Agha-Policy-Memo-Sep-2018

تشن الإدارة الأمريكية هجمةً على اللاجئين الفلسطينيين. فثمة تدابير دبلوماسية وقانونية ومالية – يهندسها في المقام الأول صهرُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبيرُ مستشاريه جاريد كوشنر – تهدف إلى شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين من المفاوضات وبالتالي القضاء على مطالبات الفلسطينيين بالعودة إلى موطنهم وحقهم في التعويض، وذلك قبل الكشف عن “صفقة القرن.” وتنتهج الإدارة في هذا الصدد مقاربةً توظِّف فيها القيود المالية والضغوط الدبلوماسية وضغوط اخرى على الكونجرس.1
ما برحَ كوشنر يسعى منذ كانون الأول/ديسمبر 2017 إلى تفكيك الأونروا التي أُسست بهدف تقديم الغذاء والرعاية الصحية والتعليم وغيرها من الخدمات الأساسية إلى 5.3 مليون لاجئ فلسطيني طُردوا من ديارهم إبان النكبة في 1947-48.

حاك كوشنر سلسلةً من الاقتطاعات في المساهمة المالية المقدمة للأونروا، موصلًا الوكالة الأُممية إلى حافة الانهيار. في كانون الثاني/يناير، خفَّضت الولايات المتحدة أولى دفعاتها من مساهمتها السنوية للأونروا من 125 إلى ما يقارب من النصف. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في الأسبوع الماضي أنها لن تساهم بعد اليوم في تمويل الأونروا ووصفتها بأنها “معيبة بشكل لا يمكن إصلاحه.”

طلب البيت الأبيض أيضًا من الكونجرس أن يُمسِكَ عن صرف ما مقداره 200 مليون دولار من المساعدات الأمريكية المقدمة لمنظمات الإغاثة الخاصة والجمعيات الخيرية غير الحكومية (من قبيل ميرسي كور Mercy Corps) العاملة في الأرض الفلسطينية المحتلة.

وفي الوقت نفسه، يعكف كوشنر على إعادة صياغة وضع اللاجئين الفلسطينيين. تتهم إسرائيل وحلفاؤها في الولايات المتحدة وكالةَ الأونروا بإدامة قضية اللاجئين وتعزيز حق الفلسطينيين في العودة بمنحها صفةَ اللجوء لذراري المطرودين من فلسطين إبان النكبة. و”الحل” الأمريكي لهذا هو تجريد هؤلاء الأبناء من صفة اللجوء، وبالتالي حصر خدمات الأونروا في اللاجئين الأوائل الذين لا يزالون على قيد الحياة والمقدَّر عددهم ما بين 20,000 و30,000 (وهذا الرقم يتناقص كل عام)، وقطع خدمات الأونروا عن نسل هؤلاء اللاجئين، وتحويل الأموال إلى البلدان المضيفة للاجئين بهدف “إعادة توطينهم،” والقضاء على أي إمكانية للعودة.

وفي أروقة الكونجرس ثمة مشروع قانون يسعى إلى تقنين هذه الصيغة الجديدة. ينص مشروع قانون مجلس النواب رقم 6451 على أن اللاجئين الباقين على قيد الحياة هم فقط المؤهلون لإعادة التوطين والحصول على خدمات الأونروا، وأن باقي المساعدات سوف تذهب إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو أس إيد USAID)، المحكومة بقانون تايلور فورس لسنة 2018 الذي يحظر تقديم المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية حتى تلبي شروطًا معينة. وقد أُحيل مشروع القانون إلى لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.

التلاعب بصفة اللجوء

لا تقتصر النية على تمزيق البنية الأساسية الإنسانية التي تدعم اللاجئين الفلسطينيين الضعفاء، بل تسعى أيضًا إلى إحداث تغيير جذري في طريقة فهم اللجوء الفلسطيني والتعامل معه. غير أن هذا التلاعب قصير النظر، ومخطئ في أساسه لأن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تعترف بأبناء اللاجئين كلاجئين. وهذه المقاربة تخطئ أيضًا إذ تشخِّص الأونروا كمسبِّب لواقع اللاجئين، وليس كنتيجة منبثقة منه، فهذا الواقع لن ينتهي حتى لو فُكِّكت الأونروا. بل إن زوالها سوف يَذر الملايين بلا تعليم أو عمل أو غذاء أو رعاية صحية.

