lebanon roundtable_image_Nov2025

مقدمة

أعاد المسؤولون اللبنانيون طرح مسألة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية داخل المخيمات، باعتبارها جزءًا من الجهود المبذولة للحدِّ من “الأسلحة غير الشرعية” وتعزيز سيادة الدولة. غير أن هذا الطرح يُنظر إليه، من قِبَل كثير من الفلسطينيين والمراقبين الإقليميين، باعتباره تمهيدًا لمرحلة جديدة من الضغوط السياسية والأمنية على اللاجئين ضمن رؤية أوسع لإعادة تشكيل البنية الأمنية الإقليمية. كما أنه يثير ذكريات جماعية مؤلمة عن حملات نزع السلاح السابقة التي تركت المخيمات عرضة للمجازر والدمار.

تأتي هذه الدعوات المتجددة في سياق تشابك محلي وإقليمي معقَّد: جمود سياسي داخلي في لبنان، وضغوط خارجية تهدف إلى احتواء المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وضبط أنشطة حزب الله وسائر عناصر المقاومة، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا وقرية الغجر. بالنسبة إلى كثيرين، يستحضر هذا المشهد محاولات سابقة للسلطة الفلسطينية لبسط نفوذها على المخيمات في الضفة الغربية، لا سيما في جنين، تحت شعار: “فرض القانون والنظام”.

في هذا السياق، يستكشف جابر سليمان ووسام سباعنة الدافع وراء الدعوات الراهنة إلى نزع السلاح، وما تكشفه من نمط حوكمة الدولة اللبنانية للمخيمات الفلسطينية، وكيف يمكن لسياسة قائمة على الحقوق أن ترسم مسارًا أكثر أمنًا واستدامة. ويُظهر الكاتبان أن قضية اللاجئين ما تزال في صلب النضال الفلسطيني، ويؤكدان أن إعادة الاعتبار للحقوق القانونية تمثِّل الطريق الوحيد نحو الاستقرار في لبنان.

المقابلة أدناه نسخة مُحرَّرة من نقاش موسَّع أُجري في آب/أغسطس 2025 ضمن ندوات “مختبر السياسات”. يمكن مشاهدة النقاش الكامل باللغة العربية هنا.

كيف يمكن فهم سياسة نزع السلاح ضمن الواقع القانوني والمؤسسي الذي يحكم حياة الفلسطينيين في لبنان؟

جابر سليمان

لفهم مسألة سلاح المخيمات، لا بد من وضعها ضمن الإطار القانوني والمؤسسي الأوسع الذي حكم أوضاع اللاجئين الفلسطينيين لعقود. فلبنان لا يمتلك تشريعات خاصة باللاجئين الفلسطينيين، بل يتعامل معهم قانونيًّا باعتبارهم أجانب، وأحيانًا كفئة خاصة من الأجانب تُحرم من حقوق يتمتع بها غير اللبنانيين الآخرون، مثل الحق في التملك العقاري، إذ لا يستطيع الفلسطينيون تملُّك العقارات، ويواجهون قيودًا في ممارسة عشرات المهن، ويُحرمون من الضمان الاجتماعي.


هذا الواقع يشكِّل ما يمكن وصفه بـ”التمييز المؤسسي”، أي شبكة من الإبعادات القانونية والإدارية والاجتماعية التي تكرِّس التهميش. أما المديرية العامة المعنية بإدارة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان التي أُنشئت عام 1959، فدورها ليس أكثر من دور “سجل مدني”، إذ يقتصر على تسجيل الولادات والوفيات، وإصدار بطاقات الهوية، إذ جرى تأسيسها أصلًا في حقبة العهد الشهابي، التي تميزت بإحكام القبضة الأمنية على المخيمات، من قبل المكتب الثاني في مخابرات الجيش اللبناني. 

وفي عام 2005، وبعد انسحاب القوات السورية، أنشأت الحكومة لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التي تتبع رئيس مجلس الوزراء، وهي لجنة استشارية لا تملك صلاحيات تنفيذية. وعلى الرغم من أن من مهامها الأساسية متابعة المسائل الاجتماعبة والاقتصادية والقانونية والأمنية في المخيمات، ومن ضمنها معالجة مسألة السلاح داخل المخيمات وخارجها، فإن المنظور الأمني طغى على عملها، خاصة في المرحلة الحالية. وهو ما يعكس السياسة اللبنانية الأوسع: التعامل مع الوجود الفلسطيني كقضية أمنية لا كقضية حقوق. وعليه فعندما تتحدث الدولة اليوم عن نزع السلاح، فإنها تفعل ذلك من خلال ذلك المنظور. 

