ما انفك جهاز الأمن الإسرائيلي، منذ قيام دولة إسرائيل في 1948، يُعذِّب الفلسطينيين تعذيبًا ممنهجًا بأساليب متعددة.
يحظر النظام القانوني الدولي التعذيب بموجب القانون الدولي العرفي ومجموعةٍ من المعاهدات الإقليمية والدولية. ومع أن إسرائيل صادقت في 1991 على اتفاقية مناهضة التعذيب إلا أنها لم تعكسها في تشريعاتها المحلية. ولا تزال تصرُّ على أن اتفاقية مناهضة التعذيب لا تسري على الأرض الفلسطينية المحتلة بالرغم من تأكيد لجنة الأمم المتحدة عكس ذلك. وهكذا تستطيع إسرائيل أنْ تنفي قطعًا وقوع جريمة التعذيب داخل حدودها، رغم أنها فعليًا تُجيزها في حالات "الضرورة" التي تُدعى أيضًا "القنبلة الموقوتة" وهي عقيدة أمنية تستخدمها حكومات كثيرة لتبرير التعذيب والعنف في حالات تعدها حساسة من حيث الوقت.
أقرت إسرائيل كذلك أحكامًا عديدة إزاء مسألة التعذيب تغفر للأجهزة الأمنية الإسرائيلية انتهاكاتها وتشدُّ على يدها. فقد أصدرت محكمة العدل الإسرائيلية قرارًا في 1999 يقضي بمنع محققي جهاز الأمن الإسرائيلي من استخدام الأساليب الجسدية في التحقيقات. غير أن المحكمة أضافت بندًا بمثابة ثغرةٍ قانونية للمحققين، ينص على أن المحققين الذين يستخدمون الضغط الجسدي لن يتحملوا مسؤوليةً جنائية إذا وُجِد أنهم فعلوا ذلك لإبطال قنبلة موقوتة أو لضرورةٍ يقتضيها الدفاع عن الدولة.
وبالرغم من أن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية ترفع شكاوى وتظلمات للسلطات الإسرائيلية بانتظام، إلا أنها قلما تتلقى ردًا، ويكون الرد في الغالب لإبلاغها بأن ملف القضية أُغلق لعدم كفاية الأدلة.
يُجيز القانون الإسرائيلي للجيش احتجاز المعتقل لمدة تصل إلى ستة أشهر دون اتهام بموجب الاعتقال الإداري. وفي الفترة الأولى من الاعتقال، سواء الإداري أو غيره، يُحرَم المعتقلون في الغالب من التواصل مع المحامين أو أفراد أسرهم، ويتعرضون لأقسى أساليب التحقيق والتعذيب.
لا يَسلم الأطفال من بلاء السجن والتعذيب في ظل النظام العسكري الإسرائيلي، وهم محرومون على الدوام تقريبًا من حضور أولياء أمورهم أثناء التحقيقات.
وفي حين أن التعذيب الجسدي يمكن أن يُلحِقَ إصابات بجسم المعتقل، ككسور العظام وآلام العضلات والمفاصل المزمنة، ولا سيما نتيجة الوضعيات المرهقة أو الحبس في حيز محصور، فإن الضرر النفسي يمكن أن يكون أشد، حيث يتسبب في حالات مثل الاكتئاب الدائم والمستفحل، والهلوسة، والقلق، والأرق، والتفكير في الانتحار.
تتطلب العديد من آليات التعذيب تواطؤ فاعلين آخرين داخل النظام القضائي العسكري الإسرائيلي، بمن فيهم العاملون في الرعاية الطبية، رغم أن مدونة أخلاقيات مهنة الطب كما في إعلان طوكيو وبروتوكول اسطنبول تنص على ألا يتعاون الأطباء مع المحققين الممارسين التعذيبَ، وألا يُطلعو القائمين بالتعذيب على المعلومات الطبية، وأن يجتهدوا في مناهضة التعذيب. يتواطؤ الأطباء في إسرائيل في التعذيب أيضًا من خلال إطعام المعتقلين قسرًا - وهو شكل آخر من أشكال التعذيب المستخدمة في إسرائيل، وإنْ كان أقل شيوعًا.
التعذيب بالنسبة إلى الفلسطينيين ليس إلا تَجلٍ آخر من تجليات العنف المنظَّم الذي يمارسه النظام الإسرائيلي الذي يحتجزهم في سجن مفتوح ويحرمهم حقوقَهم الأساسية. ولا يسترعي هذا التعذيب سوى اهتمام ضئيل من المجتمع الدولي لأن السلطات الإسرائيلية في العادة تتذرع بالأمن القومي وحجة "الحرب على الإرهاب."
في 13 أيار/مايو 2016، أوصت لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة إسرائيل بتطبيق ما يزيد على 50 تدبيرًا في أعقاب الاستعراض الدوري لمدى امتثالها لاتفاقية مناهضة التعذيب. وبالرغم من أهمية تلك التوصيات التي ينبغي أن تمتثل لها إسرائيل، إلا أنها لا تكفي حين تكون دول ثالثة غير راغبة عمومًا في محاسبة إسرائيل على انتهاك القانون الدولي وحقوق الفلسطينيين.
توصيات سياساتية
- ينبغي للمنظمات أن ترفعَ دعاوى قضائية بالمسؤولية الجنائية الفردية خارج إسرائيل وفلسطين ضد المتورطين في تعذيب الفلسطينيين. والمسؤولية لا تقتصر على الذين يمارسون التعذيب، بل تطال كذلك مَن يتواطؤ معهم ومَن يحذف المعلومات المتعلقة بحوادث التعذيب.
- ينبغي لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يفتحَ تحقيقًا رسميًا في الانتهاكات المرتكبة في نظام السجون الإسرائيلي بناءً على كل المعلومات والتقارير المفصلة الواردة إليه.
- ينبغي للدول الموقعة على اتفاقيات جنيف ومنظمات حقوق الإنسان الدولية أن تمارس الضغط على اللجنة الدولية للصليب الأحمر لكي تلتزم بولايتها في حماية المعتقلين الفلسطينيين والتحقيق في كل الاتهامات الموجهة بممارسة التعذيب.
- ينبغي أن يستمر المجتمع المدني الفلسطيني والمؤسسات الفلسطينية في دعم القائمين على مساعدة ضحايا التعذيب.