Article - Sudden change in leadership: health

سوف تتباين تداعيات إحياء منظمة التحرير الفلسطينية على قطاع الصحة الفلسطيني تباينًا واسعًا تبعًا لسبب إحيائها، والجهات الفاعلة المشاركة، واستجابة المجتمع الدولي، وذلك لأن منظمة التحرير، بوضعها الراهن، باتت منضوية تحت مظلة السلطة الفلسطينية. وطالما استمر هذا الترتيب، فسيستمر الوضع الراهن أيضًا، حيث لن يكون لأجندة منظمة التحرير سوى تأثيرٍ ضئيل، إنْ وُجِد، على قطاع الصحة.

إحياء منظمة التحرير الفلسطينية في ظل الوضع الراهن

لن يكون إحياءُ منظمة التحرير الفلسطينية ممكنًا في ظل قيادة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أو دائرته المقربة، ولذلك سيستلزم إمّا تغييرًا في قيادة السلطة من خلال انتخابات ديمقراطية – بما في ذلك من داخل فتح – وإمّا تعبئةً فلسطينية جماهيرية تطالب بقيادة ممثِّلة وشرعية ملتزمة بالتحرير. وفي كلتا الحالتين، يُرجح أن يستتبعَ إحياءُ المنظمةِ فترةً انتقالية ذات تأثيرات سلبية على صحة الفلسطينيين، ولا سيما إذا اقترنَ ذلك بتراجعٍ في المساعدات الخارجية.

بغض النظر عن كيفية إحياء منظمة التحرير، فإن رد الفعل الأولي للمجتمع الدولي سيكون متحفِّظًا على الأرجح، وسيُفضي إلى قرارات ذات آثار سلبية على قطاع الصحة، بل إن الإعفاء السنوي الأمريكي في علاقة الولايات المتحدة مع منظمة التحرير الفلسطينية يعتمد على أهواء النظام الحاكم. ففي عام 2018، مثلًا، أغلقت إدارة ترامب مكتب منظمة التحرير في واشنطن العاصمة. ومع أن جو بايدن، خليفة ترامب، تعهَّدَ بإعادة فتح المكتب، إلا أنه لم يفِ بتعهده حتى الآن بعد انقضاء عامين من ولايته.

يُظهر هذا إحجامَ المانحين عن العودة إلى التعامل مع منظمة التحرير. وإذا استعادت منظمة التحرير مكانتها كممثل الشعب الفلسطيني كافة، فإن من المحتمل جدًا أن يقوم جزءٌ كبير من المجتمع الدولي، ولو مؤقتًا على الأقل، بخفض التمويل المقدم للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها أو إيقافه، حيث إنها بمثابة مقدم الخدمات لمنظمة التحرير بحكم الواقع. وستزيد أرجحية ذلك إذا عاودت المنظمةُ إدراج الكفاح المسلح ضمن أساليبها. إن قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية سوف يُعطل عمل وزارة الصحة في الضفة الغربية، وسيُفضي إلى نتائجَ في قطاع الصحة مماثلةٍ لِما سينتج عن انهيار السلطة الفلسطينية.

مع وجود حماس خارج منظمة التحرير الفلسطينية في الوقت الحالي، فإن من غير المعروف ما ستعنيه منظمة التحرير المعاد إحياؤها بالنسبة إلى الرعاية الصحية في غزة. وإذا قام مانحون مثل قطر – التي تدعم حماس ماليًا وتدعم المنظمة معنويًا – بتعليق التمويل أو خفضه، فإن القطاع الصحي سيتأثر بشدة في غزة الخاضعة لسيطرة حماس. وقد تواجه الوكالات الإنسانية الدولية أيضًا نقصًا في التمويل إذا نُظر إليها على أنها متعاونة مع منظمة مصنفة “كإرهابية” وهذا سيهدد هذا المصدر المحتمل لتمويل السلطة الفلسطينية.

قد تُصنِّف إسرائيلُ منظماتٍ فلسطينيةً محلية ذات علاقة بالقطاع الصحي على أنها مجموعات إرهابية، كما فعلت مع مؤسسة لجان العمل الصحي الفلسطينية في عام 2021. وهذا من شأنه أن يحدّ قدرتها على العمل داخل الضفة الغربية وغزة، وقد يؤثر في حظوظها في تلقي التبرعات من المانحين الأجانب. وختامًا، ستواجه المنظمات الصحية المرتبطة مباشرة بمنظمة التحرير، مثل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، حالةً من عدم اليقين الداخلي. فإذا واجهت السلطة الفلسطينية أزمةً مالية، يصبح من المحتمل أن يواجه الهلال الأحمر نقصًا كبيرًا في التمويل، إذ إن الصندوق الوطني الفلسطيني يوفر حوالي 27% من تمويل الهلال الأحمر. واعتمادًا على الاستقبال العالمي لمنظمة التحرير الفلسطينية المعاد إحياؤها، قد يُعلِّق المانحون الدوليون تمويلهم للمنظمات التابعة لمنظمة التحرير أو يخفضوه، الأمر الذي سيخلق تحديات إضافية.

فوائد محتملة

يمكن أن يؤدي إحياءُ منظمة التحرير الفلسطينية إلى تنشيط جهود التحرير الشعبية في الضفة الغربية وغزة وأراضي 1948 والشتات، ما سيكون له آثار إيجابية على الصحة في المدى البعيد، وذلك لأن المنظمة أُسِّست لتكون “الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني… في كافة أماكن تواجده،” على عكس السلطة الفلسطينية التي أُنشئت كهيئة إدارية ذات ولاية مقصورة على الضفة الغربية وغزة.