لقد عانى اللاجئون الفلسطينيون في لبنان أشكالًا متعددة من التمييز والتهميش، بما في ذلك التهميش المكاني، حيث تُعامل الدولة المخيمات كمناطق تهديد أمني أو بؤر إجرامية، وتحاصرها بالحواجز العسكرية وتقيِّد حركة سكانها. وإن لم يُعَد النظر جذريًّا في هذا الإطار، فإن أي عملية نزع سلاح لن تؤدي إلا إلى تعميق الإقصاء بدلًا من ترسيخ سيادة القانون.

وسام سباعنة

بالفعل، تتحدد العلاقة بين الدولة اللبنانية والمخيمات الفلسطينية وفق منطق أمني أكثر منه اجتماعيًّا. ففي لبنان، الجهة المسؤولة عن شؤون اللاجئين تتبع وزارة الداخلية، بينما في سوريا تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية، وهو ما يعكس اختلاف النظرة بحيث تعتبر الدولة اللبنانية المخيمات تهديدًا أمنيًّا لا مسؤولية اجتماعية.

نتيجةً لذلك، تُطوَّق المخيمات بالحواجز الأمنية، ويُشترط الحصول على تراخيص لإدخال مواد البناء، ما يخلق عزلة مادية ونفسية. كما أن غياب صلاحيات قوى الأمن اللبنانية داخل المخيمات يترك الأمن الداخلي في يد اللجان الشعبية والفصائل. ولا يمكن فصل مسألة السلاح عن هذا السياق. فقد منح “اتفاق القاهرة” لعام 1969 الفلسطينيين حق حمل السلاح لأغراض التحرير وحق إدارة شؤونهم ذاتيًّا بدرجة محدودة. لكن بعد إلغائه عام 1987، لم يُستحدث إطار بديل ينظِّم العلاقة. وهكذا اُتهمت المخيمات بانعدام الأمن في حين حُرمت من الأدوات القانونية لضبطه.

إن النقاش الحقيقي يجب أن يدور حول بناء منظومة أمنية شرعية وخاضعة للمساءلة تشمل المجتمع المحلي، لا حول نزع السلاح، بمعزل عن الحقوق المدنية والاقتصادية Share on X

ومن الناحية الواقعية، من الضروري التساؤل عن نوعية الأسلحة الموجودة في مخيمات محاصرة. فمع التشديد الأمني والرقابة الخارجية، من المستبعد وجود ما يتجاوز الأسلحة الخفيفة، إذ إن امتلاك أسلحة ثقيلة قادرة على تهديد الدولة اللبنانية أمر غير واقعي. إن النقاش الحقيقي يجب أن يدور حول بناء منظومة أمنية شرعية خاضعة للمساءلة تشمل المجتمع المحلي، لا حول نزع السلاح بمعزل عن الحقوق المدنية والاقتصادية. فبدون تلك الحقوق، لن تحقق أي عملية نزع سلاح استقرارًا دائمًا.

كيف يتعامل الفلسطينيون وخاصة الفصائل داخل المخيمات مع مسألة نزع السلاح وفرض السيادة اللبنانية على المخيمات؟

وسام سباعنة

 يؤثر الانقسام الداخلي الفلسطيني -بين فصائل منظمة التحرير بقيادة فتح وحركات المقاومة مثل حماس والجهاد الإسلامي- بشكل مباشر في أوضاع المخيمات. فبعد معركة عين الحلوة في أيلول/سبتمبر 2023 وما خلَّفته من دمار، جاءت زيارة الرئيس محمود عباس إلى لبنان في أيار/مايو 2025 لتُقدَّم كخطوة لإعادة “النظام”. وقد أعلن خلالها استعداده للمساعدة في نزع سلاح المخيمات. غير أن هذا الإعلان صدر دون استشارة القيادات المحلية أو اللجان الشعبية أو منظمات المجتمع المدني. لذلك رآه كثير من الفلسطينيين في لبنان أجندة مفروضة تهدف إلى إرضاء الشركاء اللبنانيين والدوليين. حتى داخل حركة فتح، ظهرت اعتراضات خشية تحمُّل المسؤولية في حال تجدُّد العنف.

