Awad_Commentary_Feb2019

رحَّلت السلطات الإسرائيلية في 2017 السيدة الفلسطينية نادية أبو جمال من القدس قسرًا بعد أن هدمت منزل أسرتها في العام 2015. وسحبت مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلي استحقاقات الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي الأخرى من أطفالها الثلاثة، الذين يعاني اثنان منهم حالات مرضية مزمنة. لقد صدرت هذه الأوامر كتدبير عقابي بعدما قُتل زوجها غسان أثناء قيامه بهجوم مزعوم. تُظهر هذه الأوامر التوسعَ الإسرائيلي في سياسة معاقبة أفرادٍ فلسطينيين عن جرائم لم يرتكبوها.

لقد دأبت إسرائيل على معاقبة الفلسطينيين عقابًا جماعيًا منذ بداية الاحتلال العسكري للأرض الفلسطينية في العام 1967 من خلال هدم المنازل وشن الحرب النفسية والاقتصادية ضد أُسر المهاجمين المزعومين، في انتهاكٍ لقواعد القانون الدولي. وفي حين أن هذا التدبير يطال الأرض الفلسطينية المحتلة كلها، إلا أن السلطات الإسرائيلية تُمعن في استخدامه ضد أُسر المهاجمين المزعومين وعائلاتهم الممتدة في القدس الشرقية على وجه الخصوص، ولا سيما منذ العام 2015.

على مدار السنوات القليلة الماضية، اقترح المشرعون الإسرائيليون، على سبيل المثال، تشريعات تُقنن تلك الإجراءات المتخذة بحق نادية أبو جمال وغيرها، ومنح تفويض رسمي للجهات الإسرائيلية المختصة بتجريد  أفراد أسر المهاجمين المزعومين من الإقامة الدائمة في القدس. وفي كانون الأول/ديسمبر 2018 وافق الكنيست الإسرائيلي على القراءة الأولية لمشروع قانون يُجيز الترحيل القسري لأسر المهاجمين الفلسطينيين المزعومين من بلداتهم إلى مناطق أخرى في الضفة الغربية. وقد أعرب نتنياهو عن دعمه لمشروع القانون، بقوله: “إن طرد الإرهابيين أداةٌ فعالة. ومن جهتي، أرى أن نفعها يفوق ضررها. يقول الحقوقيون إنها تخالف القانون بالنظر إلى طريقة تعريفها، وإنها ستصطدم لا محالة بتحديات قانونية، لكنني لا يساورني أدنى شك في فاعليتها.”

يتقفى هذا التعقيب التصعيدات الإسرائيلية في إيقاع العقاب الجماعي على أسر المهاجمين المزعومين من خلال إجراءات مثل الترحيل القسري وهدم المنازل والحرب الاقتصادية، ويقترح سبلًا ممكنة لمواجهة الجهود الإسرائيلية الحثيثة الرامية لتقنين هذه الإجراءات واستخدامها في الإمعان في تشريد الفلسطينيين من القدس.

التوسع في ممارسة الترحيل القسري

لقد ظل الترحيل القسري يشكِّل عماد السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى بلوغ أغلبية يهودية والمحافظة عليها في القدس منذ أن ضمتها إسرائيل بقوة الأمر الواقع في العام 1967.1 وتحقيقًا لهذه الغاية الديموغرافية، تطبق إسرائيل سياسةً تمييزية في التخطيط الحضري للحد من النمو السكاني الفلسطيني، وتضع عراقيل قانونية تُصعِّب على الفلسطينيين البقاء في المدينة أو الانتقال إليها.

أُعطي الفلسطينيون القاطنون في القدس في أعقاب حرب 1967 إقامةً دائمة. لكن النظام القانوني الإسرائيلي المنظِّم لصفة الإقامة الدائمة يتيح للدولة الإسرائيلية سحب الإقامة الدائمة بسهولة من الفلسطينيين في القدس، حيث يخوِّل وزير الداخلية صلاحية سحب إقامة الفلسطينيين وفقًا للمعايير التالية: العيش خارج القدس لمدة سبع سنوات؛ اكتساب جنسية أجنبية أو إقامة دائمة في الخارج؛ الإخفاق في إثبات أن “مركز الحياة” هو إسرائيل؛ ومعيار “خرق الولاء” لإسرائيل الذي بات نافذًا منذ العام 2018.

