The Conditional Right to Health in Palestine

ملخص تنفيذي

يُقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948 بالحق في الصحة والرفاهة بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بظروف معيشية صحية، وحق الأفراد في اتخاذ القرارت الخاصة برعايتهم الصحية. غير أن هنالك حواجز سياسية ظلت لعقودٍ تعوقُ النظام الصحي الفلسطيني، وتحول دون إعمال تلك الضمانات.

إن المقاربتين الإسرائيلية والدولية في التعامل مع حق الإنسان الفلسطيني في الرعاية الصحية تجعلان منه حقًا مشروطًا لأنه لا يُمنَح للفلسطينيين إلا إذا أذعنوا لِما تعتبره إسرائيل حلًا مقبولًا لِما تمارسه عليهم من قمع واحتلال منذ ما يزيد على 70 سنة. ولهذا تداعيات مباشرة على صحة الفلسطينيين من حيث نوعية الحياة ومعدل الوفيات.

أُنشئ النظام الصحي النافذ حاليًا في الأرض الفلسطينية المحتلة في 1994 كجزء من اتفاقات أوسلو. وتتباين نوعية الخدمات الصحية بحسب قدرة المرفق الصحي على الحصول على الموارد واستدامة إمداداته من الماء والكهرباء.

تقل أعمار الفلسطينيين عن الإسرائيليين بمعدل 10 سنوات، بينما تفوق معدلات وفيات الأمهات والرضع لدى الفلسطينيين معدلات الإسرائيليين بأربعة إلى خمسة أضعاف. فضلًا على أن الإسرائيليين يحصلون على لقاحات لا يحصل عليها الفلسطينيون في العادة، مثل لقاح جدري الماء والالتهاب الرئوي. يواجه الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل أيضًا وضعًا أسوأ مقارنةً بالمواطنين اليهود، حيث ترتفع لديهم معدلات الأمراض المزمنة.

لقد أدى الحصار المفروض على قطاع غزة إلى تدني المخرجات الصحية مقارنةً بالضفة الغربية وإلى انخفاض نسب أَسِرِّة المستشفيات والممرضين والأطباء. وثمة نقص في المستلزمات والأدوية الأساسية في غزة وهذا ما يُعزى عمومًا إلى عوامل سياسية.

بالرغم من قدرة المرافق الخاصة المتخصصة في الأرض الفلسطينية المحتلة في معظم الأحيان على استيراد معدات التشخيص المتطورة، إلا أن العديد من الفلسطينيين لا يستطيعون تحمل نفقات هذه الخدمات، أو أن هذه المعدات تقبع متعطلة بسبب صعوبات الحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد قطع الغيار. وفي حين أن المستشفيات الحكومية تستطيع أن توفِّر الخدمات لعدد أكبر من المواطنين، إلا أنها تفتقر هي الأخرى إلى الموارد الكافية لشراء المعدات الطبية أو تحديثها.

يواجه الفلسطينيون الراغبون في ممارسة الطب صعوبات بسبب سياسات الاحتلال. وتقل فرص الالتحاق بالتعليم الطبي بسبب قلة الكليات الطبية وبسبب الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة. فضلًا على أن هجرة العاملين في المجال الطبي تمثِّل مشكلةً حقيقية للفلسطينيين، حيث يهاجر الأطباء الفلسطينيون بحثًا عن فرص أفضل للتدريب والعمل.

تُضطر سيارات الإسعاف في الضفة الغربية إلى اجتياز نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية وإغلاقات الطرق وغيرها من القيود المفروضة على الحركة. في حين أن استصدار تصريح طبي في الضفة الغربية وقطاع غزة لتلقي رعاية صحية متقدمة في إسرائيل أو دولة مجاورة يعدُّ عمليةً معقدة واعتباطية.

تواصل القوات الإسرائيلية اعتداءاتها المستمرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية في الأرض الفلسطينية المحتلة رغم ما يقره القانون الإنساني الدولي من حماية مُغلَّظة للرعاية الصحية في مناطق الصراع. ولم يفلح المجتمع الدولي في منع هذه الهجمات.

تتحمل مؤسسة الحكم الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة شيئًا من المسؤولية عن حرمان الفلسطينيين الرعايةَ الصحية. فعلى سبيل المثال، حَدَت الأزمة المالية في 2017 بحكومة السلطة الفلسطينية إلى وقف برنامجٍ كان يوفر منذ العام 2000 التأمينَ الصحي للمواطنين العاطلين عن العمل. يزداد الوضع سوءًا أيضًا مع تقليص التمويل الأمريكي. بالإضافة إلى أن نصيب قطاع الصحة من موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2018، والتي بلغت 5 مليارات دولار، لم تتجاوز 9% فقط. ويتسبب الاقتتال بين حماس وبين السلطة الفلسطينية في تردي المخرجات الصحية.

إن الارتقاء بالصحة الفلسطينية وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية لن يكون ممكنًا إلا من خلال معالجة الأوجه الأساسية لعدم المساواة والعنف اليومي الذي يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي.