وفي الواقع، ما جرى في برج البراجنة لم يكن عملية نزع سلاح جماعية، بل تسليم عدد محدود من الأسلحة الخفيفة التي صودرت سابقًا من قِبَل عناصر في فتح، لكنه صُوِّر كخطوة شاملة. إنها إذًا عملية رمزية أكثر منها ذات صدًى فعلي على أرض الواقع. بالنسبة إلى سكان المخيمات، يبقى المطلب الأساسي هو الحقوق قبل نزع السلاح: الحق في العمل، والتملك والسكن، والعيش بلا حواجز. لا يمكن مطالبة مجتمع بتسليم وسيلة حمايته الوحيدة في ظل حرمانه من كل أشكال الأمان.

جابر سليمان

لا يمكن تحقيق الاستقرار قسرًا. فالمفهوم الحقيقي للسيادة، سواء اللبنانية أو الفلسطينية، يقوم على سيادة القانون والمساواة، لا على إخضاع الفئات الضعيفة. وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ أكثر من سبعين عامًا دون حقوق لم يحقق الأمن، بل عمَّق معاناتهم اليومية، وولَّد شعورًا شديدًا بالاغتراب.

تذبذبت السياسة اللبنانية تجاه المخيمات بين القمع والإهمال والانفتاح المحدود: من التكيُّف الحذر في الخمسينيات، إلى المراقبة الأمنية الصارمة في الستينيات، ثم منح هامش إدارة ذاتية بموجب اتفاق القاهرة، وصولًا إلى القمع الدموي بعد عام 1982 ومجازر صبرا وشاتيلا، وانهيار المؤسسات الفلسطينية بعد خروج منظمة التحرير، في حين تولت منظمات المجتمع المدني المحلية أدوارًا بديلة بإمكانات محدودة.

بعد اتفاق الطائف عام 1989، الذي شكّل النظام اللبناني بعد الحرب، اُستبعد الفلسطينيون من المصالحة الوطنية اللبنانية، وتكرست سياسة الإهمال. أما إنشاء لجنة الحوار اللبناني–الفلسطيني عام 2005، الذي ترافق مع بعض الانفتاح في الخطاب اللبناني بخصوص الملف الفلسطيني، ومع بعض الضغوط من المانحين الدوليين الراغبين في إدارة ملف اللاجئين بطريقة أكثر عقلانية، فلم يُحدِث تحولًا حقيقيًّا في واقع الحال. 

إن الحديث الحالي عن نزع السلاح يكرِّر مقاربة تقليدية ترى في اللاجئين عبئًا أمنيًّا لا جماعة تستحق الحماية القانونية Share on X

لذلك، فإن الحديث الحالي عن نزع السلاح يكرِّر مقاربة تقليدية ترى في اللاجئين عبئًا أمنيًّا لا جماعة تستحق الحماية القانونية، في حين يكفل الدستور اللبناني بالفعل مواثيق حقوق الإنسان الدولية، ولو طُبقت لأمكن ضمان حق اللاجئين في العمل والتعليم والكرامة. 

لا خلاف على سيادة الدولة اللبنانية على المناطق اللبنانية كافة، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية لكن المشكلة تكمن في أن الاختبار الحقيقي لسيادة الدولة هو في قدرتها على تطبيق القانون بعدالة، لا في نزع سلاح جماعة مهمشة بينما يستمر التمييز البنيوي ضدها.

ما أثر الديناميات الإقليمية الحالية في سياسات نزع السلاح، وفي مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة بشكل أوسع؟

وسام سباعنة

لطالما شكَّلت المخيمات الفلسطينية بيئات حاضنة للمقاومة في مختلف الجغرافيات، كما ظلت حافظة لحق العودة ودليلًا على مأساة اللجوء الفلسطيني المستمرة. ولا يزال اللاجئون متمسكين بحقهم المشروع في مقاومة الاحتلال وصَون حقوقهم الأساسية، وفي مقدمتها حق العودة، لا سيما في ظل الظروف الإقليمية الراهنة.

بالنسبة إلى سكان المخيمات، يبقى المطلب الأساسي هو الحقوق قبل نزع السلاح: الحق في العمل، والتملك والسكن، والعيش بلا حواجز Share on X

وبعد انهيار نظام الأسد في سوريا وتراجع ما يُعرف بمحور المقاومة، أصبحت المخيمات في لبنان وسوريا عقبة أمام الأنظمة الساعية إلى التطبيع مع إسرائيل. من هنا، رحَّبت الإدارة الأميركية بخطوات نزع السلاح، معتبرةً إياها جزءًا من مسارٍ أوسعَ لتصفية قضية المخيمات ضمن مشروع استعماري يستهدف محو الوجود الفلسطيني من المنطقة برمتها.