ظل الترحيل القسري يشكِّل عماد السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى بلوغ أغلبية يهودية في القدس منذ أن ضمتها إسرائيل بقوة الأمر الواقع في 1967 Click To Tweet

إن سحبَ الحقِّ في الإقامة على هذا النحو وسيلةٌ مباشرة من وسائل التشريد القسري، إذ يُحرم الفلسطينيون في هذه الحالة حتى من حق التواجد المادي في القدس من دون الاستحواذ على تصريح من الجيش الإسرائيلي. فضلًا على أن القوانين الإسرائيلية الخاصة بالإقامة تقيِّد لمّ شمل الفلسطينيين المقيمين في القدس بأفراد أُسرهم غير الحاملين لبطاقة الإقامة في القدس أو المواطنة الإسرائيلية. وهكذا فإن الفلسطينيين المقيمين في القدس الذين يختارون لمَّ شملهم بأفراد أسرهم في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو الشتات يفقدون حقهم في الإقامة في القدس، ما يؤدي إلى ترحيلهم القسري من المدينة.

توقفت السلطات عن إصدار الإقامة الدائمة لمقدمي طلبات لم الشمل الأسري منذ تبني الأمر المؤقت الصادر سنة 2003 في قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل. أي أن الفلسطينيين غير المقدسيين الذين يتزوجون من فلسطينيين مقدسيين لا يستطيعون الحصول على إقامة دائمة وإنما يحصلون على تصاريح دورية إذا وافق وزير الداخلية الإسرائيلي على طلب لم شمل الأسرة. تُعرِّض هذه السياسة الفلسطينيين في القدس إلى خطر الانفصال عن أسرهم، وغالبًا ما تضطرهم إلى الانتقال من القدس للعيش مع أزواجهم الذين لم يحصلوا على تصاريح، وبالتالي يفقدون حقهم إلى الأبد في العيش هناك. ومنذ العام 1967، سُحبت الإقامة الدائمة من 14500 فلسطيني، 11500 منهم في أعقاب 1995.

في تشرين الأول/أكتوبر 2015 صرَّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن الحكومة كانت تنظر في “إلغاء لم الشمل الأسري… وسحب الإقامة والجنسية من أسر المهاجمين.” وهذا ما حصل مع نادية أبو جمال، المنحدرة من إحدى قرى الضفة الغربية. فبعدما تزوجت من غسان، حصلت بعد طول معاناة على تصاريح إقامة مؤقتة للعيش في القدس على أساس لم شمل الأسرة، وكانت تجددها سنويًا. لكن عقب الهجوم المزعوم الذي نفذه زوجها، أمر وزير الداخلية الإسرائيلي نادية بمغادرة المدنية، وعمل على رفض إصدار تصاريح أقامة كانت قد تقدمت بطلبها. وفي كانون الثاني/يناير 2017 اعتقلت الشرطة الإسرائيلية نادية في منزل أسرة زوجها، حيث ظلت تمكث هناك منذ الهدم العقابي لمنزلها، وقاموا بترحيلها قسرًا إلى خارج القدس.

ومنذ ذلك الحين تكررت حالة نادية، وعلى نطاق أوسع. فبعد هجوم مزعوم في كانون الثاني/يناير 2017، أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي آريه ديري أن “كل مَن يتآمر أو يخطط أو يفكر في تنفيذ هجوم من الآن فصاعدًا، عليه أن يعرف أن أسرته ستدفع ثمنًا باهظًا جراء فعلته.” وحذَّر آريه ديري، متحدثًا باسم الوزارة، من أن “العواقب ستكون قاسية وواسعة النطاق.”

كانت هذه العواقب “واسعة النطاق” جليةً في حالة فادي قنبر، الذي اتُهمَ بشن هجومٍ بسيارة في تموز/يوليو 2017. وعلى إثر ذلك، سحب ديري الإقامة الدائمة من والدة قنبر البالغة من العمر 61 عامًا، إضافة إلى 11 تصريحًا صادرًا بموجب لمّ الشمل الأسري كانت بحوزة عائلته الممتدة. وكان زوج ابنة أخت قنبر غير الشقيقة من بين الأشخاص الأحد عشر الذين فقدوا حقهم في العيش في القدس. وهكذا فإن توسع ديري في تطبيق القانون يُعد مؤشرًا على الإسراف الواضح في سحب الإقامة كتدبير عقابي. والآن يترقب كامل أفراد أسرة قنبر صدورَ قرارٍ بشأن ترحيلهم قسرًا من منازلهم.

