لمحة عامة
يتركز معظم النقاش الدائر حاليًا بشأن الاتفاق النووي المبرم بين إيران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا على العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. ولكن ماذا بشأن العلاقات الأمريكية-الفلسطينية بقدر ما تختلف عن العلاقات الأميركية-الإسرائيلية؟ وكيف ستتأثر بالاتفاق، إنْ تأثرت أصلًا؟ وكيف ينبغي للفلسطينيين أن يعملوا لكي يتفادوا أي تداعيات سلبية؟ يتناول مستشارو الشبكة لشؤون السياسات معين رباني وديانا بوتو وعلي أبو نعمة هذه المسائل. ورغم أن تحليلاتهم تتمايز في جوانب رئيسية، فإنهم يتفقون على أن الأمل في حدوث تحولٍ في المواقف الأمريكية تجاه فلسطين هو أملٌ ضئيل.
كيف تختلف العلاقات الأمريكية-الفلسطينية عن العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية و/أو مشاركة الولايات المتحدة في عملية السلام المحتضرة؟
معين رباني: لا أعتقد أنه يمكن التفريق بين العلاقات الأمريكية-الفلسطينية وبين العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية لأن الولايات المتحدة تدير علاقاتها بالفلسطينيين كامتدادٍ لعلاقتها بإسرائيل وليس بمعزلٍ عنها. ومشاركة الولايات المتحدة في الدبلوماسية القائمة بين إسرائيل والفلسطينيين هي أيضًا في المقام الأول امتدادٌ لعلاقتها بإسرائيل.
يعني هذا بالنسبة للفلسطينيين أنه لا يمكن التفريق بين إسرائيل والولايات المتحدة والدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية. فإسرائيل تضع جدول الأعمال، ومن ثم تقره الولايات المتحدة وتتبناه وتروج له باعتباره دبلوماسيةً أمريكية. هناك بالطبع استثناءات هنا وهناك، ولكن هذه القاعدة مثبَتة ومبرهنة. فحين يصف كبار المسؤولين الأمريكيين المتقاعدين دورَهم في هذه العلاقة باعتبارهم “محاميًا لإسرائيل” مقابل الفلسطينيين ولا سيما في سياق الدبلوماسية الإسرائيلية-الفلسطينية، فإنهم لا يقولوها كلمةً عابرة كما إنهم لا يبالغون فيها. وهو وصفٌ دقيق للواقع، كما سيقول لك كل مسؤول أمريكي متقاعد تقريبًا.
ديانا بوتو: ترتبط العلاقات الأمريكية-الفلسطينية ارتباطًا وثيقًا وحصريًا بقضية واحدة ألا وهي أمن إسرائيل. هذه العلاقة ليست بالشعب الفلسطيني ككل – لأنها لو كانت كذلك لما سعت الولايات المتحدة للحيلولة دون إعادة إعمار غزة – ولكنها ترتبط بالقيادة الفلسطينية الحالية فقط، وبالقدر الذي تحافظ فيه هذه القيادة على تعاونها الأمني مع إسرائيل، وتلتزم قولًا بعملية السلام البائدة. ويتجلى ذلك في الشروط العديدة المفروضة على المساعدات الأمريكية المقدمة للسلطة الفلسطينية، حين تحاول السلطة أن تتجاوز عملية السلام من خلال السعي، مثلًا، للارتقاء بمكانتها في الأمم المتحدة.
علي أبو نعمة: عندما نتحدث عن العلاقات الأمريكية-الفلسطينية، علينا أن نسأل أولاً: أيّ فلسطينيين؟ فإذا كنا نتحدث عن العلاقات الأمريكية بالسلطة الفلسطينية التابعة لمحمود عباس، فإننا نتحدث عن علاقة قوة عظمى بتابعها الذليل والخنوع. وفي هذا الصدد، تُدار علاقات الولايات المتحدة بسلطة عباس بوساطة إسرائيل واللوبي الإسرائيلي. وعلى سبيل المثال، تُعتبر المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية جزءًا من المساعدات الأمريكية لإسرائيل، وهي تُبرَّرُ دومًا بأن السلطة الفلسطينية تخدم إسرائيل بقمع المقاومة الفلسطينية المشروعة لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي. وأي استياء أمريكي أو إسرائيلي من سلطة عباس يستند دائمًا إلى تقييم يرى بأن السلطة الفلسطينية ليست خانعة ومتعاونة بما يكفي. ولهذا تؤدبُ إسرائيلُ السلطةَ الفلسطينيةَ بين الحين والآخر بحجز أموال السلطة وإلى غير ذلك. ولكن الشدَّ لا يصل درجةَ الكسر أبدًا، ولا يُضطَّر السلطةَ الفلسطينية إلى الانهيار لأن إسرائيل والسلطة الفلسطينية المتواطئة يعتمدان اعتمادًا متبادلًا على بعضهما.
