A State of Palestine: The Case for UN Recognition and Membership

لمحة عامة

هل تُعدّ استراتيجية السعي لنيل اعتراف دولي من الأمم المتحدة بدولة فلسطين وعضوية فيها في أيلول/سبتمبر المقبل خطوةً ذات جدوى أما أنها مجرد وسيلة للتحايل؟ وما نفع عضوية الأمم المتحدة إذا ظلت إسرائيل تحتفظ بالسيطرة الفعلية على الأراضي المحتلة؟ وماذا سيكون تأثير ذلك في الحركة المتنامية المطالِبة بحل الدولة الواحدة؟ يتناول مستشار الشبكة لشؤون السياسات، فيكتور قطان، في هذه الورقة هذه المسائل وأكثر، ويرى إجمالًا أن من شأن عضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة أن تمنح رصيدًا استراتيجيًا للنضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير، رغم وجود مخاطر مصاحبة لهذا الطرح.

الاستراتيجية المتبعة

أكد محمود عباس، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، في مقالة رأي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في عددها الصادر يوم 17 أيار/مايو 2011 بأنه “في أيلول/سبتمر المقبل سوف نطلب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة اعترافًا دوليًا بدولة فلسطين على حدود 1967 وأن تُقبل دولتنا كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة.”1

ومع أن هذا الإعلان قد أثار نقمةً وسخطًا في أوساطٍ معينة في الولايات المتحدة، فإنه لم يكن مفاجأةً مباغتةً لمتابعي التطورات عن كثب. فعلى مدى الأشهر الستة الماضية، اعترفت عدة بلدان في أمريكا اللاتينية بدولة فلسطين، وقد وصل مجموع البلدان التي أعلنت اعترافها منذ عام 1988 إلى أكثر من 100 بلد. وعلاوة على ذلك، رفعت الدنمارك وفرنسا وآيرلندا وإيطاليا والنرويج والبرتغال وإسبانيا والمملكة المتحدة
مستوى تمثيل الوفود الفلسطينية العامة في عواصمها إلى بعثات دبلوماسية وسفارات – وهي منزلة مقصورة على الدول في العادة.2

ويبدو من مقالة عباس في صحيفة نيويورك تايمز أن هناك محورين لهذه الاستراتيجية هما الاعتراف الدولي بفلسطين كدولة، وعضويتها في الأمم المتحدة.3

الاعتراف

رغم أن الاستراتيجية الفلسطينية لم تتضح تمامًا، فإن منظمة التحرير الفلسطينية تأمل، على ما يبدو، باستخدام الجلسة الافتتاحية للجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر كمحفل لدعوة الدول الأخرى للاعتراف بها. وبعبارة أخرى، سوف تسعى إلى الحصول على اعتراف جماعي.

ووفقًا لوزير الخارجية في السلطة الفلسطينية، رياض المالكي، فإن نحو 150 دولة أعربت عن عزمها الاعترافَ بدولة فلسطينية على حدود عام 1967 في أيلول/سبتمبر. وإذا تحقق هذا العدد، فسيكون ذلك أمرًا بارزًا، ولا سيما إذا اشتمل على اعترافٍ من بعض دول الاتحاد الأوروبي. فإذا ما نُظر إلى الاعتراف بدولةٍ فلسطينية باعتباره اعترافًا تأسيسيًا (الحُجة القائلة بإن قيام الدولة هو مسألة اعترافٍ بها وحسب) فإن عدد الدول المُعترِفة بفلسطين ونوعيتها سيكون أمرًا ذا أهمية. أما إذا نُظر إلى الاعتراف بدولةٍ فلسطينية باعتباره اعترافًا تفسيريًا (الحُجة القائلة بإن الاعتراف وحده ليس كافيًا لمنح صفة الدولة، بل ينبغي أن يقترن بعوامل أخرى من أهمها الاستقلال) فستكون هناك مشكلة بالطبع إنْ أبقت إسرائيل سيطرتها على الأراضي المحتلة.4

العضوية في الأمم المتحدة

تدعو المرحلة الثانية من خارطة الطريق الصادرة في عام 2003 والتي أعدتها اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة) وصادق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى “إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة وخاصيات السيادة، على أساس الدستور الجديد، كمحطة متوسطة نحو تسوية دائمة للوضع القانوني.” وكجزء من المرحلة الثانية (حزيران/يونيو – كانون الأول/ديسمبر 2003) كان من المفترض بأعضاء الرباعية أن يشجعوا “الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك عضوية محتملة في الأمم المتحدة.”5