توصيات سياساتية:

  • يجب على السلطة الفلسطينية تخصيص المزيد من الموارد للرعاية الصحية.
  • يجب على الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وغيرها أن تطالبَ بوصول جميع السلع الإنسانية إلى الفلسطينيين وصولًا كاملًا وغيرَ منقوص. ويجب على السلطة الفلسطينية أيضًا أن تضمن حصول المواطنين، ولا سيما في غزة، على ما يحتاجونه من أدوية وسلع أخرى حفاظًا على صحتهم.
  • ينبغي إنشاء وكالة مستقلة لمراقبة أنشطة السلطة الفلسطينية ومحاسبة الأفراد عن ممارساتهم الفاسدة.
  • لا بد من وضع استراتيجيات تحد من حاجة المرضى للسفر إلى خارج البلاد للحصول على الرعاية. فبوسع التعليم الطبي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة أن يسدَّ النقصَ في أعداد الأطباء والممرضين مع التركيز على برامج للفلسطينيين الراغبين في الإقامة والممارسة داخل الأرض الفلسطينية. ويمكن أيضًا تشجيع الفلسطينيين في الشتات على تقديم التدريب أو المناوبات السريرية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
  • ينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تنظمَّ حملةَ ضغط لحمل إسرائيل على إصلاح نظامها غير الشفاف للتصاريح الطبية.
  • يجب على السلطات الإسرائيلية أن تبررَّ كل حالات حرمان المرضى الفلسطينيين أو سيارات الإسعاف من المرور عبر نقاط التفتيش بموجب نظام شفاف يراجعه مفتشٌ خارجي.
  • يجب على الأطراف كافة، من منظمات العمل الإنساني إلى الدول التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، أن تطالب بتحقيقات تامة ومستقلة في الهجمات التي تستهدف الرعاية الصحية دون أوامر مباشرة من السلطات الإسرائيلية.

نظرة عامة

يُقرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر عام 1948 بالحق في الصحة والرفاهة بما في ذلك الحصول على الرعاية الصحية والتمتع بظروف معيشية صحية وحق الأفراد في اتخاذ القرارت الخاصة برعايتهم الصحية. غير أن هنالك حواجز سياسية ظلت لعقودٍ تعوقُ النظام الصحي الفلسطيني، وتحول دون إعمال تلك الحقوق والضمانات.1

لقد برزت مؤخرًا علامات تُنذر بمشكلة أكبر مثل إصابة ما يزيد على  745عامل طبي أثناء مسيرة العودة الكبرى في غزة واستشهاد المسعفة رزان النجار برصاصة قناص إسرائيلي في تموز/يونيو 2018، وكذلك وقف  الدعم الأمريكي المقدم للمؤسسات والمنظمات التي توفر أو تدعم خدمات الرعاية الصحية للفلسطينيين بما فيها مستشفيات في القدس الشرقية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا). إن المقاربتين الإسرائيلية والدولية في التعامل مع حقوق الإنسان الفلسطيني، مثل الحق في الرعاية الصحية، تجعلان منها حقوقًا مشروطة لأنها لا تُمنَح للفلسطينيين إلا إذا أذعنوا لِما تعتبره إسرائيل حلًا مقبولًا لِما تمارسه عليهم من احتلال وقمع منذ ما يزيد على 70 سنة. وفي حين أن هذه المشكلة تطال الوجود الفلسطيني بصوره وجوانبه كافة، إلا أن لها تداعيات مباشرة على صحة الفلسطينيين من حيث نوعية الحياة ومعدل الوفيات.

تتناول هذه الورقة السياساتية الاحتلال الإسرائيلي وكيف تسبَّب في تراجع قدرة الفلسطينيين على توفير الرعاية الصحية والحصول عليها. إن ضعف الحكم الفلسطيني وتراجع التنمية المستمر في المؤسسات الفلسطينية في حقبة ما بعد أوسلو أدى إلى قصورٍ مفتعل في نوعية الرعاية الصحية والتأمين الصحي ومدى الاستفادة منهما. وقد نجم هذا القصور من القيود الإسرائيلية المفروضة على الحركة وإمكانية الوصول إلى الخدمات، كالحصار المفروض على قطاع غزة منذ عقدٍ ونيف. تختتم هذه الورقة السياساتية بطرح توصيات سياساتية بوسعها أن تدعم حق الفلسطينيين في الحصول على الرعاية الصحية في ظل الظروف المقيِّدة الحالية.

الصحة والرعاية الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة

أُنشئ النظام الصحي النافذ حاليًا في الأرض الفلسطينية المحتلة في 1994 كجزء من اتفاقات أوسلو، وهو قطاع مشتت يضم وزارة الصحة الفلسطينية ومنظمات غير حكومية ووكالة الأونروا ومنشآت ومرافق خاصة. تتباين نوعية الخدمات الصحية بحسب قدرة المرفق الصحي على الحصول على الموارد واستدامة إمداداته من الماء والكهرباء. وقد ظل نظام الرعاية الصحية الفلسطيني يتسم منذ عقود بانعدام المساواة في الحصول على الخدمات الصحية، وهي مشكلة تفاقمها معوقات مالية وأخرى تحُول دون حصول الفلسطينيين على الرعاية الصحية ومنها التغطية التأمينية غير المتساوية والفصل الجغرافي.