حالة قنبر ليست سوى مثالٍ واحد لمدى التصعيد الإسرائيلي في تدابير العقاب الجماعي في حالات معينة، وتشكِّلُ سابقة تمهد الطريق لاستصدار قوانين تسمح باستخدام هذه الممارسة على نطاق أوسع. ففي عامي 2016 و2017، طرح المشرعون الإسرائيليون أربعة مشاريع قوانين على الأقل توفر الأساس القانوني لسحب تصاريح الإقامة من المهاجمين المزعومين ومن أسرهم الممتدة. وكانت ثلاثة من مشاريع القوانين الأربعة تعديلات للمادة 11 من قانون الدخول إلى إسرائيل.

يخول مشروع القانون الأول P/20/2463 وزارة الداخلية سحبَ الإقامة الدائمة من المهاجمين المزعومين وأقاربهم، وسحبَ حقوقهم المكفولة بموجب قانون التأمين الوطني والقوانين الأخرى. وينص مشروع القانون على أن “المنطق يقتضي منع الحقوق المتساوية عن المقيمين الذين يضطلعون بأعمال ضد الدولة، وحرمانهم المزايا الاجتماعية المترتبة على الإقامة الدائمة في دولة إسرائيل.” وينص مشروع القانون الثاني P/20/2808 على أن وزير الداخلية مخولٌ بإلغاء التأشيرة أو الإقامة الدائمة “لأفراد أسرة الشخص الذي يرتكب عملًا إرهابيًا أو يساهم في ارتكاب ذلك العمل من خلال علمه بالعمل الإرهابي أو المساعدة فيه أو الحض عليه أو دعمه قبل ارتكابه أو أثناءه أو بعد وقوعه.” أمّا مشروع القانون الثالث P/20/3994 فيعطي “وزير الداخلية صلاحية ممارسة سلطته التقديرية فيما يتعلق بارتكاب الأعمال الإرهابية.” وكما سبق الإشارة اليه، اجتاز مشروع القانون P/20/3458 القراءة الأولية في الكنيست في كانون الأول/ديسمبر 2018، وهو المشروع الذي يتيح “طرد أُسر المهاجمين لأسباب قومية،” ويمنح الجيش الإسرائيلي صلاحية “طرد أسر المهاجمين الذين يرتكبون هجمات إرهابية أو يحاولون ارتكابها” في غضون سبعة أيام. كما يدعو ايضاً للترحيل القسري لأسر المهاجمين الفلسطينيين المزعومين في أي منطقة من مناطق الضفة الغربية.

إضافة إلى ذلك، تبنى البرلمان الإسرائيلي في آذار/مارس 2018 تعديلًا على قانون الدخول إلى إسرائيل يجيز سحب إقامة الفلسطينيين كعقوبة على خلفية “خرق الولاء،” بالرغم من أن هذا السحب محظور بنص المادة 45 من قواعد لاهاي لاتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر صراحة على قوة الاحتلال طلب الولاء من السكان الخاضعين للاحتلال. ولكن عبر استخدام معيارٍ مبهمٍ مثل الولاء تستطيع إسرائيل أن تسحبَ الإقامة من أي فلسطيني في القدس.

الحرب النفسية والاقتصادية

أقرَّ مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي في 2015 هدم منزل أحد المهاجمين المزعومين كممارسة عقابية مشروعة، ودعا إلى حظر إعادة البناء في موقعه وإلى مصادرة الأرض ذاتها. ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2014 أسقطت محكمة العدل العليا في إسرائيل 11 قضية استئناف رفعتها أسر من القدس للطعن في أوامر الهدم، وأيدت المحكمة قرار الجيش الإسرائيلي بهدم المنازل أو إغلاقها كعقوبة. ومن أصل خمسة منازل أُغلقت وصودرت، رُدمت ثلاثة بالخرسانة، ما جعل إغلاقها نهائيًا. ويترتب على هذا الاجراء ترك عائلات المهاجمين المزعومين بلا مأوى، ويُفضي إلى تشردهم داخليًا.