وهكذا فإن اللجنة الرباعية تصورت أنه يمكن قيام دولة فلسطينية قبل الانتهاء من مفاوضات الوضع النهائي مع إسرائيل. وبعبارة أخرى، كان أمرًا مقبولًا أن لا تضطر منظمة التحرير الفلسطينية إلى الانتظار إلى حين موافقة إسرائيل على الانسحاب كليًا من الأراضي الفلسطينية قبل أن تؤكد مطالبتها بإقامة دولة ذات حدود مؤقتة وخاصيات سيادية من خلال السعي للحصول على اعتراف وعضوية في الأمم المتحدة.
كما أعلن الرئيس محمود عباس في مقالته في صحيفة نيويورك تايمز بأن منظمة التحرير الفلسطينية تنوي أيضًا طلب الانضمام لعضوية الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر. ووفقًا للمادة 4 (2) من ميثاق الأمم المتحدة، فإن قبول عضوية الأمم المتحدة يتم بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية من مجلس الأمن. وثمة إمكانية بأن المعارضة الأمريكية في مجلس الأمن قد لا تحجب صدور هذه التوصية.6

وفي 19 أيار/مايو 2011، أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه في وزارة الخارجية الأمريكية بأن “التحركات الرمزية الرامية لعزل إسرائيل في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر لن تخلق دولةً مستقلة.” وتجدر الإشارة إلى أن أوباما لم يعارض هذه الخطوة الفلسطينية كليًا، كما إن تصريحه يحتمل تفسيرات مختلفة، ولكن على المرء أن يفترض بأن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض ضد العضوية الفلسطينية نظرًا لسِجّل واشنطن المروع في نقض قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية.7

ومع ذلك، فإن معارضة الولايات المتحدة لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة لن تؤثر بالضرورة على قيام دولة فلسطين إذا ما اعترفت بها 150 دولة في الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر وإذا ما افترضنا أن الاعتراف سيكون تأسيسيًا. إن اكتساب صفة الدولة والانضمام إلى عضوية المنظمات الدولية أمران مختلفان تمامًا. فعلى سبيل المثال، تايوان ليست عضوًا في الأمم المتحدة ولكنها دولةٌ. وكذلك الفاتيكان. كما إن كوسوفو دولةٌ باعتبار القوى العظمى، بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولكنها ليست عضوًا في الأمم المتحدة. أما سويسرا، فقد انضمت إلى الأمم المتحدة سنة 2002 ولكنها كانت دولة قبل انضمامها بزمن بعيد. وإبان الحرب الباردة، استُخدم حق النقض ضد طلبات دول كثيرة للانضمام للأمم المتحدة (ومنها آيرلندا، والأردن، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفيتي) ولكن ذلك لا يعني أنها لم تكن دولًا.

ومع أن بعض الباحثين قد أشاروا إلى إمكانية أن تتوجه منظمة التحرير الفلسطينية وحلفاؤها إلى الجمعية العامة والطلب منها بأن تنظر في أمر العضوية بموجب قرار “الاتحاد من أجل السلام” والذي يتسنى استخدامه حين يصل مجلس الأمن طريقًا مسدودًا – غير أن ذلك يُعتبر استراتيجيةً محفوفةً بالمخاطر.

لقد خلصت محكمة العدل الدولية في قضيةِ أهليةِ الجمعية العامة لقبول العضوية في الأمم المتحدة والتي نظرت فيها سنة 1950 إلى أن ميثاق الأمم المتحدة لا يضع مجلس الأمن في مركز تابع للجمعية العامة في مسائل عضوية الأمم المتحدة.8 وقالت المحكمة إن “منح الجمعية العامة سلطةً لقبول عضوية دولةٍ ما دون وجود توصية من مجلس الأمن يحرم المجلس من سلطة مهمة أوكلت إليه في ميثاق الأمم المتحدة.”9

وتبعًا لذلك، رأت محكمة العدل الدولية بأن “قبول دولةٍ في عضوية الأمم المتحدة عملًا بالفقرة 2 من المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة لا يمكن أن يتحقق بمقررٍ صادرٍ من الجمعية العامة إذا لم يوصِ مجلس الأمن بالقبول بسبب إخفاق الدولة المرشحة في الحصول على الأغلبية المطلوبة أو بسبب تصويت أحد الأعضاء الدائمين ضد قرارٍ يوصي بالقبول.”10

وبالتالي، فإن من المستبعد أن تصبح فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة إذا ما استخدمت الولايات المتحدة حق النقض ضد طلب انضمامها. وسيصبح وضعها مماثلًا لوضع كوسوفو (حيث تَحُول روسيا دون عضويتها) وتايوان (حيث تَحُول الصين دون عضويتها).