جابر سليمان

بالفعل، المشهد الإقليمي الراهن –تسارع مسار التطبيع مع النظام إسرائيلي، ومشروعات “الممرات الاقتصادية”، والحديث عن “الشرق الأوسط ما بعد الصراع”- يهدف إلى تصفية قضية اللاجئين لا حلِّها. ويخدم نزع سلاح المخيمات هذا المسار، إذ يجرِّد المخيمات من هويتها النضالية ورمزيتها كآخر تجسيد مادي لحق العودة. 

الخطوات نحو نزع السلاح ليست جديدة، لكن الديناميات الإقليمية قد تغيّرت. جرت بالفعل محاولات لنزع السلاح عام 1991، حين سلَّمت الفصائل الفلسطينية الأسلحة الثقيلة للسلطات اللبنانية في محاولة للوصول إلى تفاهم بشأن قضية اللاجئين. ونتيجة لذلك، انتشر الجيش اللبناني حول المخيمات في الجنوب. غير أن الدولة جمدت بعدها أي تقدم نحو معالجة التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين. 

والجديد اليوم هو السياق الإقليمي: ضغوط للسيطرة على الحدود اللبنانية، والاصطفاف مع الأجندات الغربية والخليجية الهادفة إلى إضعاف حركات المقاومة، سواء حزب الله أو الفصائل الفلسطينية. فتحت شعار “تعزيز السيادة اللبنانية” تتحرك إستراتيجية أميركية–إسرائيلية أوسع لإعادة تشكيل المنطقة بعد السابع من أكتوبر 2023، من خلال القضاء على قوى المقاومة ودفع مسار التطبيع إلى الأمام. في هذا الإطار، يصبح من الأسهل على الدولة اللبنانية استهداف نزع سلاح المخيمات الفلسطينية بدلًا من مواجهة حزب الله، بما يتماشى مع الأهداف الأميركية ويُظهر امتثالها للتوقعات الدولية.

إن الاختبار الحقيقي لسيادة الدولة يكمن في قدرتها على تطبيق القانون بعدالة، لا في نزع سلاح جماعة مهمشة بينما يستمر التمييز البنيوي ضدها Share on X

عندما شاهدنا المسؤولين يسلمون سلاحًا في مخيم برج البراجنة أمام الكاميرات، كان ذلك فعلًا رمزيًّا يستهدف إظهار جدية الدولة اللبنانية أمام واشنطن وباريس كما ذُكر سابقًا. الدرس السياسي هنا أن السلطات اللبنانية تستخدم الملف الفلسطيني كساحة لتصفية حسابات إقليمية، ما يهدد اللاجئين كما يهدد التوازن الهش في لبنان.

وأخيرًا، ينبغي على المجتمعينِ المدنيينِ الفلسطيني واللبناني مواجهة هذا المسار، وإعادة تأطير النقاش ضمن منظور قائم على الحقوق لمعالجة قضية اللاجئين. لا يمكن للبنان بناء سيادته على إقصاء جماعة عاشت على أرضه منذ خمسة وسبعين عامًا. السبيل الوحيد إلى الاستقرار هو مواءمة القوانين الوطنية مع المعايير الدولية الخاصة باللاجئين، وضمان المساواة أمام القانون. فأي نقاش حول نزع السلاح يجب أن يندرج ضمن إطار شامل لمبدأ الأمن البشري المرتبط ارتباطًا وثيقًا بمنظومة حقوق الإنسان، وإلا فسيعيد إنتاج انعدام الأمن.

