The Case for Palestinian Nationality

ملخص تنفيذي

يملك الفلسطينيون أينما كانوا يقيمون - بمن فيهم سبعة ملايين فلسطيني منفي - حقًا في المواطنة الفلسطينية. وهذا الحق مكفول بموجب القانون الدولي، بيد أن الانتداب البريطاني والسلطات الاستعمارية الإسرائيلية ظلوا يتلاعبون بمفهومي الجنسية والمواطنة بُغية حرمان الفلسطينيين المنفيين من المواطنة. تقدم هذه الورقة السياساتية توصيات للفلسطينيين في الشتات وممثليهم في منظمة التحرير الفلسطينية حول سُبل الإعداد لإصدار تشريعات مستقبلية خاصة بالمواطنة والجنسية الفلسطينية تتحدى سياسات النظام الإسرائيلي العنصرية.

المواطنة والجنسية مفهومان مختلفان. وبرغم الخلط بينهما في معظم الأحيان، إلا أن التفريق بينهما يجب أن يشكِّل الأساس للرد الفلسطيني على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية. الجنسية هي اتفاقٌ بين الفرد والدولة، ويخضع بموجبها الفرد لعملية تدقيق صارمة، ويتعين عليه أن يستوفي متطلبات الأهلية التي تضعها تلك الدولة للحصول على جنسيتها. وهذا يعني أن للدولة أن تطعن في حق الأفراد في الجنسية، وبالتالي تجردهم من الجنسية بموجب نصوص معينة. ولكن الدولة لا تستطيع أن تُجرِّد الفرد من مواطنته، لأن المواطنة متأصلة في الفرد بحسب القانون الدولي الذي يُعرِّفها عمومًا بأنها الرابط بين الفرد وبقعة من الأرض. فالقانون الدولي يحمي حق الفرد في المواطنة، ويقتضي من جميع الدول أن تمنح مواطنة منطقة ما للأفراد المرتبطين بها.

كَفِلت معاهدةُ لوزان لعام 1923 المواطنةَ الفلسطينية ونصَّت عليها ضمن القانون الدولي على أساس ارتباطهم بالولاية العثمانية السابقة من خلال النسب و/أو الإقامة. إلا أن سلطات الانتداب البريطاني خالفت المعاهدة حين حرمت الفلسطينيين حقَّهم في المواطنة من خلال قانون الجنسية التي أصدرته في عام 1925 وأولت بموجبه الأولوية إلى تجنيس المهاجرين اليهود كموطنين فلسطينيين على حساب عشرات آلاف الفلسطينيين الذين هاجروا منذ أواخر القرن التاسع عشر إلى الأمريكيتين. وهكذا فإن السياسة البريطانية جعلت من هؤلاء المهاجرين الحاملين لوثائق عثمانية لم تعد نافذة مواطنين فلسطينيين عديمي الجنسية.

أعاد النظام الإسرائيلي، منذ إنشائه، ضبط قوانين المواطنة والجنسية وتَعمَّدَ التلاعب بالجنسية والمواطنة لتأمين دولة يهودية. وكما فعلت سلطات الانتداب البريطاني، قدّم النظام الإسرائيلي نفسه باستمرار على أنه السلطة الوحيدة صاحبة الحق في منح الجنسية والمواطنة لجميع الرعايا ذوي المطالبات القانونية بالانتماء إلى فلسطين المستعمرة. وهكذا فإنه يمنع الفلسطينيين في المنفى من أن يصبحوا مواطنين فلسطينيين أو حاملين للجنسية إسرائيليين - ويمنع الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية من المطالبة بصفتهم كمواطنين فلسطينيين.

لطالما اعترضَ الفلسطينيون على إقصائهم من المواطنة الفلسطينية، حيث احتج الفلسطينيون في فلسطين وخارجها مرارًا وتكرارًا، إبان الانتداب البريطاني، على السياسات البريطانية من خلال الالتماسات المقدمة إلى حكومة فلسطين وإلى عصبة الأمم، معبرين عن حقوقهم في المواطنة الفلسطينية باستخدام لغة المعاهدات القانونية الدولية. غير أن مسألة المواطنة الفلسطينية غابت كثيرًا في العقود الأخيرة عن الخطاب السياسي الفلسطيني. ولكن بعد اعتراف الأمم المتحدة بسيادة فلسطين بحكم القانون في 2012، سعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى تفعيل حق الفلسطينيين في نيل الجنسية والمواطنة الفلسطينية على أساس معاهدة لوزان، بيد أنها لم تفلح بسبب التعقيدات القانونية التي ينطوي عليها ذلك.