المخاطر والمنافع المحتملة لقيام الدولة

شنّ الناقدون هجومًا على الاستراتيجية الفلسطينية الساعية للانضمام إلى الأمم المتحدة كدولة في أيلول/سبتمبر، ووصفوها بالعقيمة ومضيعةِ الوقت، وقالوا إنها لن تغير شيئًا على أرض الواقع. وفي هذا الصدد، يقول مستشار الشبكة لشؤون السياسات علي أبو نعمه في الانتفاضة الإلكترونية “إن الشيئ الوحيد الذي يمكن اكتسابه من اعتراف الأمم المتحدة هو حصول عباس وبطانته على اعتراف دولي بهم كقادة “لدولة” وهمية، في حين لن يتغير شيئ على أرض الواقع بالنسبة للفلسطينيين.”11

وفي 2009، قُلتُ إن الاعتراف بدولة فلسطينية “مقسّمةِ الأراضي ومجزأةٍ إلى كانتونات محاطةٍ بجدران وأسوار وخنادق وأبراج مراقبة وأسلاك شائكة سيجعلها بالكاد دولةً جديرة باسمها.”12

ومع ذلك، ورغم المخاطر المحتملة ورغم افتقار القيادة الحالية لمنظمة التحرير الفلسطينية للمصداقية بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها في العقدين الماضيين، فإن محاسن هذه الاستراتيجية الفلسطينية قد تفوق مساوئها. وكما سيبين النقاش أدناه، فإن قيام الدولة لن يبدد بالضرورةِ حلمَ البعضِ في قيام دولةٍ ديمقراطية تضم كافة رعاياها.

فعلى افتراض أن 150 دولة بما فيها دول الاتحاد الأوروبي اعترفت بفلسطين كدولة، فإن من تبعات ذلك أن تصبح إسرائيل وفلسطين رسميًا في مستوى واحد على الساحة الدبلوماسية. وبعبارة أخرى، ستصبح العلاقة قائمةً بين دولتين، لا بين دولةٍ وجهةٍ فاعلةٍ ليست بدولة. وستصبح فلسطين قادرةً على الانضمام رسميًا للمجتمع الدولي والإصرار على علاقة مبنية على المساوة في السيادة. وعلاوة على ذلك، ستحظى فلسطين بمكانةٍ معترفٍ بها رسميًا دون أن تضطر فلسطين إلى تقديم تنازلات بشأن المستوطنات أو حق العودة أو القدس وما إلى ذلك. ويتبع ذلك أن فلسطين ستستطيع في سياق أي مفاوضات مستقبلية بشأن هذه القضايا أن تفاوض إسرائيل باعتبارها دولةً، أي كَنِدٍّ وليس كشعبٍ قابع تحت الاحتلال.

ومن تبعات هذه “المساواة الرسمية” أن تُتاح لدى فلسطين سبلٌ جديدة لاتباع وسائل قانونية للانتصاف من إسرائيل في المحافل الدولية المختلفة. وسيصبح بوسع فلسطين، كدولة، أن تصادق على المعاهدات الدولية بما فيها نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث ثمة طلبٌ بشأن مكانة فلسطين قيد النظر حاليًا. وحتى لو تمكنت الولايات المتحدة من الحيلولة دون تمتع دولة فلسطين بعضوية الأمم المتحدة، فإن قيام عددٍ كبيرٍ من الدول بالاعتراف بها داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة من شأنه أن يعزز إلى حد كبير مطالبة فلسطين بإقامة دولتها، وقد يكون له تأثير إيجابي في الإعلان المودع لدى المحكمة الجنائية الدولية. وإذا ما قبلت المحكمة الجنائية الدولية بفلسطين كدولة من حيث غايات نظامها الأساسي، فإنها قد تشرع في التحقيق في مزاعم جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت في أي وقت بعد تموز/يوليو 2002 (وهو تاريخ دخول نظام المحكمة الجنائية الدولية الأساسي حيز النفاذ). ولأول مرة في تاريخ الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، سيصبح بالإمكان أن يخضع الإسرائيليون المتهمون بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان للمساءلة عن جرائمهم.

