A New Intifada: Economy

اندلعت الانتفاضة الأولى في 1987 ضمن نظامٍ اقتصادي يقوم على التكافل الاقتصادي المحلي الذي ساعد الفلسطينيين في مقاومة هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي. وفي بدايات الانتفاضة، انتشرت اللجان الشعبية انتشارًا لامركزيًا، وأمّنت التضامن الشعبي وقدمت الخدمات التربوية والتعليمية للطلاب أثناء إغلاق المدارس، ووفرت رؤيةً إنمائية بديلة. فقد أسهمَ نظام استئجار الأراضي، القائم على مشاركة المنتجات، في توفير الأراضي للتنمية الزراعية. وأسهمَ الاكتفاء الذاتي والعودة إلى الأرض والزراعة والأمن الغذائي في بناء هيكل اقتصادي مستقل وفي الصمود الاقتصادي للشعب الفلسطيني. عملت الاتحادات العمالية أيضًا كقاعدة للتنظيم والعمل الحِراكي. وانصب تركيزها على المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي باعتباره الشغل الشاغل للشعب الفلسطيني بمن فيه العمال.
غير أن انتهاء الانتفاضة، وتوقيع اتفاقات أوسلو في 1993، والمعايير التي اعتمدتها السلطة الفلسطينية جعلت من عودة هذا النموذج الاقتصادي أمرًا مستبعدًا في حال نشوب انتفاضة جديدة. فقولبة عمل المجتمع المدني الفلسطيني ضمن قالب المنظمات غير الحكومية في الضفة الغربية وغزة استبدل التنظيم الشعبي بمنظمات ذات صبغة مهنية مضطرة للتنافس فيما بينها للحصول على التمويل من مجتمع المانحين الدولي كي تضمن بقاءها. وهكذا أمست التعاونيات والجمعيات التي كانت مزدهرةً ذات يوم خاضعةً لرقابة حكومية حثيثة بفعل مرسوم أصدرته السلطة الفلسطينية في 2017 يقيد استقلالها ويُسند صلاحيات أوسع لممثلي الوزارة للتدخل في شؤونها.

وفي ظل هذه التحديات، يغدو تكرار تجربة الاقتصاد المقاوم كما في الانتفاضة الأولى أمرًا غير واقعي. وما لم يتم تفكيك السلطة الفلسطينية ويُعاد هيكلة حركة التحرر الوطني (أو إحياء منظمة التحرير الفلسطينية)، فإن الانتفاضة الفلسطينية الجديدة ستتخذ شكل هبَّات متقطعة. وفي هذا السياق، يمكن وضع بديل للاقتصاد المقاوم الموحد ينطوي على اقتصادات شعبية محلية متعددة تقاطع البضائع الإسرائيلية وتُشجع الإنتاج الجماعي.

ولا بد من استيفاء أربعة شروط لاستمرار هذه الاقتصادات الشعبية وضمان قدرتها على التطور. الشرط الأول هو الثقة ويمكن بناؤها من خلال الديمقراطية والاستقلالية والشفافية. والثاني هو رأس المال الاجتماعي، والذي يتحقق عندما تتبنى مجموعة من الناس الاهتمامات والأهداف ذاتها. أمّا الثالث فهو القدرة والاستطاعة والاستعداد لمواجهة المعوقات والاعتداءات. والشرط الرابع هو إيجاد هيكل يوحِّد جهود هذه الاقتصادات الشعبية، ويحولها إلى نضال وطني ضد هيمنة النظام النيوليبرالي ونحو تحقيق الاقتصاد المقاوم.

يمكن لمفهوم الاقتصاد المحلي المقاوم أن يوحِّدَ المجتمعات في إطار المقاومة الجماعية. غير أن سدّ الفجوة بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمعات المختلفة وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة يتطلب إطارَ عمل أكبر. وبالنظر إلى ضعف الفصائل السياسية الفلسطينية وضعف معظم منظمات المجتمع المدني الممولة من المانحين، فإن جهود الموالفة بين المجموعات المحلية ضمن حركة سياسية قوية ليست واضحة. وفي المقابل، تُعدُّ الاتحادات العمالية إطارًا أوليًا محتملاً لهذا العمل الجماعي والمقاومة لأنها تمثل مجموعةً ذات شواغل مشتركة وتدافع عن حقوق العمال بالتوازي مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، لا بد من التصدي أكثر لمسألة الديمقراطية بين الاتحادات العمالية في الضفة الغربية وغزة.