لا بد لمنظمة التحرير، بصفتها الممثلَ الوحيد للشعب الفلسطيني المشتت أن تضطلع بدور الضامن لحقوق الفلسطينيين المنفيين في المواطنة الفلسطينية بغض النظر عن القيادة الإسرائيلية والفلسطينية الفاسدة. ويمكنها في سبيل ذلك أن تحتج، كما فعلت في 2012، بمعاهدة لوزان كأساسٍ قانوني للمواطنة معترفٍ به دوليًا. وفي الوقت نفسه، يتعين على الفلسطينيين في الشتات أن يعملوا مع منظمة التحرير، ولا سيما مع سلكها الدبلوماسي المكلف بتمثيل اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين، لتحديد المعايير التي تقرر مَن هو الفلسطيني.

ومن أجل ذلك، يجب على المنفيين الفلسطينيين وممثليهم في منظمة التحرير ما يلي:

  • إيجاد محافل للفلسطينيين حول العالم للتجمع ووضع المعايير لتحديد المؤهلين للتسجيل للحصول على المواطنة الفلسطينية. وبالرغم من أن معاهدة لوزان نصَّت على أحكام في هذا الخصوص، إلا أنه يتعين على الفلسطينيين أن يعبِّروا عن هذه الحقوق بعباراتهم وظروفهم الخاصة، تمامًا كما دأبت مجتمعات السكان الأصليين في أمريكا الشمالية على مناقشتها منذ عقود.
  • إصدار سجل سكاني للفلسطينيين في المنفى للتأكد من عدد الفلسطينيين في الشتات المؤهلين للحصول على المواطنة الفلسطينية.
  • صياغة قانون شامل للمواطنة يقوم على أساس حق الفلسطينيين في مواطنتهم على النحو الذي يحدده القانون الدولي وبالإجماع. وهذا من شأنه أن يهيئ الأساس لمنح الجنسية الفلسطينية.
  • دعم الفلسطينيين المقيمين في دول أجنبية والمتمتعين بجنسية ثانوية والذين يطالبون الدول المضيفة بالاعتراف بهم كمواطنين فلسطينيين.
  • المطالبة بمحاسبة إسرائيل على انتهاكها القانون الدولي من خلال حرمانها ملايين الفلسطينيين الذين طردتهم من فلسطين عامي 1948 و1967 حقَّهم في المواطنة الفلسطينية. ولا بد من فعل ذلك على المستويين الإقليمي والدولي وفي كل دولة يقيم فيها الفلسطينيون.

نظرة عامة

المواطنة والجنسية مفهومان مختلفان بموجب القانون الدولي. ففي حين أن الجنسية تُعدُّ ترتيبًا رسميًا بين الفرد وحكومة الدولة، فإن المواطنة متأصلة في الفرد ومحمية خارج نطاق الدولة. غير أن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي ظل منذ نشأته في عام 1948 يتلاعب بالمفهومين تلاعبًا استراتيجيًا بُغية حرمان الفلسطينيين المنفيين – والمجتمعات الفلسطينية المضطهدة الأخرى – من حقهم في فلسطين أينما كانوا.1

اليوم، يمتلك ما يزيد على سبعة ملايين فلسطيني منفي الحقَّ القانوني في اعتبارهم مواطنين فلسطينيين بالولادة و/أو النسب، بصرف النظر عن قوانين المواطنة والجنسية الإسرائيلية العنصرية. ويشمل هؤلاء خمسةَ ملايين لاجئ مسجلين لدى وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأدنى (الأونروا)، بالإضافة إلى بضعة ملايين من المواطنين الفلسطينيين الآخرين الحاصلين على جنسية ثانوية أو بطاقة إقامة في دول أخرى. فإذا قام الفلسطينيون المنفيون وممثلوهم السياسيون بتفعيل هذا الحق المحمي دوليًا بالوسائل القانونية الفعالة، فإنهم سيحصلون على الوضع القانوني كمواطنين فلسطينيين من المنفى، وسيتمكنون بالتالي من تحدي سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية وإرساء الأساس لتشريعات المواطنة والجنسية الفلسطينية المستقبلية.2

