Article - Trashing Four Generations of Palestinian Inheritance

حوَّلت دولة إسرائيل إبان قيامها سنة 1948 مئات القرى الفلسطينية إلى خراب. واليوم، تتهم ثلاث قرى فلسطينية السلطة الفلسطينية بتحويل أرض الأجداد إلى مكب نفايات. فثمة ما يقرب من 826 دونمًا سيُصار إلى مصادرتها من 220 عائلة في قرى رمّون والطيبة ودير دبوان من أجل إنشاء مكب للنفايات الصلبة والصرف الصحي، حيث استلم أصحاب الأراضي إشعارات رسمية بالمصادرة من الإدارة المدنية الإسرائيلية رغم الاعتراضات الكثيرة التي قدموها. وهم الآن يزعمون علنًا أن السلطة الفلسطينية هي مَن يقف وراء تلك الخطوة.

توشك الأعمال الإنشائية أن تبدأ، حيث وافق بنك التنمية الألماني الحكومي (Kreditanstalt für Wiederaufbau) على تمويل مشروع مَكب النفايات للمساهمة في حل أزمة إدارة النفايات المتفاقمة في الضفة الغربية والناجمة عن سياسة الاحتلال الإسرائيلي المتمثلة في تجزئة وتفتيت الأراضي والتي تشمل الجدار الفاصل أيضاً. فقد وقَّع بنك التنمية الألماني اتفاقيةً بقيمة 14 مليون يورو مع السلطة الفلسطينية لبدء الإنشاءات. غير أن الخسائر التي سيتكبدها أهالي تلك القرى الثلاث قد لا يمكن تجاوزها، وقد تتضرر علاقتهم بالسلطة الفلسطينية لدرجةٍ يتعذر إصلاحها.

قصة أهالي القرية

رمّون هي قريةٌ صغيرة، جُلّ أهلها من الفلاحين والعمال الزراعيين، تقع بين التلال المترامية بين رام الله وأريحا، وتبلغ مساحتها الكلية 30,039 دونمًا. وهي تتسم بشيء من الأهمية الاستراتيجية إذ تجاور مدينة روابي الجديدة والمطار المقترح إنشاؤه.

وفقًا للتعداد السكاني لعام 2007، يقطن القريةَ حوالي 2,500 نسمة، وهناك 7,000، أو ما يقرب من 60%، من أبنائها يعيشون في البلدان العربية وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية،1 وقد اغتربوا بسبب الأعباء المالية التي يفرضها الاحتلال، حيث يرسلون تحويلات مالية منتظمة لأفراد أسرهم في القرية. وهناك الكثير من العائلات في رمّون، إنْ لم تكن جميعها، تحيا حياةً منقسمةً بين التزاماتها المهنية في المُغتَرب وقريتها رمّون.

تعود ملكية الأرض اليوم لأربعة أجيال ورثوها من العائلات الثلاث المؤسِّسة للقرية وهي الثبتة والكحلة والشوخة. ويعود تاريخ بناء القرية إلى مطلع القرن الثامن عشر، وتعاقب على ثراها ما ينوف على 40 جيلًا. وبموجب اتفاق أوسلو، صُنِّف 1.6% من إجمالي مساحة القرية (مركز القرية) ضمن المنطقة (أ)، أي أنها تخضع حصرًا لمسؤولية السلطة الفلسطينية من حيث أمنها الداخلي والنظام العام، و27% ضمن المنطقة (ب) الخاضعة لسيطرة مشتركة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل (يعيش سكان القرية في هذه المنطقة)، و71.4% ضمن المنطقة (ج) حيث تمارس إسرائيل سيطرةً أمنية وإدارية تامة. ويؤكد أهالي القرية بأن أراضيهم ظلت تُعامل فعليًا معاملةَ المناطق الواقعة ضمن التصنيف (أ)، وأن ملكية أراضيهم لم تكن موضع سؤال إلى أن وقع هذا المأزق. وعلاوة على ذلك، لم يدخل الجنود الإسرائيليون القريةً إلا نادرًا باستثناء ما حدث قبل عام حين قُتِل رجلٌ من رمّون وجُرِح آخران على يد ضباط متخفيين من الجيش الإسرائيلي.

لم ينفك أهالي رمون يتلقون عروضًا لشراء أراضيهم، حسبما أفادوا في مقابلات أجريت معهم. ففي أواخر عقد التسعينيات، قدَّم بنك التنمية الألماني والمجلس المشترك لإدارة النفايات الصلبة لمحافظة رام الله والبيرة عرضًا بالشراء. وفي الفترة ما بين أعوام 1996 و2007، تلقى أصحاب الأراضي عروضًا سخية لبيع أراضيهم أو تأجيرها. وفي عام 2011، عقد ممثلو بنك التنمية الألماني عدة اجتماعات ومشاورات مع العائلات في رمون لتشجيعهم على تأجير أراضيهم لصالح المشروع المقترح. وانطوى العرض، وعملية المصادرة اللاحقة، على “استئجار” الأراضي لمدة 25-30 سنة. ولكن بالنظر إلى مكبات النفايات المشابهة الأخرى المقامة في الضفة الغربية، فإن الأمل في استصلاح الأرض مستقبلًا واستخدامها مجددًا في الزراعة وبناء المنازل يتراوح بين ضئيل ومنعدم.

