مقال - تسخير الاستخبارات مفتوحة المصدر لتحرير فلسطين

ملخص تنفيذي

من خلال عملية جمع المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت وتحليله ومشاركته مع العموم، يكشف محللو استخبارات المصادر المفتوحة معلومات استخبارية حساسة كانت ذات يوم حِكرًا على السلطات الرسمية. فإن اللامركزية التي تتميز بها عملية جمع استخبارات المصادر المفتوحة تتيح فرصةً فريدةً للفئات المهمشة والمضطَّهدة لتفنيد الروايات التي تروِّجها الحكومات ووسائل الإعلام الرئيسية وذلك إحقاقًا للحق والعدالة. ومع ذلك، وفي حين أن تبادل استخبارات المصادر المفتوحة يشكِّل مصدرًا فريدًا للمعلومات من أرض الواقع للصحفيين، فإن الأنظمة الاستبدادية قد سارعت هي الأخرى إلى تسخير هذه التكنولوجيا الجديدة لخدمة مآربها القمعية. وخيرُ مثال لذلك فلسطينُ المستعمرة.

تتناول هذه الورقة السياساتية النضالَ الفلسطيني من أجل التحرير ضمن سياق الانتشار العالمي لاستخبارات المصادر المفتوحة، وتشرح كيف تُستَخدم هذه الاستخبارات كأداة تحررية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وكوسيلةٍ لممارسة قمعٍ أكثر على الفلسطينيين من خلال ترويج الروايات الإسرائيلية الزائفة. تقترح هذه الورقة السياساتية على الفلسطينيين وقيادتهم وحلفائهم خطواتٍ عدةً من أجل تسخير الإمكانات الكامنة في استخبارات المصادر المفتوحة كأداة للتحرير وتذليل المخاطر التي يفرضها أولئك المُصرّون على استخدامها كسلاح.

في 11 أيار/مايو 2022، أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص على المراسلة المعروفة في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، وأردتها قتيلةً أثناء تغطيتها مداهمةَ تلك القوات مدينةَ جنين المحتلة. وبسرعةٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشر خبرُ اغتيال أبو عاقلة مشفوعًا بالتسجيلات التي وثَّقت لحظةَ إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليها بالصوت والصورة. ولولا الأدلة المستمدة من استخبارات المصادر المفتوحة، لكان الاعتقاد العام حول حقيقة مقتل أبو عاقلة قد استندَ إلى نتائج تحقيق تجريه إسرائيل نفسها. أمّا اليوم، فإن استخبارات المصادر المفتوحة تمنح الفلسطينيين أداةً قيِّمةً، حيث مثَّلَ التحقيق المشترك الذي أجرته فِرق استخبارات المصادر المفتوحة حول العالم في مقتل أبو عاقلة إنجازًا باهرًا بالنظر إلى انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الفلسطينيين الرقمية وتضييقها على منظمات حقوق الإنسان.

ومع ذلك، ثمة مشاكل بيِّنة لا تزال تُهدد القدرات التحريرية التي توفرها استخبارات المصادر المفتوحة. أولًا، أظهر التحقيق في مقتل أبو عاقلة أن الفلسطينيين لا يزالون معتمدين كثيرًا على حسن نية محللي استخبارات المصادر المفتوحة في الخارج الذين لا يواجهون قيودًا في الوصول إلى مقوِّمات شبكة الإنترنت التي يعتمدون عليها - وهي المقوِّمات التي يُحرَمُ منها الفلسطينيون معظم الوقت. ثانيًا، يسعى محللو استخبارات المصادر المفتوحة الإسرائيليون إلى قمع الجهود المبذولة لكشف الحقيقة وذلك بترويج "الهسبرة" - الأجندة الرسمية الإسرائيلية الهادفة إلى إخفاء الجرائم الإسرائيلية وتشويه حقيقة احتلالها العسكري وسياسات الفصل العنصري.

هناك العديد من حسابات استخبارات المصادر المفتوحة مثل حساب أرورا إنتل ورادار إسرائيل وإيلينت نيوز التي تستمد الكثير من معلوماتها دون تمحيص من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتُسهِبُ في تغطية عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية، وتُقصِّر في تغطية العنف البنيوي الإسرائيلي المستشري. وهكذا تُروِّجُ تلك الحسابات الدعايةَ الإسرائيلية وتشوِّه الرواية العامة وتُغطي على جرائم الحرب الإسرائيلية بدلًا من أن تكون مصادر موضوعية للمعلومات.

نظريًا، ينبغي أن يكون محللو استخبارات المصادر المفتوحة الفلسطينيون قادرين على التصدي لحملات الإعلام الكاذب الإسرائيلية من خلال عرض الحقيقة على الجمهور العالمي. غير أن حياة الفلسطينيين على الإنترنت لم تسلم هي الأخرى من الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي الذي يمارس رقابةً صارمة عليهم ويفرض حواجز تعرقل وصولهم عبر الشبكة. فضلًا على أن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي المتطور قد أعطى النظام الإسرائيلي قوةً ناعمةً وعلاقةً لا نظير لها مع عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن على الفلسطينيين هذه المرة أيضًا أن يعتمدوا على المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على ما تمارسه من رقابة وحجب المحتوى وانتهاك الخصوصية.