تتناول هذه الورقة السياساتية الأزمة السياسية والقانونية المستمرة على صعيد مواطنة المنفيين الفلسطينيين في سياق القانون الدولي. وتشدِّد على الاختلافات الجوهرية بين المواطنة والجنسية، وتوضح كيف أن سلطات الانتداب البريطانية وبعدها السلطات الاستعمارية الاستيطانية الإسرائيلية استخدمت المفهومين كمترادفين للاستمرار في حرمان الفلسطينيين أينما كانوا من الجنسية والمواطنة. ولهذا لا تركز الورقة على الفلسطينيين داخل فلسطين المستعمرة الذين يحدِّد حقوقهم في الجنسية والمواطنة النظامُ الإسرائيلي في أراضي عام 1948 والسلطة الفلسطينية والنظام الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة. وتقدم الورقة توصيات للفلسطينيين في الشتات وممثليهم في منظمة التحرير الفلسطينية حول ما ينبغي فعله من أجل تحدي سياسات الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلية وتأمين حق الفلسطينيين المنفيين في أن يُعتبروا مواطنين فلسطينيين لهم حقوق في فلسطين.3

المواطنة والجنسية والقانون الدولي 

تنص قرارات الأمم المتحدة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، ولا بد من إعمال حق جميع الفلسطينيين في المنفى، بمن فيهم اللاجئون والمتجنسون بجنسيات دول أخرى، في أن يُعتبروا مواطنين تابعين لفلسطين المستعمَرة حيثما كانوا في الشتات، وبالتالي المطالبة بتمثيلهم قانونًا والتمتع بحقوقهم من الخارج. ولفهم السبب، علينا أن نقف على الاختلافات الجوهرية بين المواطنة والجنسية، وهما مفهومان استخدمهما الانتداب البريطاني والأنظمة الصهيونية المتعاقبة كمترادفين سعيًا لمحو حق الفلسطينيين المنفيين في المواطنة ومنعهم من المطالبة بفلسطين. وهكذا فإن من الضرورة إبراز الاختلاف بين هذين المفهومين حتى يكون الأساس للرد الفلسطيني على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية هذه.

من الضرورة إبراز الاختلاف بين الجنسية والمواطنة حتى يكون الأساس للرد الفلسطيني على سياسات الفصل العنصري الإسرائيلية Share on X

تُمنَح الجنسية للفرد بناءً على مكان ميلاده أو جنسية والديه أو تجنيسه من خلال الإقامة. والحكومة هي مَن يُقرر منح الجنسية للفرد لكي يتمتع بالحقوق والمسؤوليات كأحد أفراد الدولة القومية. وهكذا لا بد للأفراد المتقدمين للحصول على جنسية الدولة أن يجتازوا عملية تدقيق صارمة، وأن يستوفوا متطلبات الأهلية للحصول على جنسية تلك الدولة. قد تطعن الدول أيضًا في حق الأفراد في الجنسية، وبالتالي تجردهم من الجنسية بموجب نصوص معينة. 

غير أن الدول لا تستطيع نزع المواطنة عن مواطنيها. فالقانون الدولي يُعرِّف المواطنة عمومًا بأنها الرابط بين الفرد وبقعة من الأرض. تُشير محكمة العدل الدولية منذ عام 1955 إلى هذا الرابط باسم “الرابط الحقيقي” الذي يقرره النسب (حق الدم) أو مكان الميلاد (حق الأرض) أو الإقامة طويلة الأجل (حق الإقامة). المواطنة متأصلة وغير قابلة للتغيير ومحمية، حيث تنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “لكل فرد حق التمتع بجنسية ما. لا يجوز، تعسُّفًا، حرمانُ أيِّ شخص من جنسيته ولا من حقِّه في تغيير جنسيته.” بل إن هذا الحق شامل لدرجة أن العديد من الدول تتيح المجال للتقدم بطلب الحصول على الجنسية من خلال حق الدم للمواطنين غير المتجنسين بجنسيتها والمقيمين في أي مكان في العالم. 