وفي مقابلةٍ أجريت مؤخرًا مع العضو القيادي في لجنة مقاومة المكب، رباح الثبتة، زَعم رباح أن السلطة الفلسطينية هدَّدت في مرحلةٍ ما بمصادرة الأراضي بالقوة. وأضاف أن السلطة الفلسطينية، لمّا أدركت أن أصحاب الأراضي مصممون على عدم البيع أو التأجير، ركنت إلى إسرائيل لتصادر الأراضي، حيث إنها تقع في المنطقة (ج) بموجب اتفاقات أوسلو، من أجل المضي قدمًا في مشروع المكب.

وبتاريخ 5 أيار/مايو 2013، سلَّمت الإدارة المدنية الإسرائيلية لأهالي رمون إشعارًا نهائيًا بمصادرة أراضيهم. ويمنحهم الإشعار مهلةً زمنية قصيرة لتقديم الاعتراضات دون أن يُفصِح عمّا إذا كانت اعتراضاتهم ستُقبل. وجاء في الإشعار كذلك أن أصحاب الأراضي لن يحصلوا على أي مبالغ مالية وأن المكب سوف يُقام مهما يكن.

مَن يرسم الواقع على الأرض؟

يوضح

أحمد الكحلة، وهو أحد ملاك الأراضي في رمّون، أن أصحاب الأراضي رفضوا البيع لثلاثة أسباب رئيسية. أولها أن المكب لن يبعد سوى 1,200 متر هوائي عن المنطقة السكنية في رمّون. وثانيها أن تربة الموقع المقترح لإنشاء المكب خصبةٌ جدًا، وتوجد تحت أرضه طبقة مياه جوفية، ولم يُرد أهل القرية أن يتنازلوا عن هذه الموارد. والسبب الأخير هو أن التخوف من تلوث الهواء والماء والتربة في المدى البعيد قد أثار مخاوف السكان من أن الأرض الملوثة لن تُعاد إليهم بعد 25-30 سنة.

يؤكد ممثل السلطة الفلسطينية وكبير المهندسين القائمين على المشروع، حسين أبو عون، أن المنطقةَ المعنية وقعت منذ عام 1993 ضمن المنطقة (ج)، ويدعي أيضًا أن “المكب المقترح مضمونٌ بأن يكون أقل ضررًا على المواطنين والبيئة من مكبات أخرى للنفايات الصلبة والصرف الصحي،” ولا سيما المكب الواقع في زهرة الفنجان في منطقة جنين. ووفقًا لأحمد الكحلة، فإن مخاوف أصحاب الأراضي تنبع من المشاكل الناجمة من زهرة الفنجان.

يذكر إبراهيم محمد نمر هندي في أطروحته المعنونة “دراسة تحليل الفوائد والتكاليف لإدارة النفايات الصلبة لمدينة قلقيلية” أن سكان زهرة الفنجان وجنين قد تضرروا بشدة من مكب النفايات من حيث الآثار البيئية السلبية على المياه الجوفية وتلوث الهواء بدرجة كبيرة. فقد أدى المكب إلى تراجعٍ حاد في مستوى المعيشة لسكان زهرة الفنجان وجنين، لدرجة أن الروائح المنبثقة وعموم المنغصات التي جلبها المكب قد باتت لا تُطاق في بعض الأحيان. لذا، قال أهالي رمّون من ملاك الأراضي وغيرهم إن من الأفضل أن يُقام المكب على أرض لا تصلح لزراعة المحاصيل والحبوب. وأضافوا أن الأراضي غير القابلة للزراعة تحتوي على حواجز صخرية تعمل على منع تسرب السموم والمخلفات الكيميائية إلى باطن الأرض وتلويثها، الأمر الذي إنْ حصل سيؤثر في قابلية الأرض للزراعة إلى الأبد.

ولِعلم أصحاب الأراضي بالحاجة الماسة لإنشاء مكبٍ يخدم منطقتي رام الله والبيرة، فقد قدّموا مقترحًا بديلًا بأن يُقام المكب في منطقة غير قابلة للزراعة تبعد ما يزيد على 2,000 مترٍ هوائي عن المنازل في القرى الثلاث المعنية. وبالاستناد إلى آراء الخبراء، يعتقد أصحاب الأراضي أنه من الأفضل أيضًا أن يُقام المكب على أرضٍ صخرية. تضم أراضي رمّون البالغةُ مساحتها 30,039 دونمًا، منها أراضٍ زراعية بمساحة 9,519 دونمًا، وأراضٍ غير قابلة للزراعة بمساحة 20,463 دونمًا.