وبالنسبة للعلاقة بين الولايات المتحدة وبين حركة حماس، طرأت بعض التطورات الأخيرة التي تشير إلى انفتاحٍ ممكن على الولايات المتحدة. وربما يكون ذلك متصلٌ بتقارب حماس والمملكة العربية السعودية، وربما يعكس محاولةً لإدخال حماس في التحالف الإقليمي الطائفي الذي تقوده السعودية. وثمة تقارير تفيد بأن المحادثات الجارية بوساطة توني بلير بين إسرائيل وحماس تحظى بمباركة الولايات المتحدة. ولا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت حماس ستقع في الفخ نفسه الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية قبل ما يزيد على عقدين من الزمن، أم أنها ستستطيع أن توظف هذا الانفتاح لإحراز مكاسب حقيقية للفلسطينيين.
أما إذا كنا نتحدث عمومًا عن علاقة الولايات المتحدة بالشعب الفلسطيني، فهي علاقة القاتل (أو شريك القاتل) بضحاياه. وليس ثمة داعٍ لتجميل هذه الصورة أو وصفها بعبارة مهذبة ومتحضرة تقبلها مجامع البحوث في واشنطن أو صحيفة نيويورك تايمز. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن الرئيس أوباما لا يزال شريكًا مباشرًا وعامدًا وراغبًا لإسرائيل في جرائمها المروعة ومجازرها، بدءًا من سرقة الأراضي في الضفة الغربية والنقب وحتى سفك الدماء في غزة. وأنا أتعمد أن أقول أوباما وليس “إدارة أوباما” لأن “الإدارة” كلمةٌ مجردة توحي بأن مؤسسات مجهولة هي من تقوم بهذه الحسابات وليس البشر. وقد سمحنا لِمن تلطخت أيديهم بالدماء بالاختباء وراء هذه المصطلحات المجردة لفترة طويلة جدا. وإذا كان أوباما سيستأثر شخصيًا بالفضل في إبرام اتفاق إيران أو إنهاء الحصار على كوبا، فينبغي أن نُرجِعَ له الفضلَ أيضًا في سفك الدماء في غزة.
لا تكتفي إدارة أوباما بدعم هذه الجرائم، بل إن أوباما يدافع عنها شخصيًا وبشدة قائلًا إنها تعكس “القيم المشتركة” بين أمريكا وإسرائيل. ولا تخفى مساعدة الولايات المتحدة، وتحديدًا إدارة أوباما، لإسرائيل في اقتراف هذه الجرائم، ولا حاجة لذكر سُبل هذه المساعدة هنا. ويكفي أن نقول إنها تشمل تسليح الإرهاب الإسرائيلي وتمويله، والإحجام عن فعل أي شيء لوقف تدفق التبرعات الأمريكية الخاصة إلى الجماعات الإرهابية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، واستخدام الثقلِ السياسي والدبلوماسي الكامل للولايات المتحدة لضمان إفلات إسرائيل من العقاب.