في الاقتصاد المقاوم، لا بد للفلسطينيين من مقاطعة المنتجات الإسرائيلية وجميع أشكال التعاون مع الإسرائيليين. ومع أن ذلك قد يعود بالضرر على بعض القطاعات، إلا أن بإمكانه أن يقوِّض الاعتماد على الاقتصاد الإسرائيلي. قد يقاوم النخب النيوليبراليون هذا الإطار، وسيحاولون إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الإسرائيلية. وهنا يأتي دور إشراك الاتحادات العمالية ونشر الديمقراطية فيها من أجل مراقبة أنشطة هؤلاء وتحدي سلطتهم.

العضو السياساتي للشبكة طارق صادق، لاجئ فلسطيني من قرية مجدل الصادق قضاء يافا، ويسكن حاليا في رام الله. حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد عام...
يمكن لمفهوم الاقتصاد المحلي المقاوم أن يوحِّدَ المجتمعات في إطار المقاومة الجماعية. غير أن سدّ الفجوة بين مختلف الجهات الفاعلة في المجتمعات المختلفة وعبر الطبقات الاجتماعية المختلفة يتطلب إطارَ عمل أكبر.
في هذه المقالة

أحدث المنشورات

منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد عن 40,000 فلسطيني في غزة، وجرحت 100,000 آخرين، وشرَّدت كامل سكان المنطقة المحتلة تقريبًا. وفي ذات الوقت شرَعَ النظام الإسرائيلي في أكبر اجتياح للضفة الغربية منذ الانتفاضة الثانية مما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 600 فلسطيني واعتقال 10,900 آخرين. كما وسعت إسرائيل نطاق هجومها الإبادي الجماعي في لبنان، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على ألف شخص ونزوح أكثر من مليون آخرين. يسلط هذا المحور السياساتي الضوء على مساعي الشبكة في الاستجابة لهذه التطورات على مدار العام الماضي، من وضع أحداث السابع من أكتوبر في سياق أوسع للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، إلى استجواب آلة الحرب الإسرائيلية متعددة الأوجه، إلى تقييم العلاقات الإقليمية المتغيرة بسرعة. هذه المجموعة من الأعمال تعكس جهد الشبكة المستمر في تقديم رؤية فورية للوضع الفلسطيني.
لا تنفك شركات الأسلحة البريطانية تتربّح من بيع الأسلحة لإسرائيل من خلال التراخيص الصادرة من الحكومة البريطانية، حيث بلغ إجمالي هذه الصادرات منذ العام 2008 ما يقدر بنحو 740 مليون دولار، وهي ما تزال مستمرة حتى في ظل الإبادة الجماعية الجارية في غزة. يشعر البعض بتفاؤل حذر إزاء احتمال فرض حظر على الأسلحة بعد فوز حزب العمال في انتخابات يوليو/تموز 2024، وبعدَ أن وعدَ بالانسجام مع القانون الدولي. في سبتمبر/أيلول 2024، علقت الحكومة البريطانية 30 ترخيصاً من أصل 350 ترخيصاً لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل. ويرى الناشطون وجماعات حقوق الإنسان أن مثل هذا القرار محدود للغاية. وبناء على ذلك، تُفصِّل هذه المذكرة السياساتية الالتزامات القانونية الدولية الواقعة على عاتق بريطانيا وكذلك المناورات الحكومية الممكنة فيما يتصل بمبيعات الأسلحة لإسرائيل.
شهد الحموري· 15 سبتمبر 2024
في مختبر السياسات هذا، تنضم الينا ريتا أبو غوش وصالح حجازي مع الميسّر فتحي نمر لمناقشة التضامن التاريخي بين الجنوب العالمي والقضية الفلسطينية وسبل تطويرها.
Al-Shabaka Fathi Nimer
صالح حجازي،فتحي نمر· 11 سبتمبر 2024
Skip to content