حق الفلسطينيين التاريخي في المواطنة الفلسطينية

تم الاعتراف بحق الفلسطينيين في الانتماء إلى فلسطين كمواطنين حيثما كانوا في العالم منذ التصديق على معاهدة لوزان لعام 1923 في 6 آب/أغسطس 1924. ومع أن المعاهدة كانت أول وثيقة قانونية تنص على منح المواطنة الفلسطينية على مستوى العالم، فإن قانون المواطنة العثماني لعام 1869 كان أول قانون يمنح المواطنة للمقيمين في فلسطين بموجب حق الدم وحق الأرض وحق الإقامة. ولذلك، عندما فرضت السلطات البريطانية حصارًا على القدس في كانون الأول/ديسمبر 1917، اعتُبر سكان فلسطين مواطنين فلسطينيين عثمانيين، وظلوا كذلك حتى صدور قرار قوات الحلفاء بخصوص ما يجب فعله بالإمبراطورية المفككة. 

وانطبق هذا الوضع أيضًا على عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين العثمانيين الذين هاجروا من فلسطين إلى الأمريكيتين لأسباب اقتصادية وسياسية منذ القرن التاسع عشر. غير أن قوات الحلفاء وحكومة الجمهورية التركية المشكلة حديثًا وقَّعت في 24 تموز/يوليو 1923 معاهدة لوزان التي تحدد رسميًا حدود الجمهورية. وفي مقابل اعتراف الحلفاء بالسيادة التركية، تخلت تركيا عن جميع مطالباتها الإمبراطورية بأراضيها السابقة، بما في ذلك الولايات العربية، التي باتت تخضع للانتداب الاستعماري الأوروبي. 

وبالتالي، لم يعد الرعايا العرب السابقون للإمبراطورية العثمانية، بمن فيهم المقيمون في الخارج، مواطنين عثمانيين. وفي حين أن المادة 34 من معاهدة لوزان نصّت على بنود تُمكِّن الأفراد من إعلان مواطنتهم في “المنطقة التي ينحدرون منها”، إلا أن بريطانيا خالفت المعاهدة لأنها كانت قد وعدت الاتحاد الصهيوني بإنشاء “وطن قومي” يهودي في فلسطين بموجب إعلان بلفور الصادر عام 1917.

 ولذلك فقد احتاجت السلطات البريطانية إلى ضمان التدفق المستمر لليهود إلى فلسطين وتجنيسهم من خلال الإقامة كرعايا فلسطينيين في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، فأصدرت أول قانون للجنسية الفلسطينية من أجل إصدار وثائق الجنسية الفلسطينية للمستوطنين اليهود. وللتأكيد، كان هذا متوافقًا مع المادة 7 من الانتداب على فلسطين، والتي نصت على أن تسن حكومة فلسطين الانتدابية قانونًا للجنسية يتضمن “أحكامًا مؤطرة لتسهيل حصول اليهود على الجنسية الفلسطينية من خلال الإقامة الدائمة في فلسطين.”

في تموز/يوليو 1925، أصدرت بريطانيا قانون الجنسية الفلسطينية لتنظيم منح الجنسية الفلسطينية إبان الانتداب. وفي حين أن القانون اقتضى من السلطات البريطانية منح الجنسية الفلسطينية لجميع المتقدمين المؤهلين، إلا أنها أولت الأولوية لمنح الجنسية لعشرات الآلاف من المستوطنين اليهود الوافدين (من خلال حق الإقامة) على حساب عشرات الآلاف من المهاجرين الفلسطينيين (أصحاب الحق في الجنسية من خلال حق الدم وحق الأرض). ولتبرير هذه الممارسة، تحججت السلطات البريطانية على الدوام “بالقدرة الاستيعابية” الاقتصادية المحدودة لفلسطين، وبعدم كفاية ما يدل على نية المهاجرين في الإقامة الدائمة في فلسطين، أو غيابهم عن فلسطين من قبل عام 1920، أو ببساطة “وضوح عدم الرغبة” بهم. 