كما إن الخطاب قد يتغير. فباستطاعة فلسطين أن تُصرّ على أن المستوطنات ومواصلة الاحتلال يشكلان خرقًا لسيادتها ووحدة أراضيها واستقلالها السياسي وأن تُطالب بانسحاب إسرائيل من تلك الأراضي. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تقول فلسطين إن إسرائيل تحتل دولة أجنبية كما فعلت العراق بالكويت عام 1990 وكما فعلت جنوب إفريقيا بناميبيا لأكثر من 40 عامًا، ومن ثم تطالب بانسحاب إسرائيل الفوري. وفي حال امتنعت إسرائيل وشنّت هجومًا على الفلسطينيين على غرار اجتياحها مثلًا لغزة في شتاء 2008-2009، فإن فلسطين ستكون قادرةً على التمسك بحقها في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.

وإذا ما استمرت إسرائيل في رفض تفكيك المستوطنات والانسحاب من أراضي فلسطين، فسيكون بوسع دولة فلسطين، في مظهر من مظاهر سيادتها، أن تطالب هؤلاء المستوطنين إما أن يقبلوا بأن يصبحوا مواطنين فلسطينيين وأن يمتثلوا لسيادة القانون في فلسطين أو أن يرحلوا. وإذا أصرّت إسرائيل على رفضها الانسحابَ من الأراضي المحتلة أو تفكيك المستوطنات، فسيكون بوسع فلسطين أن تطلب من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن يتخذ تدابير لإجبار إسرائيل على الانسحاب من تلك الأراضي.

وإذا لم يفعل مجلس الأمن ذلك، فإن بوسع فلسطين أن تبحث عن الدعم من مصادر أخرى وأن تطلب من محكمة العدل الدولية رأيًا استشاريًا آخر يستفسر عمّا يتعين على الدول الثالثة فعله في حال لم تنته إسرائيل عن احتلالها الذي يهدد السلم والأمن الدوليين.

وفي حال أصبحت فلسطين دولةً بالفعل، واعترفت بها البلدان الأخرى بتلك الصفة، فإن ذلك سيعزز حجتها بأن لديها حصانة سيادية وهو ما يمكن أن يحميها من الدعاوى القضائية ذات الدوافع السياسية المرفوعة في الولايات المتحدة على خلفية “جرائم الإرهاب” بموجب قانون مطالبات الأجانب للتعويض عن الأضرار وقانون مكافحة الإرهاب. فقد سبَّبت هذه الدعاوى القضائية صداعًا لدى المسؤولين الفلسطينيين في السنوات الأخيرة. غير أنهم سيحصلون، في حال الاعتراف بالدولة، على حصانة دبلوماسية وسيكون بوسعهم المطالبة بحماية قنصلية لرعاياهم حين يواجهون متاعب في البلدان الأجنبية. وهذا سيشمل المطالبة بالحق القانوني المتمثل في تقديم المساعدة القنصلية للسجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية والسجون في البلدان الأخرى.

كما ستكون فلسطين في وضع يؤهلها للانضمام إلى عدد كبير من المنظمات الدولية بالإضافة إلى الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية واليونسكو، وسيمنحها ذلك حقوقًا إضافية لا تتسنى إلا للدول. كما ستتمتع بموقف أفضل يُمكّنها من تعزيز التجارة مع البلدان الأخرى بواسطة إبرام اتفاقات شراكةٍ كاملةٍ، مثلًا، مع الاتحاد الأوروبي ومنظمات مماثلة، وهو ما قد يسمح بتحسين الوضع الاقتصادي لمواطنيها.
وإذا أصبحت فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة كذلك، فسيصير بوسعها أن تصيغ القرارات وتقترحها وتطرحها للتصويت في الأمم المتحدة وتصوّت عليها وعلى غيرها من القرارات. ويمكن أيضًا أن تُنتَخب فلسطين كعضوٍ غير دائم في مجلس الأمن يومًا ما.

وعلاوة على ذلك، يمكن أن تطالب قوات الأمن الفلسطينية بأن يمتنع الآخرون عن وصفها “بالإرهابية،” وأن يسمّوها قوات دولةٍ يحق لجنودها التمتع بوضع أسرى الحرب. وهذا يعني أنه في حال أُمسك بهم في سياق نزاع مسلح مع جنود إسرائيليين، فإنه لا تجوز محاكمتهم بجرم القتل أمام المحاكم الإسرائيلية إذا أقدموا بصورة مشروعة على قتل أفراد من القوات المسلحة الإسرائيلية (على عكس الانخراط في شنّ هجمات مسلحة متعمدة ضد المدنيين.)