استخبارات المصادر المفتوحة بمفردها لن توقف جرائم الحرب الإسرائيلية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولن تضمن المحاسبة، ولكن يمكن استخدامها لفضح الجرائم الإسرائيلية وبالتالي كأداة تحريرية سعيًا لتحقيق الشفافية والردع والعدالة. بشكل أساسي، ينبغي للفلسطينيين أن يكونوا قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت على نحو موثوق حيثما كانوا. ولا بد لمنظمات حقوق الإنسان، والقيادة الفلسطينية، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يدعموا سنّ قوانين دولية تنص على حق الاتصال بالانترنت كحق إنساني. وينبغي لهم أن يستفيدوا من هذه القوانين كإطار عمل للمطالبة بأن يتخلى النظام الإسرائيلي عن سيطرته على البنية التحتية الفلسطينية للإنترنت.

وعلاوةً على ذلك، لا بد من محاسبة إسرائيل على استهدافها الصحفيين والمواطنين الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان. وينبغي للناشطين في الولايات المتحدة أن يتواصلوا مع ممثليهم في مجلس النواب لمطالبتهم بتمرير مشروع قانون مجلس النواب رقم 9291 الداعي إلى فتح تحقيق في اغتيال شيرين أبو عاقلة على يد إسرائيل.

يجب أيضًا تمويل محللي استخبارات المصادر المفتوحة والمواطنين الصحفيين الفلسطينيين من أجل تزويدهم بالتدريب في الأمن الرقمي وتمكينهم من تحقيق الاستفادة المثلى من أساليب جمع استخبارات المصادر المفتوحة بموازاة الحفاظ على سلامتهم وأمنهم. وختامًا، ينبغي للمناصرين أيضًا أن يدعموا المبادرات الفلسطينية في مجال استخبارات المصادر المفتوحة مثل مؤسسة الحق ووحدة التحقيق المعماري من خلال توفير التمويل والموارد الإضافية. ومن شأن نشر استخدام هذه الأدوات في فلسطين أن يعزِّزَ تدفق المعلومات، ويخفِّف الآثار الضارة الناجمة عن التشويه الإعلامي، ويحمي المواطنين الصحفيين الفلسطينيين من انتقام قوات النظام الإسرائيلي.

نظرة عامة

تمثل استخبارات المصادر المفتوحة ثورةً على صعيد تدفق المعلومات حول العالم. فمن خلال عملية جمع المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت وتحليله ومشاركته مع العموم – بما فيه التسجيلات المصورة الملتقطة بالهواتف المحمولة، والمشاركات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وصور الأقمار الصناعية – يكشف محللو استخبارات المصادر المفتوحة معلومات استخبارية حساسة كانت ذات يوم حِكرًا على السلطات الرسمية. ومن سوريا إلى أوكرانيا، تُستَخدم استخبارات المصادر المفتوحة في الكشف عن جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ما كانت ربما لتُكشَف لولاها. ومع تراجع الثقة في وسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية، ومع تزايد فرص وقوع الخطأ في نقل المعلومات أو تشويهها، تغدو استخبارات المصادر المفتوحة أداةً فعالة في تحقيق الشفافية والموضوعية.1

لكن بالرغم من فرص الوصول المتاحة ظاهريًا للجميع والتي توفرها استخبارات المصادر المفتوحة على صعيد تبادل المعلومات، إلا أن هذه الصناعة النامية لا تؤثر في الجميع بقدر متساوٍ. فبالنسبة إلى الفلسطينيين، هناك ثمنٌ لاستخبارات المصادر المفتوحة. تتناول هذه الورقة السياساتية النضالَ الفلسطيني من أجل التحرير ضمن سياق الانتشار العالمي لاستخبارات المصادر المفتوحة، وتشرح كيف تُستَخدم هذه الاستخبارات كأداة تحررية لمحاسبة إسرائيل على جرائمها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وكوسيلةٍ لممارسة قمعٍ أكثر على الفلسطينيين من خلال ترويج الروايات الإسرائيلية الزائفة. ففي حين أن ابتكارات العصر الرقمي ما انفكت تفضح عنف الدولة، إلا أن القوى القمعية قد طوَّعت هذه التقنيات أيضًا لخدمة مآربها. تقترح هذه الورقة السياساتية على الفلسطينيين وقيادتهم وحلفائهم خطواتٍ عدةً من أجل تسخير الإمكانات الكامنة في استخبارات المصادر المفتوحة كأداة للتحرير وتذليل المخاطر التي يفرضها أولئك المُصرّون على استخدامها كسلاح.

