يعاني الفلسطينيون والفلسطينيات في غزة أزمةً متفاقمة في الطاقة بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر. وما انفكوا لذلك يبحثون عن مصادر بديلة للطاقة تستمد تمويلها من مساعدات المانحين ومبادرات القطاعين الحكومي والخاص. وفي حين أن هذه المساعي يمكن أن تمنح الفلسطينيين والفلسطينيات حلولًا قصيرة الأجل لتلبية بعض احتياجاتهم من الطاقة، إلا أنها تعجز عن معالجة المعوقات الأساسية التي يفرضها الحصار الإسرائيلي، وبالتالي فإنها تنزع عن أزمة الطاقة بعدَها السياسي وتستديم الوضع القائم.
تضع هذه الورقة السياساتية أزمة الطاقة في غزة في سياق الحصار الإسرائيلي للنظر عن كثب في أزمة الكهرباء التي يعيشها القطاع المحاصر والاستراتيجيات التي يتبناها الفلسطينيون والفلسطينيات لمواجهتها بما فيها من خلال تكنولوجيا الطاقة الشمسية. وترى أن أي محاولة لتنبي مصادر طاقة بديلة في سياق الحصار الاقتصادي تفرض عبئًا إضافيًا على الأسر الفلسطينية التي تعاني أصلًا من محدودية فرصة الحصول على احتياجاتها الأساسية. وتختتم الورقة بتوصيات سياساتية للقيادة الفلسطينية ومجتمع المانحين الدولي والناشطين والناشطات البيئيين حول السبل المتاحة تعزيز قدرة الفلسطينيين والفلسطينيات على تقرير مصيرهم الاقتصادي في غزة.
إن تقاعس المجتمع الدولي عن محاسبة إسرائيل يضمن استمرار اعتماد الفلسطينيين والفلسطينيات على مساعدات المانحين لتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما فيها الطاقة. وإذا استمر المانحون في تجاهل مطالبات الفلسطينيين والفلسطينيات بالسيادة على أرضهم ومواردهم الطبيعية، وفي حماية إسرائيل من المحاسبة، فإنهم لا يُسهمون إلا في ترسيخ قمع الفلسطينيين والفلسطينيات وافتقارهم إلى الطاقة، وذلك بغض النظر عن مدى حاجة الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة إلى تلك المساعدات.
يعاني سكان غزة صعوبةً أكثر من غيرهم في الحصول على الكهرباء. فبالإضافة إلى القيود المفروضة على إمدادات الكهرباء، ظل الطلب الإجمالي على الكهرباء في غزة يزداد بموازاة النمو السكاني، حيث سجَّل الاستهلاك المنزلي من الكهرباء أعلى نسبة. تتفاقم أزمة الكهرباء بسبب الانقطاعات المتكررة التي تعوق قدرة مؤسسات القطاع العام على تقديم الخدمات الأساسية مثل المياه وإدارة النفايات والرعاية الصحية والتعليم. تطال أضرار الأزمة القطاع الخاص أيضًا، فإذا تمكنت مؤسساته من الإبقاء على أبوابها مفتوحة أثناء الانقطاعات، فإنها تتكبد تكاليف تشغيلية مرتفعة لقاء تأمين الكهرباء من مصادر بديلة. ويؤدي ذلك إلى استنفاد هوامشها الربحية، وتثبيط الاستثمار المستقبلي في غزة.
وعلاوة على ذلك، ثمة ارتباط مباشر بين الافتقار إلى الطاقة واستمرار عدم المساواة بين الجنسين في غزة، حيث إن انقطاع الكهرباء يؤثر كثيرًا في الأعمال المنزلية التي تتحملُ عبأَها الأكبر النساءُ الفلسطينيات كما سائر النساء حول العالم. ويعني الافتقارُ إلى الطاقة في غزة أن العديد من النساء يقضين ساعات أطول في الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر - وغالبًا من دون تيار كهربائي في حرٍّ خانق أو بردٍ قارس - بما لا يترك لهن الوقت أو القليل من الوقت فقط لأنفسهن، وهي ظاهرة تُعرف باسم الافتقار إلى الوقت. ويؤدي هذا بدوره إلى زيادة الضغط والتوتر، ويُفضي في معظم الأحيان إلى أزمات في الصحة النفسية.