وبالرغم من محدودية النظام الصحي الفلسطيني، يُحرز الفلسطينيون نتائج أفضل في مؤشرات العمر المتوقع ووفيات الأمهات والرضع والأطفال مقارنة بدول عربية أخرى. ومن الأرجح أن هذه النتائج تُعزى إلى ارتفاع معدلات التعليم في الأرض الفلسطينية المحتلة والجهود التي تبذلها وزارة الصحة الفلسطينية، برغم العراقيل التي تواجهها، في سبيل توفير الرعاية الصحية الأساسية مثل المطاعيم واللقاحات، وتُعزى في الوقت نفسه إلى الفساد المستشري في قطاع العمل الاجتماعي وتردِّي خدمات الرعاية الصحية المقدمة في بلدان الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، تقل أعمار الفلسطينيين عن الإسرائيليين بمعدل 10 سنوات، بمن فيهم المستوطنون الذين يقطنون الرقعة الجغرافية ذاتها. وتفوق معدلات وفيات الأمهات والرضع لدى الفلسطينيين معدلات الإسرائيليين بأربعة إلى خمسة أضعاف، فضلًا على أن الإسرائيليين يحصلون على مطاعيم لا يحصل عليها الفلسطينيون في العادة، مثل مطعوم جدري الماء والالتهاب الرئوي. وحتى الفلسطينيون المواطنون في إسرائيل يواجهون عمومًا وضعًا أسوأ مقارنةً بالمواطنين اليهود، حيث ترتفع لديهم معدلات الأمراض المزمنة.

أدى الحصار المفروض على غزة إلى تدني المخرجات الصحية مقارنةً بالضفة الغربية وإلى انخفاض نسب أَسِرِّة المستشفيات والممرضين والأطباء. إن الافتقار إلى الموارد ليس سببًا رئيسيًا في الكثير من حالات النقص التي يعانيها القطاع الطبي في غزة، بل هو نتيجة مباشرة لعوامل سياسية. فلا تسمح إسرائيل للقطاع باستيراد سوى كميات محدودة من الغذاء والضروريات الإنسانية الأخرى، وعلى سبيل المثال لا تسمح عمومًا باستيراد الخرسانة أو المواد الأخرى المطلوبة في إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في المرافق والمنشآت الصحية المتضررة بسبب الهجمات الإسرائيلية. حتى إن استيراد المعدات الضرورية يشكل تحديًا، ولا سيما تلك التي تعتقد إسرائيل إنها ستشكل تهديدًا محتملًا في يد حماس مثل معدات التصوير بالأشعة السينية والبطاريات المستخدمة في إسناد مولدات المستشفيات في حال انقطاع التيار الكهربائي.

تقل أعمار الفلسطينيين عن الإسرائيليين بمعدل 10 سنوات، وتتضمن هذه النسبة المستوطنون الذين يقطنون الرقعة الجغرافية ذاتها Share on X

إن الافتقار إلى البطاريات وقلة مخزون الوقود والقيود المفروضة على واردات الوقود يحتم على العاملين في المستشفيات ترشيد استخدام الطاقة. وفي أيلول/سبتمبر 2018، حذَّر المدير العام لمجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة من أن انقطاعات الكهرباء كانت تستنزف احتياطيات الوقود التي يستخدمها المستشفى لتشغيل مولدات الطاقة لخدمة مرضى غسيل الكلى والمرضى المحتاجين للجراحة والخاضعين لعلاجات مكثفة. ومن المألوف أن يرى الزائر لوحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى الشفاء أطفالًا رُضَّعًا مجتمعين في حاضنة واحدة مخصصة لرضيع واحد. بل إن أطباء غزة يَعجزون في بعض الأحيان عن غسل أيديهم بسبب انقطاع الماء أو الكهرباء. 

وفي 2018، اضطر مستشفى الدرة في مدينة غزة إلى إغلاق وحدة العناية المركزة ودمج الأقسام لتحقيق الاستفادة القصوى من الكهرباء، التي لم تكن تصل في بعض الأحيان إلا لأربع ساعات يوميًا فقط. واضطرت 19 منشأة صحية أخرى في غزة إلى إغلاق أبوابها بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود للمولدات.

تفتقر المنشآت الصحية في غزة إلى المستلزمات والأدوية الأساسية المطلوب توفرها في أي مرفق صحي، ولا سيما مع تزايد أعداد المرضى المصابين أثناء مسيرة العودة الكبرى. ويحذر الأطباء في الأرض الفلسطينية المحتلة من وقوع آثار كارثية بسبب نقص الأدوية، مثل تفشي “الميكروبات الفائقة” المقاومة للمضادات الحيوية، ولا سيما مع نقص القفازات والأردية وأقراص الكلور المعقِّمة. وقد توفي ستة مواليد في غزة في الشهرين الأولين من 2018 بسبب عدم توفر الأدوية التنفسية.

وحتى عندما يتوفر التمويل لأحد المرافق الصحية المتطورة، فإن العراقيل السياسية تظل قائمة. فقد جمع المانحون مؤخرًا ملايين الدولارات لمستشفى جامعة النجاح الوطنية في نابلس، وهو المستشفى الجامعي الأول والوحيد في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتتوفر فيه بعض أكثر المعدات الطبية تقدمًا. غير أن إسرائيل حظرت استيراد الماسح الضوئي PET/CT المستخدم في تشخيص السرطان، متذرعةً بمخاوفها من أن يقوم الفلسطينيون “بإساءة استعماله.” وبالإضافة إلى ذلك، فإن السلطة الفلسطينية التي كان من المقرر أن تدفع التكاليف التشغيلية للمستشفى أضحت مَدينة للمشروع بسبب نقص التمويل الوارد لها. وكان من المقرر إنشاء مستشفى الصداقة ضمن الجامعة الإسلامية في غزة وبدعم تركي، ولكن البناء تأجل لسنوات بسبب الحصار الإسرائيلي.