نبذة تاريخية عن استخبارات المصادر المفتوحة 

بالرغم من المكانة البارزة التي استأثرت بها استخبارات المصادر المفتوحة مؤخرًا في العصر الرقمي المتطور باطراد، إلا أنها ليست ظاهرةً حديثة. ففي أعقاب الهجوم الياباني سنة 1941 على ميناء بيرل هاربر، استحدثت الولايات المتحدة مكتب الخدمات الاستراتيجية لتعزيز عملية جمع الاستخبارات بأسلوب تقليدي أكثر. وكانت عملية جمع استخبارات المصادر المفتوحة آنذاك مشابهة لِما هي عليه اليوم، بيد أنها كانت مضنية أكثر بكثير. انبرى محللو مكتب الخدمات الاستراتيجية في بحث دقيق في قصاصات الجرائد، وانعموا النظرَ في صور غير واضحة لتشكيلات العدو بحثًا عن معلومات استخباراتية مهمة. وفي حين أن استخبارات المصادر المفتوحة كانت تأتي في مرتبةٍ ثانوية بعد الخدمات الاستخباراتية السائدة، إلا أنها ظلت متاحةً على الدوام كوسيلةٍ للكشف عن معلومات كان يُنظرُ إليها في العادة على أنها غير متاحة لعموم الجمهور.

إن ولادة المواطن الصحفي وجيل وسائل التواصل الاجتماعي – إبان الثورة الخضراء في إيران سنة 2009 والانتفاضات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا سنة 2011 – هي ما دفع باستخبارات المصادر المفتوحة إلى موقع الصدارة. فمع نزول المحتجين إلى الشارع في مختلف أنحاء المنطقة، لجأ الملايين إلى وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم الفعاليات، ونقلَ محللو استخبارات المصادر المفتوحة والمواطنون الصحفيون تطورات الأوضاع إلى العالم. ولمَا واجهت الانتفاضات قمعًا من السلطات الرسمية كما حدث في سوريا وليبيا، أتاح الدفق المستمر للصور والتسجيلات المرئية وصور الأقمار الصناعية بثَّ المجريات بُعيد حدوثها على الأرض.

تتيح عملية جمع استخبارات المصادر المفتوحة فرصةً فريدةً للفئات المهمشة والمضطَّهدة لتفنيد الروايات التي تروِّجها الحكومات ووسائل الإعلام الرئيسية وذلك إحقاقًا للحق والعدالة Share on X

ومنذ ذلك الحين، برزت قيمة استخبارات المصادر المفتوحة في التحقيقات الجارية حول العالم، مثل تحقيق بيلينغكات، وهي مجموعة من الباحثين المستقلين والمواطنين الصحفيين فضحت الدور الروسي في إسقاط طائرة تابعة للخطوط الجوية الماليزية في سماء أوكرانيا في 2014 وذلك من خلال تحليل سجلات الاتصالات وتحديد هوية الانفصاليين المدعومين من روسيا. وفي 2017، استخدمت منظمة هيومن رايتس ووتش صور الأقمار الصناعية لتوثيق التطهير العرقي في ميانمار. وبالاعتماد على تقنيات مشابهة، كشفَ فريق التحريات المرئية في صحيفة نيويورك تايمز مؤخرًا هويةَ وحدة الجيش الروسي المسؤولة عن مذبحة المدنيين الأوكرانيين في بوتشا. 

إن اللامركزية التي تتميز بها عملية جمع استخبارات المصادر المفتوحة تتيح فرصةً فريدةً للفئات المهمشة والمضطَّهدة لتفنيد الروايات التي تروِّجها الحكومات ووسائل الإعلام الرئيسية وذلك إحقاقًا للحق والعدالة. ومع ذلك، وفي حين أن تبادل استخبارات المصادر المفتوحة يشكِّل مصدرًا فريدًا للمعلومات من أرض الواقع للصحفيين، ويمنح الناشطين أدواتٍ جديدةً للمحاسبة والتعبئة، فإن الأنظمة الاستبدادية قد سارعت هي الأخرى إلى تسخير هذه التكنولوجيا الجديدة لخدمة مآربها القمعية. وخيرُ مثال لذلك فلسطينُ المستعمرة.

استخبارات المصادر المفتوحة في فلسطين

أداة للتحرير

في 11 أيار/مايو 2022، أطلقت القوات الإسرائيلية الرصاص على المراسلة المعروفة في قناة الجزيرة، شيرين أبو عاقلة، وأردتها قتيلةً أثناء تغطيتها مداهمةَ تلك القوات مدينةَ جنين المحتلة. وبسرعةٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي انتشر خبرُ اغتيال أبو عاقلة مشفوعًا بالتسجيلات التي وثَّقت لحظةَ إطلاق القوات الإسرائيلية النار عليها بالصوت والصورة، وتسبَّب النبأ في صدمةٍ وغضب عارم في جميع أنحاء المنطقة التي ألِفَ ساكنوها اسم أبو عاقلة كما لو كانت إحدى أقربائهم. وأفادَ شهود – بمن فيهم صحفيون كانوا إلى جانب أبو عاقلة حين قُتلت – بأن الجنود الإسرائيليين استهدفوهم رغم ستراتهم الصحفية الواضحة للعيان، بينما نفت السلطات الإسرائيلية مسؤوليتها على الفور، وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، نفتالي بينيت، إلقاء اللوم على “المسلحين الفلسطينيين“.

