Shobaki_PolicyMemo_Feb2019

أصدر رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرارًا يقضي بإنهاء عمل بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل التي قضت ما يزيد على عقدين من الزمن في مراقبة وضع حقوق الإنسان في المدينة، حيث قال نتنياهو: “لن نسمح باستمرار قوةٍ دولية تعمل ضدنا.” وفي الرد على هذا الإجراء، أطلق ناشطون فلسطينيون حملةً شعبية لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية وحماية الأهالي من اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين بعد رحيل البعثة الدولية.1
فكيف نشأت بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل، وماذا أنجزت، ولماذا استهدفها نتنياهو الآن بالتحديد؟ يتناول المحلل السياساتي في الشبكة، بلال الشوبكي، في هذه المذكرة السياساتية قرارَ نتنياهو، ويقترح سُبلًا على المجتمع الدولي للدفاع بشكل أفضل عن الحقوق الفلسطينية.


في 25 شباط/فبراير 1994، أطلق المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين النارَ على المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي في الخليل، وسقط ضحية الهجوم 29 شهيدًا. أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الجريمة ودعا إلى اتخاذ تدابير لضمان سلامة وحماية سكان الخليل. وبُعيد ذلك، أرسلت إيطاليا والنرويج بعثة مراقبة، ولكن عملها استمر لثلاثة أشهر فقط. وبعدها بثلاث سنوات، وقع بروتوكول الخليل في 1997 والذي نصت المادة 18 منه على إنشاء بعثة تواجد دولي، وأن تحدد مهامها منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. بموجب هذا البرتوكول، أُنشئت بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل بمشاركة الدنمارك وإيطاليا والنرويج والسويد وسويسرا وتركيا.

قامت البعثة بمراقبة حالة حقوق الإنسان في الخليل، وبخاصة البلدة القديمة وحي تل الرميدة، ورفع التقارير بمشاهداتها، وباتت السيارات البيضاء ذات الشعار الأحمر الخاصة بأفراد البعثة منظرًا مألوفًا في المدينة. وبالإضافة إلى ذلك، أقامت البعثة علاقات مع المجتمع الفلسطيني وساعدت في تحسين ظروف الفلسطينيين المعيشية من خلال دعم المشاريع في مجالات تمكين المرأة والتعليم والدعم النفسي والتأهيل. وقد تمتع أفراد البعثة بحرية التنقل والحركة، وسكنوا المناطق الفلسطينية. وبالرغم من أن دور البعثة كان محدودًا، ولم يكن باستطاعتها أن تحول دون وقوع الهجمات الإسرائيلية، إلا أن الفلسطينيين رحبوا بوجودها.

وعلى النقيض، اعتقد المستوطنون الإسرائيليون في الخليل أن بعثة التواجد الدولي تقيِّد خططهم التوسعية في البلدة القديمة، والتي كانوا ينفذونها بشن الهجمات العنيفة على السكان الفلسطينيين لدفع أعداد كبيرة منهم على الانتقال من البلدة القديمة إلى أنحاء أخرى من المدينة. وكان أعضاء البعثة أيضًا هدفًا لهجمات المستوطنين.

ظلت البعثة تنشر تقاريرها لأكثر من 20 عامًا، وفيها وثقت الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان، ما أزعج الحكومة الإسرائيلية والأحزاب اليمينية والمستوطنين. وكان نتنياهو رئيس الوزراء حينها، وهو الذي وقّع بروتوكول الخليل في 1997. فلماذا يُقدِم نتنياهو على هذه الخطوة الآن؟

أولاً، بات حزب الليكود أكثرَ إذعانًا لأحزاب اليمين المتطرفة التي ما انفكت تشن حملةً شرسة لتحريض المستوطنين على  التهجم على بعثة التواجد الدولي. وبذلك فإن نتنياهو على الأرجح يتقرَّب إلى الناخبين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين تحضيرًا لانتخابات الكنيست المزمع عقدها في نيسان/أبريل 2019. وقد استغل فرصة انشغال الفلسطينيين بقضاياهم الداخلية مثل الضمان الاجتماعي وتشكيل الحكومة وحل المجلس التشريعي الفلسطيني والمصالحة الوطنية.

حتمًا ستستمر الانتهاكات الإسرائيلية ما لم يتخذ المجتمع الدولي تدابير جدية تضمن سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين Share on X

ثانيًا، لا بد من النظر إلى هذه الخطوة في سياق التوسع الإسرائيلي العام في المستوطنات في القدس والضفة الغربية ولا سيما الخليل التي تلقى أهمية خاصة عند الصهاينة المتطرفين. فحين تُخفي إسرائيل تهجيرها للسكان الفلسطينيين من البلدة القديمة عن أعين المجتمع الدولي، يصير التوسع الإسرائيلي أسهل بكثير.