في 8 آذار/مارس 1937، أي بعد عقدين من الاحتلال البريطاني لفلسطين، أفادت حكومة فلسطين بأن أكثر من 28000 يهودي قد حصلوا على وثائق الجنسية الفلسطينية بين عامي 1931 و1936، وأن نصيب اليهود من وثائق الجنسية الممنوحة في عام 1936 البالغ عددها 4941 كان 4847 وثيقة. وفي المقابل، قدَّم الفلسطينيون في أمريكا اللاتينية وحدها نحو 9000 طلب للحصول على الجنسية بحلول عام 1937، ولم تتجاوز الطلبات المقبولة من هؤلاء 100 طلب. وفعليًا أصبح المهاجرون الفلسطينيون في الأمريكتين، الذين بلغ عددهم نحو 40000 بحلول عام 1936، مواطنين فلسطينيين عديمي الجنسية يحملون وثائق عثمانية بَطَلَ استعمالها

استمرت بريطانيا على مدار 30 عامًا من احتلالها لفلسطين في التلاعب بالمواطنة من خلال إحجامها عن منح الجنسية. وعلى الرغم من أن بريطانيا انتهكت معاهدة لوزان بفعلها ذلك، إلا أن عصبة الأمم تركت إدارة فلسطين بالكامل لتقدير التاج البريطاني، وأخرجت حوكمة فلسطين فعليًا من نطاق القانون الدولي. 

المواطنة الفلسطينية في ظل النظام الإسرائيلي

ما فتئ النظام الإسرائيلي ينتهك القانون الدولي منذ عام 1948 بحرمانه ملايين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم من حقوقهم في المواطنة الفلسطينية. فقد سارع عند إنشائه إلى حرمان 750000 فلسطيني ممن نفاهم عام 1948 من حقوقهم في الجنسية الفلسطينية؛ وكرَّر ذلك بعد طرده 300000 فلسطيني من فلسطين في عام 1967. 

تم الاعتراف بحق الفلسطينيين في الانتماء إلى فلسطين كمواطنين حيثما كانوا في العالم منذ التصديق على معاهدة لوزان لعام 1923 Share on X

وكسابقه، عمد النظام الصهيوني إلى التلاعب بالمواطنة والجنسية من أجل تحقيق هدفه الديموغرافي المتمثل في تأمين دولة يهودية. فكما سلطات الانتداب البريطاني، قدّم النظام الإسرائيلي نفسه باستمرار على أنه السلطة الوحيدة صاحبة الحق في منح الجنسية والمواطنة لجميع الرعايا ذوي المطالبات القانونية بالانتماء إلى فلسطين المستعمرة. 

ويتم إخفاء هذه الأعمال غير القانونية خلف سلسلة من القوانين أبرزها قانون العودة لعام 1950، وقانون المواطنة لعام 1952، وقانون الدولة القومية اليهودية لعام 2018. وفي عام 1950، أصدرَ النظام الإسرائيلي الجديد قانون العودة، الذي يمنح كل يهودي في العالم الحق في الهجرة إلى الدولة اليهودية الجديدة. وتبعَ هذا القانون قانونُ المواطنة لعام 1952، الذي أكد مواطنة اليهود حول العالم بموجب قانون العودة. وهكذا وفي عام 1952، أعلن النظام الإسرائيلي فعليًا المواطنة اليهودية على مستوى العالم. 

وفي حين أن لدى إسرائيل نظامَ جنسيةٍ مطبقًا على غير اليهود للحصول على الجنسية الإسرائيلية بموجب المولد على أراضي عام 1948، فإنها تظل دولةً للمواطنين اليهود أولًا وأخيرًا. وهذا ما أكدته في القانون الأساسي للدولة اليهودية لعام 2018 الذي ينص على أن الحق في تقرير المصير القومي “يخصُّ الشعب اليهودي وحده.” وبالتالي ضَمِن نظامُ الفصل العنصري الإسرائيلي أن الفلسطينيين الذين حصلوا على الجنسية الإسرائيلية لن يندمجوا أبدًا كمواطنين في الدولة، ما يُسهِّل عليها سحب جنسيتهم إنْ أرادت.