ولمّا بدأت إفادات الشهود العيان تتوالى وأخذت التسجيلات المصورة للواقعة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، بحثَ محللو استخبارات المصادر المفتوحة حول العالم في كمية وافرة من الأدلة سعيًا لمحاسبة قتلة أبو عاقلة. وباتباع تقنية تحديد المواقع الجغرافية لأماكن تواجد الجنود الإسرائيليين بدقة أثناء المداهمة بناءً على التسجيلات المصورة لمشهد الواقعة، خلص محققو بيلينغكات إلى أن الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة أُطلقت من سلاح جندي إسرائيلي. واعتمدت صحيفة نيويورك تايمز كذلك على تقنية التحليل المكاني وإفادات الشهود والصور لاستبعاد احتمالية ضلوع مقاتلي المقاومة الفلسطينية، وخلصت إلى النتيجة ذاتها. وأكَّد تقريرٌ مشترك أصدرته مؤسسة الحق ووحدة التحقيق المعماري هذه الإفادات بالاعتماد على المجتمع المحلي لإثبات تورط إسرائيل في الواقعة – وهو استنتاج أيدته الأمم المتحدة وقناة الجزيرة وحتى الجيش الإسرائيلي نفسه، وإنْ كان على مضض.

ولولا الأدلة المستمدة من استخبارات المصادر المفتوحة، لكان الاعتقاد العام حول حقيقة مقتل أبو عاقلة قد استندَ إلى نتائج تحقيق تجريه إسرائيل نفسها. أمّا اليوم، فإن استخبارات المصادر المفتوحة تمنح الفلسطينيين أداةً قيِّمةً، حيث مثَّلَ التحقيق المشترك الذي أجرته فِرق استخبارات المصادر المفتوحة حول العالم في مقتل أبو عاقلة إنجازًا باهرًا بالنظر إلى انتهاكات إسرائيل المستمرة لحقوق الفلسطينيين الرقمية وتضييقها على منظمات حقوق الإنسان.

ومع ذلك، ثمة مشاكل بيِّنة لا تزال تُهدد القدرات التحريرية التي توفرها استخبارات المصادر المفتوحة. أولًا، أظهر التحقيق في مقتل أبو عاقلة أن الفلسطينيين لا يزالون معتمدين كثيرًا على حسن نية محللي استخبارات المصادر المفتوحة في الخارج الذين لا يواجهون قيودًا في الوصول إلى مقوِّمات شبكة الإنترنت التي يعتمدون عليها – وهي المقوِّمات التي يُحرَمُ منها الفلسطينيون معظم الوقت. ثانيًا، يسعى محللو استخبارات المصادر المفتوحة الإسرائيليون إلى قمع الجهود المبذولة لكشف الحقيقة وذلك بترويج “الهسبرة” – الأجندة الرسمية الإسرائيلية الهادفة إلى إخفاء الجرائم الإسرائيلية وتشويه حقيقة احتلالها العسكري وسياسات الفصل العنصري.

أداة قمع

في السنوات الأخيرة، استأثرت حسابات مجهولة الصاحب مكرسة لنشر استخبارات المصادر المفتوحة مثل حساب أرورا إنتل ورادار إسرائيل وإيلينت نيوز بمتابعين كُثر من خلال تغطيتها التطورات الأمنية في فلسطين المستعمرة وعموم الشرق الأوسط. ومن متابعيها صحفيون ومحللون مقيمون في واشنطن العاصمة وصناع سياسات يستشهدون بانتظام بما تنشره تلك الحسابات ويعيدون نشره لمتابعيهم. غير أن العديد من تلك الحسابات تستمد الكثير من معلوماتها دون تمحيص من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وتُسهِبُ في تغطية عمليات المقاومة المسلحة الفلسطينية، وتُقصِّر في تغطية العنف البنيوي الإسرائيلي المستشري. وهكذا تُروِّجُ تلك الحسابات الدعايةَ الإسرائيلية وتشوِّه الرواية العامة وتُغطي على جرائم الحرب الإسرائيلية بدلًا من أن تكون مصادر موضوعية للمعلومات.

لا يستطيع الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي الرقمي أن يشاركوا في ثورة استخبارات المصادر المفتوحة المعتمدة بالكامل على الاتصال الموثوق والسريع بالإنترنت، وعلى تدفق المعلومات بحرية Share on X

أبرز تلك الحسابات هو أرورا إنتل الذي أُنشئ في تشرين الأول/أكتوبر 2018 ويدَّعي أنه مكرس “لتوفير مستجدات الأنباء والاستخبارات لعامة الجمهور.” ومنذئذ، اضطلع ثلاثة مساهمين بأسماء مستعارة – “ديفيد” و”آدم” و”كنيش” – بتغطية الأحداث في فلسطين المستعمرة وعموم المنطقة على مدار الساعة تقريبًا من المملكة المتحدة وكندا وإسرائيل. ومع شنِّ النظام الإسرائيلي عدوانه على غزة في صيف 2022، الذي أسفر عن مقتل 49 فلسطينيًا بمن فيهم 17 طفلًا، انضمّ حساب أرورا إنتل إلى وابلٍ من حسابات استخبارات المصادر المفتوحة التي تبث مستجدات العمليات حال وقوعها.