جاءت هذه الإجراءات بعد توقف عن هدم المنازل دامَ عقدًا من الزمن، حيث خلصت لجنةٌ عسكرية إسرائيلية في 2005 إلى أن هدم المنازل كعقوبة قد أتى بنتائج عكسية، ما دفع السلطات التنفيذية الإسرائيلية إلى تعليق هذه الممارسة مع بعض الاستثناءات قبل اعادة استئناف العمل بها في العام 2014.

تجد أسر المهاجمين المزعومين نفسها في كثير من الأحيان معزولةً عن مجتمعها الذي يخشى التعرض لإجراءات انتقامية Click To Tweet

تحتجز إسرائيل كذلك جثامين الفلسطينيين الذي قضوا في الهجمات المزعومة كشكل من أشكال العقاب الجماعي ضد الأسر. فقد تبنى البرلمان الإسرائيلي في 2016 تعديلًا على قانون مكافحة الإرهاب الصادر سنة 2016، يمنح الشرطة الإسرائيلية هذه الصلاحية. ومنذ تشرين الأول/أكتوبر 2015، احتجزت إسرائيل جثامين 194 فلسطيني، ولا تزال تحتجز 32 جثمانًا في المشرحة الإسرائيلية.2 وفي حالات عديدة أعيدت بعض الجثامين إلى الأسر لدفنها ولكن بعد خوض معارك قانونية طويلة والخضوع للشروط الإسرائيلية من قبيل الدفن الفوري – أي دون تشريح – وتحت جنح الظلام وفي حضور عددٍ محدود من الأشخاص المجازين بحضور الدفن.

تفرض إسرائيل أيضًا تدابير عقابية جماعية جديدة تستهدف أموال الفلسطينيين. فقد أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي عدة أوامر بمصادرة أموال أسر المهاجمين المزعومين بموجب قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2016. وأعلن الوزير أن مصادرة الأموال على هذا النحو مبررة باعتبار أن هذا المال هو تعويضٌ عن الهجوم المزعوم. وفي آب/أغسطس 2017، اقتحمت قوات الشرطة الإسرائيلية عددًا من المنازل العائدة ملكيتها لأسر مهاجمين مزعومين وصادرت مبالغ مالية كبيرة. وعلى سبيل المثال، أمر وزير الدفاع الإسرائيلي بمصادرة 4000 دولار من أسرة المناصرة بعد مقتل حسن المناصرة، ابن الخمسة عشر ربيعًا، على يد الجيش الإسرائيلي في 2015 في حادثة طعن مزعومة في إحدى مستوطنات القدس. يستهدف هذا الإجراء العقابي الجماعي الجديد إبقاء أسر المهاجمين المزعومين في حالة خوف دائم من الانتقام، ويستهدف ايضاً مواردهم الاقتصادية الأساسية.

وفي سابقة أخرى، أقامت الحكومة الإسرائيلية دعوتين قانونيتين مدنيتين ضد زوجة فادي قنبر وأطفاله الأربعة وضد زوجة مصباح أبو صبيح وأطفاله الخمسة، اللذين نفذا هجومًا مزعومًا في القدس الشرقية في تشرين الأول/أكتوبر 2016. وطالبَ الادعاء في القضية أسرةَ قنبر بدفع 2.3 مليون دولار، بينما طالبَ الادعاء في القضية المرفوعة ضد أسرة أبو صبيح بمبلغٍ يفوق المليون دولار. وقد صرَّح المدعي العام لقضاء القدس: “إن هذه القضية، المنبثقة عن حادثة إرهابية لقي فيها جنود إسرائيليون حتفهم، تستهدف استرداد النفقات الواقعة على خزينة الدولة جراء أحداث من هذا النوع، وتستهدف إرسالَ رسالة واضحة مفادها أن الدولة الإسرائيلية سترد أيضًا بدعاوى مدنية لتسوية الحسابات مع مرتكبي الأعمال العدائية.” وصرَّح المدعي العام أيضًا: “بما أن [الإرهابي] هو المتسبب في الضرر، فعلى ورثته القانونيين أن يتحملوه ويعوضوا الدولة عنه.”