بالرغم من قدرة المرافق الخاصة المتخصصة في معظم الأحيان على استيراد معدات التشخيص المتطورة، إلا أن العديد من الفلسطينيين لا يستطيعون تحمل نفقات هذه الخدمات، أو أن هذه المعدات تقبع متعطلة بسبب قلة الصيانة وصعوبات الحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد قطع الغيار. وفي حين أن المستشفيات الحكومية تستطيع أن توفِّر الخدمات لعدد أكبر من المواطنين، إلا أنها تفتقر هي الأخرى إلى الموارد الكافية لشراء المعدات الطبية أو تحديثها. ففي 2018، كشفت دراسة غطت المستشفيات الحكومية في غزة أن معظم أجهزة التصوير المقطعي الحاسوبي (CT) السبعة المتوفرة في القطاع المحاصر كانت معطَّلة على الدوام، وأن مشفيين فقط حصلا على تصريح إسرائيلي لشراء هذه المعدات. وأورد تقرير لمنظمة “أطباء لحقوق الانسان” في 2018 أن الافتقار إلى الصيانة والتحديث يجعل من المستشفيات “محطات مرور تُحيل المرضى إلى مستشفيات أخرى.”

إن الافتقار إلى موفري الرعاية المدرَّبين، ولا سيما المتخصصين، يُسهم إلى حدٍ كبير في تدني الرعاية الصحية ومخرجاتها في الأرض الفلسطينية المحتلة. فلا تتوفر في الأرض الفلسطينية المحتلة كافة سوى أربع كليات طبية فقط. ولا يوجد في الضفة الغربية ذات الثلاثة ملايين نسمة سوى ستة أطباء متخصصين في الأورام، بالإضافة إلى سبعة في القدس الشرقية، وثلاثة في غزة، أي أن نصيب أطباء الأورام في الأرض الفلسطينية المحتلة من حالات السرطان الجديدة تبلغ 250 حالة لكل طبيب. وفي المقابل، يوجد في إسرائيل 250 طبيب أورام، بمعدل 116 حالة سرطان جديدة لكل طبيب، حيث إن عدد السكان في إسرائيل أقل من ضعف عدد سكان الأرض الفلسطينية المحتلة. وثمة دول تداني الأرض الفلسطينية المحتلة في عدد السكان ولكن لديها معدلات تقارب المعدلات الإسرائيلية، مثل إيرلندا حيث تبلغ حصة كل طبيب أورام 113 حالة.2

يواجه الفلسطينيون الراغبون في ممارسة الطب صعوبات بسبب سياسات الاحتلال. فعلى سبيل المثال، تسبب الفصل في جامعة القدس بين حرمي أبو ديس والقدس الشرقية الجامعيين في معركة إدارية دامت سنوات بين الجامعة وهيئات الاعتماد الاسرائيلية بخصوص الاعتراف بالشهادات الطبية. ورغم تسوية القضية أمام المحاكم في نهاية المطاف، إلا أن 30 خريجًا من كلية التمريض رفعوا في 2016 شكوى أمام المدعي العام يتهمون فيها وزارة التعليم الإسرائيلية برفض الاعتراف بشهاداتهم.

أدى انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة أيضًا إلى تضاؤل فرص تلقي التعليم الطبي، حيث أنشأت جامعة الأزهر في غزة في العام 1999 قسمًا للدراسات الطبية كفرع لجامعة القدس في القدس الشرقية، لكن لم يلبث هذا التعاون أن توقف بين الجامعتين حين توقف المرور الآمن بين الضفة والقطاع إبان الانتفاضة الثانية.

تؤدي هذه الصعوبات إلى هجرة الفلسطينيين العاملين في المجال الطبي بحثًا عن فرص أفضل للتدريب والعمل. ففي غزة، يعمل الأطباء الشباب 70 ساعة في الأسبوع ليجنوا 280 دولارًا فقط في الشهر، وقد لا يستطيع الأخصائيون السريريون وعمال الصيانة المغادرة لتلقي التدريب على المعدات الطبية الجديدة أو الحصول على فرص مهنية أخرى. أمّا الأطباء المتمرسون فيتقاضون أقل من نصف رواتبهم نتيجة العقوبات المفروضة من السلطة الفلسطينية. حين هاجر جراح القلب الشهير مروان صادق للعمل بمستشفى جامعي في النمسا بعد عامين من انقطاع راتبه، صرَّح قائلًا: “إذا بقيت في غزة، سأتحول… من جراح قلب إلى شخص كل همه أن يؤمِّن قوت أطفاله.” في 2018، أحصى أهالي غزة أن ما بين 100 و160 طبيب وأستاذ طب غادروا، ولن يرجع الكثيرون منهم. وفي الأرض الفلسطينية المحتلة ككل، أظهرت دراسة مسحية أجريت في 2008 على خريجي التعليم العالي والمهن الصحية أن حوالي 30% منهم كانوا يرغبون في الهجرة، يدفعهم في المقام الأول الوضع السياسي والأمني.