إيمانيويل فابيان هو محلل سابق لاستخبارات المصادر المفتوحة وصحفي حالي في صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” وهو من أكثر المصادر المستشهَد بها في أرورا إنتل. وبتاريخ 6 آب/أغسطس 2022، أفادت أرورا إنتل وفابيان في الوقت نفسه بوقوع غارة جوية على مخيم جباليا للاجئين في غزة أسفرت عن مقتل أربعة أطفال. ومع انتشار نبأ الغارة وتنامي مشاعر الغضب العام، سارعت قوات الاحتلال الإسرائيلية إلى إلقاء اللوم والمسؤولية على جهات أخرى. ومن دون التشكيك في الرواية الإسرائيلية أو التحقق منها، نشرت أروروا إنتل وفابيان مقاطع مصورة ورسومات معلوماتية من إعداد الجيش الإسرائيلي تُظهر حسب زعمها عمليات فاشلة لإطلاق صواريخ بواسطة حركة الجهاد الإسلامي كدليل على أن إسرائيل لم تكن المسؤولة عن سقوط الضحايا المدنيين.

وبعد عدة أيام، أقرَّت قوات الاحتلال الإسرائيلية بمسؤوليتها عن غارة جوية أخرى قُرب جباليا قضى فيها خمسة أطفال فلسطينيين. غير أن أيَّا من أرورا إنتل أو فابيان لم ينشر خبر تلك الغارة، رغم أنهما نشرا سابقًا استخباراتٍ غير مؤكدة من الجيش الإسرائيلي تُحمِّل حركة الجهاد الفلسطيني مسؤوليةَ وقوع الضحايا المدنيين. وعندما سُئل فابيان لماذا لم يذكر جريمة حرب محتملة أقرَّ بها مسؤولو الجيش الإسرائيلي، أعطى إجابةً مراوغة إذ أصرَّ على أنه لم يكن لينشر تلك الأنباء لأن الواقعة كانت لا تزال “قيد التحقيق.”

إن هذه التقارير المتحيزة وغير الدقيقة التي تنشرها حسابات مثل أرورا إنتل وحساب المحلل فابيان ليست حالةً شاذة أو فردية، بل هي مؤشرٌ على وجود شبكة منظمة وأوسع من محللي استخبارات المصادر المفتوحة الإسرائيليين والمناصرين لإسرائيل الذين يروجون الهسبرة أو الدعاية الإسرائيلية دون انتقاد. وبتضخيم أخبار معينة وتجاهل أخرى، وترديد أقوال الجيش الإسرائيلي، والتغاضي كليًا عن الأحداث التي تُسيء لصورة النظام الإسرائيلي، يكون ما يفعله هؤلاء المحللون فعليًا هو تبييض جرائم الحرب الإسرائيلية

يُضاف إلى ذلك أن العديد من حسابات استخبارات المصادر المفتوحة مجهولة الصاحب، فيستحيل بذلك على متابعيها أن يتحققوا من الخبرات التقنية للقائمين عليها أو التعرف إلى مدى انحيازهم. فليس من المستغرب إذن ألا تُسهِمَ مصادرُ المعلومات تلك، النزيهة في ظاهرها، في تكوين فهم أشمل لجذور العنف في فلسطين المستعمرة – وهي النُظم الإسرائيلية المتشابكة المتمثلة في الاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري والاحتلال.

الفلسطينيون تحت الاحتلال الرقمي

نظريًا، ينبغي أن يكون محللو استخبارات المصادر المفتوحة الفلسطينيون قادرين على التصدي لحملات الإعلام الكاذب الإسرائيلية من خلال عرض الحقيقة على الجمهور العالمي. فمن مميزات استخبارات المصادر المفتوحة أنها تسمح لأي شخص متصلٍ بالإنترنت ومدرَّبٍ على أساليب البحث في المصادر المفتوحة أن يشاركَ في عملية التحقق الجمعي من المعلومات. غير أن حياة الفلسطينيين على الإنترنت لم تسلم هي الأخرى من الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشي الذي يمارس رقابةً صارمة عليهم ويفرض حواجز تعرقل وصولهم عبر الشبكة. فما انفك النظام الإسرائيلي يفرض سيطرته التامة على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات الفلسطينية منذ 1967. ودأب منذئذٍ على التحكم بحياة الفلسطينيين الرقمية، ومنعهم من الحصول على تكنولوجيا الشبكات، ورفض طلباتهم لاستيراد معدات الاتصالات الجديدة، ومراقبة نشاطهم على شبكة الإنترنت مراقبةً وثيقة

