبالرغم من إطلاق سراح مديري المؤسسات الثقافية الثلاث في القدس الشرقية، إلا أن وصمة دعم الإرهاب التي التصقت بهم ستعود عليهم وعلى منظماتهم بالضرر دون شك.
وفيما يلي بضعة مقترحات لمقاومة تدمير المؤسسات الثقافية والسياسية الفلسطينية في القدس:
- ينبغي للفلسطينيين حول العالم أن يُشدِّدوا على أهمية المحافظة على المؤسسات والمنظمات الفلسطينية في القدس من خلال الدعم المالي وبذل جهود التضامن المتواصلة والفعالة.
- ينبغي للفلسطينيين في الضفة الغربية التصدي لإضعاف مكانة القدس كعاصمة فلسطين، وذلك بنبذ الحديث عن رام الله واعتبارها العاصمة الفلسطينية المزيفة.
- ينبغي للجهات الحكومية الثالثة أن تقدم الدعم العلني وغير المشروط للمؤسسات الفلسطينية في القدس، ولا سيما تلك الواقعة تحت هجمات النظام الإسرائيلي.
- ينبغي للجهات الحكومية الثالثة أن تدرك أهمية وجود تمثيل سياسي فلسطيني في القدس، وأن تدعمَ، في سبيل ذلك، إعادةَ دور بيت الشرق كمقر لهذا التمثيل، كما فعل الاتحاد الأوروبي في 2014، وأن تمارسَ الضغط السياسي لتحقيق ذلك.
- لا ينبغي للجهات الحموكية الثالثة أن تتخذَ منظمة مونيتر أو وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية كمصدرٍ شرعي للمعلومات المتعلقة بالفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية. وينبغي أيضًا أن تصنِّف منظمة مونيتر علنًا بأنها ذراع للدولة الإسرائيلية تنفذ أجندة موجهة نحو شيطنة المجتمع المدني الفلسطيني وتجريمه.
- يجب على المجتمع الدولي أن يرفضَ تهمتي "النشاط الإرهابي" و"الانتماء" السياسي اللتين يكيلهما النظام الإسرائيلي كتهمتين لا أساس لهما، ولا سيما أن تعريف "الانتماء" الفضفاض صُمِّم تحديدًا لاستهداف أي فلسطيني.