تُضطر سيارات الإسعاف في الضفة الغربية إلى اجتياز نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية وإغلاقات الطرق وغيرها من القيود المفروضة على الحركة. وقد أظهرت دراسة أجريت في 2011 أن 10% من النساء الحوامل تأخرن عند نقاط التفتيش في كل عام في الفترة من 2000 حتى 2007، وأسفر ذلك عن 69 حالة وضع عند نقاط التفتيش، و35 وفاة لأطفال رضع، ووفاة 5 أمهات. وقد نشرت وسائل الإعلام ومنظمات غير حكومية تقارير عديدة عن مرضى يموتون جراء تأخيرهم أو منعهم من اجتياز نقاط التفتيش. وقد يُضطر المرضى القادمون من الضفة الغربية باتجاه القدس الشرقية إلى استقلال سيارة إسعاف فلسطينية إلى إحدى نقاط التفتيش ومن ثم الانتقال إلى سيارة إسعاف إسرائيلية قبل مواصلة الرحلة، في حين يتعين أيضًا على المرضى الفلسطينيين المتوفين في مستشفيات إسرائيلية تبديل سيارات الإسعاف أثناء رحلتهم إلى مثواهم الأخير في الضفة الغربية. وتُعرف هذه العملية باسم “النقل من مؤخرة سيارة إسعاف إلى مؤخرة سيارة أخرى“، وقد طُلب من 90% من سيارات الإسعاف الداخلة إلى القدس الشرقية في 2017 أن تمتثل لهذا الإجراء.

تتسم عملية الحصول على تصريح طبي لتلقي رعاية صحية متقدمة في إسرائيل أو دولة مجاورة بالتعقيد والاعتباطية. في غزة، يحيل الطبيبُ المريضَ المحتاج لهذه الرعاية إلى وحدة شراء الخدمات، حيث تبدأ عملية التقدم بطلب الحصول على تصريح دخول إسرائيلي. يمكن رفض الطلب في أي مرحلة أثناء العملية دون إبداء الأسباب، وحتى في حال الموافقة على الطلب قد لا يتلقى أفراد أسرة المريض، كآباء الأطفال المرضى وأمهاتهم في بعض الحالات، تصريحًا بمرافقتهم. ويُضطر المرضى إلى تكرار العملية ذاتها لأجل مواعيد المراجعة. وفي 2017، وجدت منظمة الصحة العالمية أن 54% فقط من طلبات المرضى من قطاع غزة حازت على موافقة، وهي أدنى نسبة منذ بدأت المنظمة في جمع هذه البيانات في 2011. وفي العام 2017 أيضًا، توفى 54 مريضًا، جُلُّهم من مرضى السرطان، أثناء انتظارهم الحصول على تصاريح أمنية.

يتعين على المرضى من الضفة الغربية المحتاجين لتلقي العلاج في إسرائيل المرورُ بعملية مشابهة تتطلب إحالةً من وزارة الصحة مشفوعة بتصريح سفر. وهناك يضطر المرضى أيضًا إلى اجتياز نقاط تفتيش عديدة وتبديل السيارات حتى يكملوا الرحلة. ورغم منح هذه التراخيص بوتيرة أكبر مقارنةً بقطاع غزة، إلا أنها تظل غير أكيدة. ففي 2016، رُفضت طلبات 20% من المرضى الفلسطينيين في الضفة الغربية الطالبين الوصول إلى مستشفى في القدس الشرقية أو إسرائيل. كما وافقت السلطة الفلسطينية على عدد أقل من المستندات الضامنة لسداد تكاليف علاج هؤلاء المرضى مقارنة بالسنوات الماضية، والمستند ضروري لطلب الحصول على تأشيرة الدخول من إسرائيل. وقد توفي 13 مريضًا، منهم 6 أطفال، في 2017 وهم ينتظرون الموافقة على مستنداتهم.

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت السلطة الفلسطينية أنها ستتوقف عن تحويل المرضى الفلسطينيين إلى المستشفيات الإسرائيلية، واتهمت إسرائيل بتقاضي أتعاب باهظة نظير الرعاية الطبية واقتطاع تلك الأموال من الضرائب التي تجمعها بالنيابة عن السلطة الفلسطينية. وأكدت السلطة الفلسطينية أنها ستواصل إرسال المرضى من الضفة الغربية إلى مستشفيات القدس الشرقية، وستعمل أيضًا على إرسال المرضى إلى مستشفيات في دول مجاورة مثل الأردن ومصر.

يتحمل الاحتلال الإسرائيلي النصيب الأكبر من المسؤولية عن تردّي وضع الرعاية الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة. غير أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تتحمل شيئًا من المسؤولية أيضًا Share on X

تواصل القوات الإسرائيلية اعتداءاتها المستمرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطقم الطبية في الأرض الفلسطينية المحتلة رغم ما يقره القانون الإنساني الدولي من حماية مُغلَّظة للرعاية الصحية في مناطق الصراعات. ولم يفلح المجتمع الدولي في منع هذه الهجمات. ولا تكاد قرارات الأمم المتحدة والدعوات المتكررة من المنظمات، كمنظمة أطباء بلا حدود والجمعية الدولية للصليب الأحمر، تجدُ مَن يفعِّلها. ففي 2017 شهدت الأرض الفلسطينية المحتلة 93 اعتداء على الرعاية الصحية، لتحتل المرتبة الثانية، لا تسبقها إلا سوريا. وفي جميع الحالات تقريبًا، ردَّ الجيش الإسرائيلي بأن الحادث كان عرضيًا أو مبررًا بذريعة النشاط الإرهابي.