بالإضافة إلى إعاقة اتصال الفلسطينيين بالإنترنت، يعكف النظام الإسرائيلي على تدمير البنية التحتية اللازمة لموارد الطاقة الأساسية، بما فيها الكهرباء، حيث قصفَ في عام 2014 محطةَ الطاقة الوحيدة العاملة في غزة، وأدخلَ سكانَ القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة في أزمة طاقة لا تزال مستمرةً حتى يومنا هذا. وبالرغم من استئناف العمل جزئيًا في محطة توليد الطاقة منذ ذلك الحين، إلا أنها ما تزال عاجزةً عن توفير ما يكفي من الطاقة لتلبية احتياجات القطاع المحاصَر. وفي ظل الحصار الإسرائيلي الخانق وأساليب العقاب الجماعي، يُضطر الفلسطينيون إلى التعايش مع انقطاعات التيار الكهربائي اليومية وتوقف الثلاجات عن العمل فضلًا على انقطاع الاتصال بالإنترنت لفترات طويلة.

بالرغم من العراقيل الكثيرة التي نصبتها إسرائيل، فإن استخبارات المصادر المفتوحة قد خدمت القضية الفلسطينية بالفعل، وسوف يزداد دورها أهميةً في إطار الجهود الجمعية الرامية إلى محاسبة إسرائيل Share on X

وعندما يتمكن الفلسطينيون من الاتصال بالإنترنت، فإن سرعة الاتصال غالبًا ما تكون بطيئةً جدًا. فقد عانت شبكات الاتصالات الفلسطينية في الضفة الغربية من خدمات الجيل الثالث البطيئة منذ 2018، بينما لا تزال غزة تعتمد على شبكات الجيل الثاني الأبطأ. وفي تموز/يوليو 2022، أعلنَ الرئيس الأمريكي جو بايدن بأن البيت الأبيض سوف يعمل مع إسرائيل لإدخال خدمات الجيل الرابع إلى الضفة الغربية وغزة في 2023. غير أنه لم يُحرَز أي تقدم على هذا الصعيد منذ صدور الإعلان قبل سنة تقريبًا. ويُضطرُ فلسطينيون كُثر بسبب بطئ سرعات التنزيل وتكرر انقطاع الاتصال بشبكة الإنترنت إلى شراء خطوطٍ إسرائيلية لولوج شبكات أسرع. وفي حين أن ذلك يمنح المقتدرين فرصةً أفضل للوصول إلى شبكة الإنترنت، إلا أنه يُعرِّضهم لمستويات أعلى من الرقابة التي يمارسها النظام الإسرائيلي. وببساطة، لا يستطيع الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي الرقمي أن يشاركوا في ثورة استخبارات المصادر المفتوحة المعتمدة بالكامل على الاتصال الموثوق والسريع بالإنترنت، وعلى تدفق المعلومات بحرية.

وعلاوةً على ذلك، تعكف قوات الاحتلال الإسرائيلي بانتظام على استهداف الفلسطينيين الذين يسجلون وينشرون المعلومات التي قد تُثبت ضلوعها في ارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات لحقوق الإنسان. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2022، أطلقت قوات الاحتلال الرصاص على مفيد خليِّل وأردته قتيلًا بينما كان يصور الجنود الإسرائيليين وهم يطلقون الذخيرة الحية على شباب فلسطينيين في بيت أُمَّر جنوبي الضفة الغربية. وفي وقت لاحق من الشهر نفسه، اعتقلت تلك القوات الناشط الفلسطيني، عيسى عمرو، بعد أن نشر تسجيلًا مصورًا يُظهر جنديًا إسرائيليًا يطرح ناشطًا إسرائيليًا أرضًا ويسدِّدُ لكماتٍ متتالية إلى وجهه في الخليل. وفي أيار/مايو 2021، قام جنود إسرائيليون باستجواب وتهديد حازم ناصر، المصور الصحفي لشبكة فلسطين الغد التلفزيونية، لأنه صوَّر اعتداءات المستوطنين ووحشية الشرطة في القدس. 

ومنذ العام 2020، سجنت إسرائيل ما لا يقل عن 26 صحفيًا فلسطينيًا في الضفة الغربية ووجهت للعديد منهم اتهامات لأنهم وثَّقوا ما يجري حولهم من أحداث. وفي العام الماضي، بلغَ عددُ الأسرى السياسيين الفلسطينيين 4,760 أسيرًا يقول الكثيرون منهم إن اعتقالهم واستجوابهم كان بسبب تعليقاتهم ومنشوراتهم مثل نشر صور على موقع فيسيبوك لفلسطينيين قضوا على يد القوات الإسرائيلية.