وعلاوة على ذلك، ولسد الطريق أمام الفلسطينيين المنفيين الساعين للحصول على حق الجنسية بصفتهم رعايا سابقين تحت الانتداب البريطاني الذي أصدر لهم جوازات سفر بريطانية فلسطينية، ألغى قانون 1952 بأثر رجعي الجنسيات الممنوحةَ قبل إنشاء دولة إسرائيل في أيار/مايو 1948. وهكذا، فإن النظام الإسرائيلي عند إنشائه أعاد ضبط قوانين الجنسية، وأبطَل بذلك جميع الوثائق الصادرة المتعلقة بالمواطنة والجنسية الفلسطينية. وهذا غير قانوني بموجب القانون الدولي الذي يقتضي من “الدولة الخلف” أن تمنح مواطنة المنطقة المعنية للشعب المرتبط بها. 

حرصَ النظامُ الإسرائيلي أيضًا على ألا يتأهل أي فلسطيني طُرد عام 1948 للحصول على المواطنة الفلسطينية أو الجنسية الإسرائيلية، لأنهم ليسوا يهودًا ولا يمكن تجنيسهم عن بُعد. ينص قانون 1952، على أن التأهل للحصول على الجنسية الإسرائيلية من خلال الإقامة يقتضي من الفلسطينيين أن يكونوا من المقيمين في أراضي 1948 بتاريخ 1 آذار/مارس 1952، وأن يكونوا قد ظلوا مقيمين فيها منذ يوم تأسيس الدولة حتى يوم إقرار قانون المواطنة. ولا ينطبق هذا البند على أي من الفلسطينيين المُهجَّرين عام 1948. 

الدفاع عن الحق في المواطنة الفلسطينية 

يمتلك الرعايا الفلسطينيون حول العالم منذ التوقيع على معاهدة لوزان “رابطًا حقيقيًا” بأرض فلسطين المستعمرة معترفًا به بموجب القانون، وبالتالي هم ينتمون إليها كمواطنين، ويمكنهم المطالبة بهذه الحقوق حتى وهم في الشتات من خلال قنوات قانونية وسياسية مختلفة. أي أن حقوق الدم والمولد التي تربطهم بالمواطنة الفلسطينية لا تزال قائمة، وأن الوسيلة القانونية والسياسية لتحدي النظام الإسرائيلي لا تزال ممكنة. بل إن أسلافهم الذين حُرموا المواطنة الفلسطينية من خلال الجنسية إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين كانوا مدركين لذلك.

لا بد لمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثلَ السياسي والقانوني للشعب الفلسطيني، أن تضطلع بدور الضامن لحقوق الفلسطينيين المنفيين في المواطنة الفلسطينية Share on X

طِوال فترة الانتداب البريطاني، احتج الفلسطينيون في فلسطين وخارجها في مناسبات عديدة على السياسات البريطانية من خلال الالتماسات المقدمة إلى حكومة فلسطين وإلى عصبة الأمم. وعلى سبيل المثال، رفعت مجموعة من الفلسطينيين في مونتيري بالمكسيك في 23 شباط/فبراير 1927 عريضةً من ست صفحات إلى المفوض السامي لفلسطين، هربرت بلومر. وفي هذه الوثيقة، التي صاغها أعضاء المركز الاجتماعي الفلسطيني ووقعها ما يزيد على 300 فلسطيني مقيم في المكسيك، طالب الملتمسون بريطانيا بالاعتراف بحقوقهم في المواطنة الفلسطينية. وهددوا باللجوء إلى عصبة الأمم بوصفها صاحبة القول الفصل في القانون الدولي: 

لقد ولدنا على تلك الأرض، ولطالما تمنينا أن نكون فلسطينيين، ونحن متيقنون بأننا إذا اضطررنا، كملاذ أخير، إلى رفع التماسنا إلى عصبة الأمم، فإن تلك الهيئة الموقرة ستمنحنا الحق في تسمية أنفسنا مواطنين فلسطينيين.