لقد عادت هذه القضايا إلى بؤرة الاهتمام العام بفضل حالات ذائعة الصيت مثل استشهاد رزان النجار وإصابة الطبيب الكندي من أصل فلسطيني طارق لوباني برصاصة من القوات الإسرائيلية في ساقه في أيار/مايو 2018 على الحدود مع غزة. وفي الآونة الأخيرة، وثَّقت جماعات حقوق الإنسان حالاتِ عنفٍ متعددةً ضد سيارات الإسعاف والعاملين في المجال الطبي، بالإضافة إلى اعتداءات على مرافق صحية.

وفي فترات العنف الدائر، كما في حرب 2014 في غزة، قد تتعرض المستشفيات للتفجير المباشر، مثلما حصل في تفجير مستشفى شهداء الأقصى في غزة حيث قُتل خمسة أشخاص، منهم ثلاثة أطفال. وقد بررت السلطات الإسرائيلية الهجوم بادعائها بالاشتباه في وجود ذخيرة “مخزنة بجوار المستشفى.” وفي تلك الحرب أيضًا دُمِّرت مستشفى الوفاء التي تضم المركز الوحيد المتخصص في إعادة التأهيل في غزة. ولا تزال المستشفى مدمرة بسبب القيود المفروضة على استيراد مواد البناء، بينما يستمر طاقم المستشفى في تقديم خدماته للمرضى ولكن في مستشفى للمسنين.

دور الحكم المحلي

يتحمل الاحتلال الإسرائيلي النصيب الأكبر من المسؤولية عن تردّي وضع الرعاية الصحية للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة. غير أن الحكم الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يتحمل شيئًا من المسؤولية أيضًا.

حَدَت الأزمة المالية في 2017 بالحكومة الفلسطينية إلى وقف برنامج كان يوفر منذ العام 2000 التأمينَ الصحي للمواطنين العاطلين عن العمل. يناهز معدل البطالة 30% في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة، وكان يستفيد من البرنامج ما يقدَّر بنحو 250,000 شخص. وفي غزة لجأت الأسر التي كانت قادرةً في السابق على تحمل نفقات العلاج في المرافق الخاصة أو تسديد تكاليف التأمين الصحي العام، إلى التقدم بطلبات لإعفائها من مستحقات التأمين الصحي التي تكلف أقل من 300 دولار في السنة لأسرة مكونة من أربعة أفراد. ومنذ شباط/فبراير 2018، تمت دراسة نحو 70,000 طلب. وتظهر البيانات لتلك السنة أن قرابة 40% من تمويل الصحة في الأرض الفلسطينية المحتلة دفعه المرضى من جيوبهم الخاصة. إن هذا العبء الواقع على نظام التأمين الصحي العام سوف يتفاقم مع تزايد معدلات الفقر والبطالة، ولا سيما في غزة، وتقليص المعونة ومخصصات التنمية الممنوحة للسلطة الفلسطينية.

يزداد الوضع سوءًا أيضًا مع تقليص التمويل الأمريكي. وفي حين أن جهات معنية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة المعونة الطبية للفلسطينيين قالت إنها ستسد بعض الثغرات الناشئة عن خفض الدعم الأمريكي، إلا أن على السلطة الفلسطينية أن تحوِّل أولوياتها باتجاه شعبها إذا ما أرادت لثمار المعونة أن تصل إليهم.

استأثر القطاع الأمني بما نسبته 30-35% من موازنة السلطة الفلسطينية لعام 2018 والتي بلغت 5 مليارات دولار، بينما استأثر قطاع الصحة 9% فقط. وكان من المقرر أن يرد إلى الموازنة 775 مليون دولار (15.5%) من المعونات الخارجية، والتي تتوزع عادةً بين الدعم الأمني، وتمويل الأونروا، وتمويل مشاريع الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). وحتى حين قلَّصت الولايات المتحدة مساعداتها بدرجة كبيرة، وأضرت بقدرة ملايين الفلسطينيين على الحصول على الرعاية الطبية والتعليم والغذاء، كان المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون حريصون على المحافظة على بند الأمن في حزمة المعونة دون غيره. فما بدأ كترتيب “الأمن أولًا” تحول إلى استراتيجية “الأمن فقط”.

لا يستطيع الفلسطينيون الانتظار لحين التوصل لاتفاق سياسي حتى تتاح لهم إمكانية الحصول على رعاية صحية آمنة وعالية الجودة وموثوقة Share on X

تواجه السلطة الفلسطينية أيضًا أزمة شرعية متنامية، إذ يعتقد 80% من الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة أن مؤسسات السلطة الفلسطينية فاسدة، بحسب دراسة مسحية أُجريت مؤخرًا، وصرَّح أكثر من نصف المستجيبين في الدراسة (53%) بأن السلطة الفلسطينية قد باتت عبئًا على الشعب الفلسطيني. ويشوبُ الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية انتشار ضعفِ الرقابةِ والرشوة والاختلاس والمحسوبية وأشكالٍ أخرى من الفساد، الذي لا ينتهي عند المستوى الرسمي. فمن المعلوم، على سبيل المثال، أن الرشى تسهِّل الإحالة للحصول على التصاريح الطبية، ولا سيما في قطاع غزة.