تجد أسر المهاجمين المزعومين نفسها في كثير من الأحيان معزولةً عن مجتمعها الذي يخشى التعرض لإجراءات انتقامية. ويُلاحَظ في الوقت الحاضر أن ضحايا العقاب الجماعي الإسرائيلي باتوا يُحجمون بوتيرة متزايدة عن الطعن في الانتهاكات أو التبليغ عنها خوفًا من تعرضهم لمزيد من الإجراءات الانتقامية من السلطات الإسرائيلية. فبعد مرور أشهر وأحيانًا سنوات من العقاب الجماعي، يأمل الفلسطينيون غالبًا في أن يجنِّبَهم صمتُهم المزيد من الإجراءات العقابية. إن هذا الخوف من الانتقام وما يصاحبه من تراجع في التضامن بين الفلسطينيين كنتيجة للتعسف المتزايد في استعمال القوة الانتقامية للدولة الإسرائيلية أدى إلى تعميق إفلات إسرائيل من العقاب المترتب على انتهاكها للحظر الدولي المفروض على ممارسة العقاب الجماعي.

توجيهات القانون الدولي

يؤكد القانون الدولي لحقوق الإنسان الحظر المفروض على العقاب الجماعي، حيث تؤكد المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة أنه “لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيًا. تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب.”

فضلًا على أن الترحيل القسري للفلسطينيين يُعدُّ انتهاكًا للقانون الدولي الذي يصنف السكان القاطنين في المنطقة المحتلة “سكان محميون”، وقد أكدت الهيئات الدولية في مناسبات عديدة على مكانة القدس كمدينة محتلة. وتحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الترحيل القسري للسكان الفلسطينيين المحميين وتعتبره جريمة حرب. وإذا مورِسَ على نحو منتظم وواسع النطاق، فإن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يُعدّه جريمةً ضد الإنسانية.3 غير أن تدابير العقاب الجماعي الإسرائيلية تنتهك الحظرَ المفروض على تدمير ممتلكات الأشخاص المحميين ومصادرتها.

قلَّما يتجاوز اعتراض المجتمع الدولي على استعمال إسرائيل للعقاب الجماعي حدَّ الإدانة الكلامية Click To Tweet

علاوة على ذلك، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2016 أن “احتجاز الجثامين يرقى إلى عقاب جماعي، وهو ينافي التزامات إسرائيل كقوة احتلال طبقًا لاتفاقية جنيف الرابعة (المادتان 27 و30) وينتهك الحظر المفروض على التعذيب وسوء المعاملة.”

ويُمنع على إسرائيل أيضًا استعمال حالة الطوارئ أو الذرائع الأمنية لتبرير انتهاك الأعراف القانونية التي رسخها القانون الدولي لحقوق الإنسان. فقد ذكرت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أن الحظر المفروض على ممارسة العقاب الجماعي لا يقبل الانتقاص، ولا حتى في حالات الطوارئ. وبالرغم من ذلك دأبت إسرائيل على استعمال ذريعة الأمن لتصعيد السياسات العقابية ضد السكان الفلسطينيين بهدف ترحيلهم قسرًا.

وبموجب مبادئ القانون العرفي الدولي، تتحمل الدول الثالثة المسؤولية عن منع الانتهاكات المستمرة للقانون الإنساني من خلال التحقيق، والملاحقة القضائية، وحجب المعونة أو سحب الاعتراف، والتعاون لإنهاء الخروقات الجسمية، بما في ذلك من خلال تدابير عقابية بحق الدول المنتهكة. ومع ذلك قلَّما يتجاوز اعتراضُ المجتمع الدولي على استعمال إسرائيل للعقاب الجماعي حدَّ الإدانة الكلامية. ولا تزال المهمة ملقاة على عاتق الفلسطينيين وحركة التضامن الفلسطيني للضغط على المجتمع الدولي وعلى إسرائيل لوقف هذه الانتهاكات.