المستوطنات والنفايات

شهدت مجريات الأحداث تطورًا مفاجئًا مفاده أن المستوطنين الإسرائيليين المقيمين بصورةٍ غير قانونية على الأراضي الفلسطينية يعارضون كذلك إقامة المكب لجملة أسبابٍ منها عدم السماح لهم باستخدامه. فقادة المستوطنين، بحسب التقارير الواردة، “مستاؤون من أن مستوطناتهم لن تتمكن من استخدام المكب” ويشكون من أنهم أُمروا بإغلاق المكب الذي يستخدمونه في الوقت الراهن للتخلص من نفاياتهم.

يقول أهالي رمّون إنهم تلقوا تطمينات بأنه لن يُسمح للمستوطنين بإلقاء قمامتهم في المكب المقترح. غير أن المقترحات والعقود المختلفة تُبين مواقف متضاربة بشأن المستوطنات. ففي مرحلة ما، زَعَم ممثل رمّون لدى السلطة الفلسطينية، عبد جبعية، أنه “تعرَّض للخداع” إذ قيل له إنه لن يُسمح للمستوطنين بإلقاء نفاياتهم في المكب. وفي مقابلة لاحقة صرّح جبعية بالقول “بأننا وضعنا شرط أساسي لن نسمح للمستوطنين أن يستغلوا المكب – بالطرق القانونية طبعا – أما بالقوة ما فش عنا مقدرة [أن نمنعهم] مشان نكون صادقين مع أنفسنا وصادقين مع شعبنا.”

تكمن المفارقة في أن مشاكل الصرف الصحي والنفايات في الضفة الغربية ناجمةٌ عن الاحتلال ونظام الحواجز والإغلاقات الذي أقامته إسرائيل من أجل توسيع مستوطناتها غير القانونية على الأرض الفلسطينية. لذلك بات على المجتمعات الفلسطينية أن تختار بين نقل نفاياتها إلى مواقع بعيدة على نفقتها الخاصة أو حرقها داخل مناطقها السكنية أو بالقرب منها وبالتالي انطلاق انبعاثات سامة في الهواء وارتشاحها في التربة والمياه الجوفية.

تستديم القرى الزراعية المحيطة برام الله النشاط الزراعي في الضفة الغربية وهو أحد الأنشطة الاقتصادية المحلية المملوكة فلسطينيًا والمستدامة ذاتيًا القليلة المتبقية هناك. فما انفك الدعم القادم من تلك المناطق الريفية يُشكِّل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية. فإذا كانت السلطة الفلسطينية تأمل في إنقاذ أي من مصادر دعمها المتضائلة باطراد، فعليها أن تستمع إلى الشواغل الموضوعية للشعب الذي يتعهد الأرض ويقتات عليها، وأن تستجيب لتلك الشواغل وتأخذ مقترحهم البديل على محمل الجد. ولا بد من إرساء نظامٍ للتعامل على نحو مُجدٍ مع الشكاوى المقدمة من أصحاب الأراضي دون التخلي عن إقامة المكب وتلبية الحاجة الماسة إليه.

لقد ابتُليت الأراضي الفلسطينية بمشكلة إدارة الصرف الصحي والنفايات منذ بداية الاحتلال في حزيران/يونيو 1967، أي قبل 46 عامًا. وحاولت السلطة الفلسطينية والهيئات الدولية والعديد من منظمات المجتمع المدني المحلية أن تتصدى لها ولكن دون جدوى. فإلى أن يزول الاحتلال ويصبح الشعب الفلسطيني بعمومه قادرًا على تقرير مصيره وممارسة سيادته على أراضيه وموارده، ليس هناك أملٌ في إيجاد حلٍ مستدام لهذه المشكلة ولا للانتهاكات الجمّة الواقعة على حقوق الإنسان الفلسطيني داخل الوطن وفي المنفى.

اضغط هنا لتحميل قرار “الإدارة المدنية الإسرائيلية” بمصادرة الأراضي لقرى رمّون والطيبة ودير دبوان. الملف مكون من 16 صفحة ويذكر تفاصل تتعلق بأرقام ومساحات وملاّك الأراضي المنوي مصادرتها. (1.4MB)
inline

  1. تنحدر الكاتبة دينا عمر من قرية رمون.
العضوة السياساتية للشبكة دينا عمر كاتبةٌ وطالبةٌ في مرحلة الدراسات العليا بقسم علم الإنسان في جامعة ييل. وهي من الأعضاء المؤسسين لمنظمة طلاب من أجل العدالة...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 السياسة
بعد عام من المعاناة تحت وطأة العنف والدمار المستمرين ، يقف الفلسطينيون عند لحظة مفصلية. تتناول يارا هواري، في هذا التعقيب، الخسائر الهائلة التي تكبدها الشعب الفلسطيني منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 والفرص المنبثقة عنها للعمل نحو مستقبل خالٍ من القمع الاستعماري الاستيطاني. وترى أنّ الوقت قد حان الآن لكي تتحول الحركة من رد الفعل إلى تحديد أولوياتها الخاصة. وكجزء من هذا التحول، تحدد يارا ثلاث خطوات ضرورية: تجاوز التعويل على القانون الدولي، وتعميق الروابط مع الجنوب العالمي، وتخصيص الموارد لاستكشاف الرؤى الثورية لمستقبل متحرر.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 22 أكتوبر 2024
منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
Skip to content