ما أثر اتفاق إيران، حسب توقعاتكم، على العلاقات الأمريكية-الفلسطينية؟
معين رباني: لا شيء، حيث ستظل العلاقات الأمريكية-الفلسطينية امتدادًا للدعم الأمريكي لإسرائيل وخاضعة له. وإذا أطلقت إدارة أوباما مبادرةً دبلوماسية أخرى قبل انتهاء فترتها، فإنها – كما دأبت طوال ولايتها – ستطلقها انطلاقًا من المصلحة الإسرائيلية، أو على الأقل انطلاقًا من التقييم الأمريكي لِما يصب في مصلحة إسرائيل. أمّا الحقوق والمصالح الفلسطينية فلا مكان لها على جدول أعمال واشنطن، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالدبلوماسية في الشرق الأوسط. وعمومًا، أنا لا أرى ان اتفاق إيران سيفضي إلى تعاونٍ أمريكي-إيراني استراتيجي في المنطقة. ومع ذلك، إذا تبلورت مثل هذه العلاقة في نهاية المطاف، فإن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني سيحتل في البند الأخير على جدول الأعمال، لدواعٍ أمريكيةٍ في المقام الأول، وإيرانيةٍ في المقام الثاني. فكلاهما لديه أمورٌ أهم تشغله. ومن المرجح، في الوقت ذاته، أن تعوِّض واشنطن إسرائيلَ عن اتفاق إيران على حساب فلسطين، وستحرص طهران على إظهار أنها لم تُغيِّر سياساتها الإقليمية جذريًا.
ديانا بوتو: لا أتوقع أن العلاقات الأمريكية-الفلسطينية ستتغير كثيرًا. وأعتقد أن هذه القيادة الأمريكية، لو كانت عقلانية، ستتساءل عن طبيعة علاقتها بإسرائيل عمومًا وبنتنياهو خصوصًا، فهو الذي حرَّض الولايات المتحدة على شن الحرب على العراق، حيث قال: “إنْ أزحتم صدام، ونظامَه، فأنا أضمن لكم أصداءً إيجابيةً هائلة في المنطقة“. وعلاوةً على ذلك، يتوقع المرء من حليفٍ للولايات المتحدة أن يدعم اتفاقها مع إيران، لا أن يسعى لتقوضيه كما تفعل إسرائيل. وبخلاف ذلك، لن تراوحَ العلاقاتُ الأمريكيةُ-الفلسطينية مكانها لأنها ليست مبنية على المصالح المتبادلة وإنما على مدى خضوع السلطة الفلسطينية لإسرائيل، والذي على أساسه تكافئ الولايات المتحدة السلطةَ الفلسطينية. ولن يغيِّرَ اتفاقُ إيران هذا.
علي أبو نعمة: إذا كان الإيرانيون يرون في الاتفاق وسيلةً لتجنب الحرب الأمريكية ذات الدوافع الأيديولوجية والدينية التي دمرت العراق ونثرت الويلات في المنطقة طولًا وعرضًا، فهُم وحدهم مَن يستطيع الحكم على مزايا هذا الاتفاق بالنسبة إليهم. إن رفع العقوبات التي فرضها أوباما وأتباع الولايات المتحدة في أوروبا، بدعم من إسرائيل، قد يخفف المعاناة التي لحقت بأفقر الإيرانيين. وما من شكٍ أيضًا أن بعض النخب الإيرانية ترى في رفع العقوبات فرصةً لفتح البلاد أمام رأس المال الأجنبي، وبيع الأصول العامة، وانخراط إيران انخراطًا تامًا في النيوليبرالية العالمية.
أثَّرَ اتفاق إيران في العلاقات الأمريكية-الفلسطينية بالفعل، وتمثَّل هذا التأثير في أن الرئيس أوباما وطَّدَ مشاركةَ الولايات المتحدة في الجرائم الإسرائيلية ودعمَها لها، كنوعٍ من تعويض إسرائيل واللوبي الإسرائيلي لقاءَ اعتدالهما في معارضة الجهود الأمريكية الرامية إلى إبرام الاتفاق مع إيران. تستطيع إسرائيل أن تتعايش مع اتفاق إيران، وسوف تفعل ذلك، ولكنها أجادت ابتزاز الإدارة الامريكية من أجل الحصول على المزيد من المساعدات والأسلحة. وفي هذا الصدد، يتفاخر أوباما بأن أيًا من الإدارات السابقة لم تكن أكثر سخاءً مع إسرائيل من إدارته. وأتوقع أن يوقعَ أوباما قبل مغادرة منصبه اتفاقًا يمنحُ إسرائيلَ المزيدَ من المال على مدى السنوات العشر المقبلة. وكنتيجة مباشرةٍ لتصرفات أوباما، سوف يهلك المزيد من الفلسطينيين.