التصدي للعقاب الجماعي

1. لا بد للفلسطينيين وحلفائهم أن يعملوا على رفع مستوى الوعي في وسائل الإعلام والمجتمع المدني حول استخدام إسرائيل العقابَ الجماعي كوسيلة للترحيل القسري، وأن يُبرزوا ذلك بصفته جريمةَ حرب وجريمةً ضد الإنسانية. ويمكن أن يساهم ذلك في إيلاء هذه المسألة أولويةً على أجندة الأمم المتحدة.

2. ينبغي للفلسطينيين أيضًا أن يضغطوا على المحكمة الجنائية الدولية لإضافة العقاب الجماعي إلى قائمتها للجرائم الخاضعة للملاحقة القضائية. ولا بد من متابعة التحقيقات الأولية الجارية التي تنفذها المحكمة الجنائية الدولية في الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهذا اختبار للقانون الدولي بخصوص العقاب الجماعي. إن تصنيف العقاب الجماعي كعمل إجرامي في المحكمة الجنائية الدولية سوف يشكِّل خطوةً باتجاه إنهاء الإفلات الإسرائيلي من العقاب، وفتح الباب أمام الملاحقة القضائية لهذا الانتهاك الواقع على حقوق الإنسان الأساسية.

3. يجب مساعدة الضحايا في رفع قضاياهم المتعلقة بالعقاب الجماعي إمام قسم المحكمة الجنائية الدولية المعني بتيسير مشاركة الضحايا.

إن سياسات العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين التي تقود إلى ترحيلهم القسري من القدس لن تتوقف ما لم يُحاسَب مجرمو الحرب الإسرائيليون على أفعالهم.

  1. وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعني الترحيل أو النقل القسري للسكان بأنه “نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي”.
  2. البيانات مأخوذة من وحدة الرصد بمؤسسة الحق، 12 كانون الثاني/يناير 2018.
  3. بالرغم من تصنيف العقاب الجماعي كجريمة حرب في تقرير المفوضية المعنية بالمسؤولية المشكلة بعد الحرب العالمية الأولى وفي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الخاصة لسيراليون، إلا أنه لم يتم تضمينه على هذا النحو في نظام روما الأساسي.
العضوة السياساتية في الشبكة، ندى عوض، تحمل درجة الماجستير في العلاقات الدولية والأمن الدولي من معهد الدراسات السياسية بباريس. وهي تشغل منصب المسؤولة عن المناصرة...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

وفي حين لا يزال من غير الواضح كيف ومتى سترد إسرائيل على العملية الإيرانية، إلا أن من المؤكد أن الوضع الجيوسياسي قد تغير بالفعل. في هذه الحلقة النقاشية، يعرض محللو الشبكة، فادي قرعان وفتحي نمر وطارق كيني الشوا ويارا هواري، رؤاهم بشأن التأثير الإقليمي للمناورة الإيرانية الأخيرة ويضعون الإبادة الجماعية الجارية في غزة ضمن هذا السياق الأوسع.
 السياسة
تكشفُ تغطيةُ وسائل الإعلام الرئيسية في الغرب لمجريات الإبادة الجماعية في غزة تحيزَها الشديد للنظام الإسرائيلي، وتُبرزُ أيضًا سهولةَ نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين. تتناول يارا هواري في هذا التعقيب استراتيجيةَ إسرائيل في نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين في المجال العام، ودور وسائل الإعلام الغربية في تحقيق أهداف إسرائيل. وتبين أنماطَ التقصير الصحفي المستمرة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وتخلُص إلى أنّ وسائل الإعلام الغربية متواطئة حتمًا في الإبادة الجماعية التي يرتكبها النظام الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
Al-Shabaka Yara Hawari
يارا هواري· 03 أبريل 2024
لعبت كل من مصر والأردن عبر التاريخ أدواراً جيوسياسية مهمة في القضية الفلسطينية، حيث شكلت حدودهم مع قطاع غزة والضفة الغربية على التوالي المنفس الوحيد للعمق العربي وخاصة بعد حرب 1967. تزايدت وتضاءلت نفاذية هذه الحدود مع اختلاف الحكومات والظروف في المنطقة، لكن يمككنا الجزم أن مع مرور الزمن أصبحت هذه الحدود بشكل تدريجي جزءاً من الحصار على الشعب الفلسطيني وأداة ضغط على الفلسطينيين.
Skip to content