لم ينجح الاحتلال الرقمي الإسرائيلي في ردع المبادرات الفلسطينية المتنامية في مجال استخبارات المصادر المفتوحة ردعًا تامًا، ولكنه تمكَّن من إعاقة قدراتها بشدة. وعلى سبيل المثال، أعلنت مؤسسة الحق الفلسطينية لحقوق الإنسان في صيف 2021 استحداثَ وحدة التحقيق المعماري التي توظِّفُ أساليب استخبارات المصادر المفتوحة في رصد ومراقبة الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. وفي وقت لاحق، أصدر فريق عمل الوحدة التقرير الرائد آنف الذكر حول مقتل شيرين أبو عاقلة، واستخدم فيه تحليلًا خاصًا لإعادة تركيب لحظة وقوع الصحفيين تحت نيران القوات الإسرائيلية.

وفي آب/أغسطس 2022، أغارت قوات الاحتلال الإسرائيلي على مدينة رام الله تحت جنح الظلام، وداهمت مكاتب مؤسسة الحق ومكاتب خمس منظمات حقوقية أخرى كان وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قد صنَّفها في وقت سابق كمنظمات إرهابية. رفضت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وخبراء الأمم المتحدة وعشرات المنظمات الحقوقية الدليل المزعوم الذي تذرَّعت به إسرائيلُ لتبرير التصنيف والمداهمات، ولكنَّ قوات الاحتلال الإسرائيلي ضاعفت تهديدها لمنظمات حقوق الإنسان وموظفيها في الضفة الغربية. وليس مستغربًا أنه كلما أصبحت تلك المنظمات أكثر فاعليةً في فضح الجرائم الإسرائيلية، باتت أكثر عرضةً للانتقام الإسرائيلي. 

ليس النظام الإسرائيلي وحده مَن يمارس الرقابة على نشاط الفلسطينيين على شبكة الإنترنت. فقد أظهر تحقيق أجرته منظمة “ذا إنترسيبت في أيلول/سبتمبر 2022 بأن فيسبوك وإنستاغرام حظرا أو قيَّدا منشورات وحسابات نشرت تسجيلات مصورة للغارات التي شنّها النظام الإسرائيلي في أيار/مايو 2021 على غزة والاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة الغربية. وحاولت شركات وسائل التواصل الاجتماعي أن تُلقي اللوم في الممارسات الرقابية وحجب المحتوى على نطاق واسع على أعطال في برمجيات الذكاء الاصطناعي؛ غير أن الناشطين يشيرون إلى أن موقع فيسبوك قد دأب على إدارة المحتوى بناءً على طلب الحكومات.

بل إن إسرائيل قد استحدثت وكالة حكومية خاصة مكرسة لتقديم طلبات الرقابة وحجب المحتوى، حيث تعمل وحدتها السيبرانية، التابعة لمكتب النائب العام، على تحديد المنشورات غير المرغوبة على وسائل التواصل الاجتماعي وإرسال الطلبات لحذفها. واستنادًا إلى البيانات الصادرة منها، توافق منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها على 90% من طلباتها. وقد تمادى مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى، كوزير الدفاع السابق غانتس، لدرجة أنهم حثّوا بصفتهم الشخصية المسؤولين في شركتي ميتا وتيك توك على إدارة المحتوى الناقد لإسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي وحجبه.

ليس من السهل على شركات التواصل الاجتماعي أن تصمدَ أمام الحملة المنسقة التي يشنها النظام الإسرائيلي، ولا سيما مع تواطؤ القيادة الفلسطينية في الانتهاكات الرقمية. وبالتالي لا يستطيع الفلسطينيون أن يمارسوا ضغطًا قانونيًا أو دبلوماسيًا على شركات التواصل الاجتماعي، ولا أن يمارسوا سيادةً على بنيتهم التحتية الرقمية. فضلًا على أن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي المتطور قد أعطى النظام الإسرائيلي قوةً ناعمةً وعلاقةً لا نظير لها مع عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعني أن على الفلسطينيين هذه المرة أيضًا أن يعتمدوا على المجتمع الدولي لمحاسبة إسرائيل على ما تمارسه من رقابة وحجب المحتوى وانتهاك الخصوصية.

ما العمل؟

إن انتشار استخبارات المصادر المفتوحة يفرض معضلةً على الفلسطينيين. فهي، من ناحية، تتيح إمكانيةً نسبية للوصول إلى أدوات قليلة التكلفة لتوثيق أدلة شاهدة على جرائم الحرب الإسرائيلية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ما كانت لتوثَّق لولا استخبارات المصادر المفتوحة. ومن ناحية أخرى، يقع الفلسطينيون ضحايا للتكنولوجيا نفسها التي أملوا أن تساعدهم. فقد تبنى المحللون الإسرائيليون ومؤيدوهم استخبارات المصادر المفتوحة أيضًا وحولوها من أداة للموضوعية إلى أداة للتشويه من خلال سعيهم الحثيث إلى التعتيم على جرائم الحرب الإسرائيلية وترويج الروايات التي تموِّه حقيقة الاحتلال الإسرائيلي. وفضلًا على ذلك، لا يستطيع الفلسطينيون أن يفنِّدوا المعلومات المغلوطة الإسرائيلية بسبب الاحتلال الرقمي الإسرائيلي والرقابة الدائمة.