وبالنسبة للتخوف من أن تَحُول استراتيجية منظمة التحرير الفلسطينية الرامية لإقامة الدولة دون تحقق رغبات أولئك الفلسطينيين الساعين لإقامة دولة ثنائية القومية أو لحل الصراع بناءً على حل الدولة الواحدة، فعلى المرء أن يتذكر بأنه يمكن للدول دائمًا أن تندمج مع دول أخرى إذا رغبت في إقامة وحدة من هذا القبيل (مثل الوحدة بين مصر وسوريا عندما أقامتا الجمهورية العربية المتحدة في عام 1958.)

وفضلًا على ذلك، يمكن لفلسطين أن تنص في دستورها بوضوح على أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية لن يمس حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض أو في أي حلول سياسة أخرى قد تُطرح مستقبلًا. وبعبارة أخرى، فإنها لن ترسم بالضرورة نهايةً لحل الدولة الواحدة أو ثنائية القومية إذا كان هذا الحل سيحظى برغبة غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين في يومٍ ما. وثمة بند كهذا، على سبيل المثال، في اتفاق الجمعة العظيمة (1998) في آيرلندا الشمالية، يتيح إمكانية إعادة الوحدة إذا صوّت معظم الشعب في كلٍ من آيرلندا الشمالية وجمهورية آيرلندا لصالح إعادة الوحدة. وقد جرى تعديل دستور آيرلندا لكي يعبّر عن هذا البند. ويمكن النظر في إدخال بند مشابه في الدستور الفلسطيني.

مواصلة الدرب

قد تشهد الفترة حتى شهر أيلول/سبتمبر تغيرات كثيرة دون شك. فلا يستطيع أحد أن يتنبأ بما قد تفعله إسرائيل، رغم أنها تشعر بالتأكيد برياح التغيير تهب في المنطقة. وليس من المستبعد كليًا أن تستجيب إسرائيل بلفتة “مثيرة” كأنْ توافق على الانسحاب من معظم الضفة الغربية وحتى أن تفكك بؤرةً استيطانيةً أو اثنتين كي تُظهر نفسها بمظهر “الاعتدال.” ويمكن استخلاص هذا القدر من الخطاب الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي ألقاه أمام الكونغرس الأمريكي. ومن ناحية أخرى، قد تقوم إسرائيل بإثارة نزاع حدودي مع حماس أو حزب الله من أجل تقسيم الفلسطينيين. ويمكن استخلاص هذا القدر أيضًا من خطاب نتنياهو أمام الكونغرس.13

لقد فقدت منظمة التحرير الفلسطينية شرعيتها ومصداقيتها في أعين الكثير من الفلسطينيين في فلسطين والشتات بلا شك. وكما يظهر بوضوح من “وثائق فلسطين” التي سربتها قناة الجزيرة وصحيفة الغارديان، فإن القيادة الفلسطينية كانت مستعدة لتقديم تنازلات كثيرة جدًا بشأن حقوق الفلسطينيين. ولعل ذلك يفسر سبب اتخاذ منظمة التحرير الفلسطينية موقفًا أكثر تشددًا حيال مسألة إقامة الدولة. فلقد أدركت أخيرًا أنها استنفدت خيار المفاوضات. إن الشروط الدنيا التي وضعتها إسرائيل للقبول بدولة فلسطينية (شطب حق العودة، دولة منزوعة السلاح، ضم الكتل الاستيطانية، انتفاء السيادة على القدس ووادي الأردن، إلخ) هي أقل بكثير ممّا يمكن أن يقبل به أي زعيم فلسطيني.

إن ما يريده نتنياهو هو تقسيم الفلسطينيين. فقد دعا عباس، تحديدًا، أمام الكونغرس كي يُمزِّق اتفاق الوحدة الذي أبرمه مع حركة حماس. فنتنياهو يدرك تمامًا بأن خطوةً كهذه من شأنها أن تُحدث شرخًا في المجتمع الفلسطيني، وربما تثير حربًا أهلية. ويجب أن لا ينخدع عباس بهذه المحاولات الهادفة لثنيه عن استراتيجيته الحالية. فإذا كان جادًا بشأن السعي لإقامة الدولة، فعلى الفلسطينيين أن يصمدوا ويتحدوا، ولا بد أن تحشد منظمة التحرير الفلسطينية قدر ما أمكنها من الدعم قبل موعد التصويت في الأمم المتحدة. وعليها في الواقع أن تسعى للحصول على تأييد ما يزيد على 150 دولة. فكلما ازداد عدد الدول المعترِفة بفلسطين كدولة، كلما عَظُمت حُجتها من أجل إقامة الدولة.