وفيما يتعلق بالمواطنة الفلسطينية، أشار مقدمو الالتماس الفلسطينيون مرارًا إلى المادة 34 من معاهدة لوزان، مذكرين السلطات البريطانية بالتزامها بالتقيد بالقانون الدولي – أو على الأقل، المعاهدات التي وقعت عليها.  وفي حزيران/يونيو 1927، على سبيل المثال، رفعَ وفدٌ من القوميين الفلسطينيين من بيت لحم وبيت جالا، الذين شكَّلوا لجنة الدفاع عن حقوق الفلسطينيين المقيمين في الخارج، عريضةً إلى حكومة فلسطين في القدس. واستشهدوا بالمادة 34 من المعاهدة للمطالبة بحقوق المهاجرين الفلسطينيين في المواطنة الفلسطينية: 

الاستنتاج المنطقي الذي يمكن استخلاصه من نصوص المادة هو أن المهجَّرين من هذه الأرض المنتمين إلى الأغلبية يتمتعون بالحق في المواطنة الفلسطينية. ولا نظن، ولا للحظة، أن الحكومة البريطانية تريد حرمانهم هذا الحق. 

لقد سجَّل مقدمو الالتماس الفلسطينيون في فلسطين وخارجها سابقةً للمطالبة بالعدالة على أساس المعاهدات القانونية الدولية، واستمر نظام الانتداب البريطاني في تجاهلهم دون مساءلة طيلة فترة احتلاله لفلسطين. 

الاستفادة من قيام الدولة ومعاهدة لوزان

اعترفت الأمم المتحدة بفلسطين كدولة ذات سيادة بحكم القانون في عام 2012، ولم يتوفر للفلسطينيين في المنفى قبل ذلك التاريخ سوى سُبلٍ محدودة للمطالبة بالمواطنة الفلسطينية. لكن مع قيام الدولة، صاغت منظمة التحرير الفلسطينية أخيرًا مشروع قانون الجنسية في عام 2012 الذي يعترف بمنح المواطنة الفلسطينية على أساس معاهدة لوزان، بما في ذلك للفلسطينيين في المنفى: “المواطنون الفلسطينيون هم الأشخاص الذين اكتسبوا أو امتلكوا الحق في اكتساب المواطنة الفلسطينية اعتبارًا من تاريخ 6 آب/أغسطس 1924.”  ومع ذلك، لم يتداول المجلس التشريعي الفلسطيني مشروع القانون بسبب التعقيدات القانونية التي ينطوي عليها، ولا سيما تحديد الكيفية المتبعة في منح الجنسية الفلسطينية لمجموعة مشتتة من اللاجئين حول العالم، والمواطنين الرازحين تحت الاحتلال في الضفة الغربية وغزة الحاصلين على بطاقات إقامة مختلفة وحقوق متباينة في التنقل والوصول. وعلاوة على ذلك، تنظم السلطة الفلسطينية بموجب اتفاقات أوسلو أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة، وجميع الإقامات التي تصدرها السلطة مشروطة بموافقة النظام الإسرائيلي. 

لا بد لمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثلَ السياسي والقانوني للشعب الفلسطيني المشتت وكيانًا يُدرك أهمية الجنسية، أن تضطلع بدور الضامن لحقوق الفلسطينيين المنفيين في المواطنة الفلسطينية. ولكن قبل أن تَشرعَ في السعي لتأمين المواطنة الفلسطينية من خلال السبل القانونية، يجب على المنظمة أن تعمل مع الشعب الفلسطيني لإنشاء سجل سكاني، يبدأ باللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الأونروا. وقد مثَّل مشروع كرمة النابلسي لعام 2006 خطوة مهمة نحو إقامة هذا النوع من التواصل بين الفلسطينيين المنفيين ومنظمة التحرير. ولا بد لهذا المجهود أن يستمر. 