يتسبب الاقتتال بين حماس وبين السلطة الفلسطينية في تردّي المخرجات الصحية. فبينما تتهم السلطةُ الفلسطينية إسرائيلَ باستغلال الخدمات الاجتماعية الفلسطينية لإرغمها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فإن السلطة الفلسطينية تمارس الأمر نفسه على حماس في غزة. ففي كانون الثاني/ يناير 2018 نفدت في غزة 40% من الأدوية الأساسية التي تتحمل السلطة الفلسطينية المسؤولية عن توفيرها. وقد حذَّرت وزارة الصحة في غزة ومنظمات حقوقية فلسطينية من أن نقص الأودية وصل إلى مستويات منذرة بالسوء، وحثَّت وزارةَ الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية على “ضمان التدفق الحر والآمن” للسلع الطبية التي تحتاجها غزة. وعلى إثر ذلك أرسلت السلطة الفلسطينية 38 شاحنة محمَّلة بما قيمته 4 مليون دولار من المستلزمات. غير أن المساعدة المتقطعة لا تستطيع التعويض عن نظام صحي ظلَّ عاجزًا منذ زمن بسبب الافتقار إلى العاملين والمستلزمات.

تسيطر إسرائيل على معبر إيرز على حدود غزة الشمالية، وتسيطر مصر على معبر رفح في جنوب غزة. ومنذ بدء الحصار، قلصت مصر إلى درجة كبيرة عبورّ الأشخاص والبضائع. ففي حين تستطيع الحالات الإنسانية طلب تراخيص العبور، إلا أن المعبر على أرض الواقع ظلَّ مغلقًا كل يوم تقريبًا لسنوات عديدة، حتى في وجه الحالات الطبية، إذ لم يُفتح معبر رفح في 2017، على سبيل المثال، سوى في 36 يومًا، ما حال دون عبور المرضى باستثناء 1400 حالة. ورغم استئناف فتح الحدود بوتيرة أكبر منذ 2018، فإن هناك قائمة انتظار من الآلاف الذين يأملون بالعبور. ومع أن حماس لا تسيطر على أية معابر حدودية، إلا أنها استغلت سلطتها أيضًا في تحقيق مآرب سياسية، بما في ذلك منع دخول السلع التي يرسلها الجيش الإسرائيلي، مثل السوائل الوريدية والمطهرات والوقود، متهمةً إسرائيل “بمحاولة تحسين صورتها السوداوية.”

استراتيجيات لتحسين الرعاية الصحية

مع استمرار تضاؤل الفرص أمام إحلال عملية سلام حقيقية وعادلة، لا يستطيع الفلسطينيون الانتظار لحين التوصل لاتفاق سياسي حتى تتاح لهم إمكانية الحصول على رعاية صحية آمنة وعالية الجودة وموثوقة. وثمة مجالات عديدة في هذا الصدد يمكن بدء العمل فيها فورًا لتتسنى تلك الرعاية.

1. يجب على السلطة الفلسطينية تحويل تركيزها من تمويل الأمن إلى تمويل الصحة عبر تخصيص موارد أكثر للرعاية الصحية. يجب أن يكون حوارها مع المانحين استراتيجيًا، وأن يشمل 1) التشديد على الأولويات الأساسية المشتركة بين الجهات المعنية؛ 2) التركيز على بناء الموارد الوطنية واستدامتها؛ 3) الحد من أوجه القصور وعدم المساواة في النظام. وهكذا ستصبح الحاجة الأشد إلحاحًا – ألا وهي ضمان فاعلية المرافق الطبية القائمة والتشجيع على توسيعها – من الأولويات. وتستطيع هذه الاستراتيجيات أيضًا مساعدة النظام في تجاوز وضعه الراهن المتمثل في استجابته عند حالات الطوارئ فقط، والذي يمنعه من بناء القدرات اللازمة لتحسين صحة السكان على مقاييس تتخطى الإصابة والوفاة المرتبطة بالصدمة.

2. يجب على الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وغيرها أن تطالبَ بوصول جميع السلع الإنسانية إلى الفلسطينيين وصولًا كاملًا وغيرَ منقوص. ويجب على السلطة الفلسطينية أيضًا أن تربأ بحياة الفلسطينيين عن المناورات السياسية وأن تضمن حصول المواطنين، ولا سيما في غزة، على ما يحتاجونه من أدوية وسلع أخرى حفاظًا على صحتهم. وعلى سبيل المثال، تستطيع السلطة الفلسطينية العمل على إعفاء السلع الطبية من بروتوكول باريس، الذي يعطل استيراد الإمدادات الطبية الضرورية لأشهر نظرًا لاعتماد الاستيراد على استصدار التصاريح.

3. ينبغي إنشاء وكالة مستقلة لمراقبة أنشطة السلطة الفلسطينية ومحاسبة الأفراد عن ممارساتهم الفاسدة، بما في ذلك داخل وزارة الصحة. وينبغي للمجتمع المدني ووسائل الإعلام وجماعات المناصرة المحلية والدولية الضغطُ على أجهزة السلطة الفلسطينية لتحقيق مخرجات ملموسة، مثل استدامة مخزون من الأدوية الأساسية والدعوة إلى الحد من تنقيل المرضى المحتاجين لدخول القدس الشرقية أو إسرائيل بين سيارات الإسعاف.