  1. يرأس عباس منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كذلك. تضطلع منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني بأسره، بمسؤولية المفاوضات مع إسرائيل. أما اختصاص السلطة الفلسطينية فيقتصر على إدارة الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
  2. في عام 1988، أعلن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك ياسر عرفات قيام دولة فلسطين المستقلة على الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية. وبحلول عام 2010، بلغ عدد البلدان التي اعترفت بهذه الدولة 105 بلدان، وفقًا لمصادر في منظمة التحرير الفلسطينية. وثمة مصادر أخرى تحدثتُ إليها تقول إن العدد قد يصل في الواقع إلى 112 بلدًا. 
  3. تجدر الإشارة إلى أن الأمم المتحدة لا تملك صلاحية الاعتراف بالدول. بل إن الدول والحكومات الأخرى فقط هي من يستطيع الاعتراف أو عدم الاعتراف بالدول أو الحكومات الجديدة – انظر http://www.un.org/geninfo/faq/factsheets/memberstate.pdf . . غير أنه يجوز للدول الجديدة أن تتقدم بطلب للأمم المتحدة للانضمام إلى عضويتها. 
  4. Elior Levy, “PA: 150 states to recognize Palestine by Sept.” ynet.news.com, 3 March 2011. http://www.ynetnews.com/articles/0,7340,L-4036984,00.html 
  5. اسمها الكامل هو “خارطة طريق إلى حل الدولتين الدائم للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ترتكز إلى الأداء”،http://www.un.org/media/main/roadmap122002.html. 
  6. وفقًا لإجراءات الأمم المتحدة، تتقدم الدولة أو الحكومة الجديدة بطلب عضويتها إلى الأمين العام مشفوعًا بإعلان رسمي بقبول الالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة. يخضع الطلب في مستهل الأمر لنظر مجلس الأمن حيث يجب أن يحصل على أغلبية تسعة أصوات ودون أن يُستخدم ضده حق النقض (الفيتو). وفي حال رفع المجلس توصيته بقبول الطلب، فإنه يوضع أمام الجمعية العامة حيث يتعين أن يحصل على ثلثي الأصوات في الجمعية العامة http://www.un.org/geninfo/faq/factsheets/memberstate.pdf. 
  7. http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2011/05/19/remarks-president-middle-east-and-north-africa 
  8. International Court of Justice, “Advisory Opinion: Competence of the General Assembly for the Admission of a State to the United Nations,” 3 March 1950, 4, http://www.icj-cij.org/docket/files/9/1883.pdf 
  9. المرجع السابق،صفحة 9 
  10. المرجع السابق،صفحة 10 
  11. http://electronicintifada.net/blog/ali-abunimah/exclusive-abbas-let-israel-keep-settlements-even-if-un-recognizes-state. 
  12. Victor Kattan, “UDI won’t mean Palestinian statehood,” Guardian – Comment is Free, 19, November 2009, http://www.guardian.co.uk/commentisfree/2009/nov/19/palestinian-statehood-udi 
  13. http://www.pmo.gov.il/PMOEng/Communication/PMSpeaks/speechcongress240511.htm 
فيكتور قطان زميل باحث أقدم لدى معهد الشرق الأوسط في جامعة سينغافورة الوطنية. عَمِل في السابق مديرًا لبرامج الشبكة، وكان زميلًا في مرحلة ما بعد...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
 المجتمع المدني
عكف الفلسطينيون منذ زمن على تأسيس اقتصاد مقاوم في إطار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني. وتُعدُّ السيادة الغذائية اليوم امتدادًا طبيعيًّا لهذا النوع من المقاومة، حيث ترتكز إلى مبادئ الاكتفاء الذاتي الزراعي المُتبعة على مرِّ تاريخ الثورة الفلسطينية. يتتبع فتحي نمر في هذا الموجز السياساتي نشأةَ السيادة الغذائية والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في تفعيلها على الأرض. ويرى أن ذلك سيساعد في تأطير الاقتصاد المقاوم ضمن سياق أنسب، وفي تمهيد الطريق نحو نظامٍ اقتصادي أشد مماحكةً.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 27 أغسطس 2024
Skip to content