ومع أن القانون الدولي قد أخفقَ مرارًا وتكرارًا في حماية حقوق الفلسطينيين – بل وحقوق عددٍ لا يحصى من السكان المستعمَرين والمهمشين حول العالم – فإنه ينبغي للفلسطينيين في الشتات أن يضغطوا من أجل الاعتراف بحقوقهم في المواطنة الفلسطينية. وكخطوة أولى لحماية حقوقهم، ينبغي للفلسطينيين أن يطالبوا قادتهم في السلك الدبلوماسي التابع لمنظمة التحرير – المكلِّف أعضاؤه بتمثيل اللاجئين والمنفيين الفلسطينيين في الشتات – بالمطالبة بحقوق قواعدهم في الانتماء إلى فلسطين، حِسيًا وما دون ذلك، من خلال:

  • إيجاد محافل للفلسطينيين حول العالم للتجمع ووضع المعايير لتحديد المؤهلين للتسجيل للحصول على المواطنة الفلسطينية. وبالرغم من أن معاهدة لوزان نصَّت على أحكام في هذا الخصوص (حق الدم، وحق الأرض، وحق الإقامة)، فإنه يتعين على الفلسطينيين أن يعبِّروا عن هذه الحقوق بعباراتهم وظروفهم الخاصة، تمامًا كما دأبت مجتمعات السكان الأصليين في أمريكا الشمالية على مناقشتها منذ عقود. وهذا يعني أن تحديد الأصلانية من خلال الدم يمثل ممارسة استعمارية، ولذلك يجب على المجتمعات المضطهدة أن تتحاور لكي “تخرج بإدراك أفضل لدور التجربة المعاشة والرابط الثقافي وأشكال الانتاج المعرفي السابقة للاستعمار والتصنيفات المبنية على رابطة الدم في تشكيل الأصلانية،” بحسب كريستينا لي.
  • إصدار سجل سكاني للفلسطينيين في المنفى، حيث إن التسجيل الرسمي هو الطريقة الوحيدة للتأكد من عدد الفلسطينيين في الشتات المؤهلين للحصول على المواطنة الفلسطينية.
  • صياغة قانون شامل للمواطنة يقوم على أساس حق الفلسطينيين في مواطنتهم على النحو الذي يحدده القانون الدولي وبالإجماع. وهذا من شأنه أن يهيئ الأساس لمنح الجنسية الفلسطينية. 
  • دعم الفلسطينيين المقيمين في دول أجنبية والمتمتعين بجنسية ثانوية الذين يطالبون الدول المضيفة بالاعتراف بهم كمواطنين فلسطينيين. 
  • المطالبة بمحاسبة إسرائيل على انتهاكها القانون الدولي من خلال حرمانها ملايين الفلسطينيين الذين طردتهم من فلسطين عامي 1948 و1967 حقَّهم في المواطنة الفلسطينية. ولا بد من فعل ذلك على المستويين الإقليمي والدولي وفي كل دولة يقيم فيها الفلسطينيون.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. يستند التحليل القانوني والسياسي في هذه الورقة السياساتية جزئيًا إلى مقابلة أجريت مع الخبيرة في حقوق الإنسان واللاجئين سوزان أكرم، والتي نسخها المؤلف وحررها. يود المؤلف أن يشكر سوزان أكرم وكيت روحانا على مساعدتهما في هذا البحث.
  3. المعلومات التاريخية الواردة في هذه الورقة السياساتية مأخوذة من البحثَ الذي أجراه الكاتب وأدرجه في كتابه المعنون Transnational Palestine: Migration and the Right of Return before 1948، والمنشورة من قبل دار نشر جامعة ستانفورد عام 2022.
يعمل نديم بوالصة كمعاون محرر في مجلة الدراسات الفلسطينية. شغل نديم منصب المحرر المسؤول عن التكليف في الشبكة في السنوات من 2020-2023. وهو مؤرخ لتاريخ...

أحدث المنشورات

لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
 المجتمع المدني
عكف الفلسطينيون منذ زمن على تأسيس اقتصاد مقاوم في إطار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني. وتُعدُّ السيادة الغذائية اليوم امتدادًا طبيعيًّا لهذا النوع من المقاومة، حيث ترتكز إلى مبادئ الاكتفاء الذاتي الزراعي المُتبعة على مرِّ تاريخ الثورة الفلسطينية. يتتبع فتحي نمر في هذا الموجز السياساتي نشأةَ السيادة الغذائية والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في تفعيلها على الأرض. ويرى أن ذلك سيساعد في تأطير الاقتصاد المقاوم ضمن سياق أنسب، وفي تمهيد الطريق نحو نظامٍ اقتصادي أشد مماحكةً.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 27 أغسطس 2024
Skip to content