بالرغم من أن المرأة الفلسطينية اضطلعت على الدوام بدورٍ أساسي في نضال التحرر من النظام الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، إلا أنها ظلت مهمَّشةً سياسيًا. ويُعد النظام الإسرائيلي القوة المهيمنة التي تقمع المرأة الفلسطينية سياسيًا، غير أنه يجدر بنا أيضًا أن نعرف هوية القوى الفلسطينية والدولية المساهِمة في إضعاف الدور السياسي للمرأة الفلسطينية.
لقد أصبحت وجوه التهميش السياسي الذي تعانيه الفلسطينيات أكثر تعددًا وترسخًا منذ عقد التسعينات حين أحدثت اتفاقات أوسلو تغييرات عديدةً في بُنية المجتمع الفلسطيني وطريقة حُكمه. وكان من جملة تلك التغييرات تحول منظمات المجتمع المدني إلى كيانات مهنية وبيروقراطية، الأمر الذي أحدث مسافةً بينها وبين القواعد الشعبية والمجتمعات المحلية. فقد حَدَت بالمنظمات إلى تحويل تركيزها على المواعيد النهائية للمشاريع، والميزانيات، ومقترحات التمويل، والتقارير السنوية، وكلها تخضع إلى مجتمع المانحين الدولي.
وينعكس هذا التغير بوضوح في اللغة المستخدمة في حقبة ما بعد أوسلو حول حقوق المرأة داخل المجتمع المدني الفلسطيني، حيث إن الكثير من المصطلحات الطنانة المستخدمة لتأمين التمويل للمشاريع هي من وضع المنظمات الدولية التي فرضت معانيها وشروطها. فعلى سبيل المثال، يقتصر مصطلح "التمكين" على التمكين الاقتصادي والاجتماعي والمشاركة في "صنع القرار" وليس تمكين المرأة على مقاومة الاحتلال ووضع رؤية لما بعد الاستعمار. وفي حين أن قولبة الحركة النسائية في منظمات غير حكومية قد سرَّحت العديد من الجماعات ضمن المجتمع الفلسطيني، فإن المرأة لا تزال تتتضرر بسبب النزعات المؤسسية الساعية لاستبعاد المرأة من الحياة السياسية.
إن إدماج المرأة في الحياة السياسية المؤسسية الفلسطينية لا يزال سطحيًا جدًا في مستواه الحالي. فمثلًا هناك سيدة واحدة فقط بين الأعضاء الخمسة عشر في المجلس التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومن بين المحافظات الستة عشر في الضفة الغربية وقطاع غزة، هناك محافَظةٌ واحدةٌ فقط هي محافظة رام الله والبيرة ترأسها سيدة. وكذلك الحكومة التي يترأسها محمد اشتية تضم ثلاث وزيرات فقط من أصل 22 منصبًا وزاريًا.
تفتقر المرأة الفلسطينية في الغالب إلى أبسط الضمانات القانونية وأشكال التمثيل السياسي، ما يعني أنها مستضعفة بوجه خاص لدرجة أنها تُستَخدم كسلاح. ولذا فإن التحرش الجنسي والتهديد بارتكاب العنف الجنسي هو سلاحٌ فعّال على وجه الخصوص.
يستخدم النظام الإسرائيلي الأساليب القائمة على النوع الاجتماعي لقمع الفلسطينيات، ومن بينها أسلوب التحرش، والتهديد بالعنف الجنسي، والحبس، ما يساهم في ترسيخ القوالب النمطية حول النوع الاجتماعي والروايات الأبوية التي تستبعد المرأة من الحياة السياسية. تتبع السلطة الفلسطينية أساليبَ مشابهةً لتلك التي تمارسها القوات الإسرائيلية لردع النساء عن المشاركة في النشاطات السياسية. تُعد المظاهرات والاحتجاجات في معظم الأحيان مسرحًا للعنف ضد المرأة. وفي بعض الحالات، تتعرض النساء لعنف جنسي جسدي، حيث تطال الأيادي أجسادهن أثناء المظاهرات.
تجدر الإشارة إلى أن المرأة الفلسطينية لم تصمت على العنف المرتكب ضدها. فلطالما واجهت مثلًا الممارسات التي تستخدم جسدها كسلاح، وذلك بمعرفة حقها في التزام الصمت أثناء الاستجوابات ومن خلال التكتل في جماعات أو أزواج في المظاهرات.
توصيات سياساتية
- ينبغي للنساء الفلسطينيات والمنظمات والتعاونيات الفلسطينية المدافعة عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين أن تخضع لإعادة هيكلة وتتحول إلى حركة نسائية مستقلة تناضل من أجل تحرير المرأة في المجالات كافة.
- يجب على المنظمات النسائية أن تجد وسيلةً لاستعادة ارتباطها بالقواعد الشعبية وبخطاب التحرير .
- يجب على المنظمات والناشطين التصدي لتهميش المرأة في الحياة السياسية. وينبغي للرجال تحديدًا أن يدركوا ديناميات القوة التي تمنع المرأة من المشاركة، وأن يدعموا النساء في مقاومة تلك الديناميات.
- ينبغي للمرأة الفلسطينية أن تأخذ العبرة من النساء الأخريات في المنطقة اللاتي شاركن مؤخرًا في عمليات التغيير السياسي الهائل.
- ثمة حاجة مُلحة لإدماج المنظور النسوي في المشروع السياسي الفلسطيني من خلال تبني وثيقة تحرير جديدة لا تتعامل مع المنظور النسوي كنظرية وحسب، بل كممارسة وأسلوب حياة يعمل من أجل تحرير الناس كافة.