كيف ينبغي للفلسطينيين – “قيادةً” ومجتمعًا مدنيًا – أن يستفيدوا من هذا الاتفاق، وعلى الأقل أن يضمنوا ألا تتبددَ حقوق الشعب الفلسطيني؟
معين رباني: لا يملك الفلسطينيون اليوم قيادةً وطنية ولا حركةً وطنية، وأعتقدُ أن دورَ ما يسمى المجتمع المدني الفلسطيني وتأثيره وقدراته مبالغٌ فيها كثيرًا. وإذا أراد الفلسطينيون أن يستفيدوا من الفرص التي يتيحها هذا الاتفاق، أو أن يمنعوا الآخرين، على الأقل، من استخدام هذا الاتفاق لإضعافهم أكثر، فإن عليهم الاعتماد على النهج ذاته المطلوب لفعل أي شيءٍ آخر يريدون إحرازَه أو منعَ حدوثه، وهذا النهج هو إحياءُ الحركة الوطنية على أساس مؤسسي شاملٍ للكافة وتحت قيادةٍ شرعية وممثِّلة وذات مصداقية، واتباع برنامجٍ وطني متسق، واستراتيجية ديناميكية تسعى أولًا لتعبئة المورد الرئيسي المتاح والأهم، ألا وهو الشعب الفلسطيني بعمومه.
الخطوةُ الضرورية الأولى في هذا الاتجاه هي إنهاءُ الانقسام بين فتح وحماس، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني تلتزم بتعزيز حق الفلسطينيين في تقرير المصير وتقدر على ذلك. ومن مقتضيات إعادة بناء المنظمة أن ينبذَ الفلسطينيون أوسلو وكلَّ ما تمثله. أمّا فكرة أن المجتمع المدني يمكن أن يكون بديلاً لحركة التحرر الوطني بدلاً من أداء دورٍ مساند لها، فهو وهمٌ خطير (يخدم نفسه في عدد من الحالات). فيتنام وجنوب أفريقيا لم تتحررا على يد المنظمات غير الحكومية والمثقفين ومجموعات التضامن (أو النشاط عبر وسائل الإعلام الاجتماعية)، وفلسطين لن تتحرر على هذا النحو أيضًا. وفي ظل غياب حركةٍ وطنية متماسكة ومنظمة، لا يستطيع الفلسطينيون تحقيقَ أي شيء، أو منعَ الآخرين من التحرك ضد حقوقهم ومصالحهم.
ديانا بوتو: هناك اعتقادٌ سائد – لا أساس له إلى حدٍ كبير حسب ظني – لدى العديد من القادة السياسيين الفلسطينيين، حيث يعتقدون أن هذا الاتفاق سيؤدي إلى استئناف عمليةٍ سياسية ترمي إلى انهاء الحكم العسكري الإسرائيلي. ولكن المشكلة تكمن في أن الولايات المتحدة لا تملك الدافع للضغط من أجل إنهاء الحكم العسكري الإسرائيلي، ولا سيما أننا نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وسواءً ضغطت الولايات المتحدة من أجل إطلاق عمليةٍ سياسية جديدة أم لم تضغط، ينبغي للقيادة الفلسطينية أن تتبنى أساليب جديدة لمحاسبة إسرائيل عبر الضغط من أجل مقاطعتها وفرض العقوبات عليها وسحب الاستثمارات منها، ومساءلتها بموجب القانون عن أفعالها. وينبغي للفاعلين السياسيين أن يؤكدوا أن حقوقنا لا تقبل التفاوض، وأن يستحدثوا آليات بديلة لتقليل اعتماد السلطة الفلسطينية على التمويل الأجنبي.
علي أبو نعمة: لا أعتقد أنهم يملكون النفوذ أو القدرة على التأثير في الاتفاق مباشرةً، سواءً من خلال معارضته أو مؤازرته ومناصرته، ولا ينبغي لهم ذلك، لأن الاتفاق لا يخصهم. بل ينبغي أن يواصلَ الفلسطينيون العملَ في المحافل كافة لعزل إسرائيلَ كنظام عنصري استعماري استيطاني. وتظل المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات هي وسيلتهم الأنجع في تحقيق ذلك منذ سنوات.
الآراء الفردية لأعضاء الشبكة لا تعبر بالضرورة عن رأي المنظمة ككل.