لا تقتصر النية على تمزيق البنية الأساسية الإنسانية، بل تسعى أيضًا إلى تغيير فهم العالم للجوء الفلسطيني وطريقة التعامل معه Share on X

يُراهن كوشنر على رضوخ الفلسطينيين، بيد أن المخاطر كبيرة للأطراف المعنية كافة، حيث إن إسرائيل ستخسر لو سُحبت خدمات الأونروا، لأن اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أن إسرائيل، كدولة احتلال، ملزمةٌ قانونًا بتوفير إمدادات الغذاء والطبابة للسكان الخاضعين للاحتلال بالإضافة إلى ضمان صحتهم العامة. إن سحب الدعم الذي توفره الأونروا في الأرض الفلسطينية المحتلة سوف يترك فراغًا ستضطر إسرائيل إلى ملئه، بيد أن سجلها السابق يوحي أنها لن تلتزم بذلك على الأرجح.

يقوم نهج كوشنر على رغبته في القضاء على مطالبات الفلسطينيين بالسيادة والعودة إلى ديارهم – وهو حقٌ مكفولٌ للاجئين في كل أصقاع الأرض. إن قضايا الحل النهائي، مثل القدس والمستوطنات واللاجئين، هي قضايا أساسية لإيجاد “حل” تفاوضي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم، كما نص عليه قرار الأمم المتحدة رقم 194، يظل العنصرَ الأكثرَ إثارةً للخلاف والنزاع في إطار الصراع لأنه يتحدى بالأساس المشروعَ الصهيوني لبناء الدولة بحد ذاته – وهو مشروع ٌقائم على بسط السيادة الإسرائيلية اليهودية من نهر الأردن وحتى البحر الأبيض المتوسط.

توصيات سياساتية

1. ينبغي للناخبين المؤيدين للفلسطينيين في الولايات المتحدة الاميركية وأعضاء المجتمع المدني أن يرفعوا مستوى الوعي حول مشاريع القوانين التي تهدد اللاجئين الفلسطنيين، وأن يعملوا بوجه خاص مع أعضاء الكونجرس المتزايدة انتقاداتهم والمرتفعة أصواتهم إزاء الانتهاكات الإسرائيلية للحقوق. وينبغي لهم أن يسعوا لضمان صرف الأموال المخصصة لفلسطين، وأن يقاوموا محاولات إدارة ترامب للتحايل على القانون. فمثلًا، تحاول الإدارة الأمريكية أن تضع المساعدات المذكورة أعلاه والبالغة 200 مليون دولار ضمن “حزمة إلغاءات” لتفادي صرفها – وهذه خطوة تقتضي موافقة الكونجرس.

2. يجب للناقدين داخل الكونجرس والمجتمع المدني أن يراقبوا عن كثب سياسةَ الاستيطان التي تدعمها إدارة ترامب. فبالنظر إلى طريقة “التعامل” مع قضايا الوضع النهائي مثل القدس واللاجئين، وإلى العلاقات الشخصية والاقتصادية والسياسية الوثيقة التي تربط بعض أعضاء الإدارة الأمريكية بالمستوطنات، يغدو من المحتمل أن يكون شطب قضية المستوطنات من المفاوضات هو التالي على قائمة كوشنر.

3. ينبغي على دول العالم الأخرى أن تستمر في زيادة دعمها المالي والدبلوماسي للأونروا، إدراكًا للحظة الحاسمة التي تمر بها المنطقة والتبعات الظالمة والقاسية التي ستلحق باللاجئين الفلسطينيين.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
شغلت زينة الآغا موقع الزمالة السياساتية للشبكة في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الممتدة بين 2017-2019. تغطي خبراتها بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content