إن عمليةَ إصلاح منظمة التحرير لكي تكون تلك الهيئة الممثلة حقًا هي مهمةٌ شاقة وصعبة. ولكن لو افترضنا حدوث مثل هذا التحول، فإن العديد من الجهود التي يقودها المجتمع المحلي للتصدي لمشاكل قطاعات الصحة والتعليم والزراعة وغيرها يمكن تفعيلها بعد سنوات من استيعابها في هياكل السلطة الفلسطينية المتزمتة والتي أُنشئت لتحاكي المؤسسات الغربية بالدول المانحة الممولة لها. ويمكن إعادة بناء هذه المؤسسات في ظل منظمة التحرير بعد إصلاحها، حتى بوجود تمويل دولي أقل، تلبيةً لاحتياجات الفلسطينيين عن كثب وسعيًا لوضع أجندةٍ للتحرير.

سوف تقتضي أجندة التحرير التي تقودها منظمة التحرير المعاد إحياؤها تحقيقَ هدفين في قطاع الصحة: أولاً، بناء نظام صحي ذي قيادة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة يكون شاملاً ومتجاوبًا وقائمًا على الأدلة ومتعدد الجوانب – نظام يتصدى للمخاطر الفريدة التي تطال الفلسطينيين بدنيًا ونفسيًا. سيشمل عمل هذا النظام التركيزَ على الصحةِ الوقائية والشاملة، وإصلاحَ منظومة التعليم الطبي بالكامل، ونهجًا مبتكرًا لتقديم الخدمات يحرصُ على توفير الخدمات الصحية للفلسطينيين كافة. ومع ذلك، ستكون هذه المهمة صعبةً إذا انقطع تمويل المانحين الدوليين، وقد يصبح توفير الرعاية الصحية أمرًا بالغ الصعوبة تبعًا للقيود التي تفرضها إسرائيل.

أمّا الهدف الثاني فعليه أن يركز على صحة الفلسطينيين ورفاههم كأحد عناصر الدعوة إلى التحرير التي يشارك فيها المجتمع الدولي، بمن فيه الفلسطينيون خارج فلسطين المستعمرة. وسيتعين على منظمة التحرير المُعاد إحياؤها أن تتعاملَ مع الرعاية الصحية كحقٍ من حقوق الإنسان التي حُرِمها الفلسطينيون منذ فترة طويلة بأساليب عديدة، وليس كنتيجة من نتائج العمل العسكري أو التقاعس الإنساني. وهكذا ستخضع مبادرات الصحة الخارجية لإشراف فلسطيني، وسوف تُنبَذ الجهود غير المستدامة التي لا تراعي التجارب الاجتماعية والسياسية للفلسطينيين، أو التي تُمكِّن إسرائيل من ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان، أو التي لا تبني قدرات طويلة الأجل في الضفة الغربية وغزة.

ختامًا، إن إحياءَ منظمة التحرير يمكن أن يحوِّل الضمير العالمي تجاه فلسطين والفلسطينيين، ليس من جانب المجتمع الدولي وحسب، وإنما في أوساط المجتمعات الفلسطينية نفسها داخل فلسطين المستعمرة وفي الشتات. إن الاعتراف بالقضية الفلسطينية، ليس فقط كصراع طال أجله أو مأساةٍ إنسانية، بل كقضية تحرر وعدالة، يتيح الفرصة لإنشاء نظام صحي متحرر من الاستعمار حقًا – نظام بوسعه أن يكون نموذجًا للشعوب المضطهدةِ الأخرى.

الدكتورة يارا عاصي أستاذةٌ مساعدة في جامعة سنترال فلوريدا في قسم الإدارة والمعلوماتية الصحية. تركز في بحوثها على الصحة العامة وحقوق الإنسان والتنمية في أوساط...
إن عمليةَ إصلاح منظمة التحرير لكي تكون الهيئة الممثلة حقًا هي مهمةٌ شاقة وصعبة. ولكن لو افترضنا حدوث مثل هذا التحول، فإن العديد من الجهود التي يقودها المجتمع المحلي للتصدي لمشاكل قطاع الصحة يمكن تفعيلها بعد سنوات من استيعابها في هياكل السلطة الفلسطينية المتزمتة.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
 المجتمع المدني
عكف الفلسطينيون منذ زمن على تأسيس اقتصاد مقاوم في إطار كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني الاستيطاني. وتُعدُّ السيادة الغذائية اليوم امتدادًا طبيعيًّا لهذا النوع من المقاومة، حيث ترتكز إلى مبادئ الاكتفاء الذاتي الزراعي المُتبعة على مرِّ تاريخ الثورة الفلسطينية. يتتبع فتحي نمر في هذا الموجز السياساتي نشأةَ السيادة الغذائية والتحديات التي يواجهها الفلسطينيون اليوم في تفعيلها على الأرض. ويرى أن ذلك سيساعد في تأطير الاقتصاد المقاوم ضمن سياق أنسب، وفي تمهيد الطريق نحو نظامٍ اقتصادي أشد مماحكةً.
Al-Shabaka Fathi Nimer
فتحي نمر· 27 أغسطس 2024
Skip to content