وسام سباعنة لاجئ فلسطيني وكاتب وناشط، يشغل منصب المدير التنفيذي لمؤسسة جفرا، وهي منظمة شبابية تُعنى بدعم اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان. من خلال كتاباته...
جابر سليمان هو باحث ومستشار مستقل في مجال دراسات اللجوء واللاجئين. منذ العام 2011، يعمل كمستشار ومنسق لمنتدى الحوار الفلسطيني اللبناني في مبادرة الفضاء المشترك،...
(2025, نوفمبر 12)
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 الاقتصاد
تقدّم شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى نفسها على أنها صانعةُ عالمٍ أفضل، مدفوعٍ بالذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والحلول المبتكرة المدعومة بالبيانات. وتحت شعاراتٍ، مثل: "الذكاء الاصطناعي من أجل الخير" (AI for Good)، تَعِدُ بابتكارٍ أخلاقي مسؤولٍ يخدم الإنسانية. إلا أنّ هذه السرديات قد انهارت في غزة، إلى جانب المعايير الدولية وما تبقّى مما يُعرف بالنظام الدولي المحكوم بالقواعد. لقد سلّطت الحرب الإبادية التي شنّتها إسرائيل على غزة الضوء على الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تمكين العمليات العسكرية ودعم الاحتلال. فخلف هذا الدمار تكمن البُنى التحتية الرقمية، من خوادمٍ وشبكاتٍ عصبيةٍ اصطناعيةٍ والبرمجيات التي طوّرتها بعض من أكثر الشركات التقنية ريادةً عالميًّا. ومع تسليح إسرائيل الذكاءَ الاصطناعي وتكنولوجيا تحليل البيانات لقتل الفلسطينيين وتدمير منازلهم، يشهد العالم عسكرة للتقنيات والبنى التحتية الرقمية بشكل يعيد تعريف المساءلة القانونية ويكشف عن فراغٍ خطِر في الحوكمة العالمية. يستعرض هذا الموجز السياساتي كيف امتدّ تواطؤ الشركات ليشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية، ويدعو إلى تنظيمٍ عاجلٍ لعسكرة الذكاء الاصطناعي.
Al-Shabaka Marwa Fatafta
مروة فطافطة· 26 أكتوبر 2025
على مدى عامين، ألحقت إسرائيل دمارًا هائلًا بغزة، متسببة في أعدادٍ هائلة من الشهداء بسبب القصف المتواصل وسياسة التجويع الممنهجة. ولا تزال الجهود الدولية للاعتراف بجرائم الحرب الإسرائيلية ووقف عملية القضاء على الشعب الفلسطيني متأخرة وقاصرة. في 16 أيلول/سبتمبر 2025، خلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة إلى ما كان الفلسطينيون قد أكدوه منذ البداية: أن إسرائيل ترتكب جريمة الإبادة الجماعية. وفي 29 سبتمبر/أيلول، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن مقترحٍ يعد بوقف إطلاق النار، لكنه يخضع الفلسطينيين في غزة لحكم خارجي، وينكر عليهم حقهم في تقرير المصير، ويُرسّخ السيطرة الإسرائيلية على الأرض. ورغم أن الخطة تُقدَّم كأنها مبادرة سلام، فإنها في الواقع محاولة من الولايات المتحدة لحماية النظام الإسرائيلي من المساءلة، في تجسيد واضح لتواطؤ الغرب في استعمار فلسطين وإبادة شعبها. وفي هذا السياق، تُعدّ موافقة حركة حماس على إطلاق سراح جميع الأسرى الإسرائيليين إشارة إلى التزامها بإنهاء العنف الدائر، وفي الوقت نفسه نقلًا للمسؤولية إلى النظام الإسرائيلي وإدارة ترامب لتوضيح وتعزيز التزاماتهم بعملية وقف إطلاق النار. يجمع هذا الموجز السياساتي تحليلات الشبكة خلال العام الماضي، مسلطًا الضوء على السياق البنيوي لفهم جريمة الإبادة الجماعية وآثارها الإقليمية. كما يرصد ويحلل الحملة الإبادية التوسعية التي ينفذها النظام الإسرائيلي في غزة والضفة الغربية والمنطقة الأوسع، كاشفًا تواطؤ الغرب ليس فقط في تمكين النظام الإسرائيلي من ارتكاب جرائمه، بل أيضًا في حمايته من المساءلة. وفي الوقت نفسه، يُبرز هذا الموجز المبادرات التي تتصدى لحصانة إسرائيل، وتدفع باتجاه تحقيق العدالة والتحرر.
تُبين هذه المذكرة السياساتية كيف أن "حياد الصين المنحاز" إلى النظام الإسرائيلي يتجلى في نأيها الإستراتيجي عن الإبادة الجارية في غزة. فمن خلال الدعوة إلى الوحدة الفلسطينية دون ممارسة أي ضغط مباشر على إسرائيل، تحافظ بكين على علاقاتها مع الدولة الصهيونية متظاهرة بالحياد. لا يعكس هذا الموقف خضوع بكين لهيمنة واشنطن في القضايا المتعلقة بإسرائيل فحسب، بل هو قرار مدروس منها لصون مصالحها الإستراتيجية على المدى البعيد. وبدلًا من أن تتدخل الصين مباشرةً لردع إسرائيل، تُلقي بالمسؤولية على مجلس الأمن، وتتعامل مع قضايا وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات وإطلاق سراح الأسرى وكأنها التزامات تقع على عاتق الآخرين لا ضمن نطاق مسؤولياتها.
رزان شوامرة· 16 سبتمبر 2025