المواضيع
طالعوا تحليلاتنا بخصوص المجتمع المدني وسُبله في رسم ملامح المشهد الثقافي والسياسي والسياساتي.
طالعوا استشرافاتنا بخصوص تغيرات المشهد السياسي وتداعياتها على فلسطين
استزيدوا معرفةً بالسياسات والممارسات التي تحدد شكل الاقتصاد الفلسطيني
تعرَّفوا أكثر على الأوضاع الفريدة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في الشرق الأوسط
التحليلات
تحليلات متعمقة للسياسات الحالية أو المتوقعة التي تؤثر في إمكانيات التحرير الفلسطيني.
رؤى ووجهات نظر حول المسائل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتعلقة بفلسطين والفلسطينيين حول العالم.
تحليلات موجزة لسياسات محددة وخلفياتها وآثارها.
تعقيبات تضم رؤى متنوعة من محللين متعددين.
تجميعات لأعمال سابقة أنجزتها الشبكة حول موضوع محدد.
مشاريع مطوَّلة ومخصصة تسعى إلى الإجابة عن أسئلة بحثية تقع خارج نطاق تحليلاتنا المعتادة.
مبادرة بحثية معنية بالسياسات أطلقتها الشبكة: شبكة السياسات الفلسطينية.
سلسلة ندوات شهرية عبر الإنترنت تجمع خبراء فلسطينيين.
متميز
اشتركوا في نشرة الشبكة البريدية الآن لتصلكم أحدث التحليلات السياساتية الفلسطينية على بريدكم الإلكتروني:
اللاجئون: الوجه المخفي للفصل العنصري الإسرائيلي
تتجاهل النقاشات الدائرة حول جريمة الفصل العنصري الإسرائيلية، حتى في أوساط الناشطين الفلسطينيين أنفسهم، المكانة المركزية لقضية اللاجئين. ومن أسباب هذا “الإغفال” الفهم الناقص للسياق الاستعماري للفصل العنصري في كل من جنوب إفريقيا وفلسطين. وسببٌ آخر هو أن الكثيرين، ليس فقط في الأوساط الدبلوماسية والأمم المتحدة، يعتبرون تقسيم أرض فلسطين إلى دولتين أمرًا مسلمًا به، وأن فلسطينيي الدولة المرتقبة هم فقط “الشعب الفلسطيني.” وممّا شجّع مؤيدي التقسيم هو أن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ذاتها تبنت هذا الموقف وتحولت من حركة تحريرية إلى “سُلطةٍ للسكان الأصليين” على غرار تلك التي شهدتها إفريقيا المستعمَرة. لذلك هم يركزون على ممارسات الفصل العنصري الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ويتطرقون أحيانًا في تحليلاتهم إلى فلسطين المحتلة في 1948.
وما تعجز هذه التحليلات عن إدراكه هو أن جريمة الفصل العنصري تنطبق على النظام برمته وليس على تجلٍّ ما من تجلياته، كما خلصت إليه مؤخرًا محكمة راسل بشأن فلسطين المنعقدة سنة 2011 (انظر تقرير فكتور قطان المباشر من قاعة المحكمة). والأهم من ذلك هو أن التهجير القسري ورفض عودة اللاجئين يكمن في صميم النسخة الإسرائيلية من الفصل العنصري. وسأتعرض فيما يلي إلى هاتين النقطتين، وإلى الفروق بين الفصل العنصري الإسرائيلي ونظيره في جنوب إفريقيا.
تتطرق الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها، التي دخلت حيز النفاذ في 1976، إلى حق العودة بعبارات صريحة، إذ تنص المادة الثانية منها على أن أي دولة ترتكب “أفعالًا لاإنسانية…لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما من البشر علي أية فئة عنصرية أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية” تكون مذنبةً بارتكاب جريمة الفصل العنصري. وتشمل هذه الأفعال اللاإنسانية “اتخاذ أية تدابير، تشريعية وغير تشريعية، يقصد بها منع فئة أو فئات عنصرية من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للبلد، وتعمد خلق ظروف تحول دون النماء التام لهذه الفئة أو الفئات، وخاصة بحرمان أعضاء فئة أو فئات عنصرية من حريات الإنسان وحقوقه الأساسية، بما في ذلك…الحق في مغادرة الوطن والعودة إليه.” وتذكر المادة أيضًا أفعالًا لاإنسانيةً أخرى كالحرمان من الحق في حمل الجنسية، والحق في حرية التنقل والإقامة، وهما حقان يمسان اللاجئين بصورةٍ مباشرة.
وبعبارة أخرى، حتى لو أرادت إسرائيل التخلي عن الفصل العنصري الذي تمارسه على الفلسطينيين المقيمين على كامل أرض فلسطين التاريخية، فإنها ستظل مرتكبةً لجريمة الفصل العنصري بحق اللاجئين الفلسطينيين إنْ استمرت في حرمانهم من حقهم في العودة.