استخبارات المصادر المفتوحة بمفردها لن توقف جرائم الحرب الإسرائيلية وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، ولن تضمن المحاسبة، ولكن يمكن استخدامها لفضح الجرائم الإسرائيلية وبالتالي كأداة تحريرية سعيًا لتحقيق الشفافية والردع والعدالة. وبالرغم من العراقيل الكثيرة التي نصبتها إسرائيل، فإن استخبارات المصادر المفتوحة قد خدمت القضية الفلسطينية بالفعل، وسوف يزداد دورها أهميةً في إطار الجهود الجمعية الرامية إلى محاسبة إسرائيل. ولكن إنْ لم تتضافر جهود المجتمع الدولي وشركات التكنولوجيا والناشطين من أجل ضمان تساوي فرص الاتصال بشبكة الإنترنت، ومقاومة التشويه الإعلامي، وتحدي الرقابة الاستبدادية، فإن استخدام استخبارات المصادر المفتوحة كأداة للقمع يغدو مرشَّحًا للزيادة.

ينبغي للفلسطينيين أن يكونوا قادرين على الاتصال بشبكة الإنترنت على نحو موثوق حيثما كانوا. ولغاية الآن لا توجد معاهدات أو قوانين دولية تنص صراحةً على الاتصال بالإنترنت كحقٍ إنساني. غير أن في الولايات المتحدة وبلدان أخرى في أوروبا قوانين محلية تنص على ذلك. ولا بد لمنظمات حقوق الإنسان، والقيادة الفلسطينية، والدول الأعضاء في الأمم المتحدة أن يدعموا سنّ قوانين دولية تنص على حق الاتصال بالانترنت كحق إنساني – مثل قرار الأمم المتحدة لعام 2021 بشأن الإنترنت. وينبغي لهم أن يستفيدوا من هذه القوانين كإطار عمل للمطالبة بأن يتخلى النظام الإسرائيلي عن سيطرته على البنية التحتية الفلسطينية للإنترنت.

وعلاوةً على ذلك، لا بد من محاسبة إسرائيل على استهدافها الصحفيين والمواطنين الصحفيين ومنظمات حقوق الإنسان. وينبغي للناشطين في الولايات المتحدة أن يتواصلوا مع ممثليهم في مجلس النواب لمطالبتهم بتمرير مشروع قانون مجلس النواب رقم 9291 الداعي إلى فتح تحقيق في اغتيال شيرين أبو عاقلة على يد إسرائيل. ينبغي أيضًا للناخبين في الاتحاد الأوروبي أن يدعوا ممثليهم إلى مطالبة إسرائيل بالتوقف عن استهداف منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية باتهامات “الإرهاب” المفبركة. وبالنظر إلى غياب التحرك على مستوى الدول في هذا الصدد، ينبغي للمناصرين أن ينسقوا جهودهم مع منظماتٍ من قبيل لجنة حماية الصحفيين من أجل الدعوة إلى المحاسبة وإعداد الصحفيين الفلسطينيين من خلال تدريبهم وتزويدهم بأدوات تحميهم.

وختامًا، هناك خطوات يمكن اتخاذها فورًا لتمكين الفلسطينيين من مواجهة الاحتلال الرقمي الإسرائيلي المتوسع. ومنها توفير الاتصال بالإنترنت والتمويل من أجل التدريب ودورات الأمن الرقمي لمحللي استخبارات المصادر المفتوحة والمواطنين الصحفيين الفلسطينيين لتمكينهم من تحقيق الاستفادة المثلى من أساليب جمع استخبارات المصادر المفتوحة بموازاة الحفاظ على سلامتهم وأمنهم. وتجدر الإشارة إلى أن هناك منظمات من قبيل بيلينغكات والمجلس الأطلسي تقدِّم دورات مجانية أو متدنية التكلفة ذات قيمة تأسيسية عالية. 

ينبغي للمناصرين أيضًا أن يدعموا المبادرات الفلسطينية في مجال استخبارات المصادر المفتوحة مثل مؤسسة الحق ووحدة التحقيق المعماري من خلال توفير التمويل والموارد الإضافية. وثمة تطبيقات جديدة، مثل سورسابل، تُزوِّد المواطنين الصحفيين بأدوات تُمكِّنهم من التحقق فورًا من التسجيلات المصورة والصور وغيرها من الأدلة المستمدة من المصادر المفتوحة وذلك لربطهم مباشرةً بوسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان حول العالم. ومن شأن نشر استخدام هذه الأدوات في فلسطين أن يعزِّزَ تدفق المعلومات، ويخفِّف الآثار الضارة الناجمة عن التشويه الإعلامي، ويحمي المواطنين الصحفيين الفلسطينيين من انتقام قوات النظام الإسرائيلي.

  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
طارق كيني-الشوَّا هو زميل السياسات في الشبكة المقيم في الولايات المتحدة، ومضيف مشارك لسلسلة مختبر الشبكة للسياسات. حاصل على درجة الماجستير في الشؤون الدولية من...

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content