4. من الضرورة بمكان وضع استراتيجيات تحد من حاجة المرضى للسفر إلى خارج البلاد للحصول على الرعاية. فبوسع التعليم الطبي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة سد النقص في أعداد الأطباء والممرضين مع التركيز على برامج للفلسطينيين الراغبين في الإقامة والممارسة داخل الأرض الفلسطينية. لقد قامت وزارة الصحة ومنظمات مثل المؤسسة الدولية للتعليم الطبي باستحداث فرص للتعلم الإلكتروني، والتطبيب عن بعد، والتدريب المتخصص لتذليل العقبات أمام التنقل. وقامت بعض الكليات الطبية برفد مناهجها بالابتكارات التقنية مثل المحاكاة السريرية والفصول التعليمية عن طريق الحاسوب، ومؤتمرات الفيديو لربط الطلاب والعاملين في المجال الصحي من الفلسطينيين ببعضهم وبزملائهم حول العالم. وينبغي تطوير هذه المبادرات أكثر. ويمكن أيضًا تشجيع الفلسطينيين في الشتات لتقديم التدريب أو المناوبات السريرية في الأرض الفلسطينية المحتلة للمساعدة في استعادة فاعلية مجتمع العاملين الطبيين الفلسطينيين.

5. ينبغي للجهات الفاعلة الدولية أن تنظمَّ حملةَ ضغط لحمل إسرائيل على إصلاح نظامها غير الشفاف للتصاريح الطبية. فينبغي للسلطات الإسرائيلية أن تقدِّم الأسباب عند رفض منح التصريح، وأن تتيح الفرصة للمرضى لاستئناف قرار الرفض. وينبغي كذلك إخضاع التصاريح لمراجعة فعالة. وفي مطلع 2019 طالبت منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية غيشا والأطباء المناصرون لحقوق الإنسان وهموكيد إسرائيل بالإسراع في إصدار الموافقة على طلبات التصاريح الطبية، لكن محكمة العدل العليا رفضت الالتماس. وينبغي أن تستمر هذه الجهود المتماشية مع موقف منظمة الصحة العالمية القاضي بالتزام إسرائيل “بتمكين الوصول غير المتأخر على مدار الساعة وطيلة أيام الأسبوع لكل المرضى الفلسطينيين المحتاجين لرعاية صحية متخصصة.” كما ينبغي لمصر أن تسمحَ بعبور عدد أكبر من الحالات الإنسانية عبر حدود رفح في غزة.

6. يجب على السلطات الإسرائيلية أن تبرر كل حالات حرمان المرضى الفلسطينيين أو سيارات الإسعاف من المرور عبر نقاط التفتيش بموجب نظام شفاف يراجعه مفتشٌ خارجي. وينبغي التحقيق في حالات التأخير أو رفض العبور عند نقاط التفتيش والتي تُسفر عن وفاة أو إعاقة، وينبغي معاملتها كانتهاك محتمل للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، وليس كتحدٍ لوجستي وحسب.

7. يجب على الأطراف كافة، من منظمات العمل الإنساني إلى الدول التي ترتبط بعلاقات مع إسرائيل، أن تطالب بتحقيقات تامة ومستقلة في الهجمات التي تستهدف الرعاية الصحية دون أوامر مباشرة من السلطات الإسرائيلية. فالبرغم من أن الهجمات على الرعاية الصحية لا تقتصر على الأرض الفلسطينية المحتلة، إلا أن الملاحظ أن وتيرتها هناك مرتفعة جدًا مع أنها لا تُصنَّف كمسرح للعنف النشط، مثلما في سوريا، وأن مرتكبها الأساسي هو دولة تلقى الترحيب من المجتمع الدولي. ويمكن لهذه التحقيقات أن تتيح فرصًا لممارسة ضغط فريد على إسرائيل لثنيها عن ارتكاب تلك الاعتداءات. وعلاوةً على ذلك، ينبغي إيقاع الجزاءات بحق هؤلاء الذين ينتهكون الحمايات الممنوحة للبنى التحتية والأطقم الطبية.

على الرغم من أن هذه الإجراءات ستساعد بلا شك في دعم النظام الصحي الفلسطيني والمخرجات الصحية، إلا أنه في الأساس يجب على السلطة الفلسطينية أن تتصدى للأسباب السياسية التي تحدّ من حصول الفلسطينيين على الرعاية الصحية اللائقة. ولا ينبغي أن يكون نظام الرعاية الصحية تحت رحمة محتل عسكري أو مرتهنًا للمعونة الخارجية ودوافع المانحين وأولوياتهم المتقلبة. فطالما وجد نموذج “شبه الدولة” الفلسطيني، يصبح الارتهان للمعونة من أجل تقديم الخدمات الاجتماعية مرجحًا. وهو ما يمثل نموذجًا لنظام صحي غير مستدام وغير عادل. ولن يتسنى الارتقاء بالصحة الفلسطينية وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية إلا من خلال معالجة الأوجه الأساسية لعدم المساواة والعنف اليومي الذي يرتكبه الاحتلال الإسرائيلي. 

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
  2. يعد السرطان السبب الرئيسي الثاني للوفاة في الأرض الفلسطينية المحتلة، ومن المرجح أن هناك العديد من الحالات الأخرى التي لم يتم تشخيصها يعد بسبب نقص المختبرات المتخصصة لعلاج الأورام، بالإضافة إلى العدد المحدود لمرافق التشخيص والتصوير، وبشكل خاصة للفلسطينيين غير القادرين على الحصول على تصريح طبي للعلاج خارج فلسطين. وهناك فقط ستة مستشفيات حكومية مجهزة لعلاج مرضى السرطان، موزعة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
الدكتورة يارا عاصي أستاذةٌ مساعدة في جامعة سنترال فلوريدا في قسم الإدارة والمعلوماتية الصحية. تركز في بحوثها على الصحة العامة وحقوق الإنسان والتنمية في أوساط...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content