دأب الفلسطينيون والفلسطينيات في غزة منذ عقود على تبني استراتيجيات تُعينهم على التعامل مع هذه الأزمة. ومنها استخدام تكنولوجيا الطاقة الشمسية لتزويد منازلهم بالكهرباء والماء الساخن. تحظى تكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية الشمسية بشعبيةٍ متنامية في القطاع رغم نجاحها المحدود بسبب تدني القدرة على شرائها والحصول عليها. فحتى لو سمحَ النظام الإسرائيلي بدخول المعدات اللازمة لتكنولوجيا الطاقة الكهروضوئية، فإن تكاليف تركيبها وصيانتها لن تكون في متناول معظم الفلسطينيين والفلسطينيات في غزة.
وهذا ينطبق على مبادرات الحكومة والقطاع الخاص الرامية إلى تقديم قروض بدون فوائد للفلسطينيين والفلسطينيات في غزة، وتوفير أنظمة الطاقة الشمسية بنظام الأقساط. فعلى سبيل المثال، أطلقت شركة توزيع كهرباء محافظات غزة مشروعًا يتيح للأسر تركيب أنظمة الطاقة الشمسية وتسديد أثمانها بأقساط شهرية. ومع ذلك، فإن ثمن أرخص نظام يبلغ 6,956 شيكل (1,892 دولارًا) تُدفَع على مدار 28 شهرًا، وهو ما يتجاوز الحد الأقصى للمبلغ الذي أفاد موظفو القطاع العام بقدرتهم على تخصيصه لأنظمة الطاقة الشمسية - 5,000 شيكل (1,360 دولار).
لا بد من إعادة تأطير النقاش الدائر حول تبني تكنولوجيا الطاقة الشمسية كحل لأزمة الطاقة في غزة من قضيةٍ تقنية إلى قضية سياسية جوهرها العدالة والتحرير للفلسطينيين والفلسطينيات:
- يجب على القيادة الفلسطينية والناشطين والناشطات البيئيين ومجتمع المانحين أن يركزوا جهودهم في المناصرة على الضغط من أجل اتخاذ إجراءات عقابية ضد النظام الإسرائيلي، وتعزيز السيادة السياسية والاقتصادية الفلسطينية.
- يجب على سلطة الطاقة والموارد الطبيعية الفلسطينية أن توسِّع مبادراتها الخاصة بالطاقة الشمسية لتشمل المجتمعات المهمشة في غزة.
- يجب على البلديات والوزارات المحلية أن تعمل مع سلطة الطاقة والموارد الطبيعية على إدماج تصاميم مصادر الطاقة المتنوعة في التخطيط الحضري ومشاريع إعادة الإعمار في غزة، ويشمل ذلك تخصيص الأراضي الحكومية لتطوير أنظمة الطاقة الشمسية.
- يجب على سلطة الطاقة والموارد الطبيعية والسلطات العامة الأخرى أن تسعى لكي يقوم القطاع الخاص بتوفير حلول الطاقة الشمسية.
- يجب على الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ومراكز أبحاث الطاقة الفلسطينية أن تُسجِّل جميع أنظمة الطاقة الشمسية المركبة في غزة وتضعَ خريطةً لمواقعها لضمان وجود إحصاءات رسمية وموثوقة؛ وأن تغطي قضايا النوع الاجتماعي والظروف الاجتماعية والاقتصادية والتركيبة السكانية للأسر، وقضايا أخرى؛ وأن تحرصَ على استخدام هذه البيانات في توجيه مبادرات التمويل الأخضر ومشاريع الطاقة الشمسية المنفذة في غزة.