إن من السهولة بمكان إثبات الحجة على إسرائيل بالاستدلال بقوانينها وسياساتها وممارساتها. فقد منعت إسرائيل بالقوة ما يزيد على 700,000 لاجئ من العودة بعد أن هُجِّروا في عامي 1947 و1948. وكتب وزير الدفاع آنذاك موشيه دايان في مذكراته: “نطلق النار على بعض العرب [الفلسطينيين] الجوعى المائتي ألف الذين يجتازون الخط [لرعي مواشيهم] – هل سيكون ذلك مقبولًا أخلاقيًا؟ يقطع العرب الخط لجمع الحبوب التي خلفوها في القرى المهجورة، فنزرع الألغام في طريقهم، [^1]فيعودوا بلا ساقٍ أو ذراع…[ولعل هذا] لا يمكن قبوله، ولكني لا أعرف أي وسيلة أخرى لحراسة الحدود.”
1
وفي العام 1952، أصدرت إسرائيل قانون المواطنة لغاية واضحة هي إغلاق ملف اللاجئين للأبد، حيث تشترط المادة 3 من القانون لكي يتمتع المرء بالمواطنة في إسرائيل أن يكون متواجدًا “في إسرائيل أو في منطقة أصبحت أرضًا إسرائيلية بعد تأسيس الدولة ابتداءً من تاريخ قيام الدولة [أيار/مايو 1948] ولغاية تاريخ دخول القانون حيز النفاذ [نيسان/إبريل 1952].” ومن الجدير بالذكر أن الكنيست كان قد أقرّ قبل ذلك بسنتين قانون العودة الذي يمنح اليهود كافة، ولا أحد سوى اليهود، الحق في دخول الدولة الوليدة وحمل جنسيتها.
واتُخذت تدابير مماثلة في أعقاب حرب 1967، والتي شردت إسرائيل فيها ما يزيد على 400,000 فلسطيني إلى المنفى. وقُبيل انتهاء الحرب، أجرت السلطات العسكرية الإسرائيلية تعدادًا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ ومن لم يسجله التعداد لم يُسمح له بالإقامة وبذلك حُرم من حقه في العودة. كما جُرِّد الفلسطينيون المسافرون في الخارج إبان الاحتلال والبالغ عددهم 90,000 من إقاماتهم. وعلاوة على ذلك، كان الفلسطينيون المشمولون في التعداد يفقدون إقامتهم إذا تجاوز سفرهم في الخارج فترةً زمنيةً محددة.
وفي العام 2001، ولضمان أن يظل المفاوض الإسرائيلي وفيًا للإجماع الصهيوني، أصدر الكنيست الإسرئيلي قانون “التأكيد على انتفاء حق العودة.” وتنص المادة 2 من القانون بأن “اللاجئين لن يُعادوا إلى أرض دولة إسرائيل إلا بموافقة أغلبية أعضاء الكنيست.” وتُعرِّف المادة 1 اللاجئ بأنه الشخص الذي “خرج من حدود دولة إسرائيل في زمن الحرب ولم يكن مواطنًا في دولة إسرائيل، بمن فيهم المشردون سنة 1967 واللاجئون سنة 1948 أو أفراد أسرهم.” أي، حتى لو قرّر القادة السياسيون الإسرائيليون كفّ النظام التابعين له عن انتهاك القانون الدولي فيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر مستبعد، فإنه سيتعين عليهم الحصول على موافقة الأغلبية البرلمانية لفعل ذلك.
ومن خلال هذه القوانين والسياسات، يحرم النظام الإسرائيلي فعليًا المشردين الفلسطينيين من “حقهم في مغادرة بلدهم والعودة إليه،” ويجبر فلسطينيين كثيرين آخرين على مغادرة فلسطين من أجل لمّ شمل عائلاتهم.
قد يُسمح للفلسطينيين الحاملين لجوازات سفر أجنبية صادرة من دول لها علاقات ودية مع إسرائيل الدخول كسواح لفترة مؤقتة. أمّا الخيار الثاني الوحيد المتاح للفلسطينيين المشردين هو خوض غمار عملية لمّ الشمل الأسري الإسرائيلية، وهي عملية معقدة ومحبطة. ولكن في العام 2002 لم يعد باستطاعة الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل طلب لمّ شملهم مع أزواجهم المقيمين في الأراضي المحتلة، وفي 2003 مُنعت عملية لمّ الشمل بموجب “قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل” الذي ظل يُجدد سنويًا منذ ذلك الحين. وبالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن إسرائيل علَّقت تمامًا عملية لم شمل الأسر سنة 2000 على نحو مفاجئ، ممّا أجبر نحو 120,000 فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة على الاختيار بين تشتيت أسرهم أو المنفى. وفي 2007، أصدرت إسرائيل نحو 4,000 تأشيرة بعد حملة إعلامية مكثفة قادها أولئك المحرومون من حق العيش على أرضهم، وما انفكت إسرائيل تستخدم هذه التصاريح منذ ذلك الحين كواحدةٍ من أدواتها العديدة التي تستخدمها لمكافأة السلطة الفلسطينية أو معاقبتها.