ثالثًا، لم يكن اتخاذ إسرائيل لاتخاذ قرار بشأن بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل بالامر الصعب، فهي إمّا أن كانت ستسمح باستمرار عمل البعثة وباستمرار تقارير الإدانة التي تصدرها بصفة شبه اليومية، وإمّا كانت سترفض التجديد لها وتتحمل لوم المجتمع الدولي لبضعة أيام – وبوسع إسرائيل أن تتحمل هذا اللوم لأجل تسهيل مسعاها التوسعي في الضفة الغربية.

سوف يعتبر المستوطنون أن عدمَ التجديد لبعثة التواجد الدولي بمثابة ضوءٌ أخضر لممارسة العنف، وهذا يعرض حقوق الفلسطينيين الأساسية وحياتهم للخطر. ويمكن أن تُفضي هذه الخطوة إلى انسحابٍ إسرائيلي تام من بروتوكول الخليل.

من الواضح أن إسرائيل تتبنى سياسةً تناقض جميع الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وتنتهك مبادئ الحماية الإنسانية المكفولة بموجب المعاهدات الدولية للسكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال. ويُعد قرار نتنياهو القاضي بعدم التجديد لبعثة التواجد الدولي تجليًا من تجليات هذه السياسة. وحتمًا ستستمر الانتهاكات الإسرائيلية ما لم تتخذ تدابير جدية من قبل المجتمع الدولي لضمان سلامة وحماية المدنيين الفلسطينيين.

يجب على المجتمع الدولي، ولا سيما الاتحاد الأوروبي، أن يتجاوز اللوم والإدانة باتخاذ الخطوات التالية:

  • ينبغي لدول الاتحاد الأوروبي أن تمارسَ ضغطًا حقيقيًا على حكومة نتنياهو لسحب قرارها بشأن عدم التجديد لبعثة التواجد الدولي. وينبغي استغلال العلاقات الدبلوماسية والسياسية والاقتصادية والثقافية القائمة بين إسرائيل وبين دول الاتحاد الأوروبي لحَمل إسرائيل على وقف انتهاكاتها لحقوق الإنسان الفلسطيني في الخليل وسائر الأرض الفلسطينية المحتلة. 
  • لا بد للدول المشاركة في بعثة التواجد الدولي المؤقت في الخليل أن تنظر إلى قرار نتنياهو كتحدٍ مباشر لمهمة البعثة في حفظ السلام، وأن تأخذ التدابير الدبلوماسية المناسبة للرد على هذه الإساءة. 
  • ينبغي لدول الاتحاد الأوروبي أن تدعم الجهود الفلسطينية الرامية إلى محاسبة إسرائيل دوليًا على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، انطلاقًا من أن وجود البعثة يتوافق مع قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 904.
  1. لقراءة هذا النص باللغة الفرنسية، اضغط/ي هنا. تسعد الشبكة لتوفر هذه الترجمات وتشكر مدافعي حقوق الإنسان على هذا الجهد الدؤوب، وتؤكد على عدم مسؤوليتها عن أي اختلافات في المعنى في النص المترجم عن النص الأصلي.
بلال الشوبكي، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، فلسطين. وهو محلل سياساتي في شبكة السياسات الفلسطينية. وهو مؤسس ومنسق برنامج درجة الماجستير المزدوج في...
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

 المجتمع المدني
يتناول هذا التعقيب هذه الموجة الجديدة من التعبئة الطلابية. ويعرضُ تفاصيل المطالب الطلابية ويُنزِلها في سياق الإرث التاريخي للتنظيم الطلابي في الولايات المتحدة. ويتناولُ التعقيبُ أيضًا العلاقةَ بين الإداريين في الجامعات والطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ويرى بارقةَ أمل في التقارب الناشئ بين المجموعتين الأخيرتين في هذه اللحظة الفاصلة. 
Al-Shabaka Samer Alatout
سامر العطعوط· 14 يوليو 2024
 السياسة, المجتمع المدني
في ظل حرب الإبادة على غزة، والمخاوف الصهيونية من تكرار سيناريو هبة أيار في الداخل الفلسطيني المحتل، صعدت حكومة الاحتلال من قمعها للفلسطينيين في الداخل حيث اعتقلت المئات تحت ذرائع مختلفة. صاحب ذلك كله ازدياد ملحوظ في الرقابة وتجريم المحتوى الفلسطيني على المنصات الرقمية وإطلاق حملات تحريض وشيطنة ممنهجة ضد الفلسطينيين سواء على المستوى الصهيوني الرسمي أو الاجتماعي. ما الذي يفسر ضعف التحرك السياسي والاجتماعي في الداخل منذ السابع من أكتوبر مقارنة بهبة أيار؟ وكيف يمكننا كفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية من تعميق التعاون مع بعض لمساندة غزة؟
في مختبر السياسات هذا، تنضم نور جودة وكايلي برودريك إلى المضيف طارق كيني الشوا لمناقشة بعض الدروس الأساسية التي يمكن استخلاصها من مخيمات الطلاب الأمريكيين وكيف يمكننا البناء عليها بشكل أفضل لتعزيز حركة التضامن مع فلسطين والمضي قدمًا.
Skip to content