وباختصار، فإن إسرائيل، وبكل وضوح، تحرم الفلسطينيين حقَّهم في العودة إلى بلادهم بقوة القوانين والسياسات والممارسات، وهي ترمي من وراء ذلك إلى الحفاظ، بصورة غير قانونية، على يهودية الأغلبية السكانية وعلى سيطرة اليهود على الأراضي الفلسطينية المصادَرة. أي أن إسرائيل تحرم الفلسطينيين حقَّهم في العودة من أجل إقامة وإدامة نظام تهيمن فيه فئةٌ على أخرى، أي جريمة الفصل العنصري.
ثمة مقارنات واقعية ومفيدة ينبغي إجراؤها مع النظام العنصري في جنوب إفريقيا فيما يتعلق باللاجئين. فقد شهدت جنوب إفريقيا تهجيرًا قسريًا للسكان على نطاق واسع وكان جُلُّه داخل حدود البلد، حيث سعت سياسة “الأوطان” التي اتبعها نظام الفصل العنصري إلى تجميع السكان الأصليين من السود الجنوب إفريقيين، والذين كانوا يشكلون 90% من عدد السكان، في معازل (بانتوستونات)، وهي مناطق غير متصلة جغرافيًا تشكل حوالي 13% من المساحة الكلية للبلاد. فقد اعتقد النظام أنه لو حظي السود باعتراف دولي كمواطنين في دول (أوطان) أخرى، فإن الفصل العنصري الجنوب إفريقي سيبدو ديمقراطيًا. وبذلك شُرِّد ما ينوف على 2.5 مليون جنوب إفريقي أسود بإرسالهم إلى تلك الأوطان ومُنعوا من العودة إلى مناطق البيض على افتراض أنها أصبحت دولة أخرى.
وللنظام العنصري في جنوب إفريقيا سمةٌ أساسية أخرى وهي أنه لم يحرم السود حقَّهم في العودة وحسب بل وحقَّهم الطبيعي في “مغادرة بلدهم،” حيث فرض عليهم الحصول على تأشير خروج من أجل المغادرة، وكانت طلبات الحصول على تلك التأشيرة تُرفض بانتظام وكذلك طلبات الحصول على وثائق سفر تمكِّن حامليها من السفر. فقد كان النظام متخوفًا، ومحقًّا في تخوفه في حالات كثيرة، من أن المسافرين سيقصدون معسكرات التدريب التابعة للمقاومة المسلحة المناهضة للفصل العنصري.
ولفهم هذا الاختلاف، علينا أن تصور الفصل العنصري كوسيلةٍ لا غاية. إذ يختلف نظاما الفصل العنصري في جنوب إفريقيا وإسرائيل اختلافًا جذريًا من حيث الأهداف رغم التزامهما بمشاريع الاستعمار الاستيطاني. ففي حالة جنوب إفريقيا، كان الهدف الرئيس لنظام الفصل العنصري استغلال السود للعمل في مناجم البلاد ومصانعها والخدمة في المنازل. فطرد أي شخص أسود في هذا السياق لم يكن منطقيًا لأن كل جنوب إفريقي أسود يغادر البلاد كان يمثل خسارةً باعتباره عاملًا كان من الممكن استغلاله. وعلى هذا النحو، كانت حركة مناهضة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا معنيةً بالحق في إنشاء نقابات عمالية فعّالة، وحماية العمال، واستعادة الموارد الطبيعية في البلاد وإرجاعها لسكانها الأصليين بقدر ما كانت معنيةً بإعمال الحق في التصويت.
أما الفصل العنصري الصهيوني في السياق الفلسطيني فتقوده الحاجة الأيديولوجية عند المستعمر لتفريغ الأرض من ساكنيها الأصليين وتوطين المستوطنين اليهود مكانهم. وهكذا فإن كل فلسطيني يُشرَّد ويُنفى إلى خارج حدود فلسطين التاريخية يعتبر نجاحًا لنظام الفصل العنصري، وأي نجاح في عودة الفلسطينيين المشردين يشكل تهديدًا للنظام برمته. إن سياسة التهجير القسري للسكان، بما فيها حرمان اللاجئين حقَّهم في العودة، ليست تجلِّ من تجليات الفصل العنصري الإسرائيلي وحسب وإنما حجر الزاوية لمشروع الفصل العنصري الاستعماري الإسرائيلي بأسره. لذا لن ينتهي الفصل العنصري الإسرائيلي أبدًا، ناهيك عن إحلال السلام الدائم، دون إعمال حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة.
Benny Morris, Righteous Victims: A History of the Zionist-Arab Conflict 1881-1999 (New York: Knopf, 1999).
حازم جمجوم
أحدث المنشورات
عودة ترامب وتداعياتها على النضال الفلسطيني
تصور جديد لفلسطين بعد عام من الإبادة الجماعية
محور سياساتي: عام من الإبادة الجماعية في غزة
نحن نبني شبكةً من أجل التحرير.
ونحن نعمل جاهدين، باعتبارنا المؤسسة الفكرية الفلسطينية العالمية الوحيدة، للاستجابة للتطورات السريعة المؤثرة في الفلسطينيين، بينما نحافظ على التزامنا بتسليط الضوء على القضايا التي قد يتم تجاهلها لولا تركيزنا عليها.